الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين تعالى أنه لا يهدف من التكليف الإرهاق، بل الهدف من الأحكامِ رفع الحرج والمشقة عن الناس، فقال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] وقال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وهكذا يثبت قطعًا أن الله تعالى شرع الأحكام لمقاصد، وأن هذه المقاصد منها كلية، ومنها جزئية، وأن العلماء بينوا معرفة المقاصد الكلية والجزئية (1).
ثالثًا: الفائدة من معرفة مقاصد الشريعة:
إن معرفة مقاصد الشريعة لها أهمية عظيمة، وفوائد كثيرة بالنسبة للطالب والفقيه والعالم والمجتهد.
أما فائدتها بالنسبة للطالب والباحث فتتحدد بما يلي:
1 -
أن يعرف الطالب الإطار العام للشريعة، ويُكوِّن عند التصور الكامل للإسلام، ويحصل عنده الصورة الشاملة لتعاليمه، لتتكون لديه النظرة الكلية الإجمالية لأحكامه وفروعه، وبالتالي يدرك الطالب المكان
(1) انظر الموافقات: 2 ص 289، مقاصد الشريعة الإِسلامية: ص 22، شرح الكوكب المنير: 1 ص 314.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها". (الفتاوى الكبرى: 20 ص 48، السياسة الشرعية: ص 47).
وقال الإمام البيضاوي: "لكن نص في القياس على أن الاستقراء قال على أن الله سبحانه وتعالى لا يفعل إلا لحكمة وإن كان على سبيل التفضل"(نهاية السول، شرح منهاج الأصول: 1 ص 150).
وقال العلامة الشاطبي: "لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخر، هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت من أجلها".
(الموافقات: 2 ص 283). وانظر: قواعد الأحكام: 1 ص 5 ، 10.
الطبيعي لكل مقرر دراسي، ومادة علمية، ويعرف موقعها الحقيقي في ذلك، ومن ثم تتحدد لديه بشكل عام ما يدخل في الشريعة وما يخرج منها، فكل ما يحقق مصالح الناس في العاجل والآجل، في الدنيا والآخرة فهو من الشريعة، ومطلوب من المسلم، وكل ما يؤدي إلى الفساد والضرر، والاضطراب والمشقة فهو ليس من الشريعة، بل هو منهي عنه، وهذا يساعده على وضع اللبنات في أماكنها، ويقيم المواد على قواعدها (1).
2 -
إن دراسة مقاصد الشريعة تبين للطالب الأهداف السامية التي ترمي إليها الشريعة في الأحكام، وتوضح للطالب الغايات الجليلة التي جاءت بها الرسل، وأنزلت لها الكتب، فيزداد إيمانًا إلى إيمانه، وقناعة في وجدانه، ومحبة لشريعته، وتمسكًا بدينه، وثباتًا على صراطه المستقيم، فيفتخر بدينه ويعتز بإسلامه، وخاصة إذا قارن ذلك مع بقية التشريعات والأنظمة الوضعية.
3 -
إن مقاصد الشريعة تعين الطالب في الدراسة المقارنة على ترجيح القول الذي يحقق مقاصد الشريعة، ويتفق مع أهدافها في جلب المنافع ودفع المفاسد، وخاصة في قضاء المظالم والسياسة الشرعية فيما لا نص فيه.
4 -
إن بيان مقاصد الشريعة يبرز للطالب الهدف الذي سيدعو الناس إليه بعد التخرج، وأن دعوته ترمي إلى تحقيق مصالح الناس ودفع
(1) يقول العلامة ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وان أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل اللهِ بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها"، (أعلام الموقعين: 3 ص 5 تحقيق الوكيل).
