الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
يطلق الحسن على ترتب المدح في الدنيا والثواب في الآخرة، مثل حسن الطاعة، ويطلق القبح على ترتب الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة مثل قبح المعصية (1)، وهذا المعنى مختلف فيه على قولين:
القول الأول: أن الحسن والقبح بهذا المعنى شرعيان، فلا يؤخذان إلا من الشرع، ولا يدركان إلا به، وأن الأشياء ليس لها حسن ذاتي، ولا قبح ذاتي، ولكن الأمور كلها إضافية.
القول الثاني: أن الحسن والقبح عقليان، فإن العقل يدرك ذلك بدون توقف على الشرع، وأن الحسن صفة ذاتية لبعض الأشياء، وأن القبح صفة ذاتية لبعضها الآخر، ويوجد بعض الأشياء تتردد بين النفع والضر والخير والشر (2).
مذاهب العلماء في دور العقل قبل البعثة:
اختلف علماء المسلمين في موضوع النزاع في معنى الحاكم الكاشف المظهر، ودور العقل في إظهار الأحكام، وأساس الاختلاف في الحسن والقبح والنتائج المترتبة عليه على ثلاثة مذاهب.
أولًا: مذهب الأشاعرة
(3):
(1) فواتح الرحموت: 1 ص 25، المستصفى: 1 ص 56، تسهيل الوصول: ص 271، إرشاد الفحول: ص 7، حاشية العطار على جمع الجوامع: 1 ص 80، مختصر ابن الحاجب: ص 29، الإحكام، الآمدي: 1 ص 76، نهاية السول: 1 ص 145، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 148، شرح الكوكب المنير: 1 ص 305، مجموع الفتاوى: 11/ 346 وما بعدها، الوصول إلى علم الأصول: 1/ 56.
(2)
مختصر ابن الحاجب: ص 30، أصول الفقه، الخضري: ص 21، المستصفى: 1 ص 56، نهاية السول: 1 ص 145، حاشية العطار: 1 ص 83، تيسير التحرير: 2 ص 150، فواتح الرحموت: 1 ص 25.
(3)
وهم أتباع أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 324 هـ، ومن وافقه كأكثر الشافعية.
وهو أن العقل لا يعرف حكم اللَّه تعالى في أفعال المكلفين إلا بواسطة رسله وكتبه، لأن العقول تختلف اختلافًا ظاهرًا في الحكم على الأفعال، فبعض العقول تستحسن فعلًا معينًا، بينما تستقبحه بعض العقول، وأن عقل الشخص الواحد يختلف في الفعل الواحد، فيراه حسنًا في وقت، ويراه قبيحًا في وقت آخر، ولأنه قد يغلب الهوى والتشهي على العقل، فيكون التحسين والتقبيح واهيًا وضعيفًا وقائمًا على الهوى.
وأساس هذا المذهب أن الحسن والقبح للأفعال شرعيان، وأن الحسن من أفعال العباد هو ما رآه الشارع حسنًا فأباحه وطلب فعله كالإيمان والصوم والصلاة وغيرها، وأن القبيح من أفعال الناس هو ما رآه الشارع قبيحًا وطلب تركه، مثل الكفر والزنا وشرب الخمر وغيرها، وليس الحسن ما رآه العقل حسنًا، ولا القبيح ما رآه العقل قبيحًا، أي: إن مقياس الحسن والقبح هو الشرع لا العقل.
واستدلوا على ذلك بأن الحسن والقبح ليسا ذاتيين في الفعل، لأنهما غير مطردين، فكل فعل اتفق الناس على حسنه كالصدق، نجد له جزئيات يقبح فيها إذا ترتب على الصدق مثلًا هلاك جزء عظيم من الأمة، أو قتل بريء على يد جبار ظالم، وكل فعل اتفق الناس على قبحه نجد له جزئيات يحسن فيها، فالوصف غير ذاتي، لأن ما بالذات لا يتخلف (1).
وينتج عن مذهب الأشاعرة ما يلي:
(1) مختصر ابن الحاجب: ص 29، الإحكام، الآمدي: 1 ص 78، أصول الفقه، خلاف: ص 109، أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 150، تيسير التحرير: 2 ص 150، الوسيط في أصول الفقه: ص 121، الإحكام، لابن حزم: 1 ص 47، شرح الكوكب المنير: 1 ص 304، الإرشاد، الجويني: ص 259.
1 -
أن أهل الفترة الذين عاشوا بعد موت رسول وقبل مبعث رسول، ومن عاش في عزلة تامة فلم تبلغه دعوة النبي، فلا يكلف من اللَّه تعالى بفعل شيء ولا بترك شيء، ولا يثاب على فعل الحسن، ولا يعاقب على كفر، ولا يجب عليه الإيمان والشكر للمنعم، ولا يحرم عليه غيره، لأن الثناء والشكر والتكليف واجب بالشرع لا بالعقل، فلا يأثم الإنسان إلا إذا بلغته دعوة نبي، فالواجب ما أوجبه اللَّه تعالى ومنح الثواب عليه، والحرام ما حرمه اللَّه تعالى، وتوعد بالعقاب على فاعله، وأما قبل البعثة فلا يحرم كفر ولا يجب إيمان، والعبرة لأوامر الشارع الحكيم، وأنه لا طريق إلى معرفة الأحكام إلا بالشرع.
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15]، فقد نفى القرآن الكريم الحساب والمؤاخذة والعذاب قبل بعثة الرسل الذين تنزل عليهم الأحكام الشرعية، واستغنى عن ذكر الثواب بذكر مقابله من العذاب.
واستدلوا بقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء: 165]، فالآية تدل على أن المسؤولية والحساب على الناس يكون بعد إرسال الرسل وبيان الأحكام وإقامة الحجة عليهم، ومفهوم المخالفة إمكان الاحتجاج قبل البعثة، وأن العلة في إرسال الرسل هي قطع الحجة للناس على اللَّه بعد الإرسال (1)، فعلى هذا فأهل الفترة متروكون لمشيئة اللَّه، إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم.
(1) نهاية السول: 1 ص 147، حاشية العطار على جمع الجوامع: 1 ص 87، منهاج الوصول: ص 12، مختصر ابن الحاجب: ص 32، الإحكام، الآمدي: 1 ص 83، تسهيل الوصول: ص 273، فواتح الرحموت: 1 ص 47، إرشاد الفحول: ص 7، أصول الفقه لغير الحنفية: ص 66، أصول الفقه، الخضري: ص 26.