الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الأصول، وتدوين قواعده، ووضع ضوابط الاجتهاد، فأصَّل الأصول، وقعَّد القواعد، ليعصم أهل الاجتهاد والخلاف والمناظرة من الخطأ والانحراف في الاستنباط، ويضع بين أيديهم الموازين لبيان الخطأ من الصواب، فكان بحق أول من وضع علم الأصول (1).
قال أبو ثور رحمه الله: لولا أن الله تعالى منَّ عليَّ بالشافعي للقيت الله تعالى، وأنا ضال، ولما قدم علينا ودخلنا عليه كان يقول: إن الله تعالى قد يذكر العام، ويريد به الخاص، وقد يذكر الخاص، ويريد به العام، وكنا لا نعرف هذه الأشياء، فسألناه عنها
…
فعلمنا أن كلامه ليس على نهج كلام غيره (2).
ويقول الإمام أحمد بن حنبل: ما كنت أعرف قبل الشافعي ناسخًا ولا منسوخًا (3).
كتب الإمام الشافعي في الأصول:
صنف الإمام الشافعي عدة كتب في الأصول وهي:
1 -
الرسالة: وهي أكبر الكتب وأهمها وأشهرها، وقد كتب الإمام الشافعي رحمه الله فصول الرسالة في مكة المكرمة بعد تجواله في الأقطار، وعندما قدم بغداد في المرة الثانية طلب منه الفقيه الحافظ عبد الرحمن بن المهدي (4) أن يضع كتابًا في معاني القرآن والسنة والناسخ
(1) انظر وصف شخصية الشافعي في كتاب الشيخ محمد أبو زهرة، الشافعي: ص 35، وكتاب مناقب الشافعي، للبيهقي.
(2)
محاضرات الشيخ جاد الرب: ص 73، مناقب الشافعي، الرازي: ص 20.
(3)
المرجع السابق: ص 1، وانظر مباحث الحكم: ص 46، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 13.
(4)
عبد الرحمن بن مهدي، الحافظ الإمام، ولد سنة 135 هـ، ومات سنة 198 هـ، قال الشافعي: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا. (الرسالة: ص 11 هامش).
والمنسوخ وحجية الإجماع، وأجاب الشافعي لذلك، وكتب له الرسالة، ولما استقر في مصر أعادها، وأملاها على الربيع بن سليمان، وجعلها مقدمة لكتابه الأم (1).
واستهل الإمام الشافعي الرسالة بموضوع البيان (ص 21)، فعرفه وبيَّن أنواعه، وهي: بيان القرآن للقرآن، وبيان السنة للقرآن، وبيان الأحكام بالاجتهاد والقياس، وانتقل رحمه الله تعالى إلى مباحث القرآن والسنة (ص 53) فبين أن بعض نصوص القرآن الكريم عام يراد به العموم، وبعضها عام يدخله الخصوص، وبعضها عام من حيث الظاهر وهو يجمع العام والخاص، وبعضها عام من حيث الظاهر والمراد منه الخاص، وبين المشترك والمجمل والمفصل، ثم أسهب الكلام عن أكثر الموضوعات أهمية منذ عصره حتى اليوم، وهو حجية السنة ووجوب اتباعها (ص 73)، وأن ذلك فرض بنصوص القرآن الكريم، وبيَّن مكانة السنة في التشريع، ومراتب السنة بالنسبة للقرآن الكريم ودرجتها بعد القرآن الكريم، وتطرق بشكل خاص إلى حجية خبر الواحد في إثبات الأحكام الشرعية، ثم تكلم رحمه الله عن الناسخ والمنسوخ (ص 106)، ثم استعرض مصادر التشريع (ص 471)، فبيَّن حقيقة الإجماع وحجيته، ووضع الضوابط للقياس، وتعرض لرد الاستحسان (2).
(1) انظر مقدمة الرسالة، تحقيق محمد أحمد شاكر: ص 1، الإمام الشافعي، الجندي: ص 273، أصول الفقه لغير الحنفية: ص 30، مناقب الشافعي، البيهقي: 1 ص 230، 2 ص 244، مناقب الشافعي، الرازي: ص 55، 57، الفتح المبين: 1 ص 127.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله يسمي الرسالة "الكتاب" أو "كتابي"، وسميت الرسالة في عصره لأنه أرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي، فغلبت هذه التسمية على الكتاب، انظر: الرسالة ص 12.
