الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاف في الحديث المرسل:
اختلف علماء الأصول في حجية الحديث المرسل، ونتج عن ذلك اختلافهم في الأحكام الفقهية التي تؤخذ منه، كما اختلف علماء الحديث وعلماء الأصول في تعريفه.
فعرفه علماء الحديث بأنه: ما يقوله التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يذكر الصحابي الذي نقل عنه، وسمي مرسلًا لأنه أرسل الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر من سمعه منه (1).
وعرفه علماء الأصول بأن يقول الراوي الذي لم يلق رسول الله، سواء كان تابعيًّا أم غيره: قال رسول الله كذا (2).
والمرسل عند علماء الأصول يشمل المرسل عند علماء الحديث ويشمل غيره، وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بالحديث المرسل عند المحدثين على قولين:
القول الأول: أن الحديث المرسل حجة، وهو قول الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد، وأخذ به الآمدي الشافعي، وقد يرجح الحنفية أحيانًا الحديث المرسل على المسند عند التعارض (3)، واحتجوا بأن كثيرًا من صغار الصحابة نقلوا أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
= 2 ص 16، روضة الناظر وجنة المناظر، لموفق الدين عبد الله بن قدامة: ص 34، أصول الفقه، أبو النور: 3 ص 177، أثر اختلاف القواعد الأصولية: ص 388، الوسيط في أصول الفقه: ص 21، أصول الفقه، شعبان: ص 37، أصول الفقه، البرديسي: ص 184، القواعد والفوائد الأصولية، ابن اللحام الحنبلي: ص 155، البرهان: 1/ 666.
(1)
أصول الحديث، للدكتور محمد عجاج خطيب: ص 334.
(2)
الإحكام، للآمدي: 2 ص 112.
(3)
يقولون: من أرسل لك فقد كفاك، ومن أسند لك فقد أحالك.
ولم يسمعوها منه، ولم ينكر عليهم أحد.
ويرد على هذا الدليل أن قياس الحديث المرسل من التابعين ومن بعدهم على مرسل الصحابة قياس مع الفارق؛ لأن مرسل الصحابي مقبول باتفاق العلماء ما عدا الظاهرية لأن الصحابة عدول باتفاق، وأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي.
واحتجوا أيضًا بأن أكثر التابعين كانوا يرسلون الأحاديث عن رسول الله، دون أن ينكر عليهم الصحابة والتابعون، وأن التابعين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية.
واحتجوا بأن العدل الضابط الثقة في الحديث لا يرسل الحديث إلا إذا علم، أو غلب على ظنه، أنه صحيح عن رسول الله، فالراوي جازم بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1).
القول الثاني: أن الحديث المرسل ليس حجة، إلا إذا تقوى من طريق آخر، وهو رأي الإمام الشافعي، لأن الإمام الشافعي عند جمعه طرق الحديث ظهر له أنه كم من مرسل لا أصل له، وكم من مرسل يخالف الحديث المسند، ولأن العدالة شرط في صحة الخبر، وعندما ترك الراوي تسمية من حدثه به، فيجوز أن يكون المجهول عدلًا، ويحتمل أن يكون ليس بعدل، فلا يقبل خبره حتى يعلم المجهول.
والحديث المرسل يتقوى بأحد الأمور التالية:
1 -
أن يؤيده حديث مسند.
(1) الإحكام، الآمدي: 2 ص 113، تيسير التحرير: 3 ص 102، فواتح الرحموت: 2 ص 174، تنقيح الفصول، القرافي: ص 119، روضة الناظر: ص 64، المستصفى: 1 ص 169، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية: ص 396 وما بعدها، الفقه المقارن، الزفزاف: ص 34، أصول الفقه، الخضري:256.
2 -
أن يوافقه حديث مرسل من طريق آخر.
3 -
أن يعضده قول صحابي.
4 -
أن يتفق مع قول أكثر أهل العلم بأن يفتوا بمعناه.
5 -
أن يكون المرسِل من كبار التابعين الذين لا يَروون إلا عن ثقة، أو عند صحة السند، مثل مراسيل سعيد بن المسيب والزهري اللذين تتبع الإمام الشافعي أحاديثهما المرسلة، فوجدها كلها صحيحة ومسندة من طرق أخرى (1).
وترتب على هذا الاختلاف اختلاف الفقهاء في عدة أحكام وردت في الأحاديث المرسلة، فردها الشافعية، وعمل بها الجمهور، إن لم تتعارض مع دليل آخر عندهم، منها:
1 -
الاختلاف في الحد الأعلى للتعزير بالضرب.
2 -
الاختلاف في تحريم الزواج بسبب الزنا (2).
3 -
الاختلاف في انتفاع المرتهن بالرهن.
4 -
الاختلاف في نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة (3)، فأمر من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة.
5 -
الاختلاف في وجوب قضاء صوم التطوع إذا أفسده بعد الشروع فيه لحديث "اقضيا يومًا مكانه" ..
6 -
الاختلاف في نقض الوضوء بلمس المرأة، للحديث المرسل
(1) الرسالة، للإمام الشافعي: ص 462 - 463، المستصفى: 1 ص 169، محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء: ص 97، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية: ص 396، هامش 3، اللمع، للشيرازي: ص 44.
(2)
الأم للشافعي 5/ 27 ط دار الفكر.
(3)
رواه الدارقطني (1/ 171).