الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبادة، وأن كل أمر قصد به المكلف وجه اللَّه تعالى أصبح عبادة يستحق به صاحبه الأجر والثواب.
الثاني: أن المباح خادم للواجب والمندوب، وأن المباح مباح بالجزء مطلوب الفعل أو مطلوب الترك بالكل (1)، وهذا ما انفرد به الشاطبي، وسوف نعرضه بالتفصيل في نهاية البحث.
هل المباح مأمور بطلبه أو باجتنابه
؟:
قبل الجواب عن هذا السؤال نبين أن المباح حكم شرعي بإجماع علماء الأصول، وخالف بعض المعتزلة وقالوا: إن المباح ليس حكمًا شرعيًّا، لأن المباح ما لا حرج في فعله وتركه، وهذا ثابت قبل النص عليه في الشرع، فيبقى مستمرًا لاستصحاب الحال، ولا علاقة للحكم التكليفي به، والواقع أن المباح كحكم شرعي هو خطاب اللَّه تعالى المتعلق بتخيير المكلف بين الفعل والترك، وهذا ثابت بالخطاب الذي تثبت به الأحكام الشرعية الأخرى (2)، ولئن كان المباح حكمًا شرعيًّا، فإنه ليس حكمًا تكليفيًّا، لأن التكليف ما فيه كلفة ومشقة، والتخيير ليس فيه كلفة ومشقة، وإنما دخل في الحكم التكليفي من جهة التغليب، ويدخل في الواجب من جهة الاعتقاد بإباحته (3).
أما من جهة الأمر بالمباح فيكاد العلماء يتفقون على أن المباح غير مأمور به، وأن الشارع خير المكلف فيه، فلم يأمر المكلف بفعله ولم يطلب منه الترك (4).
(1) الموافقات: 1 ص 78، 85.
(2)
المستصفى: 1 ص 75، الإحكام، الآمدي: 1 ص 115، مباحث الحكم: ص 107.
(3)
الإحكام، الآمدي: 1 ص 117، مباحث الحكم: ص 109، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 64.
(4)
المستصفى: 1 ص 75، تيسير التحرير: 2 ص 226، الإحكام، الآمدي: 1 ص 115، =
وخالف في ذلك الكعبي من كبار المعتزلة، وقال: إن المباح مأمور به، ونفى وجود المباح في الأحكام الشرعية، وأن الأحكام الشرعية إما أن تكون مطلوبة الفعل أو مطلوبة الترك، واستدل على ذلك بأن القيام بأحد المباحات يشغل المكلف عن الحرام، ويكون عمل المباح تركًا للحرام، وترك الحرام واجب، فالمباح واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالاشتغال بالأكل أو بالصيد يمنع الإنسان ويبعده عن السرقة وشرب الخمر وقذف المحصنات والغيبة والنميمة.
وقال الكعبي أيضًا: إن الأحكام الشرعية تتعلق بالنفع والضرر للأفعال، فإن كانت نافعة، أو كان نفعها أكثر من ضررها فهي مطلوبة الفعل، وإن كانت ضارة، أو كان ضررها أكثر من نفعها، فهي مطلوبة الترك، وإنه لا يوجد فعل يتساوى فيه النفع والضرر في آن واحد، أو يتساوى فيه الوجود والعدم، فالأكل فيه منفعة ومطلوب فعله لتغذية الجسم، والنوم مطلوب لصحة الإنسان، واللهو مطلوب بمقدار ما ينتفع الذهن به (1).
وناقش الجمهور أدلة الكعبي وردوا شبهته بأن ترك الحرام والكف عنه أمر نفسي وإرادي ولا يتحقق بالاشتغال بالمباح، وأن المرء يمارس المباحات دون أن يخطر بباله ترك الحرام (2).
= الموافقات: 1 ص 73، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 64، مختصر ابن الحاجب: ص 41.
(1)
المراجع السابقة: أصول الفقه، الخضري: 58، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 47، البرهان، الجويني: 1 ص 294.
(2)
أصول الفقه، الخضري: ص 59، مباحث الحكم: ص 108، الإباحة: ص 289، وما بعدها.
تيسير التحرير: 2 ص 226، مباحث الحكم: ص 109.