الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرعي، والحرام لا يصلح سببًا شرعيًّا، لعدم صلاحية المحل لظهور الحكم الشرعي فيه، فزواج المحارم باطل، والدخول في الزنا باطل، وبيع الميتة باطل، والباطل لا يترتب عليه حكم (1).
ثانيًا: المحرم لغيره:
وهو ما كان مشروعًا في أصله، ولكن اقترن به أمر آخر بسبب مفسدة وضرر للناس، فحرمه الشارع لهذا السبب، مثل الصلاة في ثوب مغصوب، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة، وصوم يوم العيد، وزواج المحلِّل، والصلاة بدون طهارة، فإن الصلاة في الأول مشروعة وواجبة على المكلف، ولكن لما اقترن بها المنكر، وهو الانتفاع بالثوب المغصوب، أصبحت محرَّمة بسببه، والبيع مشروع ومباح، ولكن لما اقترن به منكر وهو الانشغال عن صلاة الجمعة صار محرمًا، ومثله الصوم يوم العيد، وزواج المحلِّل، وصوم الوصال، والغش في البيع.
وينظر العلماء إلى المحرم لغيره من جهتين، فمن جهة أصله فهو مشروع لعدم وجود المفسدة والمضرة فيه، ومن جهة ما اقترن به فهو حرام لما يترتب عليه من مفسدة ومضرة وهو أمر خارجي عن المحل أو الفعل، ولذا فقد اختلفت آراء الأئمة في حكم كل مسألة من المسائل السابقة، وانقسموا في تكييف المحرم لغيره إلى قسمين كل منهما يرجح أحد الجانبين على الآخر، وظهر قولان:
القول الأول: أن التعاقد على المحرم لغيره يكون فاسدًا لا باطلًا، وهو رأي الحنفية، الذين يفرقون بين البطلان والفساد، وأن الفساد مرتبة بين البطلان والصحة، وأن العقد الفاسد منعقد ولكنه غير
(1) أصول الفقه، خلاف: ص 128، مباحث الحكم، مدكور: ص 101، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 43.
صحيح، وأنه يجب فسخه، فإن نفذ ترتبت آثاره عليه، ويكون المال خبيثًا.
القول الثاني: أن العقد على المحرم لغيره باطل كالعقد على المحرم لذاته، وأنه لا فرق بين الفساد والبطلان، وهما مرتبة واحدة، وهو رأي جمهور الأئمة، قال الآمدي: مذهب الشافعي أن المحرم بوصفه مضاد لوجوب أصله (1)، أي: إن التحريم للوصف كالتحريم للأصل تمامًا.
ونتيجة للاختلاف السابق اختلفت الأنظار في حكم كل مسألة محرمة لغيرها، ففرق الحنفية بين الصفة الجوهرية التي يتعلق بها التحريم لغيره ويكون العقد فاسدًا كالربا، وبين الصفة العارضة التي يتعلق بها التحريم لغيره، ويكون حكمها الكراهة فقط، أي: التحريمية، كالبيع وقت أذان الجمعة (2).
وفرق الشافعية بين المحرم لغيره لوصف فيه كالصلاة بدون طهارة وحكمها البطلان، وبين التحريم لأمر خارج عن المحل، وحكمه الصحة مثل الطلاق في زمن الحيض، فهو صحيح لصرف التحريم إلى أمر خارج عن الطلاق وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة، وكذا الصلاة في الأوقات والأماكن المنهي عنها (3).
وهذا الاختلاف يرجع إلى مقتضى النهي، وهو ما سنبينه إن شاء اللَّه في مبحثي الأمر والنهي.
وينتج عن تقسيم الحرام إلى حرام لذاته وحرام لغيره، بالإضافة إلى الاختلاف في الفساد والبطلان ينتج أمر آخر، وهو جواز استباحة المحرم في بعض الحالات، فالمحرم لذاته يباح بهدف الحفاظ على الضروريات وهي حفظ الدين والمال والنفس والعقل والعرض، فيباح
(1) الإحكام، له: 1 ص 110، وانظر المدخل للفقه الإسلامي، للمؤلف: ص 5.
(2)
أبحاث في علم أصول الفقه: ص 138، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 43.
(3)
الإحكام، الآمدي: 1 ص 110، المستصفى: 1 ص 80، المسودة: ص 83.