الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصول عديدة في الصحف ومن ذلك كتاب "الفاضل بن عاشور"، ومحمد بخيت ورشيد رضا وكثيرون.
*
وجد المنحرفون ضالتهم:
ولقد كان كتاب "الإسلام وأصول الحكم " لعنة على الشيخ علي عبد الرازق فقد أصاب حياته بالظلام والغربة ولاحقته لعنته مدى حياته حتى أنه عندما أراد الماركسيون إقناعه بإعادة طبعه قال لهم: إن هذا الكتاب أثار عليه متاعب كبيرة، ومع ذلك فإن بعض الماركسيين أعاد طبعه وقدم له، رغبة منهم في تأكيد مفهوم فاسد لا يقره الإسلام، ويتخذ الكتاب الماركسيون -المعارضون لمفهوم الإسلام بوصفه دينًا ودولة- من هذا الكتاب خطة عمل توالي بث سمومها في الصحف والمؤلفات والمؤتمرات، ويولي كبر ذلك أمثال محمد عمارة ومحمد أحمد خلف الله وحسن حنفي وعبد الله العروي وسيكون هذا الكتاب لعنة عليهم كما كان لعنة على علي عبد الرازق، فمات الكتاب قبل أن يموت صاحبه، وانطوت صفحته وصاحبه حي".
ومع الأسف فقد كان صدور مثل هذا الكتاب مما تلقفه المستشرقون ليثيروا به دعوى عريضة بأن في الإسلام مذهبين: أحدهما: أن الإسلام دين ودولة والآخر يقول: أن الإسلام دين روحي ويضعون على عبد الرازق على رأس الفريق الذي يقول هذا القول، والواقع أنه ليس في الإسلام غير رأي واحد، وهو الرأي الأول، وأن ما ذهب إليه علي عبد الرازق عام 1925 م لم يكن من الإسلام في شيء، ولم يكن علي عبد الرازق إمامًا مجتهدًا، وإنما قاضيا شرعيًا تلقفته قوى التغريب فاصطنعته تحت اسم "التجديد" حيث دعي إلى لندن لحضور حلقات الاستشراق التي تروج للأفكار المعارضة لحقيقة الإسلام وهدم مقوماته، وأهدى أصل هذا الكتاب الذي وضع عليه اسمه مترجمًا إلى اللغة العربية وطلب إليه أن يضيف إلى مادته بعض النصوص
العربية التي يستطيع اقتباسها من كتب الأدب.
أما الكتاب نفسه فكان من تأليف قزم من أقزام الاستشراق وداعية من دعاة الصهيونية واليهودية العالمية هو المستشرق مرجليوث الذي شاءت الصدف أن يكون هو نفسه صاحب الأصل الذي نقل منه كتاب الأدب الجاهلي والذي أطلق عليه الأستاذ: محمود محمد شاكر "حاشية طه حسين على بحث مرجليوث"، ويمكن أن يطلق الآن اسم "حاشية علي عبد الرازق على بحث مرجليوث"، وقد كشف هذه الحقيقة الدكتور ضياء الدين الريس في بحثه القيم " الإسلام والخلافة في العصر الحديث".
وهكذا تجد أن السموم المثارة في أفق الفكر الإسلامي توضع أساسًا من رجال التغريب، ثم تختار لها أسماء عربية لتحمل لواءها وتذيعها إيمانًا بأن الأسم العربي أكبر تأثيرًا وأبعد أثرًا في خداع الجماهير.
ولقد طالما تحدث التغريبيون عن كتاب "الشعر الجاهلي" و"الإسلام وأصول الحكم" على أنهما دعامتان للنهضة "التغريبية في الفكر الحديث".
ومع أن حركة اليقظة الإسلامية واجهت كتاب علي عبد الرزاق المنحول وفندت فساد وجهته وأخطاءه فإن قوى التغريب ما تزال تعيد نشره وطبعه مع مقدمات إضافية يكتبها شعوبيون يخدعون الناس بألقابهم وأسمائهم، وهم يجدون في هذه الرحلة التي يرتفع فيها صوت تطبيق الشريعة الإسلامية والدعوة إلى الوحدة الإسلامية مناسبة لنفث السموم مرة أخرى ولن يجديهم ذلك نفعًا فإن كلمة الحق سوف تعلو وتنتشر وتدحض باطل المضللين مهما
تجمعوا له وقدموه في صفحات براقة مزخرفة وأساليب خادعة كاذبة.
