الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
الإنسان كامل أهلية الأداء، وهو كل من بلغ عاقلًا، وهذه الأهلية تعتمد على العقل وترتبط بالبلوغ، لأنه مظنة العقل.
وفي هذه الحالة تكون جميع تصرفات الإنسان معتبرة، وتترتب عليها الحقوق والواجبات، ويكون الإنسان صالحًا لصدور التصرف منه على وجه يعتد به شرعًا، ويكون مخاطبًا بجميع التكاليف الشرعية في العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات والعقوبات، ولكن لا تسلم له أمواله إلا إذا بلغ رشيدًا وتأكد الولي أو القاضي من رشده (1)، لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
ثانيًا: عوارض الأهلية:
بما أن أهلية الأداء تساوي المسؤولية التي تقوم على العقل، وبما أن أحوال الإنسان وقدراته العقلية معرضة لطوارئ ونقص وتغيير، فإن قدرته على الفهم وصلاحيته للالتزامات تتغير، وبالتالي فإن أهلية التكليف تختلف بحسب الطوارئ، وأطلق العلماء على هذه العوامل التي تؤثر في أهلية الأداء اسم عوارض الأهلية، لأنها تمنع الأحكام التي تتعلق بأهلية الوجوب، أو بأهلية الأداء، عن الثبوت؛ لنقص في العقل أو فقدانه (2).
= 1373 وما بعدها، فواتح الرحموت: 1 ص 153، 156، تيسير التحرير: 2 ص 248 وما بعدها، أصول السرخسي: 2 ص 336، 339، 341 وما بعدها.
وقال الشافعية: إن أهلية الأداء إما معدومة قبل البلوغ، أو كاملة بعد البلوغ، وقد تكون ناقصة للمحجور عليه.
(1)
فواتح الرحموت: 1 ص 156.
(2)
تيسير التحرير: 2 ص 258، كشف الأسرار: 4 ص 1382، أصول الفقه، شعبان: ص 286.
وهذه العوارض إما أن تكون سماوية، وهي التي تثبت من قبل الشارع، ولا كسب للإنسان فيها، ولا اختيار له في وقوعها، وأهمها الجنون والعته والنسيان والنوم والإغماء، وإما أن تكون عوارض كسبية تقع بفعل الإنسان وكسبه واختياره، وأهمها الجهل والسكر (1) والسفه والخطأ والإكراه (2).
وهذه العوارض تؤثر على الأهلية، ولكن تأثيرها يختلف من حالة إلى أخرى، فبعضها يزيل الأهلية، وبعضها ينقصها، وبعضها يغير في الأحكام فقط، ولذا تنقسم العوارض إلى ثلاثة أقسام:
1 -
العوارض التي تعرض لأهلية الأداء فتزيلها أصلًا، كالجنون والنوم والإغماء والإكراه، ويصبح الإنسان في هذه الحالات عديم الأهلية تمامًا، ولا يترتب على تصرفاته أثر شرعي، وتنعدم عنه التكاليف، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(3)، والمراد رفع المؤاخذة، وهذا يستلزم رفع التكليف (4).
(1) يميز في السكر بين حالتين، فإن كان سكره بعذر فإنه لا يكلف باتفاق، وإن كان سكره بدون عذر بأن يشرب الخمر والمسكر مختارًا طائعًا عالمًا بأنه مسكر وحرام، فالجمهور على أنه يبقى مكلفًا حالة سكره، ولا يرفع عنه القلم، وقال بعض العلماء بأنه كالمجنون في أقواله وأفعاله، وهناك أقوال أخرى معروفة في كتب الفقه، (انظر: شرح الكوكب المنير: 1 ص 505 وما بعدها).
(2)
تسهيل الوصول: ص 309، كشف الأسرار: 4 ص 1382، أصول الفقه، خلاف: ص 160، أصول الفقه، الخضري: ص 102، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 325، مباحث الحكم: ص 268.
(3)
رواه ابن ماجه والطبراني عن ثوبان.
(4)
منهاج الوصول: ص 15، الإحكام، الآمدي: 1 ص 142، نهاية السول: 1 ص 173، حاشية البناني على جمع الجوامع: 1 ص 72، فواتح الرحموت: =
2 -
العوارض التي تنقص أهلية الأداء كالعته، فإذا أصاب البالغ العاقل حجر أو عته فلا تزول عنه أهلية الأداء بل تنقص، وتصح منه التصرفات النافعة دون غيرها كالصبي المميز.
3 -
العوارض التي تغير بعض الأحكام، كالسفه والغفلة والدَّيْن، فإذا أصاب المكلف سفه أو غفلة أو دين فلا يؤثر ذلك على أهليته، فلا تزول ولا تنقص، ولكن تتغير بعض الأحكام الناشئة عن تصرفاته، كالحجر عن تصرفاته المالية بالمعاوضة والتبرع للمحافظة على ماله حتى لا يبقى عالة على غيره، أو للمحافظة على حقوق الدائنين الذين يتضررون بتصرفه (1).
وقد توسع علماء الأصول في المذهب الحنفي في بيان الأهلية وأقسامها وفروعها، وما يتعلق بها من أحكام، وخصوا عوارض الأهلية أيضًا بالتفصيل، وتابعهم على ذلك أكثر الكُتَّاب المحدثين في علم الأصول، وقد اقتصرت على الخلاصة السابقة خشية الإطالة من جهة، ولتجنب التكرار في الدراسة من جهة أخرى، فإن بحث الأهلية يدرس بتوسع في مادة المدخل الفقهي العام، وفي مادة الأحوال الشخصية، وفي مادة القانون المدني، ومن أراد التوسع فليرجع إلى الكتب المعتمدة في الأصول (2).
= 1 ص 166، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 170، شرح الكوكب المنير: 1 ص 509.
(1)
انظر: أصول الفقه، خلاف: ص 161.
(2)
تسهيل الوصول: ص 306، التلويح: 3 ص 152، تيسير التحرير: 2 ص 253، كشف الأسرار: 4 ص 1357 وما بعدها، فواتح الرحموت: 1 ص 156، وانظر المدخل للفقه الإسلامي، لطلاب السنة الثالثة للتوسع في الموضوع.