الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين المسبب ناتجة عن حكم العادة والعرف، مثل حز الرقبة بالنسبة للقتل أو الذبح، والسفر للحج (1).
وهذا التقسيم لإخراج السبب العقلي والعادي من الحكم الوضعي، وأنه يقتصر على السبب الشرعي.
حكم السبب:
تبين أن حقيقة السبب هي أنه يلزم من وجود السبب وجود المسبب، ومن عدمه عدم الحكم، فإذا وجد السبب سواء قام به المكلف وكان من فعله، أو كان من غير فعله، وتوافرت الشروط الموضوعة للسبب والمسبب، وانتفت موانع الحكم، ترتب على السبب مسببه حتمًا، سواء أكان المسبب حكمًا تكليفيًّا، أو كان إثبات ملك أو حل أو إزالتهما، وسواء أقصد المكلف ترتب المسبب على فعله أم لم يُرِد، وسواء قصد إلى المسبب أم لم يقصد، لأن ترتب المسبب على السبب من وضع الشارع ولا دخل للمكلف به، ولا عبرة بقصده، ولأن السبب لا يؤثر بنفسه في المسبب، كما سبق عند جمهور العلماء، بل يترتب المسبب على السبب، ولو قصد المكلف مثلًا عدم ترتبه عليه، والأمثلة توضح ذلك، فمن اشترى سلعة ثبت له الملك والانتفاع، ومن سافر في رمضان أبيح له الفطر سواء أقصد ذلك أم لم يقصد، والموت والقرابة سببان للميراث ولو لم يرض الوارث أو المتوفى ذلك، وتدخل التركة في ملك الوارث جبرًا عنه، ولا يحق له أن يرفض التركة أو أن يمتنع عن قبول الميراث، ومن تزوج وجب عليه المهر ونفقة الزوجة، ولو تزوجها على أن لا مهر عليه ولا نفقة، وهكذا (2).
(1) أبحاث في علم أصول الفقه: ص 123، وانظر تقسيم السرخسي للسبب إلى سبب مجازي وسبب محض، وسبب فيه شبهة العلة، وسبب هو بمعنى العلة، أصول السرخسي: 2 ص 304.
(2)
أصول الفقه، أبو النور: 1 ص 6، أصول الفقه، خلاف: ص 134، الموافقات: =
ويعرِّج الشاطبي رحمه اللَّه تعالى في حكم السبب لبيان صلته بالعقيدة وسلوك المسلم في الحياة، ويعرض بحثًا جميلًا وطويلًا نقتبس منه ما يلي:
إن الفاعل للسبب عالمًا بأن السبب ليس إليه إذا وكله إلى فاعله وصرف نظره عنه كان أقرب إلى الإخلاص والتفويض والتوكل على اللَّه تعالى والصبر على الدخول في الأسباب المأمور بها، والخروج عن الأسباب المحظورة، والشكر، وغير ذلك .. (1). ثم يقول: إن تارك النظر في المسبب أعلى مرتبة، وأزكى عملًا، إذا كان عاملًا في العبادات، وأوفر أجرًا في العادات، لأنه عامل على إسقاط حظه، بخلاف من كان ملتفتًا إلى المسببات؛ فإنه عامل على الالتفات إلى الحظوظ، لأن نتائج الأعمال راجعة إلى العباد مع أنها خلق للَّه
…
(2).
وينتقل الإمام الشاطبي ليبين النتائج المترتبة على السبب في المعاملات والعقوبات مع بيان العدالة الإلهية فيها، فيقول: إن اللَّه عز وجل جعل المسببات في العادة تجري على وِزان الأسباب في الاستقامة والاعوجاج، فإذا كان السبب تامًّا، والتسبب على ما ينبغي، كان المسبب كذلك، وبالضد، ومن هنا إذا وقع الخلل في المسبب نظر الفقهاء إلى التسبب، هل كان على تمامه أم لا؟ (3).
والمثال على ذلك الضرب المفضي إلى الموت أو القطع، فإنه سبب للقصاص، فإن كان كاملًا كان الجزاء قصاصًا بالنفس، وإن كان ناقصًا كان الجزاء قصاصًا فيما دون النفس، أو دية أو حكومة عدل أو أرش.
= 1 ص 126، 143.
(1)
الموافقات، له: 1 ص 147.
(2)
الموافقات: 1 ص 153.
(3)
الموافقات: 1 ص 157.
وإن سبب السبب ينزل منزلة السبب، كالإعتاق في الكفارة، فإنها سبب لبراءة الذمة، والإعتاق يتوقف على اللفظ والصيغة، فالصيغة سبب الإعتاق، والإعتاق سبب لبراءة الذمة، فيكون سبب السبب كالسبب، لأن الحكم يتوقف عليه (1).
(1) شرح الكوكب المنير: 1 ص 461.