الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة أم لا، لأن العقل يستقل في إدراك بعض أحكام اللَّه تعالى، وأهمها الإيمان به، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: لا عذر لأحد في الجهل بخالقه، لما يرى من دلائل وحدانيته (1).
2 -
إن الحكم العقلي بحسن الفعل أو قبحه لا يلزم منه أن تكون أحكام اللَّه تعالى في أفعال المكلفين حسب ما تدركه العقول فيها من حسن أو قبح، لأن الفعل قد يخطئ وحكم اللَّه لا يخطئ، ولأن بعض الأفعال قد تشتبه فيها العقول، ولذا فلا تلازم بين أحكام اللَّه تعالى وما تدركه العقول، وبالتالي فلا يعرف حكم اللَّه تعالى إلا بواسطة الرسل والكتب السماوية (2).
ثمرة الاختلاف:
1 -
يظهر مما سبق أن جميع المسلمين متفقون على أن الحسن ما حسنه الشرع، وأن القبيح ما قبحه الشرع بعد البعثة ونزول الكتاب، فلا يترتب على الاختلاف السابق أثر بالنسبة للمكلفين الذين بلغتهم الدعوة، سواء آمنوا بها أم كفروا، فكل فعل أمر به الشارع فهو حسن ومطلوب فعله ويثاب فاعله، وكل فعل نهى عنه الشارع فهو قبيح، ومطلوب تركه ويعاقب فاعله، وإن الدراسة السابقة في موضوع الحاكم والاختلاف في الحسن والقبح دراسة تاريخية نظرية لا جدوى منها ولا طائل تحتها، ولا تترتب عليها الأحكام الشرعية إلا في الأمور التالية الأخرى.
(1) فواتح الرحموت: 1 ص 28، 48، تيسير التحرير: 2 ص 151، ونقل ابن عبد الشكور قول بعض الحنفية الآخر وهو أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة غير مكلف بالإيمان، ولا يؤاخذ في الآخرة بخلاف المعتزلة والإمامية.
(2)
فواتح الرحموت: 1 ص 25، تيسير التحرير: 1 ص 153، وقارن ما نقله الشيخ محمد أبو زهرة عن الحنفية في كتاب أصول الفقه: ص 69.
2 -
يظهر أثر الاختلاف وثمرته بالنسبة لمن لم تبلغهم شرائع الرسل في زماننا مثلًا، أو قبل البعثة الذين يطلق عليهم اسم أهل الفترة، فقال الأشاعرة: إنهم ناجون، ولا يثابون على فعل ولا يعاقبون على غيره، وأن أمرهم راجع إلى اللَّه تعالى، وقال المعتزلة: إنهم مكلفون ومحاسبون إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وقال الماتريدية: إنهم مكلفون بالإيمان باللَّه تعالى فقط، ولا يحاسبون ولا يعاقبون على غيره.
3 -
تظهر ثمرة الاختلاف أيضًا في مكانة العقل بين مصادر التشريع، وهل يعتبر العقل مصدرًا من المصادر التشريعية التي يرجع إليها المجتهد إذا لم يجد نصًّا في كتاب أو سنة؟
قال أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية: إن العقل ليس مصدرًا ولا دليلًا ولا حجة، وإنما تنحصر المصادر في الأمور التي سبق ذكرها وهي القرآن والسنة ثم الاجتهاد والاستدلال والاستنباط بالقياس والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب وغير ذلك، وإن العقل يعمل فيها حيث أباح الشارع له العمل بناء على هذه المصادر.
وقال الشيعة الإمامية الجعفرية، الذين يلتزمون بمذهب المعتزلة في العقائد: إن العقل دليل ثالث بعد القرآن والسنة، ولكن بإذن من الشارع جعل له الحق بالأخذ بما يشير إليه، فإن لم يجد المجتهد نصًّا رجع إلى العقل، فما رآه العقل حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وهو حكم اللَّه تعالى، ويجب على المكلف فعله، وما رآه العقل قبيحًا فهو عند اللَّه قبيح ويجب على المكلف تركه (1).
(1) أصول الفقه: ص 66، 70، وقد كتب الزميل الدكتور رشدي عرسان المدرس في جامعة بغداد رسالة دكتوراة في كلية الشريعة بالأزهر عن "العقل كمصدر تشريعي عند الشيعة الجعفرية" وناقشها فيآب 1971 م، وساعدت جامعة بغداد على طبعها، وجاءت في 490 صفحة.