الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تورط فيه، فمنعني سلوكه وحالت بيني وبين ذلك خلائقه، ذلك أنني وجدته مدلسًا في النقل، خائنًا للأمانة العلمية، فهو يكذب في النقل أو يبتر المنقول ولا يتمه، بل يخفي منه ما يبين المراد منه، تمويهًا للحقيقة وإلباسًا على الناس.
- ومن ذلك ما نقله عن الرازي "محرفًا" في رسالته، فالفخر الرازي ليس فيه شيء مطلقًا لا من قريب ولا من بعيد. مما نسبه إليه المؤلف فرية واختلافًا، ولعل عند المؤلف أو الذي كان يشرف معه على رسالته نسخ خطية خاصة من كتاب الفخر الرازي، عملت لهما فقط، وخط لهما فيها ما يشاءان ما هذا يا أستاذ وما هذه الخيانة في العلم؟!!!.
كما أورد الأستاذ عبد الفتاح بدوي مثالاً للبتر في النقل، نقل منه المؤلف أيضًا من الفخر الرازي ولم يتمه فجاء الناقد بالجزء الباقي، وهو يغير مفهوم ما أخذه تغييرًا كاملاً، ثم قال: وكلام الرازي صريح في أن القرآن لا يذكر القصة؛ لأنه كتاب تاريخ، بل يذكرها لما في ذكرها من الفوائد التي ذكرها.
وكلام الفخر الرازي صريح في أن القرآن لم يحرف في القصص ولم يغير وكان ذلك دليلاً على أنه بوحي من الله، أما دعوى المؤلف فهي أن القصص القرآني لا يثبت بالواقع، وإذن لا بد من التدليس في النقل، ليوهم القارئ أن للكلام الذي يقوله المؤلف أصلاً في كلام السابقين، وبذلك صارت صفات المؤلف ثلاث:"الجهل والكذب والخيانة".
*
وقفه مع محمد أحمد خلف الله:
ومما يذكر أنه حدث إشكال في إقرار إجازة الدكتوراه له، وقرر مجلس الجامعة ضرورة أن يثبت في مقدمة الكتاب عند طبعه هذا الإشكال، الذي يوحي باعتراض هذا المجلس، وقد صدرت الطبعة الأولى متضمنة ذلك ثم رفعت في الطبعات التالية.
رابعًا: الأستاذ محمد أحمد الغمراوي:
كل من تعود البحث العلمي وعرف ما في القرآن الكريم واطلع على كتاب "الفن القصصي" لا يشك في أنه بعيد كل البعد عن التفكير العلمي، لما فيه من خبط وخلط كثير، جرى فيه صاحبه خلف قساوسة المستشرقين أمثال روديل ومرجليوث حتى بلغ به الأمر أنه لم يدرك ما هنالك من تناقض، بين نسبة القرآن إلى الحق تبارك وتعالى، والحكم على قصص القرآن الكريم أن أكثره غير صحيح.
وإذا كان البعض لا يرى في هذا الحكم كفرًا ولا شبه كفر فلعله يرى على الأقل أنه تفكير يؤدي إلى جواز الجهل والكذب على الله جل شأنه وهو تفكير لا يمكن بوجه من الوجوه أن يمت إلى التفكير الصحيح، إنه تفكير لا يستقيم إلا على فرض أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لا من عند الله كما يقول قساوسة المستشرقين.
خامسًا: الأستاذ أحمد الشايب:
إن مشروع الرسالة حين تقدم إلى كلية الآداب سنة 1947 رفضت لجنة الفحص تقديمه للمناقشة وأسقطته لأسباب دينية خلقية، ويكفي أن أشير بغاية الإيجاز إلى أن الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست وثيقة ولا مقررة؛ فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند أصحابها كذبًا وافتراء على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم بالواقع التاريخي ولا الصدق العقلي؛ وإنما يخضع في تأليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب.
وتطبيقًا لهذه القاعدة صار القرآن الكريم "في رأي صاحب الرسالة":
يتقول على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقول أمورا لن تحدث، ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا، ثم يعود فيقرر نقيضه، ويغير الواقع ويبدل، ويزيد
وينقص بحكم هذه الحرية الفنية.
وهكذا كانت صورة موسى في سورة الكهف ليس لها أصل تاريخي أو أسطوري، والإجابة على الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم ليست تاريخية ولا واقعية.
وقصة إبليس مع آدم من الخلق الفني، الذي لم يتشبث فيه القرآن بالواقع، ومصادر القصص القرآني هي: التوراة والإنجيل، والأقاصيص الشعبية، وما امتزج بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وإن ما تمسك به المستشرقون على أنه من أخطاء محمد صلى الله عليه وسلم الناتجة عن جهله بالتاريخ ليس بذي بال.
