الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكراها إن لم تشأ فخير لك أن تحفر الأرض بأظافرك، وأن تتردى فيها ثم ارطم رأسك بالحجارة حتي يخرج من دماغك ذلك المخ الذي كان سبب شقائك وأصل بلائك".
وقد أخرجت مدرسة الجريدة جيلاً من الكتاب عرف فيما بعد بحزب الأحرار الدستوريين وانطوى تحت لوائه في هذه المفاهيم طه حسين ومحمد حسين هيكل ومحمود عزمي وعلي عبد الرازق، وقد تمددت هذه الأفكار في هؤلاء مقاومة للوحدة الإسلامية وللعروبة وقبول الاحتلال والتفاهم معه وقصر التعليم على أبناء البيوتات وحدهم والولاء للفكر الغربي والفلسفة اليونانية والديمقراطية الليبرالية الغربية.
*
لطفي السيد وترجمة مؤلفات أرسطو:
رحم الله الشافعي إذ يقول: "إنما فسد العرب لما تركوا الفطرة واتبعوا
لسان أرسطوطاليس".
" لم يكن أرسطو معلمًا للمسلمين ".
يقول الأستاذ أنور الجندي:
كان الأستاذ أحمد لطفي السيد (أستاذ الجيل) هو أول من ترجم فلسفة أرسطو بترجمة كتاب "الأخلاق" إلى العربية عن الترجمة الفرنسية التي قام بها من اليونانية (بارتلي سلنهيار) كمنطلق لتيار جديد أراد به (التغريب) إدخال الفكر الفلسفي اليوناني إلى الأدب العربي الحديث من طريق شخصية لامعة مثل (أرسطوطاليس) وكانت تلك خطة خطيرة غاية الخطورة، ذلك أن العرب والمسلمون في العصر العباسي عندما ترجمت الفلسفة اليونانية رفضوا أرسطو وهاجموه، وكُشف زيفُ منهجه وأنشأوا المنهج العلمي التجريبي الذي تبناه روجر بيكون وكانَ أول خطوات الغرب نحو التجريد بعد التبعية لعصر التأمل الذي كان سمة الفكر الإغريقي، وهكذا نجد أن الغرب أخذ مَن
المسلمين المنهج التجريبي في أول عصر النهضة، ثم جاء فأعطى المسلمين منهج أرسطو في أول عصر النهضة العربية على يد لطفي السيد في مقدمة ترجمة كتاب "الأخلاق".
والسؤال هو: هل حقًا كان لطفي السيد أستاذ الجيل صادقًا فيما قال وفيما دعا إليه العرب والمسلمين من اتخاذ أرسطو منطلقًا إلى النهضة الجديدة، وقد مضت كتاباته وكتابات طه حسين وغيره من بعده دعوة ملحة إلى هذا الطريق. أم أن الأمر كان فيه شبهة وخدعة؟!.
وهل كان حقًا (أرسطو) هو منطلق الحضارة الغربية في عصر النهضة وما بعدها، أم أن أول عمل قامت به النهضة هو نقض أرسطو وتزييفه، والحملة على منهجه واعتبار منهجه هو عامل التجميد الذي عاش فيه الغرب معتقلاً قرونًا حتى جاء نور الفجر مع منهج التجريب الإسلامي الذي أطلق الطاقات إلى عصر العلم الحديث، ندع هذا للباحثين، لقد كان علماء المسلمين انطلاقًا من القرآن هم الذين أنشأوا المنهج العلمي التجريبي الذي كان أول حجر في بناء الحضارة والعلم بشهادة:
دراير وبريفولت وجوستاف لوبون في القديم، وسارتون وهونكه وغيرهم في العصر الحديث ومن أهم الكتب في هذا الشأن كتاب هونكه "شمس الله تشرق على الغرب" وكتاب "أوربا ولدت في آسيا".
إذن فلم يكن لطفي السيد صادقًا في دعواه ولم يكن عميد الأدب العربي طه حسين أمينًا حين نقل إلينا هذا المعنى، ذلك أن المسلمين نقدوا أرسطو أولاً (في القرن الرابع الهجري)، ثم جاء الأوربيون فنقدوه ورفضوه فى القرن (الخامس عشر الميلادى)، واستعملوا أسلوب المسلمين في نقده، والتمسوا منهج المسلمين الذي دفعهم إلى ذروة الحضارة والعلم والتكنولوجيا الآن.
إذن فلماذا هذا التعارض. يُسأل عن هذا الاستشراق والاستعمار، ذلك بأنهم على حد تعبير الدكتور محمود قاسم: نقلوا المسلمين إلى أرسطو ونقلوا أنفسهم إلى منهج المسلمين (جابر وابن الهيثم والبيروني).