إن أول من كشف حقيقة الكتاب هو الشيخ محمد بخيت الذي رد على الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "حقيقة الإسلام وأصول الحكم"، وهو واحد من الكتب التي صدرت في الرد عليه حيث قال:
"لأنه علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له منه إلا وضع اسمه عليه فقط، فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه من غير المسلمين ضحية هذا العار وألبسوه ثوب الخزي إلى يوم القيامة.
وقد علق علي عبد الرازق على هذا المعنى بأن هذا الكتاب كان شؤمًا عليه، وقد ألصق به كثيرًا من المتاعب والشبهات، والحقيقة أنه بعد أن طرده الأزهريون من هيئة العلماء ظل منفيًا ومهجورًا وعاش بقية حياته منقطعًا عن الحياة العامة بالرغم من أن محاولات جرت لإسقاط الحكم وضمه إلى مجمع اللغة العربية وجعله وزيرًا، فقد كان الكتاب أشد شؤمًا على حياته من كل ما ألم به.
ومن هذا الخيط الرفيع الذي ألقاه الشيخ محمد بخيت بدأت محاولة الدكتور ضياء الدين الريس فاستطاع أن يصل إلى الحقيقة وهي أن كاتب الكتاب هو المستشرق مرجليوث اليهودي الأصل، وهو أول من شن الهجوم على الخلافة لأن بلاده "بريطانيا" كانت في حرب مع دولة الخلافة، وقد أعلن الخليفة العثماني الجهاد الديني ضدها، والنصوص في الكتاب قاطعة بأنه كان موجهًا ضد الخلافة العثمانية فإنه يذكر بالاسم "السلطان محمد الخامس" الخليفة في ذلك الوقت الذي كان يسكن في "قصر يلدز" وهناك نص على "جماعة الأتحاد والترقي، وهي التي كانت تحكم تركيا: أي دولة الخلافة طوال أعوام الحرب العالمية الأولى.
ويقول الدكتور الريس: إن الاتحاديين تلاميذ الماسونيين وقد تربوا في محافلهم واعتنقوا شعارهم ومفاهيمهم وقاموا بدور مسموم وهو فتح باب فلسطين أمام اليهود المهاجرين، وكان السلطان عبد الحميد قد رفض عروضهم، وكانوا هم (أي الاتحاديين) أداة الصهيونية العالمية في إسقاط هذا السلطان المناضل.
ورجح الدكتور الريس أن مرجليوث اليهودي الذي كان أستاذًا للغة العربية في جامعة أكسفورد ببريطانيا هو كاتب الكتاب؛ لأن أراء الكتاب هي آراؤه التي كتبها من قبل عن الدولة الإسلامية، وفندها الدكتور الريس في كتابه. "النظريات السياسية في الإسلام" وأثبت خطأها وبطلانها بالأدلة العلمية، وهو يكتب عن الإسلام بنزعة حقد شديد، ويتسم أسلوبه بالمغالطات والمعلومات المضللة والقدرة على التمويه، كما يتصف بالالتواء، وهذه الصفات كلها تظهر في هذا الكتاب المنسوب إلى الشيخ علي عبد الرازق، ومعروف أن الشيخ ذهب إلى بريطانيا وأقام فيها عامين فلا بد أنه كان متصلاً بالمستر مرجليوث، أو تتلمذ عليه، وكذلك توماس أرنولد الذي يشير إليه الشيخ ويصفه بالعلامة فقد ألف كتابًا عن الخلافة بشكل عام والعثمانية بوجه خاص، وقد نقدناه.
يقول الدكتور الريس في كتابه: "النظريات السياسية الإسلامية":
والقصة تتلخص في أنه إبان الحرب العالمية الأولى والحرب دائرة بين الخليفة العثماني وبريطانيا أعلن الخليفة الجهاد الديني ضد بريطانيا ودعا المسلمين أن يهبوا ليحاربوها، أو يقاوموها، وكانت بريطانيا تخشى غضب المسلمين الهنود بالذات، أو ثورتهم عليها، في هذه الفترة كلفت المخابرات البريطانية أحد المستشرقين الإنجليز أن يضع كتابًا يهاجم فيه الخلافة وعلاقتها بالإسلام ويشوه تاريخها ليهدم وجودها ومقامها ونفوذها بين المسلمين.
