الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قديمًا وحديثًا في القوانين التي تخلت عن شرع اللَّه وحكمه، وتركت الأحكام الإلهية، ووضعت لنفسها أحكامًا تعتمد على العقل، وتستند على المصالح والمفاسد، وتتنكب صراط اللَّه المستقيم، وطريقه القويم، نسأل اللَّه تعالى أن يردنا إلى ديننا ردًّا جميلًا، وأن يهدي المسلمين للعمل بشريعته، إنه نعم المولى ونعم النصير.
ثالثًا: مذهب الماتريدية
(1):
وهذا مذهب وسط بين المذهبين السابقين، ويرى -كالمعتزلة- أن أفعال المكلفين فيها خواص ولها آثار تقتضي حسنها أو قبحها، فالأشياء لها حسن ذاتي وقبح ذاتي، وأن العقل بناء على هذه الآثار والخواص يحكم بأن هذا الفعل حسن، وأن هذا الفعل قبيح، وما رآه العقل السليم حسنًا فهو حسن، وما رآه العقل السليم قبيحًا فهو قبيح، وأن اللَّه تعالى لا يأمر بما هو قبيح في ذاته، ولا ينهى عما هو حسن لذاته (2).
ومبدأ الماتريدية أن الحسن والقبح عقليان لا شرعيان، لأن أمهات الفضائل يدرك العقل حسنها، لما فيها من نفع، وأمهات الرذائل يدرك العقل قبحها، لما فيها من ضرر، ولو لم يرد بها شرع، واستدلوا أيضًا أن الحسن والقبح لو كانا شرعيين، ولا يعرفان إلا بالشرع لكانت الصلاة والزنا مثلًا متساويين قبل بعثة الرسل، فجعل أحدهما واجبًا والآخر حرامًا ليس أولى من العكس (3).
(1) الماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي، المتوفى سنة 333 هـ، وأكثرهم من الحنفية، وهو رأي بعض الحنابلة كأبي الخطاب وابن تيمية وابن القيم، (انظر: شرح الكوكب المنير: 1 ص 303، 304).
(2)
فواتح الرحموت: 1 ص 26، 29، 30، تيسير التحرير: 2 ص 152، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 69.
(3)
فواتح الرحموت: 1 ص 29.
ولكنهم قالوا: إن هذا الحسن والقبح العقليين لا يقتضي طلب الحسن أو ترك القبيح في الدنيا، ولا يقتضي الثواب أو العقاب في الآخرة، لأن الثواب والعقاب على الأفعال من وضع الشارع، ومتوقف على الشرع والرسل (1).
وينتج عن هذا المذهب ما يلي:
1 -
إن أهل الفترة ومن لم تبلغه الدعوة لا يطالب بفعل الحسن ولا يطالب بترك القبيح، ولا ثواب لفعل الحسن، ولا عقاب على تركه، كما لا ذم على فعل القبيح، ولا ثواب على تركه، فالثواب والعقاب لا يكون بمجرد العقل، لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15]، ولذلك اشترط الحنفية في تعلق التكليف أن تبلغ الدعوة المكلف، وأن إدراك الحسن والقبح للأفعال لا يقدر عليه كل الأفراد، ولا يعقل أن يعاقب إنسان على ترك فعل لم يدرك حسنه، ولم يرشده إليه داع موثوق (2).
وهذا مما يتفق فيه الماتريدية مع الأشاعرة، وأن الثواب والعقاب والمدح والذم أمور شرعية، وتتوقف على البعثة وبلوغ الدعوة.
واستثنى الماتريدية أمرًا واحدًا وهو وجوب الإيمان والاعتقاد بوحدانية اللَّه تعالى، وأن أهل الفترة إذا لم يعتقدوا ذلك بموجب عقولهم فإنهم يعذبون ويحاسبون على شركهم وكفرهم، لأن الإيمان حسن لنفسه حسنًا لا يقبل السقوط بحال من الأحوال، وهذا رأي أكثر الحنفية بوجوب الإيمان وتحريم الكفر على كل عاقل، سواء بلغته
(1) وهو رأي ابن تيمية القائل: "الحسن القبح ثابتان، الإيجاب والتحريم بالخطاب، التعذيب متوقف على الإرسال"، (انظر: شرح الكوكب المنير: 1 ص 302).
(2)
فواتح الرحموت: 1 ص 25، تيسير التحرير: 2 ص 162، 165، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 69.