الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حزب الأمة (الإنجليزي) ومفكره ومُنَظِّره لطفي السيد:
معلوم أن هذا الحزب من صنع كرومر، وتولى لطفي السيد قيادة فكره وصحيفته " الجريدة " وهو الذي احتضن الدعوة إلى تحرير المرأة، فكان لطفي السيد في مقدمة المروّجين لها على صفحات جريدة "الجريدة" وهي لسان الحزب المذكور. ومن المعروف أن أعضاء حزب الأمة الذين أطلق الإنجليز عليهم اسم "الرجال المعتدلون"؛ لأنهم حاربوا مصطفى كامل وناوؤه؛ لأنه جعل مبدأه في مقاومة الاستعمار يقوم على أساس الجلاء ووحدة وادي النيل، ووصفوه بالرجل العنيف .. وكفى حزب الأمة خزيًا وهوانًا وذلاً أن كان من زعمائه الهلباوي "جلَاّد دنشواي" وفتحي زغلول شقيق سعد زغلول وعضو المحكمة المخصوصة التي حكمت بما حكمت به في دنشواي والذي قال فيه أحمد شوقي:
إِذا ما جمعتم أمركم وهممتمُ
…
بتقديم شيء للوكيل ثمين
خذوا حبل مشنوق بغير جريرةٍ
…
وسروال مسجون وقيد سجينِ
ولا تقرءوا شعري عليه فحسبه
…
من الشعر حكم خطّه بيمينِ
ولا تنشروه في شبرد (1) بل انشروا
…
على ملأٍ في دنشواى حزين
*
الحملة علي اللغة العربية، الفصحى والدعوة إِلى العامية:
كانت حملة لطفي السيد على اللغة العربية الفصحى هي أخطر الأعمال التي قام بها والتي دفعته بالتبعية؛ لأن يواصل الخطة التي بدأها الاستعمار البريطاني بقيادة ولكوكس وقد كانت محاولته ماكرة خبيثة بدأها في 1899
(1) حيث أقيم حفل في شبرد لترقية أحمد فتحي زغلول وكيلاً لوزارة الحقانية بأمر من اللورد كرومر مكافأة له على حكمه في دنشواي على فلاحي دنشواي بالشنق والسجن والجلد.
وكان ممثل الاتهام إبراهيم الهلباوي.
في مجلة الموسوعات حيث ادعى أن اللغة العربية أصبح تعلمها أبعد منالاً من تعلم اللغات الأجنبية، ودعا إلى تسكين حروف الهجاء وفك الإدغام، وإهمال الشكل، وسخر من هذه الضوابط كلها، ثم وسع نطاق الدعوة عام 1913 في جريدة الجريدة فكتب أكثر من سبع مقالات (إبريل- ومايو 1913) وهو في هذه الحملة كان خادعًا فهو لم يفاجئ القارئ بالحملة على اللغة العربية (وكذلك خصوم اللغة العربية يفعلون ذلك فلا يكشفون عن خصومتهم) بل يصدرون عن غيرة مفتعلة تدعوهم إلى ادعاء الحافظة عليها حين يوجهون سمومهم وهو لم يدع إلى ترك الكتابة بالفصحى إلى العامية بل تسلل إلى ذلك بطريقة فيها كثير من المكر والمداورة وكانت دعوته إلى إدخال الكلمات الأجنبية (الأتومبيل والبسكلت والجاكته والبنطلون وغيرها) إلى اللغة العربية، وقال: أنها دخلت اللغة فعلاً وأننا لا نستطيع أن نضع لها ولا لغيرها من المسميات الجديدة أسماء جديدة.
وقال: الأسماء الجديدة ما لها لو أخذناها (زي ماهية).
وقال: أن اللغة ملك للأمة وللكتاب الحرية في الزيادة عليها بأساليب جديدة وألفاظ جديدة، وأنه لا حرج على الكاتب أو المترجم أن يستعمل من الألفاظ ما شاء لما شاء من المعاني، ويقول: نريد أن لا نذر (اللغة العامية) أو لغة الشعب تموت بإبعاد عربيتها وفصيحها عن عالم الكتابة والعلم ونريد أن نرفع لغة العامة إلى الاستعمال الكتابي وننزل بالضروري من اللغة المكتوبة إلى ميدان التخاطب والتعامل، وقال: إن العامية وأسماها لغة، لها مشخصات ثابتة تحددها من جميع الجهات وتجعلها مميزة تميزًا تامًا ودعا إلى استعمال العامية في الكتابة.
وقال: إن كل الحروف تكون ساكنة ولا تتحرك إلا بحروف العلة".
