الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتشدد والتكلف في أمور الدِّين، قال تعالى:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86]، وقال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم:"هلك المتنطعون"(1)، ونهى عن التبتل في العبادة وقال:"من رغب عن سنتي فليس مني"، وقال عليه الصلاة والسلام:"إن هذه صدقة تصدق اللَّه بها عليكم فاقبلوا صدقته"(2).
5 -
إن ترك الترخص مع وجود السبب قد يؤدي إلى الانقطاع عن العمل والسآمة والملل، وهذا لا يجوز شرعًا، وحذر منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"خذوا من العمل ما تطيقون، فإن اللَّه لن يمل حتى تملوا"(3)، ونهى عبدَ اللَّه بن عمرو عن صوم الوصال، وقال عبدُ اللَّه بن عمرو بن العاص حين كبر:"يا ليتني قبلت رخصة رسول اللَّه" وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر"(4)، وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
الترجيح:
لم يرجح الشاطبي رحمه الله جانبًا على آخر (5)، والواقع أن الموضوع يرجع إلى تقدير المشقة والحرج الذي يحصل للمكلف، وإلى اجتهاده الشخصي وطاقته الخاصة وإيمانه وورعه وتقواه.
قال الشيخ الخضري رحمه الله: إن كل مكلف فقيه نفسه في الأخذ بها، ما لم يجد فيها حدًّا شرعيًّا فيقف عنده، وبيان ذلك أن سبب الرخصة المشقة، والمشقة تختلف بحسب قوة العزائم وضعفها وبحسب
(1) رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن ابن مسعود.
(2)
رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن عمر.
(3)
رواه البخاري ومسلم عن عائشة.
(4)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد.
(5)
الموافقات: 1 ص 235.
الأفعال، وليس كل الناس في المشاق وتحملها على حد سواء، وإذا كان كذلك فليس للمشقات المعتبرة في التخفيف ضابط مخصوص، ولا حد محدود يَطَّردُ في جميع الناس، ولذلك أقام الشارع في جملة منها المظنة مقام الحكمة، فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان المشقة، وترك جملة منها إلى الاجتهاد كالمرض (1).
أما تتبع الرخص عند الأئمة المجتهدين بقصد التشهي والتخفيف والتهرب من التكليف فغير جائز، قال ابن حزم: وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدِّين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له، غير طالبين ما أوجبه النص عن اللَّه تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم (2).
وأخيرًا فإن الفعل الواحد قد يشتمل على الوصف بالرخصة من جهة وبالعزيمة من جهة أخرى، ويتعلق بفعل المكلف حقان: حق اللَّه وحق العبد، فالتيمم مثلًا رخصة بحق العبد للتيسير عند عدم إمكان استعمال الماء، وهو عزيمة بحق اللَّه تعالى، فلا بد من الإتيان به (3).
إلى هنا ننتهي من الكلام عن الحكم الشرعي، وعن قسميه التكليفي والوضعي، وننتقل إلى الفصل الثاني، وهو الحاكم.
(1) أصول الفقه، له: ص 75.
(2)
الإحكام، له: 5 ص 645، وانظر: فتح العلي المالك للشيخ عليش 1/ 71.
(3)
المدخل إلى مذهب أحمد: ص 72.