الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة لوجوب الواجب في ذمة المكلف، وكالاستطاعة لوجوب الحج، وحولان الحول لوجوب الزكاة.
وإما أن تكون مقدمة وجود وهي التي يتوقف عليها وجود الواجب بشكل صحيح، أي صحة تفريغ الذمة من الواجب، إما من جهة الشرع، كالوضوء بالنسبة للصلاة، فلا توجد الصلاة الصحيحة إلا بوجود الوضوء، والعدد بالنسبة لصلاة الجمعة، وإما من جهة العقل، كالسير وقطع المسافة للحج (1).
كما تكون المقدمة إما سببًا للواجب، كالبلوغ ودخول الوقت للصلاة والصوم، والصيغة للعتق الواجب بنذر أو كفارة، والاعتداء والقتل للضمان والقصاص، وإما أن تكون شرطًا للواجب كالعقل للتكليف بالواجب، والقدرة للحج، والطهارة للصلاة (2).
ثانيًا:
حكم مقدمة الواجب:
اتفق العلماء على أن مقدمة الوجوب ليست واجبة على المكلف لأنها ليست في مقدوره، مثل دخول الوقت والاستطاعة وحولان الحول (3).
أما مقدمة الوجود فهي نوعان، نوع لا يقدر المكلف على فعله
(1) أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 18 وما بعدها، نهاية السول: 1 ص 127، مباحث الحكم، مدكور: 89، المستصفى: 1 ص 71، البرهان، للجويني: 1 ص 257.
(2)
السبب هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم، والشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، وسوف ندرس كلًّا منهما بالتفصيل في الفصل الثاني من هذا الباب، وانظر الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي: 1 ص 103، نهاية السول: 1 ص 123، تيسير التحرير: 2 ص 115.
(3)
مباحث الحكم: ص 90، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 61، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 119، المستصفى: 1 ص 71.
فلا يجب عليه، كحضور العدد في صلاة الجمعة، ونوع يقدر المكلف على فعله، مثل صيام جزء من الليل حتى يكون صوم النهار الواجب صحيحًا، ومثل غسل جزء من الرأس، حتى يكون غسل الوجه الواجب في الوضوء صحيحًا، فهذا النوع واجب باتفاق العلماء (1)، وهو المقصود من مقدمة الواجب، وقاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
لكنهم اختلفوا في دليل الإيجاب، هل هو نفس دليل الواجب الأصلي، أم هو بدليل جديد؟ أي هل إيجاب الواجب يدل على إيجاب مقدمته أم لا يدل عليها، ولا بد من إيجاب جديد (2)، اختلفوا على عدة مذاهب نذكر اثنين منها:
الأول: مذهب الجمهور وهو أن دليل الواجب يدل على وجوب المقدمة، سواء أكانت سببًا أم شرطًا، لأن التكليف بالواجب بدون التكليف بمقدمته يؤدي إلى التكليف بالمحال، وهو ممنوع، وأن السعي إلى تحصيل أسباب الواجب واجب، وأن السعي في تحصيل أسباب الحرام حرام، باتفاق، فكان دليل الواجب دليلًا للمقدمة.
الثاني: وهو عكس الأول، وهو أن مقدمة الواجب لا تجب بإيجاب الواجب، وإنما تحتاج إلى إيجاب جديد، لأنه لو وجبت المقدمة بدليل الواجب الأول لوجب التصريح بها، مع أن المقدمة لا يصرح بها، أو لكانت واردة في ذهن المخاطب مع أنه كثيرًا ما يغفل عنها، فإثبات
(1) أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 120، المستصفى: 1 ص 71، فواتح الرحموت: 1 ص 95، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 61، مختصر ابن الحاجب: ص 38، تيسير التحرير: 2 ص 216.
(2)
يعبر عن ذلك أمير بادشاه بقوله: أي ما يتوقف عليه الواجب وجوبه بسبب وجوب ذلك الواجب، تيسير التحرير، له: 2 ص 216.
إيجاب المقدمة لشيء لا يقتضيه الخطاب فيكون باطلًا (1).
وهناك آراء أخرى تفرق بين السبب والشرط، وبين الشرط الشرعي والشرط العقلي وغيره، وذلك أن عدم المشروط عند عدم الشرط إن كان منشؤه الشرع فهو شرط شرعي، كالطهارة بالنسبة للصلاة، وإن كان منشؤه العقل فهو شرط عقلي، مثل ترك ضد من أضداد المأمور به، كالأكل بالنسبة للصلاة، وإن كان منشؤه العادة فهو شرط عادي، كنصب السلم بالنسبة لصعود السطح، وغسل جزء من الرأس بالنسبة لغسل الوجه، فإن غسل الوجه لا ينفك عادة عن غسل جزء من الرأس (2).
وتفصيل هذا الموضوع دقيق ولا طائل تحته، ولذا نكتفي بهذا الجزء منه، قال الآمدي: وبالجملة فالمسألة وعرة، والطرق ضيقة فليقنع بمثل هذا في المضيق (3).
فائدة: يقول القرافي رحمه اللَّه تعالى: "الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة"(4).
(1) مباحث الحكم: ص 91، المستصفى: 1 ص 72، فواتح الرحموت: 1 ص 95، الإحكام، الآمدي: 1 ص 104، مختصر ابن الحاجب: 1 ص 39، نهاية السول: 1 ص 120.
(2)
أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 118.
(3)
الإحكام، له: 1 ص 14.
(4)
شرح تنقيح الفصول: ص 449.