الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: السنة القولية:
هي الأحاديث التي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع المناسبات والأغراض، وقد سمعها الصحابة رضوان الله عليهم، ونقلوها عنه، وهي تشكل السواد الأعظم من السنة، مثل حديث:"إنما الأعمال بالنيات"(1)، وحديث:"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"(2)
ثانيًا: السنة الفعلية:
وهي الأفعال والتصرفات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بها في دائرة العمل والتشريع، ونقلها الصحابة رضوان الله عليهم لنا بالوصف الدقيق في مختلف شؤون حياته، سواء أكان الوصف والنقل بطلب النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله:"صَلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله:"خُذُوا عني مناسككم"(3)، أم بدون طلبه كوصف الصحابة له بما كان يفعله في الحرب، والقضاء بشاهد ويمين، والمعاملة في الدِّيْن، والشراء والبيع، وغير ذلك، ويعبرون عنه بقولهم:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، أو يعمل كذا، أو فعل كذا، وعمل كذا"(4).
ثالثًا: السنة التقريرية:
هي ما أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صدر عن الصحابة من أقوال وأفعال، بسكوته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه ورضاه، فيكون إقراره وموافقته على القول أو الفعل كأنه صادر عنه، مثل إقراره لمن تيمم من الصحابة للصلاة لعدم وجود الماء ثم وجده بعد الصلاة، ولم يعد صلاته، وإقراره لعليٍّ في بعض أقضيته، وإقراره لمن أكل لحم حمار الوحش والضَّب، واستحسانه لقول معاذ في كيفية القضاء
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد.
(3)
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وقال:"أيها الناس، إنما صنعت هكذا كيما تروني، فتأتموا بي" رواه البخاري (1/ 148) ومسلم (5/ 34) والنسائي (2/ 60) وابن ماجه (1/ 454)، وانظر: المهذب 1/ 329 ط محققة.
(4)
المستصفى: 1 ص 131.
بكتاب الله ثم بسنة رسوله ثم بالاجتهاد، وإقراره لصلاة العصر في غزوة بني قريظة، وإقراره لقول القائف في نسب أسامة بن زيد، ويدخل في ذلك قول الصحابي:"كنا نفعل كذا في عهد رسول الله"(1)، وإقراره الأذان الذي رآه عبد الله بن زيد، والعلة في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسكت على باطل، فإن صدر أمامه قول أو فعل وسكت عنه فهذا يدل على قبوله شرعًا.
تعريفات فرعية:
بعد هذا التعريف وشرحه. نذكر بعض الاصطلاحات المتصلة بالسنة ونبين الصلة بينها:
1 -
عرف علماء الحديث السنة بأنها "ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة" فأضافوا كلمة "صفة" لإدخال الصفات الخَلقية والخُلقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة (2).
2 -
تطلق السنة عند الأصوليين أيضًا ويراد منها ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، مثل سنة الصبح ركعتان، وهي بهذا الإطلاق ترادف المندوب، وتقابل الواجب والحرام والمكروه والمباح (3)، ويكون بين هذا المعنى والتعريف السابق عموم وخصوص من وجه، فيشتركان في بعض الأمور، ويختص كل منهما بجانب.
3 -
يدخل في السنة إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابته، وكذا تركه لأمر من الأمور، وغير ذلك مما توسع فيه علماء الأصول (4).
(1) إرشاد الفحول: ص 41، شرح الكوكب المنير: 2 ص 166.
(2)
السنة ومكانتها في التشريع: ص 60، أصول الحديث للزميل الفاضل الدكتور محمَّد عجاج الخطيب: ص 19.
(3)
إرشاد الفحول: ص 33، الأحكام، الآمدي: 1 ص 165، أصول الفقه، أبو النور: 3 ص 108، الحدود في الأصول، الباجي: ص 57.
(4)
إرشاد الفحول: ص 42، شرح الكوكب المنير: 2 ص 161، 163، 165، كإشارته =
4 -
السنة والحديث: السنة هي قول أو فعل أو تقرير، أما الحديث فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم فقط، عند الجمهور، فتكون السنة أعم من الحديث، لأن كل حديث سنة ولا عكس، فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق، وفي قول آخر: إن الحديث ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نقل عن الصحابة، أما السنة فهي ما نقل عن الرسول فقط، فيكون الحديث هنا أعم من السنة (1).
5 -
وقد تطلق السنة على ما يقابل البدعة، فالسنة هي الطريقة التي أقرها الشرع، والبدعة ما ينافي ذلك مما ينكره الشرع (2).
6 -
عرف بعض علماء الأصول السنة فقال: هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير غير القرآن (3)، فأضاف لفظ "غير القرآن" ليتحرز في تعريف السنة عن القرآن الكريم، فإنه نقل عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف جمهور الأصوليين في هذه الإضافة؛ لأن رسول الله لم يكن إلا مبلغًا لكلام الله عن جبريل إلى الأمة، وليس القرآن صادرًا عنه كالسنة.
