الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدها، الصحافة وحدها".
- هذا هو منطق دعاة الإثارة والكشف من زعماء الصحافة العربية لماذا نحن وحدنا الذين يطلب منا الالتزام بالأخلاق؟ وهذا هو نفس منطق التابعي المدرسة كلها على طريق الفساد، ولعلك تدهش حين ترى بعض المغرر بهم الذين كتبوا عن فكري أباظة يكرمونه بعد موته، وهو دعامة خطيرة من دعامات صحافة الإثارة، الحقيقة أن الوطنية المدعاة لم تكن إلا غلافًا رقيقًا لتغطية هذا العمل الخطير، ومع ذلك فمن الذي يستطيع أن يقول أن التابعي وفكري أباظة كانا وطنيين مخلصين وهما دعاة التسوية مع الاستعمار والصهيونية؟
ولم تكن الحياة عندهم إلا كأسًا من الخمر أو راقصة أو مغنية سواء هنا في مصر أم في أوربا، ويحفل المصور خلال خمسين عامًا بمذكرات فكري أباظة وتعقباته للنساء في أوربا، وكلماته التي يؤيد بها انطلاق المرأة إلى كل ما يطمح إليه أصحاب الأهواء، دعوة ملحة مستمرة متخفية تحت قناع كاذب من ادعاء الأخلاق والفضيلة" ا. هـ.
*
سارتر دجّال الوجودية:
والواقع أن نظرية الوجودية قد نفقت قبل هلاك سارتر بوقت طويل، وإن حاول هذا الشقي أن يمد من عمرها بانتمائه في السنوات الأخيرة إلى الشيوعية واحتضانه لقضايا الصهيونية إذ هو نصف يهودي كما كان يطلق عليه عباس العقاد لأن أمه يهودية، وقد خدع بعض البلهاء من المصريين حتى أعدوا له زيارة ليحصلوا منه على تصريح يخدم القضية الفلسطينية بعد أن نقلوه إلى خيام اللاجئين في غزة، فما أن غادرها حتى كشف عن هويته الصهيونية وأعطى الماركسيين الذين احتفلوا به درسًا كشف عن عمالتهم هم، ومكره هو والذين رافقوه ومع هذه اللطمة القاسية فإن كتابًا مصريين وعربًا ما
زالوا يذكرون سارتر ويتحدثون بمذهبه وبما يسمونه الوجودية العربية التي قادها عبد الرحمن بدوي وكان لها على فترة طويلة أعوان، وكانت كتب سارتر تظهر في باريس بالفرنسية وفي بيروت بالعربية في وقت واحد، وربما ندم بعض الكتاب عن تبعيتهم لسارتر، وأحسوا أنهم أخطاوا الطريق بعد أن قرأوا ما كتبه "جاك بيرك" مثلاً حين قال:
"إن سارتر عقل كبير ولكنه مع الأسف يفتقر إلى الذكاء السياسي وليس من الضروري أن يكون العقل الكبير عقلاً سياسيًا، ولكن المشكلة عند سارتر أنه يريد أن يكون سياسياً فيما يجابه من التيارات اليسارية ومنها الشيوعية بنوع من العقد النفسية، ومن المؤسف أن سارتر الذي يبني معظم فلسفته على فهم الآخر لا يفهم الآخر ولا يحس به، لم يستطع سارتر أن يتغلب على ما أحيط به من الدعاية والتضليل الصهيوني، فاعتبر إسرائيل (صيحة) وقلب القصة فاعتبر إسرائيل (مدعى عليها) وقد بلغت الدعاية الصهيونية به أن يقلب الحقيقة التاريخية في أوربا كلها، إنهم ينفون أن يكون الوجود الصهيوني استعمارًا".
