الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ- الاختلاف في قواعد تخصيص العام، وقواعد تقييد المطلق، وقواعد النسخ، وغير ذلك من المباحث التي تتعلق بالكتاب والسنة مما سيطلع عليه القارئ فيما بعد، فيرى هذه القواعد، وأثر الاختلاف فيها على اختلاف الفقهاء (1).
وأكتفي بهذا العرض الموجز لأضرب مثالين للتطبيق، أحدهما من القرآن، والآخر من السنة، ليكونا صلة الوصل بين هذا الباب التمهيدي وبين الباب الأول في بحث المصدرين الرئيسيين وهما الكتاب والسنة.
الاختلاف في القراءة الشاذة:
القرآن الكريم منقول إلينا بالتواتر، كما سيأتي تفصيله في البحث التالي، أما ما نقل بغير المتواتر فلا يعتبر قرآنًا، ولا تصح به الصلاة، ولا يتعبد بتلاوته، ويعرف بالقراءة الشاذة أو المشهورة، كما ورد في مصحف ابن مسعود في كفارة اليمين:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]، بزيادة لفظ "متتابعات" ومثل قراءة ابن مسعود في آية السرقة "فاقطعوا أيمانهما" بدلًا من {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقراءة أبيّ "فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعات" [البقرة: 184]، بزيادة كلمة "متتابعات".
(1) ألف الأستاذ الفاضل الدكتور مصطفى الخن رسالة دكتوراه في هذا الموضوع بعنوان: "أثر اختلاف القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" فأبلى فيها بلاء حسنًا، وأجاد فيما كتب، فجزاه الله خير الجزاء، وانظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ص 25، الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف: ص 8، الفقه المقارن، الزفزاف: ص 44 وما بعدها، محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء، الخفيف: ص 110، تنقيح الفصول، القرافي: ص 127، الفقه المقارن، حسن الخطيب: 17، تفسير النصوص: ص 339 وما بعدها، الميزان الكبرى، للشعراني، الموافقات، الشاطبي: 4 ص 138، الاعتصام، الشاطبي: 2 ص 165، فقه الكتاب والسنة، شلتوت: ص 61، الإسلام عقيدة وشريعة: ص 434.
اختلف العلماء في حجية القراءة الشاذة على قولين:
القول الأول: أن هذه القراءة حجة يجب العمل بها، وهو رأي الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد، لأن هذه القراءة لا بد أن تكون مسموعة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون سنة بيانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة يجب الاعتماد عليها، وإلا فلا يجوز للصحابي أن ينقلها، ولا يحتمل أن تكون مذهبًا للصحابي، لأن الصحابي نقلها وكتبها في القرآن، ولو كانت مذهبًا له كان عمله افتراء وكذبًا منه، مع أن الصحابة عدول لا يكذبون في القرآن، ولا في الحديث، ولا في غيرهما.
القول الثاني: أن القراءة الشاذة ليست حجة ولا يعتمد عليها، وهي رأي أكثر الشافعية المالكية ورواية عن أحمد، لأنها ليست قرآنًا باتفاق، وأن الصحابي لم يصرح بأنها سنة، فتكون تفسيرًا واجتهادًا من الصحابي، فلا يُلزم الاحتجاج بها.
وترتب على هذا الاختلاف اختلاف الأئمة في أحكام فقهية كثيرة، منها: الاختلاف في وجوب التتابع في صيام الكفارة أو عدم وجوبه.
فذهب الحنفية والحنابلة في ظاهر المذهب إلى اشتراط التتابع في كفارة اليمين، فلو صام متفرقًا لم يصح، واحتجوا بقراءة ابن مسعود:"فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وقالوا: إن هذه القراءة تنزل منزلة الحديث الصحيح، وبما أنها مشهورة عن ابن مسعود فيمكن الزيادة بها على النص.
وقال الشافعية والمالكية -وأحمد في رواية- بعدم اشتراط التتابع في كفارة اليمين، والمكلف حر ومخير بين الصيام المتتابع أو المتفرق، وإن قراءة ابن مسعود ليست حجة، ولا يلزم العمل بها، وتُحمل على معرض البيان منه (1).
(1) أصول السرخسي: 1 ص 281، المستصفى: 1 ص 102، فواتح الرحموت: =