(2)
تاريخ التشريع الإسلامي، الخضري: ص 186، مناقب الشافعي، الرازي: ص 57 وما بعدها.
كانت الرسالة المحجة للمخالفين، والموئل للمتنازعين، فوحَّدت شملهم، وخففت من أثر الخلاف بينهم، وساروا على نهج الرسالة في أعمالهم.
قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني، لأنني رأيت كلام رجل فصيح ناصح، فإني لأكثر الدعاء له (1).
وكانت الرسالة أول كتاب أصولي، فلم تشتمل على جميع بحوث الأصول، شأن كل عمل جديد، يكون في الغالب غير منظم ولا مستوفى، وقد وصلت إلينا الرسالة كاملة، وطبعت عدة طبعات (2).
قال ابن خلدون رحمه الله: وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله عنه، فأملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها في الأوامر والنواهي، والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس (3).
وقال الرازي رحمه الله: أعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول
(1) الرسالة: ص 1.
(2)
شرح الرسالة الإمام أبو بكر الصيرفي، محمد بن عبد الله، المتوفى سنة 330 هـ، وأبو الوليد النيسابوري، حسان بن محمد، المتوفى سنة 349 هـ، والقفال الشاشي الكبير، محمد بن علي بن إسماعيل، المتوفى سنة 365 هـ، وأبو بكر الجوزقي، محمد بن عبد الله الشيباني النيسابوري، المتوفى سنة 388 هـ، والجويني أبو محمد، عبد الله بن يوسف والد إمام الحرمين، المتوفى سنة 438 هـ، وغيرهم، (انظر كشف الظنون: 1 ص 555 وما بعدها).
وقد طبعت الرسالة مع كتاب الأم، وطبعت طبعة مستقلة عدة مرات، وأهم طبعة كانت بتحقيق العلامة المرحوم أحمد شاكر، فقد أخرجها بحلة قشيبة مقرونة بتحقيق الأحاديث والموضوعات الأصولية، فجزاه الله خيرًا، وبعد نفاد هذه الطبعة تطاول شخص آخر اسمه: سيد كيلاني، فاقتبس بعض تحقيقات موجزة من تحقيق أحمد شاكر، ونسبها لنفسه، وطبع الرسالة بشكل ممسوخ تقشعر له الأبدان.
(3)
مقدمة ابن خلدون: ص 455.
كنسبة أرسطو إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض (1).
2 -
كتاب جماع العلم: وقد كتبه الشافعي لإثبات حجية خبر الآحاد، ووجوب العمل به، والرد على من أنكره، وقد أفرده لأهميته وشدة الاختلاف فيه (2).
3 -
كتاب إبطال الاستحسان: بيَّن فيه الإمام الشافعي معنى الاستحسان، ورد على القائلين به، وأن الواجب اتباع ما شرع الله تعالى، وأن الاستحسان احتكام للعقل والهوى والشهوة، وقال: من استحسن فقد شرَّع (3).
4 -
كتاب اختلاف الحديث الذي وضعه للجمع بين الأحاديث التي يبدو عليها التعارض، وهو أول كتاب من نوعه في هذا الموضوع (4).
5 -
كتاب أحكام القرآن، وهو في أصول الفقه، وكذا كتاب القياس للشافعي (5).
وقد وضع الإمام الشافعي علم الأصول ليكون ميزانًا وضابطًا لمعرفة الخطأ من الصواب في الاجتهاد، والصحيح من غير الصحيح من الآراء، وأن يكون قانونًا يلتزم به المجتهد عند الاستنباط، ويقيس به الأمور، ويوزن فيه أحكام غيره، وقد طبق الإمام الشافعي رحمه الله
(1) مناقب الشافعي، له: ص 56.
(2)
هذا الكتاب مطبوع مع كتاب الأم، الجزء السابع ص 250، كما أفرده أحمد شاكر بالنشر، ثم حققه الأستاذ محمد أحمد عبد العزيز، ونشرته دار الكتب العلمية، بيروت- 1405 هـ / 1984 م.
(3)
هذا الكتاب مطبوع أيضًا مع كتاب الأم: ص 267 - 277.
(4)
هذا الكتاب مطبوع على هامش الجزء السابع من كتاب الأم.
(5)
انظر مقدمة الرسالة: ص 13.