الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى- هذه القواعد والضوابط والموازين والقوانين في مناقشة آراء الأئمة والفقهاء، فكتب كتابًا في اختلاف الإمام مالك، وكتابًا في اختلاف محمد بن الحسن وأهل الرأي، وكتابًا في الرد على سير الأوزاعي ورد الإمام أبي يوسف عليه (1)، كما التزم الإمام الشافعي في مذهبه بهذه القواعد والضوابط والموازين، وقيد نفسه بها، وسار عليها، فكانت الرسالة هي أصول المذهب الشافعي، وكانت أصولًا نظرية وعملية في أن واحد، ولم تكن دفاعًا أو دليلًا وتسويغًا لفروعه الفقهية (2).
وكانت الرسالة المنارة الباسقة لدعوة العلماء للتأليف والكتابة في أصول الفقه، وكانت حجر الأساس في بناء صرح هذا العلم، فشمر العلماء والأئمة عن ساعد الجد، وحرروا المصنفات، وأكملوا البناء الذي أقام أساسه الإمام الشافعي، وكان لهم فضل نماء هذا العلم وتحرير مسائله، ووافقوه في أكثرها، وخالفوه في بعضها، وزادوا عليه، فزاد الحنفية الاستحسان والعرف، وزاد المالكية إجماع أهل المدينة، وعمل أهل المدينة، والمصالح المرسلة، والذرائع، وكتب الإمام أحمد في ذلك كتاب العلل، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب طاعة الرسول، وكتب كثير من فقهاء المذاهب الأخرى في أصول الفقه، وتناوله العلماء أيضًا بالبحث والتأليف (3).
تدوين الفقه والأصول:
نلاحظ من النظرة التاريخية السابقة أن أحكام الفقه بدأت بالظهور مبكرًا، ونشأ الفقه في حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخذ
(1) هذه الكتب مطبوعة مع كتاب الأم في الجزء السابع.
(2)
أصول الفقه، أبو زهرة: ص 16.
(3)
أصول الفقه، شعبان: ص 16، الشافعي، أبو زهرة: ص 338.
بالتوسع والتطور والنقل في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبدأت أحكامه بالتدوين في نهاية القرن الهجري الأول، ووصل إلى طور النضج والكمال في القرن الثاني عند ظهور الأئمة، بينما تأخر علم الأصول في الظهور إلى القرن الثاني، ووضعت قواعده ومبادئه وتدوينه في نهاية القرن الثاني الهجري، فما هو السبب في سبق الفقه للأصول؟ مع أنه أساس الفقه؟
الجواب أن علم أصول الفقه عبارة عن موازين لضبط الاستنباط ومعرفة الخطأ من الصواب في الاجتهاد، فهو علم الضوابط لمادة الفقه، والضابط يأتي بعد وجود المادة في كل العلوم، فعلم النحو والإعراب الذي وضع أساسه الإمام علي وأبو الأسود الدؤلي، جاء متأخرًا عن النطق بالفصحى، وعلم العروض الذي وضع أصوله الخليل بن أحمد الفراهيدي جاء متأخرًا عن قول الشعر وقرضه موزونًا، وعلم المنطق الذي دونه أرسطو جاء متأخرًا عن الجدل والتفكير والمناظرة التي رافقت نشوء البشرية (1).
والسبب الرئيسي أن الفقه وأحكام الشرع الأولى نزلت مباشرة من السماء، واعتمد على الوحي لتغطية أحكام الناس في زمن البعثة، مع بيان القواعد والأسس والمناهج لما يحتاجه الناس في المستقبل، وفي القرآن والسنة منهج الأصول والاستدلال، ولما استحدثت القضايا والمسائل واحتاج الناس إلى الاجتهاد لتغطية الأحكام احتاج الناس إلى معرفة المنهج والقواعد والضوابط، فجاء علم أصول الفقه.
وقال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: الأمر الذي لا شك فيه أن علم الفقه سابق على علم أصول الفقه، فالفقه نشأ بالاستنباط والفتيا
(1) مناقب الشافعي، الرازي: ص 57، أصول الفقه، أبو زهرة: ص 13، الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، الدهلوي: ص 17، 36. =