الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس في قول
الصحابي
الصحابي: كل من رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به (1)، والصحابة هم الذين لازموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ البعثة حتى الوفاة بقدر ما تسمح لهم ظروفهم، وقد اطلعوا على مقاصد الشريعة ورأوا أسباب النزول، وشاهدوا التطبيق الصحيح للقرآن الكريم الذي تجسد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمتعوا بنور المصطفى، وتلقوا منه الحكمة، ومن مجموع هذا تكوَّن عند أكثرهم ثروة علمية وملكة فقهية، تصدوا بعد وفاة رسول اللَّه للتدريس والإفتاء والقضاء والحكم والاجتهاد فيما يسوغ الاجتهاد فيه، ووصلوا إلى آراء اجتهادية نقلها عنهم التابعون ودوَّنها العلماء.
حجية قول الصحابي:
بحث الأئمة في حجية آراء الصحابة الاجتهادية في اعتبارها ملزمة لمن بعدهم، أم لا، وهل تقدم على القياس، أم لا؟
فاتفق العلماء على أن قول الصحابي الذي لا يدرك بالاجتهاد
(1) انظر آراء العلماء في تعريف الصحابي في كتاب تسهيل الوصول: ص 167، منهج النقد في علوم الحديث، الدكتور نور الدين العتر: ص 106.
والعقل بأنه حجة على المسلمين، لأن قول الصحابي في مثل هذه الأحوال يستند إلى دليل شرعي، ولا يمكن أن يقوله تشهيًا وعبثًا، مثل قول السيدة عائشة رضي الله عنها في فساد بيع النقود قبل نقد الثمن، وأنه يحبط العمل الصالح والجهاد، فهذا لا يدرك بالعقل، ومثل قول عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم بتقدير أقل مدة الحيض بثلاثة أيام، وهو ما أخذ به الحنفية.
وكذلك اتفق العلماء على قبول قول الصحابي الذي أبداه ولم يخالفه فيه أحد من الصحابة ويكون حجة على المسلمين، لأن اتفاقهم دليل على وقوفهم على مستند شرعي صحيح.
واتفقوا على أن قول الصحابي في الاجتهاد ليس حجة على غيره من الصحابة المجتهدين (1).
ولكن اختلف الأئمة عند تعدد أقوال الصحابة واختلاف اجتهاداتهم، هل هي حجة على التابعين ومن بعدهم أم لا؟ فيه قولان:
القول الأول: وهو قول الإمام أبي حنيفة والإمام مالك، فقالا بوجوب الالتزام بأحد أقوال الصحابة بدون تعيين، واختيار المناسب منها مع عدم الخروج عن مجموع آرائهم، وأن قول الصحابي يقدم على القياس (2)، واستدلوا على ذلك بأن اختلاف الصحابة في المسألة على
(1) تيسير التحرير: 3 ص 133، كشف الأسرار: 3 ص 938، جمع الجوامع: 2 ص 396، الإحكام، الآمدي: 4 ص 130، تنقيح الفصول: ص 142، أصول السرخسي: 2 ص 109، أثر الأدلة المختلف فيها: ص 338، الروضة للنووي: 11/ 147.
(2)
تيسير التحرير، المرجع السابق، كشف الأسرار: 3 ص 937، التوضيح والتلويح: 2 ص 277، أصول السرخسي: 1 ص 318، 2 ص 105، وانظر أصول الفقه الإسلامي، شعبان: ص 204، أبو حنيفة للشيخ محمد أبو زهرة: ص 308.
قولين إجماع منهم على عدم القول الثالث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"أصْحابي كالنُّجوم بأيِّهم اقتدَيْتم اهتدَيْتُم"(1)، وغيره من الأحاديث، وأن اللَّه تعالى مدح وأثنى على التابعين باتباعهم الصحابة فقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وأن الظاهر من حال الصحابة أن قولهم مستند إلى سماع، وإن لم يكن سماع فرأيهم أقوى من رأي غيرهم (2).
القول الثاني: وهو قول الإمام الشافعي والإمام أحمد، فقالا بعدم اعتبار قول الصحابي حجة، فيجوز اتباعه، ويجوز مخالفته، وأن العمل والاتباع يعتمد على الأدلة التي احتج بها الصحابة بالفتوى والاجتهاد والقضاء، وليس بأقوالهم (3).
واستدلوا على ذلك بأن الصحابي ليس مشرعًا، وليس معصومًا، وكما جاز للصحابي أن يخالف صحابيًّا آخر -باتفاق العلماء- جاز للتابعين وبقية المسلمين مخالفته أيضًا، وأن التابعين خالفوا الصحابة في أقوالهم واجتهاداتهم، ولم ينكر عليهم الصحابة، وأن الصحابي مجتهد كغيره من المجتهدين، ويحرم على المجتهد تقليد مجتهد آخر (4).
وقال النووي الشافعي رحمه اللَّه تعالى: "فاختار الغزالي في المستصفى أنه ليس بحجة، والصحيح الذي عليه جماهير الأصحاب أنه
(1) رواه البيهقي وأسنده الديلمي عن ابن عباس بلفظ آخر، كشف الخفا: 2 ص 146.
(2)
تسهيل الوصول: ص 168، والمستصفى: 2 ص 262، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 135، الإحكام، الآمدي: 4 ص 131.
(3)
المستصفى: 2 ص 268، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 135، الإحكام، الآمدي: 4 ص 130، أثر الأدلة المختلف فيها: ص 340.
(4)
تيسير التحرير: 3 ص 135، جمع الجوامع وحاشية العطار: 2 ص 396، المستصفى: 2 ص 261، الإحكام، الآمدي: 4 ص 133، أثر الأدلة المختلف فيها: ص 342.
حجة" (1).
ونقل ابن القيم رحمه اللَّه تعالى قول الشافعي رحمه اللَّه تعالى عن الصحابة: "رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا"(2).
(1) الروضة، له: 11/ 148.
(2)
أعلام الموقعين: لابن القيم: 2/ 186.