الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في الاستحسان
تعريف الاستحسان:
الاستحسان لغة: عدُّ الشيء واعتقاده حسنًا (1)، وفي اصطلاح الحنفية القائلين به هو: عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي، أو عن حكم كلي إلى حكم استثنائي، لدليل انقدح في عقله رجح هذا العدول (2).
ويظهر من التعريف أن الاستحسان نوعان:
الأول: ترجيح أحد القياسين على الآخر، ويسمي البزدوي القياس المرجوح بأنه ما ضعف أثره، أي: دليله (3).
والنوع الثاني: استثناء حكم من القاعدة لمصلحة؛ لأن استمرار
(1) القاموس المحيط: 4 ص 214.
(2)
أصول الفقه، خلاف: ص 89، كشف الأسرار: 4 ص 1123، المستصفى: 1 ص 283، والقياس الجلي هو ما يكون دليله ظاهرًا، أو دليله قويًّا، والقياس الخفي هو الذي خفيت علته لدقتها وبعدها عن الذهن.
(3)
كشف الأسرار، للبخاري، على أصول البزدوي: 4 ص 1123، أصول مذهب أحمد: ص 501، أثر الأدلة المختلف فيها: ص 122، أصول الفقه، للخضري: ص 367.
القاعدة، وتطبيقها على بعض الفروع، فيه فساد وحرج.
صورته: أن تقع حادثة ليس فيها حكم، ولها وجهتان مختلفتان، الأولى ظاهرة توجب حكمًا ظاهرًا للمجتهد، والأخرى خفية توجب حكمًا دقيقًا، لا يصل إليه المجتهد إلا بعد النظر والتدقيق، فيرجح المجتهد الحكم الخفي، لدليل خاص، على الحكم الظاهر الجلي، ويسمى عمله هذا استحسانًا، وكذا إذا ترجح بنفس المجتهد دليل يوجب استثناء جزئية معينة من حكم كلي أو قاعدة عامة، فيكون هذا استحسانًا.
مثال الأول: التحالف: الأصل أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ويطبق هذا الأصل على كل قياس، فتكون اليمين على المدعى عليه، وليس على المدعي يمين وإنما عليه البينة، ولكن فقهاء الحنفية قالوا: إذا اختلف البائع والمشتري في مقدار الثمن قبل القبض، فادعى البائع أنه ألفان، وادعى المشتري أنه ألف، فيتحالفان استحسانًا وهو الراجح (1).
والسبب في ترجيح الاستحسان هنا على القياس أن البائع مدَّعٍ من حيث الظاهر للألفين، ولكنه يعتبر منكرًا لحق المشتري في تسليم المبيع، والمشتري ينكر الزيادة ظاهرًا، ويدعي حق تسليم المبيع ضمنًا، فصار كل منها مدعيًا ومنكرًا في آن واحد، فيتحالفان (2).
مثال الثاني: ضمان الأجير المشترك (3)، فالأصل أن الأمين لا يضمن
(1) التحالف: هو أن يقسم كل من البائع والمشتري يمينًا على دعواه.
(2)
فتح القدير: 6 ص 184، تبيين الحقائق: 4 ص 305، كشف الأسرار: 4 ص 1131، وانظر تفصيل هذا المثال ومقارنة المذاهب وآراء العلماء في رسالتنا: وسائل الإثبات: 2 ص 684.
(3)
وهو قول المالكية والصاحبين من الحنفية، وقال الشافعي في الأظهر: لا يضمن =