الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوهم المعنى المراد في القياس، وقد ينصرف إلى أصول الدِّين في العقيدة وعلم الكلام.
ومصادر التشريع التي يعتمد عليها العلماء لمعرفة أحكام الله تعالى كثيرة بالعد، وقد تصل إلى نيف وعشرين مصدرًا، أهمها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا والعرف وسد الذرائع (1).
ولا بد من التنبيه إلى أن المصدر الحقيقي -في نظر المسلم- هو مصدر سماوي، لا وضعي، وأن مصدر التشريع الوحيد -بإجماع المسلمين- هو الله سبحانه وتعالى، ولا مشرع سواه، {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] ويتجلى هذا المصدر السماوي بالقرآن الكريم، وبما أشار إليه القرآن الكريم، وإن بقية المصادر متابعة للقرآن الكريم، أو مبينة وكاشفة لحكم الله تعالى، وليست منشئة للحكم، فالمسلم لا يقبل إلا حكم الله تعالى.
تقسيم مصادر التشريع:
تقسم هذه المصادر عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة، فتقسم من حيث أصلها إلى مصادر نقلية كالكتاب والسنة والإجماع والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي، وهي التي لا دخل للمجتهد فيها، وتوجد قبل المجتهد، ومصادر عقلية وهي التي يظهر في تكوينها ووجودها أثر المجتهد، وهي القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع، وهذان القسمان متكاملان؛ لأن الاستدلال بالدليل النقلي لا بد فيه من
(1) مختصر ابن الحاجب: ص 48، الأحكام، الآمدي: 1 ص 14، تيسير التحرير: 3 ص 2، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 87، تنقيح الفصول، القرافي: ص 141، مرآة الأصول، منلا خسرو: ص 15، أصول السرخسي: 1 ص 278، أثر الأدلة المختلف فيها: ص 18.
بذل الجهد والتدبر والنظر، والاستدلال بالمعقول لا بد أن يكون معتمدًا على النقل، وإن مصادر الشريعة لا تنافي قضايا العقول (1).
وتنقسم المصادر من حيث استقلالها إلى قسمين، الأول: ما هو أصل مستقل بنفسه في إثبات الأحكام مثل الكتاب والسنة والإجماع والعرف ومذهب الصحابي، والثاني: ما لا يكون أصلًا مستقلًا، ويحتاج إلى أصل فيه، كالقياس والاستحسان وسد الذرائع، وهذا القسم يكون مُظْهِرًا للحكم لا مثبتًا له (2).
وتنقسم المصادر من حيث الاتفاق عليها إلى قسمين، الأول: مصادر متفق عليها بين جماهير أهل السنة والجماعة، وهي أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس (3)، وإن الاستدلال بها مرتب على هذا الشكل، والدليل على ذلك من القرآن والسنة وعمل الصحابة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:
(1) قال الإمام الشاطبي: الأدلة العقلية غير مستقلة بالدلالة، وإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية، أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما شابه ذلك، لا مستقلة بالدلالة، لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي، والعقل ليس بشارع، الموافقات، له: 1 ص 13.
وقال في مكان آخر: إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا، ويتأخر العقل فيكون تابعًا، فلا يسري العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل، الموافقات: 1 ص 53، وانظر الموافقات: 3 ص 24، أصول الفقه، الخضري: 225، 227، أصول الفقه، شعبان: ص 28، الوسيط في أصول الفقه: ص 208، وقال الماوردي رحمه الله تعالى:"العقل متبوع فيما لا ينفع فيما لا يمنع منه الشرع، والشرع مسموع فيما لا يمنع منه العقل" أدب الدين والدنيا، له، 7 ص 78.
(2)
كشف الأسرار: 1 ص 19، تيسير التحرير: 3 ص 3.
(3)
لم يُعتبر خلاف الظاهرية والمعتزلة في القياس، ولا خلاف المعتزلة والروافض في الإجماع، ولهذا اعتبرت مصادر متفقًا عليها.
59] ، فالآية تدل على أحكام الله في الكتاب والسنة وإجماع أهل الحل والعقد، فإن لم يوجد فيها حكم، واختلف العلماء في المسألة فيقيسونها على النص، لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ، ولحديث معاذ بن جبل في القضاء والحكم، واتفاق المسلمين في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي على الرجوع إلى الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس (1)، والقسم الثاني مصادر مختلف فيها، وهي الاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وسد الذرائع، وتسمى المصادر الأولى: أصلية، والثانية: مصادر تبعية؛ لأنها ترجع إلى الأولى (2).
وهذا التقسيم الأخير هو أهم تقسيم للمصادر، ولهذا نشرع بدراسة هذه المصادر بمشيئة الله، فنعطي فكرة عامة وتعريفًا مختصرًا لها، في الفصلين القادمين.
(1) الأحكام، الآمدي: 1 ص 145، الموافقات: 3 ص 7، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 87، مصادر التشريع الإِسلامي: ص 44.
(2)
فواتح الرحموت: 2 ص 3، تيسير التحرير: 3 ص 2، أصول السرخسي: 1 ص 279، شرح الكوكب المنير: 2 ص.