الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ما سقط عن العباد بإخراج سببه بأن يكون موجبًا للحكم في محل الرخصة، مع كون الساقط مشروعًا في وقت آخر كالقصر في السفر فهو رخصة مجازًا عند الحنفية، ولا تصح العزيمة عندهم (1).
فالنوعان الأول والثاني رخصة حقيقية لثبوت العزيمة المقابلة لها، والعمل فيها، وتسمى عند الحنفية رخصة ترفيه، وقال الحنفية بالنوع الثالث والرابع وأنهما مجازيان للرخصة، ووافقهم الإمام الغزالي على ذلك، ويطلق عليهما اصطلاح رخصة إسقاط، فالترخيص أسقط حكم العزيمة، وصار الحكم الشرعي هو الرخصة (2).
خاتمة: هل الأفضل الأخذ بالرخصة أم بالعزيمة
؟
اختلف العلماء في ترجيح الأخذ بالرخصة أم بالعزيمة، وكان اختلافهم غالبًا في كل جزئية على حدة (3)، وجاء الشاطبي وتناول هذا الموضوع بشكل عام، ووازن بين الرخصة والعزيمة، وذكر الأدلة التي ترجح الأخذ بالعزيمة، ثم أتبعها بالأدلة التي ترجح الأخذ بالرخصة، ونستعرض أهمها:
أولًا: أدلة ترجيح العزيمة:
1 -
العزيمة هي الأصل الثابت المتفق عليه المقطوع به، أما
(1) ذكرت الشافعية في قول أن حكم قصر الصلاة في السفر كالأفطار في رمضان، وأن الإتمام أفضل من القصر، والمشهور عندهم أن القصر أفضل من الإتمام، إذا بلغ ثلاث مراحل، والأدلة متوفرة في الفقه المقارن، انظر التوضيح: 3 ص 86، المستصفى: 1 ص 98، تسهيل الوصول: ص 252، مغني المحتاج: 1 ص 271، 437.
(2)
تسهيل الوصول: ص 252، التوضيح: 3 ص 86، المستصفى: 1 ص 98، أصول الفقه، خلاف: ص 141، أصول السرخسي: 1 ص 117 وما بعدها.
(3)
المدخل إلى مذهب أحمد: ص 72، أصول الفقه، الخضري: ص 76، مباحث الحكم: ص 127.
الرخصة، وإن كان مقطوعًا بها، لكن سبب الترخيص ظني، وهو المشقة، لأنها ليست منضبطة، وتتفاوت حسب الأشخاص والأحوال.
2 -
العزيمة راجعة إلى أصل كلي في التكليف لجميع المسلمين، وهو أصل عام مطلق على جميع المكلفين، أما الرخصة فإنها ترجع إلى حالة جزئية حسب بعض المكلفين المعذورين، أو بحسب بعض الأحوال والأوقات فالرخصة عارض طارئ على العزيمة، ومن المقرر عند تعارض الأمر الكلي مع الأمر الجزئي، ترجيح الكلي، لأنه يحقق ويقتضي مصلحة عامة.
3 -
الأمر بالمحافظة على التكاليف وتحمل المشاق فيها، وإنْ فُتِح مقابلها باب الرخصة أحيانًا، قال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، فوصفهم بالصدق مع حصول الزلزال الشديد والمشقة بالمؤمنين، وقال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزمر: 10]، وقال تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} [آل عمران: 186]، وقال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
4 -
الأخذ بالرخصة قد يصبح ذريعة إلى انحلال العزائم في التعبد، أما الأخذ بالعزيمة فإنه يعوِّد على الثبات في التعبد، والأخذ بالحزم في الأمور، وإن اعتاد الشخص على الرخص صارت كل عزيمة شاقة عليه وحرجة، فيحاول التهرب منها، والخروج من مقتضاها.
5 -
إن الأصل في التشريع هو التكليف، والتكليف فيه كلفة ومشقة على العبد، واقتضت حكمة اللَّه تعالى أن تكون الكلفة حسب طاقة الإنسان وقدرته، وحسب مجرى العادات، فإن ظهرت شدة المشقة والتكليف على بعض الأفراد أو في بعض الحالات فلا تخرج العزيمة