ذلك أن أرسطو هو الذي سيضع المسلمين مرة أخرى داخل القوقعية المنطقية التأملية ويحرمهم من ثمرات منهج التجريب الذي أنشاه دعاة الغرب.
وهكذا نجد أن هذا المنطلق على يد لطفي السيد وطه حسين وجماعة من أتباعهم يتسع ويمتد حتى يقرر: أن العرب خضعوا لمنهج اليونان وأرسطو في القديم ولما كان الفكر الحديث هو ثمرة فكر اليونان فإن تبعية المسلمين والعرب له لا يعد شيئًا غريبًا ولا جديدًا؛ لأنهم كانوا تابعين لليونان من قبل فلا عجب أن يتبعوا ما جدده أحفاد اليونان، لم يكن أستاذ الجيل صادقًا إذن ولم يكن الدكتور طه حسين صادقًا في هذا، فإن المسلمين لم يقبلوا أرسطو ولم يعتنقوا فكر اليونان وإنما العكس هو الصحيح، ذلك أنهم قاوموه ونقدوه وأبانوا عن وجوه الخلاف العميق بينه وبين منطق القرآن وتصدى كثيرون منهم لهذا وفي مقدمتهم الشافعي وابن حنبل والغزالي وابن تيمية.
وقد أثبت الشيخ مصطفى عبد الرازق وأبو ريدة والنشار أن المنطق الأرسطوطاليسي هو منهج الحضارة والفكر اليوناني لم يقبل في المدارس العقلية الإسلامية، وأن المنهج التجريبي الإسلامي هو الذي عرفته أوربا بعد قرون من مطلع حضارتها الحديثة لمباينته للحضارة اليونانية، وأن اكتشاف وجود هذا المنهج لدى المسلمين يفسر روح الحضارة الإسلامية، فالحضارة الإسلامية حضارة عملية تجريبية تتجه إلى تحقيق الفعل الإنساني في ضوء نظرية حية ملموسة. كذلك، فقد كشفت الأبحاث المتعددة عن اضطراب خطير في المراجع التي اعتمد عليها الفارابي وباعتراف الدكتور محمد عبد الرحمن
مرحبا: "أن الفكر الذي نقل إلى المسلمين من اليونان والإغريق لم يكن صحيح الأصول بل كانت صورة زائفة دخلت عليها مفاهيم السريانية والنساطرة المترجمين وعقائدهم، وكانت تهدف إلى خدمة مفاهيم دينية، ومن هنا كان فسادها في أن تعطي الفكر الإسلامي شيئًا، ومن ناحية أخرى فقد تبين أن المقاومة للفلسفة اليونانية ومذهب أرسطو بالذات قد بدأت منذ أن تمت الترجمة، وأن المعارضة بدأت منذ اليوم الأول، ذلك أن الفكر الإسلامي كان قد تم تشكيله قبل الترجمة على أساس قيمه القرآنية من التوحيد والأخلاق، ومن الربط بين الوحي والعقل، ولذلك فإنه كان من العسير أن تنصهر فيه الفلسفة اليونانية أو ينصهر فيها، خاصة وهي فلسفة مجتمع وثني قام على العبودية وإعلاء الشهوات وعبادة الجسد فضلاً عن أن محاذير الترجمة من فساد وانتحال وتحريف نصوص وإن كانت طائفة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم المشائين قاموا بمحاولة شاقة وعسيرة لإدخال الفلسفة اليونانية في إطار الإسلام ولكن المحاولة فشلت تمامًا، وكانت وقفة الإمام الغزالي في وجه الفلسفة اليونانية وقفة صارمة ردت السهم إلى صدور أصحابه فقد كشف عن الفرق بين الفلسفة الرياضية والطبيعية وبين الفلسفة الإلهية ورفض الأخيرة؛ لأنها متعارضة مع التوحيد وأعلن أن الكلام في الطبيعيات برهاني، أما في الإلهيات فهو تخميني. وفي الفلسفة الإلهية عارض الغزالي القضايا الكبرى الثلاث التي تقرها الفلسفة اليونانية وتختلف مع مفهوم الإسلام:
1 -
ما يقولون به من قدم العالم.
2 -
وأن الله (جل وعلا) لا يحيط علمًا بالجزئيات.
3 -
وإنكارهم البعث، وهاجم الفلاسفة الذين جحدوا الصانع أو زعموا أن العالم قديم كالدهرية والزنادقة، والذين قالوا: أن النفس تموت ولا تعود ومن أنكروا الأخرة.