المفاسد عنهم، وأنها ترشد إلى الوسائل والسبل التي تحقق لهم السعادة في الدنيا، والفوز برضوان الله في الآخرة، وأن مهمة الأنبياء والرسل كانت تهدف إلى تحقيق هذه المقاصد، والعلماء ورثة الأنبياء في الدعوة إلى الصلاح والإصلاح، وتسعى للبر والفضيلة، وتحذر من الفساد والإثم والرذيلة والشر، ولذلك كانت وظائف الأنبياء أنبل الأعمال، وأشرف الأمور، وأسمى الغايات، وأقدس المهمات، ومن سار على طريقهم لحق بهم، ونال أجرهم.
أما أهمية معرفة مقاصد الشريعة بالنسبة للعالم والفقيه والمجتهد (1) فتظهر في الفوائد التالية:
1 -
الاستنارة بها في معرفة الأحكام الشرعية الكلية والجزئية من أدلتها الأصلية والفرعية المنصوص عليها.
2 -
الاستعانة بمقاصد الشريعة في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بشكل صحيح عند تطبيقها على الوقائع.
3 -
الاسترشاد بمقاصد الشريعة عند تحديد مدلولات الألفاظ ومعانيها، لتعيين المعنى المقصود منها؛ لأن الألفاظ والعبارات قد تتعدد معانيها، وتختلف مدلولاتها -كما سبق بيانه في أسباب اختلاف الفقهاء- فتأتي المقاصد لتحديد المعنى المقصود منها.
4 -
الرجوع إلى مقاصد الشريعة عند فقدان النص على المسائل والوقائع الجديدة، فيرجع المجتهد والفقيه والقاضي إلى مقاصد الشريعة لاستنباط الأحكام بالاجتهاد والقياس والاستحسان والاستصلاح وغيرها
(1) يقول السبكي رحمه الله تعالى: "واعلم أن كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء. .. ، الثالث أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم بها مراد الشرع من ذلك" الإبهاج، له: 1/ 8.
بما يتفق مع روح الدين، ومقاصد الشريعة وأحكامها الأساسية.
5 -
إن مقاصد الشريعة تعين المجتهد والقاضي والفقيه على الترجيح عند تعارض الأدلة، الكلية أو الجزئية في الفروع والأحكام، وكثيرًا ما يكون التعارض ظاهريًّا بين الأدلة، ويحتاج الباحث إلى معرفة السبل للتوفيق بينها، أو معرفة الوسائل للترجيح، وإن طرق الترجيح في الفقه وأصول الفقه كثيرة، ومنها الترجيح بمقاصد الشريعة.
وهذه الفوائد تحتم على الباحث والعالم والفقيه والمجتهد أن يضع مقاصد الشريعة نصب عينيه لتضيء له الطريق، وتصحح له المسار، وتعينه على الوصول إلى الحق والعدل، والصواب والسداد.
وقد لمس رجال التشريع هذه الأهمية والفوائد، ولجأت السلطات التشريعية في الدول المعاصرة إلى وضع المذكرات التفسيرية للقانون أو للنظام، لتبين للناس عامة المقصد الخاص لكل مادة، ليتمكن شراح القانون والقضاة والمحامون من حسن فهم القانون، وحسن تطبيقه وتنفيذه بما يتفق مع روح التشريع والقصد الذي وضع من أجله.
كما تطلب معظم الأنظمة في العالم من القضاة أن يحكموا بمبادئ العدالة وبما يتفق مع المبادئ العامة عندما يفقدون النص في النظام على أمر ما.
كما أن فقهاء الشريعة الإِسلامية اتفقوا على أن تصرفات الإِمام (الحاكم) منوطة بالمصلحة، أي إن جميع تصرفات الحكام مرتبطة بتحقيق مصالح الناس، فإن خرجت من المصلحة إلى المفسدة كانت باطلة، ويتعرض أصحابها إلى المسؤولية في الدنيا والآخرة (1).
(1) يقول العلامة الشيخ محمَّد الطاهر بن عاشور: "وليس كل مكلف بحاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة؛ لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من أنواع العلم" ثم يقول: =