هذه هي المؤامرة التي حمل لواءها لطفي السيد الذي اختير بعد ذلك
رئيسًا لمجمع اللغة العربية وقد عاشت هذه الأفكار قائمة في حياته وفكره بل وعمل المجمع إلى تحقيقها بعد أن ضم إليه عدد من خصوم اللغة العربية أمثال طه حسين وعبد العزيز فهمي الذي دعا إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية ومن بعد ذلك عدد كبير من هؤلاء السطويين التغريبيين.
وقد وقف عبد الرحمن البرقوقي ومصطفى صادق الرافعي في مجلة البيان موقفًا حاسمًا جريئًا في الدفاع عن اللغة العربية وقد حملا لواء الاتهام للطفي السيد مؤمنين بأن القضاء على اللغة العربية هو قضاء على أقدس مقدسات الأمة الإسلامية.
وكتب مصطفى صادق الرافعي يرد عليه تحت عنوان: "الرأي العامي في اللغة العربية الفصحى:
زعموا أنهم يريدون أن تسهل الألفاظ وتنكشف المعاني وتكون الكتابة في استوائها وجمالها كصفحة السماء فهل البلاغة العربية إلا تلك، وهل هذا أمر غير عربي بل وهل يعرفون -أصلحهم الله- أن الطفل يرى كل ما يدور في مسمعه من ألفاظ والديه كأنه إنما يلفق لهما اعتصامًا واعتسافًا واستكراهًا إذ لا يفهم من كل ذلك شيئًا إلا بمقدار ما يعتاد وعلى حسب ما تبلغ حاجته.
ثم ما هو حكم العامي -وهو في كل أمة الطفل العلمي- بجانب أهل العلوم، أتراه يلقف عنهم إلا بميزان تلك الغريزة الفطرية في الطفل الصغير مع أبويه فلم لا تحمي العلوم وألفاظها وأساليب التعبير عنها ونحو ذلك مما تتراخى به شقة الفهم إذا تعاطاه ذهن العامي أو حاوله ويكون سداد العلماء فيما تطيقه العامة وسداد العامة فيما يطيقه الأطفال.
وأنت إذا تخطيت أمر الطفل اللغوي والطفل العلمي وأسندت في حد هذه الطفولة لم تر إلا طراز أصحابنا وهم أطفال الأقلام فهل يكبر عليهم أن
يكبروا ويشيدوا وأن يساوقوا الفطرة في مجراها فيأخذوا الشيء بأسبابه ويأتوا الأمر من بابه، يصدرون رأيهم على جهل فإذا كشف لهم معناه وبصرتهم بمصايره ووقفت بهم على حدوده وأريتهم وجوههم في مرآة النصيحة أنكروا ما جئت به وحسبوك تمتري الكذب وأصروا واستكبروا استكبارًا لأن رأس علمهم أن يظنوا لا أن يحققوا ما يظنون فالرأي هو الرأي في ذاته لا ما يتعلق به ولا ما ينادى إليه.
اللغة مظهر من مظاهر التاريخ والتاريخ صفة الأمة فكيفما قلبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها واشتمالها جلدة أمة أخرى، فلو بقي للمصريين شيء متميز من نسب الفراعنة لبقيت لهم جملة مستعملة من اللغة الهيروغليفية وأن في العربية سرًا خالدًا هو هذا الكتاب المبين (القرآن) الذي يجب أن يؤدى على وجهه العربي الصريح ويحكم منطقًا وإعرابًا بحيث يكون الإخلال بمخرج الحرف الواحد منه كالزيغ بالكلمة عن وجهها وبالجملة عن مؤداها، ثم هذا المعنى الإسلامي (الدين) المبني على الغلبة والمعقود على أنقاض الأمم والقيم على الفطرة الإنسانية؛ والقرآن الكريم ليس كتابًا يجمع بين دفتيه ما يجمعه كتاب أو كتب فحسب، إذ لو كان هذا أكبر أمره لتحللت عقده، وإن كانت وثيقة ولأتى عليه الزمان، أو بالحري لنفس من أمره شيء كثير عن الأمم ولاستبان منه مساغ للتحريف والتبديل من غال أو مبطل ولكانت عربيته الصريحه الخالصة عذرًا للعوام والمستعجمين في إحالته إلى أوضاعهم إذا ثبت لهم قدره على ذلك.
وليس يقول بهذا إلا ظنين قد انطوى صدره على غل واجتمع قلبه على داخلة مكروهة وإلا جاهل من طراز أولئك لا يستطيل نظره بتجربة ولا ينفذ بعلم، وإنما هو آخذ بذنب الرأي لا بوجهه ولكن بتوجه معه ولا يقبل به ولكن يدبر به الرأي.