الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في المحكوم فيه
(1)
تعريف المحكوم فيه:
هو فعل المكلف الذي تعلق به خطاب الشارع (2).
وذلك أن كل حكم من أحكام الشارع يتعلق بفعل من أفعال المكلفين سواء كان الحكم اقتضاء أو تخييرًا أو وضعًا، وقد سبق تعريف الحكم بأنه خطاب اللَّه المتعلق بأفعال المكلفين، فالخطاب له محل، وهذا المحل هو فعل المكلف.
وهذا الفعل إما أن يكون واجبًا أو مندوبًا أو مكروهًا أو حرامًا أو مباحًا، وإما أن يكون سببًا أو مانعًا أو شرطًا (3).
(1) يعبر بعض العلماء عن المحكوم فيه بالمحكوم به، وذلك لأن فعل المكلف يوصف بأنه مأمور به أو منهي عنه، والتعبير في المحكوم فيه أقرب وأولى كما يقول الكمال بن الهمام، لأن الشارع لم يحكم به على المكلف، بل جعل الفعل محكومًا فيه بالوجوب أو بالمنع، (انظر تيسير التحرير: 2 ص 184).
(2)
التلويح على التوضيح: 3 ص 129، نهاية السول: 1 ص 181، أصول الفقه، خلاف: ص 145.
(3)
الوسيط في الفقه الإسلامي: ص 140، أصول الفقه، البرديسي: ص 115.
مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} [المائدة: 35]، فالإيجاب في الآية تعلق بفعل من أفعال المكلفين، وهو الجهاد فكان واجبًا.
ومثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فالندب في الآية تعلق بفعل من أفعال المكلفين، وهو كتابة الدَّين فجعلته مندوبًا.
ومثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، فالتحريم في الآية تعلق بفعل من أفعال المكلفين هو القتل فجعلته حرامًا.
ومثل قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، فالكراهة المأخوذة من الآية تعلقت بفعل من أفعال المكلفين هو إتفاق المال الخبيث فجعلته مكروهًا.
ومثل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [بالجمعة: 10]، فالإباحة في الآية تعلقت بفعل من أفعال المكلفين هو الانتشار في الأرض فجعلته مباحًا.
ومثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، فالقتل الوارد في الآية، الصادر من فعل الشخص، سبب في القصاص، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث القاتل"(1)، فالقتل الوارد في الحديث، الصادر من فعل المكلف، مانع له من الميراث.
ومثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، فالوضوء الوارد في الآية فعل من أفعال المكلفين وهو شرط للصلاة.
وإن كان الحكم الوضعي ليس من فعل المكلف، فهو يتعلق بفعله
(1) رواه أبو داود ومالك وأحمد وغيرهما بلفظ "ليس للقاتل ميراث".