الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي أن الإِمام أبا حنيفة رجع عن هذا الرأي، ووافق الصاحبين في عدم القراءة بالفارسية لغير عذر؛ لأن النظم العربي ركن في القرآن، ولكن الإِمام وصاحبيه أجازوا قراءة القرآن بالفارسية أو بغيرها للعذر عند عدم العلم بالعربية أو عدم انطلاق اللسان بها، ويكون ذلك بمثابة ذكر وتسبيح لله تعالى؛ لأن العاجز سقطت عنه القراءة فيذكر الله تعالى ويسبحه بلغته، بينما ذهب الأئمة الثلاثة إلى أن العاجز عن العربية وقراءة القرآن يصلي ساكتًا بلا قراءة، وتسقط عنه للعجز (1).
ثانيًا: القراءة المشهورة والقراءة الشاذة:
ويتفرع عن اشتراط التواتر في نقل القرآن الكريم أن القراءة غير المتواترة سواء أكانت مشهورة أم كانت شاذة، وخارجة عن نطاق المصحف العثماني والقراءات السبع، فإنها لا تعتبر قرآنًا، ولا يتعبد بتلاوتها، ولا تصح الصلاة بها باتفاق المسلمين (2).
وإنما ذهب بعض العلماء إلى الاحتجاج بالقراءة المشهورة أو الشاذة على أنها سنة ثابتة، وخالفهم الجمهور في ذلك، وسبق بيان الآراء في أسباب الاختلاف.
ثالثًا: هل البسملة من القرآن:
اتفق المسلمون على أن "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" بعض آية من القرآن الكريم في سورة النمل، ثم اختلفوا في كونها آية من أوائل السور على ثلاثة أقوال:
= في علوم القرآن 1/ 288.
(1)
فواتح الرحموت: 2 ص 8، تيسير التحرير: 3 ص، التلويح: 1 ص 159، كشف الأسرار: 1 ص 25، شرح المنار: ص 9، أصول السرخسي: 1 ص 281.
(2)
فواتح الرحموت: 2 ص 9، مختصر ابن الحاجب: ص 49، 50، تيسير التحرير: 3 ص 9، حصول المأمول: ص 39، حاشية العطار: 1 ص 297.
القول الأول: أن البسملة آية من القرآن الكريم في أول كل سورة أو مع الآية الأولى من كل سورة إلا في سورة التوبة، وهو قول الشافعي.
واستدل على ذلك أن البسملة منزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أول كل سورة، لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم سورة وابتداء أخرى حتى ينزل عليه جبريل ببسم الله في أول كل سورة"(1)، وأنها كتبت مع القرآن بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن المسلمين أثبتوها في مصحف عثمان بالإجماع، مع تصلب الصحابة في الدِّين، وتشدُّدِهم في حفظ القرآن، ومنع الزيادة أو كتابة أسماء السور والنقط والتعشير (2)، وروت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فعدَّها آية (3)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فاتحة الكتاب سبع آيات، أولهنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"(4).
القول الثاني: أن البسملة ليست آية في أوائل السور مطلقًا، وهو قول المالكية ومنهم القاضي أبو بكر الباقلاني، واستدلوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، أي بدون تسمية، واستدلوا
(1) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، انظر: المستدرك 1 ص 551، نيل الأوطار 2/ 234، تلخيص الحبير 1/ 223.
(2)
المستصفى: 1 ص 102، الإحكام، الآمدي، 1 ص 151، حاشية العطار على جمع الجوامع: 1 ص 296، مختصر ابن الحاجب: ص 49، حاشية البناني: 1 ص 227، الوسيط في أصول الفقه: ص 219، نيل الأوطار 2/ 222، المجموع 3/ 291.
(3)
رواه الدارقطني والحاكم، ومعناه عند أحمد وأبي داود والترمذي (انظر: نيل الأوطار 2/ 230، تلخيص الحبير 1/ 232).
(4)
انظر في أحاديث البسملة: الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف، لابن عبد البر، الرسائل المنيرية 2/ 156.
بعمل أهل المدينة الذين لا يعتبرونها من القرآن الكريم، وعمل أهل المدينة حجة عند المالكية؛ لأنهم أعلم الناس بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان يعمله، وأن البسملة في أوائل السور للفصل بينها فقط (1)، وفي الحديث القدسي "قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله
…
".
القول الثالث: أن البسملة آية واحدة من القرآن الكريم، وليست جزءًا من أوائل السور، بل وضعت للفصل بينها والتبرك فيها، وهو قول الحنفية، واستدلوا على كونها آية أنها كتبت في القرآن بأمر رسول الله، وأنها داخلة بين دفتي المصحف ومكتوبة بخط القرآن الكريم، وأن تواترها في أوائل السور لا يستلزم تواترها كآية، وإنما أنزلت للفصل، لحديث ابن عباس السابق، كما ترك قراءتها نصف القراء؛ لأنه ثبت عندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها عند قراءة السور، وقراءة القراء متواترة، ولهذه الاحتمالات والشبه فإن منكرها لا يكفر (2).
قال الشوكاني: والحق أنها آية في كل سورة لوجودها في رسم المصحف، وذلك هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن، ثم الإجماع على ثبوتها خطأ في المصحف في أوائل السور، ولم يخالف في ذلك من لم يثبت كونها قرآنًا من القراء وغيرهم، وبهذا حصل الركن الثاني وهو النقل مع كونه نقلًا إجماعيًّا بين جميع الطوائف، وأما الركن الثالث وهو موافقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي فذلك ظاهر (3).
(1) المراجع السابقة، شرح الكوكب المنير: 2 ص 124.
(2)
فواتح الرحموت: 2 ص 14، تيسير التحرير: 3 ص 7، شرح الكوكب المنير: 2 ص 124، أصول السرخسي: 1 ص 280، التلويح والتوضيح: 1 ص 159، 161، كشف الأسرار: 1 ص 23، والقراءات السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وهم نافع وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، قراءات متواترة.
(3)
إرشاد الفحول، له: ص 31.