الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل المندوب مأمور به:
بما أن الندب يستفاد من صيغة الأمر المصحوب بقرينة صارفة عن الإيجاب إلى الندب، فيتفرع عن ذلك مسألة هامة، وهي هل المندوب مأمور به أم لا؟
اتفق العلماء على كون المندوب مأمورًا به، ثم اختلفوا في طبيعة هذا الأمر على قولين:
القول الأول: أن المندوب مأمور به حقيقة، وهو رأي الجمهور من الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية والمحققين من الحنفية (1)، واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
إن فعل المندوب يسمى طاعة، والطاعة تكون من امتثال أمر اللَّه تعالى لعباده، فكان المندوب مأمورًا به.
واعترض ابن عبد الشكور على الدليل فقال: الطاعة تكون في الأمر وتكون في الندب، فلا يكون الندب مأمورًا به (2).
2 -
إن الأمر ينقسم لغة إلى قسمين أمر إيجاب وأمر ندب، وكما أن الواجب مأمور به، فكذلك يكون المندوب مأمورًا به.
واعترض على الاستدلال بأن الأمر ينقسم عند أهل اللغة إلى أمر تهديد وأمر إباحة أيضًا، والتهديد والإباحة ليس مأمورًا بهما باتفاق، فيكون الندب كذلك ليس مأمورًا به حقيقة (3).
(1) المستصفى: 1 ص 75، فواتح الرحموت: 1 ص 111، الإحكام، الآمدي: 1 ص 112 تيسير التحرير: 2 ص 222 وما بعدها، المسودة في أصول الفقه: ص 11 وما بعدها 15، أصول السرخسي: 1 ص 14، البرهان، للجويني: 1 ص 249.
(2)
البرهان: 1 ص 249، فواتح الرحموت: 1 ص 112.
(3)
فواتح الرحموت: 1 ص 112.
3 -
المندوب مطلوب كالواجب، ولكن الواجب مطلوب مع ذم تاركه، والمندوب مطلوب من الشارع مع عدم ذم تاركه، والطلب أمر من الشارع، فالمندوب مأمور به.
القول الثاني: أن المندوب ليس مأمورًا به حقيقة، وإنما هو مأمور به مجازًا، وهو رأي بعض الحنفية، كالكرخي والرازي، وأخذت به كتب الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
لو كان المندوب مأمورًا به حقيقة لكان تركه معصية، والمعصية معاقب عليها لمخالفة الأمر، مع أن العلماء اتفقوا على أن ترك المندوب لا يكون معصية، وأن التارك لا يعاقب فاعله، ولا يذم -كما سبق في حكمه- فكان المندوب مأمورًا به مجازًا فقط (1).
ويعترض الغزالي عليهم بأن الندب اقتضاء لا تخيير فيه، لأن التخيير عبارة عن تسوية بين أمرين، فإذا رجح جهة الفعل بربط الثواب به ارتفعت التسوية والتخيير، واللَّه تعالى يقتضي من عباده ما فيه صلاحهم، ويقتضي بالندب لنيل الثواب، وأما القول بأن تاركه لا يسمى عاصيًا فسببه أن العصيان اسم ذم مختص بمخالفة أمر الإيجاب، وقد أسقط الذم عن المندوب، ويسمى تاركه مخالفًا وغير ممتثل، كما يسمى فاعله موافقًا ومطيعًا (2).
2 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"(3)، فالسواك مندوب، ولم يأمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أمر به لكان واجبًا.
(1) فواتح الرحموت: 1 ص 111، تيسير التحرير: 2 ص 224، مباحث الحكم: ص 94، أصول السرخسي: 1 ص 14 وما بعدها.
(2)
المستصفى: 1 ص 76، الإحكام، الآمدي: 1 ص 113.
(3)
رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد ومالك.