ويردد كثير من أنصار سارتر فشل سارتر، وكيف تبخرت مفاهيمه التي ضللت الشباب العربي ردحًا من الزمن، وكيف أنقشع بريق اسمه فظهرت الوجودية فلسفة للفوضى والانحلال، وكيف هوجمت فلسفة سارتر من كلتا النزعتين، الرأسمالية والشيوعية ورفضوا مفهومه عن الحرية ووصفوها بأنها حرية فوضوية ومن ثم حاول سارتر أن يتقرب إلى الشيوعيين وتراجع عن كثير من آرائه السابقة.
- يقول أنيس منصور تلميذ عبد الرحمن بدوي أول فليسوف وجودي مصري: "سارتر الفيلسوف الوجودي الملحد كانت آخر كلماته لا شيء، أي لا فائدة من أي شيء .. فهو يرى أن الوجود والعدم لهما نفس المعنى كالليل
والنهار لا ينفصلان، ولا تعرف على أي شيء أجاب سارتر لآخر مرة بكلمة لا شيء لا فائدة لا معنى، لا هدف، كل شيء عدم أو كل وجود عدم، أو كل موجود معدوم".
- وهكذا يندم أنيس منصور على أنه تابع هذا الفكر الضال أكثر من عشرين عاماً من عمره قضاها في تحسين هذا الفكر وزخرفته وتقديمه إلى الشباب في عشرات من الكتب التي طبع منها مئات الألوف ليخدعهم عن الحقيقة وليزيف لهم الواقع وليردهم عن الفهم الأصيل، عندما كتب مقالاته عن رحلته إلى الأراضي المقدسة، وكان عليه أن يعلن انسحابه من كل هذه المفاهيم والعقائد، وأن يصحح موقفه أمام قرائه خلال هذه السنوات الطويلة، واليوم يصف فلسفة الوجودية بأنها فلسفة المقابر؛ لأن سارتر تحدث عن الموت والدمار والخراب، والوحدة والقلق والفزع، والخوف والغثيان والعدم، والتقت كل هذه المعاني السوداء في قلبه وفي خياله، هناك وجودية ملحدة عند سارتر وكامي وهيدجر واسيرز وأونامونو، ووجودية مؤمنه عند جابريل مارسيل، وبرديانف وجاك مارتيان.
- إيمان بمفهوم المسيحية المثلثة، وكان حقًّا على أنيس منصور أن يقرأ الفكر الإسلامي الأصيل ويعرف زيف الوجودية جملة بمفهوم الانطلاق من الضوابط والحدود والقيم التي رسمها الدين الحق، وأن يعلم أن نظرية الوجودية كما جاء بها سارتر إنما تمثل تحديًا خاصًا مر بالشعب الفرنسي بعد سقوطه في قبضة ألمانيا إبان الحرب، هذا السقوط الذي كشف كما قال زعيمه "بيتان" عن انهياره الأخلاقي العاطف، ولما كانت الصهيونية العالمية هي التي صنعت هذا بالأمة الفرنسية فإذا قدمت سارتر على جميع أجهزة الإعلام والدعاية لتفتح صفحة أشد عنفًا من الأنهيار الخلقي والاجتماعي، تلك التي صنعتها فلسفة سارتر بظهور جماعات الوجوديين الذين تشكلوا في الغرف المظلمة والحواري الضيقة وتحت أسطح العمارات ليمارسوا أسوأ صور الجنس
ويعلنوا احتقارهم للمجتمع، ومنهم نشأت بذرة (الهيبية) التي تعم الآن العالم كله.
كان أخطر ما في الدعوة الوجودية إنكار الله تبارك وتعالى والسخرية بالأديان واعتبار الإيمان بالله عائقًا كبيرًا عن حرية الإنسان وأن أثر التعاليم الربانية على الإنسان جد خطير؛ لأنه يضيع عليه فرصة التمتع بالأهواء والتمرغ في الشهوات، فالوجودي لا يؤمن بوجود الله تبارك وتعالى ولا يؤمن بنظام خلقي يسود على الإنسانية، الإنسان عندهم حر ومسئول أمام نفسه فحسب، لا أمام الله، وهكذا نجد سارتر يدعو إلى الحرية المطلقة من كل قيد!!!.