ما يدخل في السنة وما لا يدخل:
قلنا في تعريف السنة: إنها ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، والسؤال الآن: هل كل أقواله وأفعاله وتقريراته تعتبر سنة يجب العمل بها أم لا؟
= صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه ليبقى إمامًا في الصلاة، رواه البخاري ومسلم، وكتابة فريضة الزكاة.
(1)
إرشاد الفحول: ص 33، المدخل لابن بدران: ص 89، تسهيل الوصول: ص 139، الموافقات: 4 ص 4.
(2)
إرشاد الفحول: ص 33، المدخل لابن بدران: ص 89، تسهيل الوصول ص 139.
(3)
تسهيل الوصول: ص 139.
والجواب بالنفي طبعًا، ولذلك بيّن علماء الأصول الأقوال والأفعال والتقريرات التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعتبر تشريعًا لغيره من الأمة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان كسائر الناس اختاره الله للرسالة، ولم تخرجه النبوة عن الصفة البشرية، والضابط في ذلك هو: أن ما صدر عن رسول الله بوصفه رسول الله وكان مقصودًا به التشريع فهو حجة، وما صدر عنه بصفته البشرية فليس بسنة ولا حجة، وهي:
1 -
ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات قبل البعثة؛ لأنه لا تشريع فيها.
2 -
ما صدر عن رسول الله بمقتضى طبيعته الإنسانية من قيام وقعود ومشي ونوم وأكل وشرب وغير ذلك من الأفعال فلا تعتبر تشريعًا؛ لأن هذه الأعمال صدرت عنه بصفته الإنسانية وليس بصفته التشريعية، ويطلق عليها العلماء الأفعال الجبلية (1)، إلا إذا قام الدليل على أن المقصود من فعله الاقتداء فتكون تشريعًا بهذا الدليل، وليس بمجرد صدوره عنه (2)، كالأكل باليد اليمنى الذي ورد في حديث ابن أم سلمة "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"(3).
3 -
ما صدر عن رسول الله بمقتضى الخبرة البشرية التي استقاها من
(1) ذهب الجمهور إلى الحكم على هذه الأفعال بأنها للإباحة، ونقل الباقلاني والغزالي عن قوم بأنها للندب، وكان عبد الله بن عمر أكثر الصحابة تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتبع هذه الأفعال ليقوم بها ويقتدي فيها، وقد بحث علماء الأصول بحثًا مستفيضًا في أنواع الأفعال التي تصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعتبر منها تشريعًا وما لا يعتبر كذلك، وحكم كل نوع منها، انظر الإحكام، الآمدي: 1 ص 159، نهاية السول: 2 ص 240، إرشاد الفحول: ص 35، أصول الفقه، للخضري: ص 261، شرح الكوكب المنير: 2 ص 178.
(2)
إرشاد الفحول: ص 35، الإحكام، الآمدي: 1 ص 159.
(3)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عمر بن أبي سلمة.
تجاربه الخاصة في الحياة، كالتجارة والزراعة وقيادة الجيش ووصف الدواء وغيره، فهذا لا يعتبر حجة ولا تشريعًا، وكان هذا المعنى واضحًا في ذهن الصحابة، فيسألون رسول الله عن مثل هذه الأمور، وهل هي من عند الله أم من الخبرة، قال الحباب بن المنذر في غزوة بدر: أهذا منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: ليس هذا بمنزل، وأشار بإنزال الجند في مكان آخر قريب من الماء ليقطع على العدو الشرب (1)، وعندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المدينة وهم يؤبرون النخل أشار عليهم بالترك فتركوا، فلم تحمل الأشجار فشَكَوْا إليه، فقال لهم:"أبروا، أنتم أعلم بأمور دنياكم"(2).
4 -
الخصوصيات: وهي الأمور التي قالها أو فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الدليل على أنها خاصة به أو بأحد الصحابة، وليست تشريعًا لغيره، كزواجه بأكثر من أربع زوجات، واكتفائه في إثبات الدعوى بشهادة خُزَيمة وحده في مجال إثبات الواقعة، أما الحكم فهو تشريع، وإباحة الوصال في الصيام للرسول دون غيره، واختصاصه بوجوب التهجد في الليل وصلاة الضحى والوتر، والتخيير لنسائه، ودخوله مكة بغير إحرام (3).
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "افترض الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته، وتبيين فضيلته، مع
(1) سيرة ابن هشام، 2 ص 620.
(2)
رواه مسلم عن طلحة وعائشة، جامع الأصول: 10 ص 354.
(3)
إرشاد الفحول: ص 35، الإحكام، الآمدي: 1 ص 159، أصول الفقه، الخضري: ص 262، أصول الفقه، خلاف: ص 47، ط 7، شرح الكوكب المنير: 2 ص 178.
ما لا يحصى من كرامته له" (1)
(1) الأم: 5/ 150 ط دار الفكر.