ويقول الدكتور النشار: أن المنطق الأرسطاليسي قد نقل إلى العالم الإسلامي وأثر فقط في المدرسة المشائية الإسلامية وبقيت المدارس الأخرى المنبثقة عن النظام الإسلامي بعيدة كل البعد عنه، تحاربه وتجاهده، وكانت قد وضعت منطقا مختلفًا تمام الأختلاف في روحه وجزئياته.
وقد وصل علماؤنا في مجال البحث من منهج أرسطو إلى حقيقة أساسية هي أن: منطق أرسطو يعبر تعبيرًا دقيقًا عن المجتمع اليوناني العبودي المنقسم إلى سادة يتأملون وعبيد يعملون، السادة هم الصورة والعبيد هم المادة، ولكن المجتمع الإسلامي يختلف عن المجتمع اليوناني اختلافًا كبيرًا تقوم دولته على الأخوة والمساواة وتنطلق من نقطة النظر في السموات والأرض والعمل والكسب والسعي والتجريب.
ومن هنا اختلف منهج المجتمع الإسلامي عن مجتمع اليونان من جملة جوانب أهمها:
التوحيد وإلغاء العبودية والممارسة في مجال العلم، وبذلك بدأ ذلك التعارض الواضح العميق بين مجتمع ومجتمع وفكر وفكر خرج الفكر الإسلامي من الطبقة الأرسطية التي ترى أن العلم لا يكون إلا بالكلي أما العلم الجزئي فليس علمًا، فتقدم الفكر الإسلامي فحطم هذه القاعدة.
وقد صور كثير من الباحثين أثر منهج أرسطو فوصفه الدكتور محمود قاسم بأنه كان منهجًا عقيمًا، وأنه ضلل كثيرًا من مفكري العرب، ثم وقف حائلاً دون ازدهار الحضارة العربية، ويرجع عقمه إلى أنه كان خلوًا من الخيال، وأنه كان أكثر اهتمامًا بالقضايا العامة المجردة منه لدراسة التفاصيل والجزئيات، يستدل على صدق دعوانا وتواضعها بتاريخ النهضة الأوربية، فإنها لم تتحرر من الجمود الذي فرضه عليها منهج اليونان إلا بعد أن عرفت مناهج العرب في العلم والفلسفة ولنا أن نستشهد برنيان نفسه، ذلك أنه
يصف (روجر بيكون) بأنه الأمير الحقيقي للفكر الأوربي في القرن الثالث، ويجب أن تعلم كيف جاءته إمارة الفكر، إذ ليس في هذا المجال خلق من العدم ومن اليسير أن نكتشف سر أصالته إذا نحن بينا أنه أول من نادى بمهاجمة المنهج الأرسطاطاليسي في أوربا ودعا إلى اصطناع نهج العرب فهو يأخذ على معاصريه بأنهم يصبون لعناتهم على الرياضة من أنه من الممكن أن يبرهن بالرياضة على كل ما هو ضروري لفهم الطبيعة ولولا الرياضة لاستحال علينا أن نعرف أشياء هذا العالم معرفة صحيحة تعود علينا بالنفع في الأمور الإنسانية والأمور الدينية أيضًا، كذلك يأخذ عليهم الانصراف عن استخدام الملاحظات والتجارب مع أن الطبيعة لا تكشف أسرارها إلا بدراسة الأمور الجزئية حتى تصعد بنا إلى القوانين الكلية".
وهكذا انتصر المنهج الإسلامي على المنهج الأرسطي وحطمه في عقر داره بعد أن حطمه في مجال الفكر الإسلامي نفسه.
فإذا أردنا أن نتبين فكر أرسطو وجدناه يقول بالنظام العبودي اليوناني ويرى أن (نظام الرق) هو أصلح نظام للبشرية وأن العبد إذا تحرر من عبوديته فهو عبد والأمير إذا استعبد فهو أمير، ومفهومه لله تبارك وتعالى ناقص وضال وماديته في التفكير بكونه أساس المذهب المادي واضح لا شبهة فيه، ولذلك فقد كان لا بد أن يصحح الفكر الإسلامي موقفه من أرسطو وفلسفته وخير ما يذكر في ذلك ما كتبه الإمام الجليل ابن تيمية في كتابه "منطق القرآن في مواجهة منطق أرسطو".
يقول أحد الباحثين: أن لطفي السيد هو أول من ضرب وحدة الفكر العربي الإسلامي وقسمه إلى تيارين: قومي وديني وسارت الأحزاب المصرية المنبثقة من حزب الأمة (الوفد، الأحرار الدستوريين) على نفس الطريق الذي رسمه كرومر ونفذه لطفي السيد، والذي كان سعد زغلول أكثر إيمانًا به، وقد