- ولقد جاء سارتر إلى مصر ترفقه سيمون دي بوفوار التي قالت لنساء مصر في صراحة تامة: نحن نريد أن نحطم (قوامة) الرجل ودعت إلى حياة زوجية محررة من (العقد الشرعي) كحياتها هي مع سارتر، ولقد كشفت إحدى المرافقات لسارتر خلال رحلته إلى مصر في الفترة الأخيرة خفايا كثيرة في هذه الزيارة اللعينة، فأشارت إلى أن (رفيق) سارتر وسيمون كان رجلاً يهوديًا (كلود لانزمان) وهو الذي وجه الزيارة على النحو الذي أرادته الصهيونية، وقد أشارت إلى أن كتاب اليسار استقبلوا سارتر بتقدير بالغ كان موضع دهشته هو أساسًا، وذلك مثلاً حين كتب أحد الشيوعيين مقالاً عنوانه "سارتر ضمير العصر" وكان سارتر يتساءل بعدها (أنا ضمير العصر كله؟! أنا لست حتى ضمير نفسي)، ثم يطلب ضاحكًا من لانزمان أن يتحمل عنه بعض هذه الألقاب (1).
- وتقول الكاتبة: "لقد سمع ورأى، ولكنه لم يتأثر قيد أنملة بما سمع
(1) هل يتصور أحد أن يُجبر الأزهر في العهد الناصري على استقبال سارتر الملحد وعشيقته سيمون دي بوفوار .. وا إسلاماه .. وا إسلاماه.
ورأى، لقد كان استقبالنا لسارتر أشبه بمظاهرة، وكان كلامنا معه أشبه بالصدى في وادي مهجور، إلا أن الصهيونية كانت أذكى منا وأكثر دقة في قيادته إلى أهدافها، فقد دست (كلود لانزمان) بفكرة الصهيوني المغلف بطبقة مزيفة من الفكر التقدمي للتضليل دسته على سيمون دي وقت كان فيه سارتر يتأرجح بين وجوديته والشيوعية فاستطاعت سيمون بتأثير من (لانزمان) أن تسوق سارتر إلى أن يخرج عن قاعدته ويسير وراءها منومًا أو كالمنوم، فانبهر بما قدم إليه فترة قبل أن يعود إلى قواعده سالمًا، وقد رأينا كيف كان لانزمان يقف في الظل وراء سارتر في كل زياراته ليسمعه صوت (هرتزل) واضحاً مجلجلاً وهو يهمس به إليه".
كان في مارس 1967 وفي نوفمبر من نفس العام اكتملت الصورة، فقد منحت إسرائيل شهادة الدكتوراه الفخرية لسارتر في سفارة إسرائيل بباريس بحضور عدد من المثقفين الفرنسيين على رأسهم سيمون وفرانسواز جيرو وزيرة الثقافة الفرنسية، وأذاع التلفزيون الفرنسي كلمة سارتر التي قال فيها:"إن قبولي لهذه الدرجة العلمية التي أتشرف بها له مدلول سياسي فهذا القبول يعبر عن الصداقة التي أحملها لإسرائيل منذ نشأتها"
- هذا سارتر الذي كتب "المسألة اليهودية" وهو الذي زار إسرائيل وأشاد بها، وهو الذي شارك في المظاهرات، ووقع البيانات المؤيدة لإسرائيل، وقد قبل سارتر الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية بينما رفض من قبل كل الجوائز التي أهديت له بما فيها جائزة نوبل.
كان سارتر قد قام بزيارته لإسرائيل قبل حرب 1967 ببضعة شهور، وما لبثت نذر الحرب بعد عودته إلى فرنسا أن بدت في الأفق في مايو 1967 فسارع سارتر ومجموعة من المثقفين الفرنسيين الآخرين إلى إصدار بيان في تأييد إسرائيل التي سيدمرها العرب، ولكن إسرائيل بدأت بالهجوم، واحتلت