الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في مكانة السنة
نبحث في هذا الفصل عن منزلة السنة في التشريع، ودرجة السنة بين مصادر التشريع، ومراتب السنة بالنسبة إلى القرآن الكريم.
أولًا: منزلة السنة في التشريع:
تبين من الدراسة السابقة أن السنة حجة كاملة في ثبوت الأحكام، وأنها مصدر تشريعي مستقل، وأن الأحكام التي تثبت في السنة لا تقل منزلة عن الأحكام في القرآن الكريم، فكلا الأمرين من عند الله تعالى، وكل حكم في السنة يعتبر حكمًا من عند الله تعالى، وأحكام الله تعالى متساوية، لا تفاوت بينها، ولا تمييز لأحدها عن الآخر، فالمسلم مكلف بكل حكم يثبت في السنة بنفس قوة تكليفه بالأحكام الواردة في القرآن الكريم، وأنه يثاب على الفعل، ويعاقب على الترك.
ونلمس هذا الفهم في حياة الصحابة رضوان الله عليهم في أثناء نزول الوحي من السماء وتلقي أحكام الله تعالى، فلم يفرقوا بين حكم نزل بالوحي وحكم صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لم يرد عن صحابي واحد سؤال عن مصدر الحكم الشرعي هل هو قرآن أم سنة؟ تصديقًا لوصف الله تعالى لهم بقوله:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور: 51].
ولذا فالمسلم المؤمن هو من يطبق الأحكام الشرعية كلها سواء وردت في الكتاب الكريم أو جاءت في السنة، بشرط واحد وهو أن تكون السنة صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتى ثبتت لديه السنة فليس له عذر قطعًا في تركها أو الابتعاد عنها أو تأويلها بدون مسوغ.
ولا أظن أن هذا الكلام يحتاج إلى دليل، ويكفي أن نذكر بأن السنة ليست من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا باللفظ، أما المعنى فهو من عند الله تعالى، لقوله عز وجل:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4] ولقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} [البقرة: 231] والحكمة هي السنة كما فسرها العلماء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا إني أوتيت الكتابَ ومثلَه معه"(1) وهو السنة، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسأل عن أشياء كثيرة فكان يتوقف حتى ينزل عليه الوحي إما لفظًا ومعنى وهو القرآن، وإما معنى ويعبر رسول الله عنه، مثل قضية الظهار واللعان وصفات الله تعالى والإذن بالهجرة والقتال وصلح الحديبية (2).
والفرق بين السنة والقرآن أن القرآن معجز، ويتعبد بتلاوته، أما السنة فليست كذلك.
قال المحلاوي: واعلم أن من يعتد بعلمه من العلماء قد اتفق على أن السنة مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام (3).
(1) سبق تخريج هذا الحديث في مطلب حجية السنة.
(2)
تسهيل الوصول: ص 140، الإحكام، ابن حزم: 1 ص 87، قال عليه الصلاة والسلام:"قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها" وقال أيضًا: "إن الله قد أذن لي بالخروج"، الكفاية للخطيب ص 40 ط مصر.
(3)
تسهيل الوصول، له: ص 139.