ذلك لأن المسألة تعلل بأكثر من سبب، فقد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي، ولا الحرص على العقلي؛ وإنما ينتج عمله ويبرر صوره ويوحي بما يشاء بقدرته على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل، ثم يدير -صاحب الرسالة- كذبًا وجهلاً على أمثال الزمخشري والفخر الرازي ومحمد عبده، أنهم قالوا بما يؤيد هذا الهراء الجاهلي الضال.
ثم يطلب السيد عبد الرزاق السنهوري -وزير المعارف حينذاك- إلى الشيخ محمود شلتوت رحمه الله فحص هذه الرسالة، وكتابه تقرير عنها؛ فإذا بهذا التقرير يدمغها بالكفر والجهل والفساد؛ لأنها قامت على أسس فاسدة وأنها غارقة في تكذيب القرآن، وأن كاتبها افترى على العلماء، وأنه جاهل لا يفهم النصوص وختم تقريره: بأن تُطهَّر الجامعة من هذه الدراسة التي تنافي الحرية العلمية وتنتهي إلى الفوضى، وتهدم الأصول الإسلامية في هذا البلد الإسلامي.
كما أفتى أكثر من مائة عالم أزهري في طائفة كثيرة من نصوص هذه الرسالة بأنها مكفرة يخرج بها صاحبها عن الدين الإسلامي.
ثم نسأل: هل هذه الصورة المطبوعة الآن هي مطابقة لذلك الأصل الذي قدم إلى لجنة الفحص بكلية الآداب عام 1947، والواقع أن هذه الصورة المطبوعة ليست مطابقة لذلك الأصل أولا، ثم هي صورة لا تزال جاهلة ضالة فاسدة ثانيًا.
أما أولاً: فأين هي هذه القصة المنشورة، ما قيل في الأصل عن مصادر القرآن، وأين ما قيل عن قصة موسى في سورة الكهف، وما قيل مما يفيد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم فنان هذا القرآن وصاحبه وأما أنه من عمل الذي لا يعنيه الواقع التاريخي والصدق العقلي، وإنما يغير ويبدل ويزيد ويخترع لأنه فنان موهوب، وكيف حرفت عبارة تدل على أن القرآن يتشبث بالواقع في قصة إبليس وآدم، وكيف اضطرب الأمر أمام الأسطورة والأساطير، بعدما قال الأقدمون إن الأساطير كذب وبهتان لم ينزل به وحي إلى غير ذلك مما يثبت التزوير والتضليل.
أما ثانيًا: فلا يزال القرآن -في هذه الصورة المنشورة- يتقول على اليهود ويتقول ما لم يحدث ويحكي غير الواقع، وحين يقول القرآن الكريم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111] تتوقف هذه الصورة المنشورة أمام هذا النص الحاسم الذي يقطع بأن قصص الرسل غير كاذب ولا مفترى.
- ونقول: ولا يصح لمعترض أن يعترض على أن الأقاصيص القرآنية مخالفة للحق والواقع، أو مخالفات التاريخ -إلى غير ذلك- ما هو آخذ بآفاقها.
وأحب أن أشير هنا إلى أن ما ورد في هذه الصورة المطبوعة عن قول الله تعالى عن اليهود {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} يقول كاتب الرسالة بالحرف الواحد "فليس من شك أن اليهود ينكرون رسالة عيسى
ومن أجل ذلك قتلوه فهم لم يقولوا هذا القول؛ وإنما أنطقهم القرآن، ويدعي أن عبارة {رَسُولَ اللَّهِ} إما أنها من قول اليهود سخرية، وإما من قول الله تعالى بيانًا للواقع وإكبارًا لعيسى عليه السلام وهذا ما أراده صاحب " الكشاف " وإن لم يفهمه أصحاب الرسالة "خلف الله وأمين الخولي".
ومن الخير لهم أن يرجعوا إلى "الكشاف" في هذه الآية ليعرفوا أن الزمخشري يقول في بيان ذلك. قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعًا لعيسى عما كانوا يذكرونه به، وتعظيمًا لما أرادوا بمثله كقوله:{لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 9، 10] وواضح أن صاحب "الكشاف" يريد أن الله يضع الذكر الحسن، على أنه من قوله تعالى لا على أنه من قول اليهود، يفعل ذلك أثناء حكاية قصصهم ومجادلتهم، وإذا أرادوا زيادة الإيضاح فليرجعوا إلى ما قاله الزمخشري نفسه في تفسير هذه الآية {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} من سورة الزخرف لعلهم يعلمون من هذه المقايسة ما يريد صاحب "الكشاف" أن يقوله في تفسير آية النساء.
