الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب "من هنا نبدأ" هو بمثابة شهادة وثيقة، ورغم أن صاحبها قد تخلى عن كثير مما ورد فيها الآن، إلا أن هذا لا يناقض منهجنا؛ لأننا لا نعني الأشخاص، وإنما نرصد حالة فكرية من خلال نسقها الحضاري في لحظة زمانية معينة.
*
الشيخ الغزالي يتصدى لخالد محمد خالد ويرد على كتابه "من هنا نبدأ" بكتابه "من هنا نعلم" فأحسن:
رد الشيخ محمد الغزالي على خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نعلم" فأحسن وأجاد.
ومن عجيب التصاريف أن الرجل الذي تصدى لانحرافات (خالد محمد خالد) منذ أربعين سنة، يقع هو ذاته في الخطأ المنهجي الذي تولدت عنه كل خطايا كتاب خالد محمد خالد "من هنا نبدأ"، وهكذا برزت في كتابات الشيخ (محمد الغزالي) الأخيرة إشارته إلى القيم الأوروبية والذوق الأوربي والفكر الأوربي على سبيل التبجيل وإعلاء الشأن، ولا أغالي إذا قلت بأن أحاديثه في هذا الشأن وصلت إلى حد جعل "الأنموذج" الغربي مثلاً يُحتذى في كثير من قيم وآداب وأفكار المجتمع الإسلامي المعاصر، ووصلت إلى الحد الذي يجعله يقيم بعض آدابنا الإسلامية وأخلاقنا وأفكارنا وثقافتنا على أساس وزنها بالتقدير الأوربي والنظرة الأوربية.
فإذا تحدث عن موقف الإسلام من الفن بصورة المختلفة مثل الموسيقى والتصوير ونحوها برز في حديثه الأنموذج الغربي، وكيف أننا نسيء إلى صورة الإسلام إذا حرمنا كذا أو كذا، وإذا تحدث عن هيئة الحجاب الشرعي، وضع في مقاييسه ومعاييره اشمئزاز الإنسان الأوربي من صورة النقاب، ونفوره من هيئة المرأة المنقبة، وإذا تحدث عن آداب بعض شباب الإسلام من تقصير الثياب أو لبس العمامة، استنكر هذه الهيئة لعدم ملاءمتها لمعايير التحضر عند الإنسان الأوربي، وإذا درس قضية فقهية مثل سفر المرأة، أو
خروجها إلى المسجد، أو توليتها القضاء أو الإمامة الصغرى أو العظمى، وجدت حديثه ينصرف إلى ضرب المثل من المرأة الأوربية وربما المرأة اليهودية مثل (جولدا مائير)!، كما يضرب المثل بالراهبات والمبشرات ونشاطهن وحركتهن وسلوكهن الاجتماعي، تمامًا كما ضرب خالد محمد خالد المثل للعالم المسلم بالقسيس، وضرب المثل للمسجد ودوره بالكنيسة ودورها، فالمنهج واضح، وإن اختلفت التطبيقات، أو ضاقت مساحات الجرأة والتهور.
وأصبح معروفًا من الموازنات الجديدة لدى الشيخ (الغزالي) في فتاواه وأحكامه، تقسيم الفتوى على أساس جديد، ليس هو الشرعي وغير الشرعي، أو الحق والباطل، وإنما على أساس هذا حضري وهذا بدوي، فالمقياس أصبح هو التحضر والبداوة، وشاع في أحاديث الشيخ إنكاره على بعض الفتاوى الشرعية على أساس أنها "فقه بدوي"، كما شاع عنه هجومه على من يعتصمون بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية دونما اعتبار لأي مشروعية أخرى، ويطلق الشيخ عليهم وصف "النصوصيون"، وأحيانا "الحَرْفيون"، وهذه التقسيمات والاصطلاحات كلها ليست بنات فكر الشيخ، وإنما هي وليدة أفكار نفر من المنحرفين بالفكر الإسلامي تحت دعوي "الفكر الديني المستنير" ونحن في غنى عن تضخيم البحث باستقصاء المقولات الممثلة لهذه الأفكار من كتابات الشيخ، فهي مشهورة وواسعة التداول.
ولا نطيل الوقوف عند هذا الخلل المنهجي عند الشيخ، وحسبنا الإشارة إليه والتنبيه إلى خطورته، وقد عرضنا لنقده بشيء من التفصيل في كتابات سابقة" (1، 2)
(1) راجع "أزمة الحوار الديني" لجمال سلطان - طبع دار الصفا.
(2)
"جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث " لجمال سلطان (ص 107 - 114) - دار الاعتصام.