الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدلوا على ذلك بأن مصالح العباد كثيرة جدًّا، وأنها تتجدد مع تجدد الحوادث وتطور الزمان، والشرع إنما جاء لتحقيق المصالح الحقيقية في الدنيا والآخرة، وذلك بجلب المصالح لهم ودفع المفاسد عنهم، فلا بد من إقراراها، وإلا تعطلت مصالح الناس، ووقفت الأحكام عن مواكبة التطور والتغيير، وهذا يخالف مقاصد الشريعة.
كما استدلوا على ذلك بأعمال الصحابة الذين شرعوا أحكامًا كثيرة لتحقيق مصالح العباد المتجددة مع عدم وجود دليل شرعي عليها، مثل جمع المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه وعهد عثمان، واستخلاف عمر، ووضع الخراج وتدوين الدواوين واتخاذ السجون (1)، وهي مصالح عامة، ولا دليل من الشارع على إقرارها، ولا إلغائها.
شروط الاحتجاج بالمصالح المرسلة:
واشترط أصحاب القول الثاني في المصلحة المرسلة التي يصح بناء الأحكام عليها ثلاثة شروط، وهي:
1 -
أن تكون مصلحة حقيقية بحيث تحقق النفع للناس أو تدفع الضرر عنهم، ولا عبرة للمصالح الظاهرية أو الوهمية.
2 -
أن تكون مصلحة عامة لمجموع الأمة، أو للأكثرية الغالبة، ولا عبرة للمصالح الشخصية والفردية، أو التي تخدم طائفة معينة قليلة في المجتمع، لأنها في الغالب تكون ضارة بالمجموع، ولأن التشريع لا يكون من أجل الأفراد، وإنما يكون لتحقيق المصالح العامة.
3 -
أن لا تعارض الأحكام المبنية على المصلحة حكمًا شرعيًّا ثابتًا بالنص أو الإجماع، فإن معارضته تدل على أن هذه المصلحة ملغاة من قبل المشرع لما يترتب عليها من مفاسد، فيكون إبطالها من المشرع
(1) تيسير التحرير: 3 ص 171.
أبعد نظرًا وأسد قيلًا، مثاله أن بعض علماء الأندلس (1) أفتى حاكمها أن يصوم شهرين متتابعين كفارة إفطاره في رمضان بالجماع، بحجة أنه لو أمره بإعتاق رقبة لكان سهلًا عليه ذلك، ويستحقر إعتاق الرقبة مقابل قضاء شهوته، فرأى أن المصلحة لانزجاره عنه بالصوم شهرين، وهذه المصلحة باطلة، لأنها تخالف النص الوارد في الحديث الذي أمر بإعتاق رقبة أولًا، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (2).
وإن دواعي الاستصلاح هي:
1 -
جلب المصالح، 2 - درء المفاسد، 3 - سد الذرائع، 4 - تغير الزمان.
والخلاصة أن الخلاف لفظي بين العلماء في حجية المصلحة، وأن الخلاف في المصلحة المرسلة التي تؤدي إلى حفظ مقاصد الشرع هل تعتبر قياسًا على المصالح الواردة في الكتاب والسنة والإجماع، أم هي مصدر شرعي مستقل تسمى مصلحة مرسلة؟ قال الغزالي: وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة (3).
وقال الشيرازي رحمه اللَّه تعالى: "لأن في الرهن بالأرش مصلحة للراهن في حفظ ماله
…
، ويجوز للمصلحة ما لا يجوز لغيرها" (4).
(1) وهو يحيى بن يحيى الليثي تلميذ الإمام مالك، مع عبد الرحمن بن الحكم، انظر: علم أصول الفقه، خلاف ص 97، مختصر البعلي ص 162، المستصفى 1/ 285، الاعتصام 3/ 97، غياث الأمم ص 166.
(2)
المستصفى: 1 ص 285.
(3)
المستصفى: 1 ص 311، وانظر ضوابط المصلحة: ص 407.
(4)
المهذب 3/ 207، ط محققة، وانظر: شفاء الغليل ص 184.