كذلك يقولون -وهم على سبيل الدفاع عن الرسالة- على الأستاذ محمد عبده إنه يجرى على طريقة الخلف، إزاء القول في القصص القرآني، فيكذبهم الشيخ محمد عبده نفسه، حيث يقول "وأنا على طريقة السلف في وجوب التسليم والتفويض" وذلك بصدد القول في قصة الخليقة.
وتقولوا عدى الشيخ محمد عبده أنه قال: إن القرآن لا يلتزم حدود التاريخ، وذلك فى تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 243]، ولكن الشيخ محمد عبده لم يقل ذلك ولم يعلنه في الرواق العباسي كما ادعوا عليه فليرجعوا إلى تفسير المنار لعلهم يعلمون ما قاله بل
لعلهم يفهمون ما قبل ذلك.
وفي ذلك قول الشيخ شلتوت: إن القصص القرآني من المتشابه بهذا المعنى الذي يجري فيه التأويل والتفويض، أما موقفهم من الفخر الرازي فقد سبق أن بينه الشيخ عبد الفتاح بدوي، وبيناه في الحلقة السابقة.
سادسًا: السيد محب الدين الخطيب (1):
فيما ذهب إليه المؤلف في هذه الرسالة تلميح بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في أن القرآن موحى به إليه من الله عز وجل، وزعم أنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما فيه من القصص عمل فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار، من غير التزام بصدق التاريخ.
والواقع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم فنان بهذا المعنى وأن الأنبياء أبطال ولدوا في البيئة وتأدبوا بأدبها، وخالطوا الأهل والعشيرة وقلدوهم في كل ما يقال ويفعل، وآمنوا بما تؤمن به البيئة من عقيدة ودانوا بما تدين به من رأي وعبدوا ما تعبد من إله، هذا ما ذهب إليه المؤلف وهو كذب.
كما زعم أن القرآن متناقض، فكان يقرر أولاً أن الجن تعلم بعض الشيء ثم لما تقدم الزمن قرر أنهم لا يعلمون شيئًا، وأن قصة موسى في سورة الكهف لم تعتمد على أصل من واقع الحياة، بل ابتدعت على غير أساس من التاريخ.
ويمن محمد أحمد خلف الله على الإسلام، بأنه دافع عنه بقوله: إن ما
(1) نشرت تفصيلات هذه القضية في مجلات الرسالة والأزهر والفتح عام 1947 كما تبادل السيد محب الدين الخطيب وأمين الخولي الحوار حول هذا الموضوع، محب الدين الخطيب في جريدة الإخوان المسلمون، وأمين الخولي في أخبار اليوم، وعندما أقر أمين الخولي بموافقته على كل ما جاء بالرسالة أجابه محب الدين الخطيب، وألقى بنفسه وصاحبه في النار، المجلة.
تمسك به الباحثون من المستشرقين ليس سببه جهل محمد صلى الله عليه وسلم بالتاريخ، بل قد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي ولا الحرص على الصدق العقلي، والواقع أن هذا الكلام فرية لا تقل عن خلط المستشرقين.
سابعَا: الشيخ شلتوت:
هذه الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست دقيقة ولا مقررة، فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند صاحبها كذبًا وافتراء على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم الواقع التاريخي ولا الصدق العقلي، وإنما يخضع في تأليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب، وطبقًا لهذه القاعدة، صار القرآن في هذه الرسالة يتقول على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقول أمورًا لن تحدث، ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا ثم يعود فيقرر نقيضه ويغير الواقع ويبدل ويزيد وينقص بحكم هذه الحرية الفنية.
وهكذا كانت قصة موسى في سورة الكهف ليس لها أساس تاريخي، ولا أسطوري، والإجابة عن الأسئلة التي يوجهها المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم ليست تاريخية ولا واقعية.
وقصة إبليس مع آدم من الخلق الفني الذي لم يتشبث فيه القرآن بالواقع، ومصادر القصص القرآني هي التوراة والإنجيل والأقاصيص الشعبية، وما امتزح بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وإن ما تمسك به المستشرقون على أنه من أخطاء محمد الناتجة عن جهله بالتاريخ ليس بذي بال، والادعاء على الزمخشري والفخر الرازي ومحمد عبده، أنهم قالوا بما يؤيد هذا الهراء (1).
(1)"أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب" للأستاذ أنور الجندي (ص 364 - 378).