الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواجبات إما تفصيلًا وإما إجمالًا وإما بالإحالة إلى غيره، ويكون الكتاب الكريم -بحق- كاملًا ومستوفيًا لجميع الأشياء (1).
رابعًا: دلالة آيات القرآن على الأحكام:
إن آيات القرآن الكريم ثابتة بطريق قطعي؛ لأنها نقلت إلينا بالتواتر الذي يوحي بالجزم أن الآية التي يقرؤها كل مسلم في بقاع الأرض هي نفسها التي تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وهي التي نزل بها جبريل من اللوح المحفوظ من غير تبديل ولا تغيير، تحقيقًا لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9].
أما دلالة النص القرآني على الحكم فليست واحدة، فمنها ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني الدلالة (2).
فالنص القطعي الدلالة هو ما دل على معنى متعين فهمه منه، ولا يحتمل تأويلًا آخر معه، وذلك مثل النصوص التي وردت فيها أعداد معينة أو أنصبة محددة في المواريث والحدود قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)} [النساء: 11] وقال تعالى:
(1) انظر خصائص التشريع القرآني وهي الإجمال والعموم وقلة التكاليف وعدم الحرج والتدرج في التشريع والواقعية في كتاب (مصادر التشريع الإِسلامي ص 75، تاريخ التشريع الإِسلامي، السبكي والسايس والبربري: ص 49، والموافقات: 3 ص 244).
(2)
الوسيط في أصول الفقه: ص 231، أصول الفقه خلاف: ص 37، أصول التشريع الإِسلامي: ص 20، فصول في أصول التشريع: ص 11، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 87، أصول الفقه الإِسلامي، شعبان: ص 48.
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 12] فإن دلالة النصين قطعية على أن فرض البنتين الثلثان، وفرض البنت الواحدة النصف، وفرض الزوج النصف، وقال تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فالآية قطعية الدلالة على مقدار حد الزنا، وقال تعالى في كفارة اليمين:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89] فالعدد قطعي الدلالة، ولا تقبل الكفارة بأقل من ذلك، ولا بأكثر منه، وكل ما بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قطعي الدلالة، مثل معنى الصيام، والصلاة، والزكاة، والحج، وقرر العلماء أن المصطلحات الشرعية تقدم على المعاني اللغوية.
أما النص الظني الدلالة فهو ما يدل على عدة معان، أو هو ما يدل على معنى، ولكنه يحتمل معاني أخرى، بأن يحتمل التأويل والصرف عن معنى إلى غيره، مثل لفظ القرء في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فلفظ القرء في اللغة لفظ مشترك بين معنيين: الطهر والحيض، والنص القرآني يحتمل أن يراد منه ثلاثة أطهار، كما قال الشافعي وغيره، ويحتمل أن يراد منه ثلاث حيضات، كما قال الإِمام أبو حنيفة ومن معه، وكذلك لفظ اليد في آية