وقد أستخدمت السلطات البريطانية هذا الكتاب في الهند وفي غيرها، وبعد أن انتهت الحرب كان الشيخ عبد الرازق قد اطلع على هذا الكتاب أو عثر عليه، هذا إن لم يفترض أن هذا كان باتفاق بينه وبين هذا المستشرق الذي اتصل به حينما كان في إنجتلرا أو في بعض الجهات البريطانية التي
كانت تعمل في الخفاء على هدم فكرة الخلافة، أو التي تحارب الإسلام، فأخذ الكتاب فترجمه إلى اللغة العربية أو أصلح لغته إن كان بالعربية، وأضاف بعض الأشعار والآيات القرآنية التي يبدو أنها لم تكن في أصل الكتاب وبعض الهوامش والفقرات، وأخرجه للناس على أنه من تأليفه ظنًا منه أنه يكسبه شهرة، ويظهره باحثًا علميًا، ومتفلسفًا ذا نظريات جديدة، غير مدرك ما في آرائه أو في ثناياه من خطورة، ولا يستغرب هذا لأنه لم يدرك أن إنكار القضاء الشرعي هو إنكار لوظيفته نفسها وعمله، وإلغاء لوجوده وكانت هذه البدعة السائدة في ذلك الوقت بين كتاب "السياسة" جريدة من أسموا أنفسهم "حزب الأحرار الدستوريين"، وهذا هو الذي فهمه الأستاذ الجليل أمين الرافعي فكتب في جريدة الأخبار أنه لم يستغرب أن يقدم الشيخ علي عبد الرازق على إصدار هذا الكتاب لما عرفه عنه من الضعف في تحصيل العلوم والإلحاد في العقيدة، ثم قال: هذا الى أنه انغمر منذ سنين في بيئة ليس لها من أسباب الظهور سوى الافتيات على الدين وتقمص أثواب الفلاسفة والملحدين وصار خليقًا باسم "الأستاذ المحقق"، والعلامة الكبير.
ولم يعرف الأستاذ أمين الرافعي أن المؤلف الحقيقي ربما كان غير الشيخ على عبد الرازق، ولكن كلامه يكاد يكون إثباتًا لذلك وهناك قرائن أخرى أوردها الدكتور الريس:
أولاً: ذكر اسم كتاب مترجم عن التركية طبعة 1924 بينما هناك فقرة تنص على أن تاريخ التأليف قبل عام 1918 وأنها ذكرت اسم السلطان محمد الخامس وقيل في الهامش أنه كتب في عهده وأقرب تفسير لذلك أن الكتاب ليس من تأليف شخص واحد.
ثانيا: يتحدث المؤلف عن المسلمين كأنه أجنبي عنهم وهم منفصلون
عنه، فيذكرهم بضمير الغائب ولا يقول:"عندنا" أو "العرب" أو نحو ذلك كما يقول المسلم ذلك.
ثالثًا: يكرر الشيخ عبد الرازق "عيسى وقيصر مرتين" ويكرر هذه الجملة التي يسميها الكلمة البالغة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" مع أن مسلمًا صحيح الإسلام لا يمكن أن يؤمن بهذا التعبير، وأن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين.
رابعًا: يتعاطف مع المرتدين الذين خرجوا على الإسلام وشنوا الحرب على المسلمين فيدافع عنهم في نفس الوقت الذي يحمل على رأي أبي بكر الصديق المسلم الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينكر خلافته، ويقول: أن محاربته لهؤلاء المرتدين لم تكن حربًا من أجل الدين، ولكن كانت نزاعًا في ملوكية ملك ولأنهم رفضوا أن ينضموا لوحدة أبي بكر وما هي وحدة أبي بكر يا عدو أبي بكر والإسلام؟
أليست هي وحدة المسلمين، ويقول:"حكومة أبي بكر"، أوليست هي حكومة الإسلام والمسلمين، ويتكلم عن أبي بكر هكذا بغير احترام أو تبجيل، كأنه رجل عادي أو كما يتكلم عدو.
هل هذا هو أسلوب المسلم، فضلاً عن تهافت الشيخ في الكلام عن الصحابة وهم أفضل الناس وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير من دافعوا عن الإسلام وجاهدوا في سبيل الله عز وجل.
وخامسًا: أن الأسلوب الذي كتب به الكتاب أسلوب غريب، ليس مألوفًا في الكتب العربية، فهو أسلوب مناورات ومراوغة ويتصف بالالتواء واللف والدوران، فهو يوجه الطعنة أو يلقى الشبهة. ثم يعود فيتظاهر بأنه ينكرها ولا يوافق عليها ويفلت منها ثم ينتقل ليقذف شبهة أو طعنة أخرى
على طريقة "اضرب واهرب" وحين يهاجم يصوغ عبارته في غموض وهذا يدل على أسلوب رجل سياسي متمرن في المحاورة والخدعة، وهو أشبه بالأسلوب الأفرنجي. وأسلوب الدعايات السياسية أو الدينية التبشيرية وليس هذا أبدًا أسلوب العربي الصريح، فضلاً عن أسلوب أحد الشيوخ المتعلمين في الأزهر وهذا مما يغلب الرأي بأنه كتاب مترجم.
