الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- الأحكام الشرعية لحفظ المصالح وصيانتها ورعايتها ومنع الاعتداء عليها أو الإخلال بها، أو ضمانها والتعويض عنها (1).
ونريد أن نفصل الكلام عن كل قسم مع بيان الأدلة لذلك، وضرب الأمثلة لكل منها بما يؤكد مقاصد الشريعة في حفظ هذه المصالح.
1 - الوسائل الشرعية لحفظ المصالح الضرورية:
وردت أحكام كثيرة جدًّا تدعو لتأمين المصالح الضرورية للناس، وتسعى لإيجادها على أحسن وجه وأفضل طريقة، ثم تكفل حفظها ورعايتها.
فالدين مصلحة ضرورية للناس؛ لأنه ينظم علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بمجتمعه، وقد شرع الإِسلام أحكامًا كثيرة لتنظيم هذه العلاقات كلها، فبين أحكام العقيدة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره، وشرع أركان الإِسلام الخمس، وهي: الشهادتان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام، وشرع أنواع العبادات وكيفيتها لتنمية الدين في النفوس، وترسيخه في القلوب، وإيجاده في الحياة والمجتمع، ونشره في أرجاء المعمورة، وأوجب الدعوة إليه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
ثم شرع الجهاد لحفظه ورعايته وضمانه سليمًا وعدم الاعتداء عليه، ومنع الفتنة في الدين، قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]، وشرع عقوبة المرتد عن دينه، وبيَّن عقوبة المبتدع والمنحرف عن دينه وطالب الأخذ على يد تارك الصلاة ومانع الزكاة،
(1) انظر الموافقات: 2 ص 5، علم أصول الفقه، خلاف: ص 201 ط 8، الأصول العامة: ص 65.
والمفطر في رمضان، والمنكر لما علم من الدين بالضرورة
…
وغير ذلك، لإبعاد الناس عن الخبط في العقائد وحفظهم من مفاسد الشرك، وإنقاذهم من وساوس شياطين الإنس والجن، وعدم الوقوع في الضلال والانحراف، وحتى لا يسف العقل في عبادة الأحجار والأصنام، أو الأبقار والقرود والحيوان، أو الشمس والقمر والنجوم، أو تأليه الأشخاص وعبادة البشر، ولينقذ البشرية من طقوس العبادات المزيفة، والترانيم السخيفة، والاعتقادات الباطلة (1).
ويجب أن يعلم المسلم أن مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى، وأن حفظه مقدم على بقية المصالح، بل إن الدين في ذاته حفاظ لجميع مصالح العباد في الدنيا والآخرة (2).
والنفس هي ذات الإنسان، وهي مقصودة بذاتها في الإيجاد والتكوين، وفي الحفظ والرعاية كما سبق بيانه.
وشرع الإِسلام لإيجادها وتكوينها الزواج للتوالد والتناسل لضمان النقاء الإنساني والوجود البشري، واستمرار النوع السليم على أكمل وجه وأفضله وأحسنه، ثم حرم الزنا وبقية أنواع الأنكحة الفاسدة الباطلة.
وشرع الإِسلام لحفظ النفس ورعايتها وعدم الاعتداء عليها وجوب تناول الطعام والشراب واللباس والمسكن، وأوجب القصاص والدية والكفارة (3).
والعقل أسمى شيء في الإنسان، وأبرز ميزة وصفة تميزه عن بقية
(1) انظر المستصفى: 1 ص 287، الموافقات: 2 ص، ضوابط المصلحة: ص 119.
(2)
انظر: ضوابط المصلحة: ص 58 وما بعدها.
(3)
انظر: علم أصول الفقه، خلاف: ص 201، ط 8، الأصول العامة: ص 130، الموافقات: 2 ص 5، قواعد الأحكام؛ 2 ص 5 والمستصفى: 1 ص 287.
الحيوان، وهو أعظم منحة من رب العالمين للإنسان ليرشده إلى الخير ويبعده عن الشر، ويكون معه مرشدًا ومعينًا.
وإن وجود العقل جزء من إيجاد النفس، وأحكامها أحكامه، ولكن الحفاظ عليه يختلف عنها، ويختص بوسائل خاصة، فشرع الإِسلام أحكامًا للحفاظ على العقل، فدعا إلى الصحة الكاملة للجسم، لتأمين العقل الكامل، فالعقل السليم في الجسم السليم، وحرم الإِسلام الخمر وجميع المسكرات التي تزيل العقل، وتلغي وجوده، وتؤثر عليه، وشرع الإِسلام حد الخمر لمن يتناول هذه المشروبات النجسة الضارة، لأن الحفاظ على العقل مصلحة ضرورية للإنسان، وإلا فقد أعز ما يملك (1).
والعرض فرع من النفس الإنسانية (2)، وهو ما يمدح الإنسان به أو يذم، وهو أحد الصفات الأساسية المعنوية للإنسان، والتي تميزه عن بقية الحيوان، والقصد منه حفظ النسل والنسب بأرقى الوسائل، وأشرف الطرق ويعبر عنه العلماء بحفظ النسب أو النسل، وإن وجود النسب والنسل فرع عن وجود النفس الإنسانية التي شرع الله لوجودها الزواج، ويتأكد وجود النسل والنسب بأحكام الأسرة، وإن الحفاظ على العرض مقصود بذاته من جهة، وهو وسيلة لحفظ النسل والذرية من جهة أخرى، حتى لا تختلط الأنساب، وتضيع الذرية ويتشرد الأطفال.
وقد شرع الإِسلام للحفاظ على العرض ورعايته أحكامًا كثيرة تبدأ من غض النظر وتنتهي بإقامة الحد على الزاني الذي يعتدي ماديًا على العرض، وإقامة حد القذف على القاذف الذي يعتدي أدبيًّا على
(1) انظر: الأصول العامة: ص 136، والمراجع السابقة.
(2)
يرى الطاهر بن عاشور رحمه الله أن الضروري هو حفظ النسل من التعطيل، وليس حفظ النسب أو العرض ضروريًّا، بل حاجيًا (مقاصد الشريعة، له: ص 81).