الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصوليين الواجب بأنه طلب الفعل مع المنع من الترك، ويظهر أن الترك، وهو المنع من النقيض، جزء من الواجب، والطلب الدال على الكل يدل على الجزء (1)، فالتربص بالعدة واجب لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 822]، ونقيضه وهو عدم التربص والزواج من آخر، حرام، واجتمع الأمر بالشيء والنهي عن نقيضه في آية واحدة، فقال تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222].
وكذلك فإن نقيض الحرام واجب، فالزنا حرام، وتركه واجب، وشرب الخمر حرام، وتركه واجب، وكتمان المرأة ما يتعلق بعدتها حرام؛ لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وإظهاره واجب.
ثالثًا: حكم ضد الواجب وضد الحرام:
اتفق العلماء على أن الواجب إذا كان له ضد واحد فهو حرام، مثل الإيمان وضده الكفر، فإيجاب الإيمان يقتضي حرمة الكفر (2).
واختلف العلماء في الخطاب الذي يتعلق بالإيجاب إذا كان له عدة أضداد، هل يدل على حرمة الضد بطريق الالتزام أم لا؟ وصورته هو فعل قم، له مفهومان أحدهما: طلب القيام، والآخر: ترك القعود، فهل طلب القيام هو بعينه طلب ترك القعود، أم لا؟ اختلفوا على عدة أقوال، أهمها اثنان:
القول الأول: أن الخطاب بالإيجاب يدل على حرمة الضد بطريق الالتزام (3)، وأن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، وأن النهي عن
(1) منهاج الوصول، البيضاوي: ص 11، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 133.
(2)
أبحاث في علم أصول الفقه: 143، أصول السرخسي: 1 ص 94.
(3)
إن دلالة اللفظ على المعنى إما أن تكون بطريق المطابقة أو بطريق التضمن أو =
الشيء أمر بأحد أضداده، وهو رأي جمهور الأشاعرة وبعض المعتزلة (1).
واستدلوا على ذلك بأن الإيجاب هو طلب الفعل مع المنع من الترك، فالمنع من الترك جزء من الإيجاب، وهو منهي عنه بطريق التضمن، ويكون الضد منهيًا عنه بطريق الالتزام، لأن الامتناع عن الضد من لوازم وجوب الفعل، وأن الاشتغال بالضد من لوازم الكف عن الفعل (2).
القول الثاني: أن الخطاب الدال على الوجوب لا يدل على حرمة الضد، لا بطريق التضمن ولا بطريق الالتزام، وهو رأي جمهور المعتزلة وبعض الشافعية (3).
واستدلوا على ذلك بأنه لو كان الخطاب الطالب للفعل طلبًا جازمًا يدل على حرمة الضد لكان الآمر متعقلًا للضد ومتصوِّرًا له حتى يحكم بحرمته، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولكن لا يتصور تعقل الضد ومعرفته، وكثيرًا ما يأمر الآمر بالشيء وهو غافل عن الضد الذي
= بطريق الالتزام، أما دلالة المطابقة فهي دلالة اللفظ على جميع معناه، كدلالة إنسان على الحيوان الناطق، وأما دلالة التضمّن فهي دلالة اللفظ على جزء معناه، كدلالة الإنسان مطلقًا، وأما دلالة الالتزام فهي دلالة اللفظ على المعنى اللازم لمعناه، ولا يدل على المعنى الموضوع له لغة، مثل دلالة الإنسان على قابلية العلم أو قابلية النطق، ودلالة المطابقة دلالة لفظية، أما دلالة التضمن والالتزام فدلالتهما عقلية أي: إن اللفظ لا يفيد المعنى إلا بوساطة العقل، انظر نهاية السول: 1 ص 225، الوسيط في أصول الفقه الإسلامي: ص 64، حاشية الباجوري على متن السلم في فن المنطق: ص 39، روضة الناظر: ص 8.
(1)
فواتح الرحموت: 1 ص 97، أصول السرخسي: 1 ص 94.
(2)
أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 133، المستصفى: 1 ص 81، فواتح الرحموت: 1 ص 97، أصول السرخسي: 1 ص 94، 270، المسودة: ص 81.
(3)
المستصفى: 1 ص 81، فواتح الرحموت: 1 ص 97، المسودة: ص 82.
يفوته، ولذا فلا يكون أمره نهيًا عن الضد بأي نوع من أنواع الدلالة.
ويعترض على الدليل بأن الآمر هنا هو اللَّه تعالى، واللَّه عالم بكل شيء ولا تخفى عليه خافية، ولا يغفل عن الضد، فبطل الدليل، وأن اتفاق العلماء على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولو كان الآمر غافلًا عنه، وكذا هنا فإن الوجوب لا يتم إلا بترك ضده، فكان الضد واجبًا (1).
والخلاصة الهامة في هذا الموضوع أن ترك الفعل يتحقق بالاشتغال بأي ضد من الأضداد، مثل السرقة والخمر والربا تتحقق بأي ضد كالأكل والشرب والصلاة وقيام الليل والوضوء، أما حصول الفعل المطلوب حتمًا، وهو الواجب، فإنه يتوقف على ترك جميع الأضداد المنافية له، مثال ذلك أن ترك الصلاة يتحقق عند الاشتغال بالأكل أو بالشرب أو بالنوم، ولكن أداء الصلاة يتوقف على ترك جميع الأمور التي تتنافى مع الصلاة، ولذا قال العلماء: إن إيجاب الشيء يقتضي حرمة جميع الأضداد المنافية له، وإن النهي عن الشيء يقتضي وجوب الاشتغال بأي ضد من الأضداد، ولا يقتضي وجوب جميع الأضداد (2).
ويضع صدر الشريعة ضابطًا ومعيارًا لذلك فيقول: والصحيح أن ضد الأمر إن فوَّت المقصود بالأمر، يحرم، وإن فوَّت ضد النهي المقصود بالنهي يجب (3).
(1) المستصفى: 1 ص 82، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 143، نهاية السول: 1 ص 135.
(2)
أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 134، المسودة في أصول الفقه: ص 81، أصول السرخسي: 1 ص 96، التبصرة: ص 89، الفوائد، ابن القيم: ص 226، ط دار البيان.
(3)
التنقيح، له 2 ص 238.