سادسًا: لم يعرف عن الشيخ علي عبد الرازق -من قبل- أنه كان كاتبًا تمرس في الكتابة ومرن على التأليف فيكتب بهذا الأسلوب ويتعمد الطعن في الإسلام وتاريخه وعظماء رجاله، ولم يعرف للشيخ كتاب أو مقالات قبل هذا الكتاب "أي في السياسة والتاريخ" بل ما كتب من قبل كان "كتيبًا" في اللغة أو في علم البيان، وهذا كل إنتاجه في أربعة عشر عامًا بعد تخرجه من الأزهر، ثم بعد أن كتب هذا الكتاب ظل أربعين عامًا لم يكتب كتابًا آخر في نفس موضوعه أو مثله ولم يحاول أو لم يستطع حتى أن يدافع عن نفسه ويرد على خصومه بكتاب آخر.
سابعًا: هناك من القرائن والأدلة العديدة ما يدعو العقل إلى أن يرجح صحة الخبر الذي رواه فضيلة المفتي الشيخ محمد بخيت، نقلاً عن كثيرين من أصحاب الشيخ علي عبد الرازق المترددين عليه من أن مؤلف الكتاب شخص آخر من غير المسلمين، وقد غلبنا نحن أنه أحد المستشرقين، ولكننا نقيد هذا الخبر بأن الشيخ قد أضاف بعض فقرات وتعليقات، وأنه هو الذي أورد الآيات من القرآن.
والظاهر أنها محشورة حشرًا مجموعات في كل مكان، وأبيات الشعر التي استشهد بها، كما كتب المقدمة التي زعم فيها أنه بدأ البحث في تاريخ القضاء منذ 1915 وذلك ليغطي المقارنة الظاهرة بين وضع الكتاب ووقت صدوره، فإنه من غير المعقول أن يستغرق تأليف كتيب لا يزيد عن مائة
صفحة عشر سنوات.
وفي مثل هذه المسائل بالذات فإن هذه الحالة أسهل؛ لأن النقل أو الترجمة من كتيب مجهول، أو كانت المسالة بتصريح أو اتفاق لخدمة غرضين فالطرف الأول يريد نشر آرائه لغايات سياسية ودينية، والطرف الثاني له مأرب سياسي ولكن الدافع الذاتي أنه يريد الشهرة أو الظهور أو الغرور، "وقد انتفعنا في هذا البحث بدراسة الدكتور الريس وبحث مجلة المجتمع الكويتية وكتاب المعارك الأدبية".
الحقيقة أن كتاب "الإسلام وأصول الحكم" من الأعمال التغريبية والاستشراقية الخطيرة التي أريد بها هدم القاعدة الأساسية للإسلام وهي قاعدة أن الإسلام دين ودولة في محاولة تنصير الإسلام وجعله مشابهًا للنصرانية التي هي بمثابة دين قائم على الوصايا وليس له تشريع؛ لأن تشريعه في اليهودية، وهذه القضية هي مفتاح الغزو الفكري الذي واجه به النفوذ الاستعماري بلاد المسلمين من أجل هدم هذه القاعدة وحصر الإسلام في المساجد وفي الصلاة والصوم وفرض الأيدلوجيات الغربية في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية، ومن هذا فتح الطريق أمام القانون الوضعي وكسر الحدود التي وضعها الإسلام والقضاء على محرمات الإسلام: الربا والزنا والسرقة والاختلاس والميسر، وإباحتها وجعلها في نظر الناس مشروعة، ومن وراء ذلك إمبراطورية الربا التي ترمي إلى تحطيم الضوابط والحدود وذلك للسيطرة على الاقتصاد الإسلامي وهدم المجتمع الإسلامي وإذاعة روح التحلل والترف وتغليب مفهوم المجتمع الاستهلاكي القائم على الشهوات واللذات والإباحيات، وهدم قاعدة "أخلاقية المجتمع وهدم مفهوم المسئولية الفردية للإنسان والتزامه الأخلاقي في بناء المجتمع الرباني في الأرض.