الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة الشكر
انطلاقا من قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
"من لم يشكر النَّاس
…
لم يشكر الله".
فإنني أتقدم بالشُّكر الجزيل، والثَّناء العطر إلى النَّجمة السَّاطعة، والرَّوضة المثمرة:
دار المنهاج العامرة
تعبيرًا عن الشُّكر إلى جميع الإخوة والزملاء المخلصينَ الَّذين كان لهم دور الإعانة في إخراج هذا الكتاب ولو بكلمة طيِّبَة.
سائلًا المولى القبول
أنور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا بداية له ولا نهاية، بل هو {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
وأشكره وهو الذي أنار قلوب عباده العلماء بنور المعرفة والعلم، ورزقهم العمل به والخشية منه سبحانه وتعالى على أكمل وجه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، ورفع شأنهم بالعلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، فجدوا واجتهدوا طمعًا في المزيد {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} .
والصلاة والسلام على أفضل خلق الله، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد القائل:"من يرد الله به خيرًا .. يفقهه في الدين"(1)، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا شك أن العناية بالمخطوطات الإسلامية، والعملَ على تحقيقها تحقيقًا علميًّا مسؤولية كلّ من كان أهلًا لذلك، ويعتبر من الأمور التي ينبغي صرف الهمم إليها.
فهو تراث قديم، وكنز ثمين، بذل فيه سلف هذه الأمة جهدهم، وسهروا ليالي في تأليفها وتصنيفها، ثم ارتحلوا ملقين هذه الأمانة في أعناق الخلف، محسنين الظن بهم أنهم لن يهملوها، بل سيعتنون بها، ويستفيدون منها، ثم يورثونها من خلفهم.
ولم يتوفر هذا الكنز لأي أمة من الأمم، فامتلأت الخزانات العامة والخاصة بملايين الكتب، فبقيت تنتظر أصحاب الهمم العالية، ومن يغار على تاريخ وتراث هذه الأمة.
(ب)
وانطلاقًا من ذلك كان من الواجب علينا تجاه هذه الثروة الكبيرة الغنية بنفائس المخطوطات .. إخراجُها إلى عالم المطبوعات، وتقديمها إلى أهل العلم، بعد
(1) أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1037) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
الدراسة والتحقيق، وطبعها بحلة جديدة بوسائل حديثة.
وتشمل هذه المخطوطات علومًا متعددة في مختلف الفنون، وإن من أهم وأشرف هذه العلوم منزلة، وأعظمها شأنًا، وأكملها فائدة: الفقه في الدين؛ لأنه به ينتظم الأمر ويعرف الحق، ونتبين به الحلال والحرام وصحيح المعاملات من فاسدها، وهو الطريق الموصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية، وهو من أعظم وأجل نعم الله تعالى على عباده.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه .. علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه على الخلائق أبدًا، وإن كان في زمن أحدهم من هو أعلم منه بالقرآن أو بالحديث أو باللغة)(1).
وقال الشاعر: [من المتقارب]
أَرَى الْفِقْهَ فِي الدِّينِ عَيْنَ الْعُلُومِ
…
وَطِيبُ الْمَعَاشِ بِهِ وَالْمَعَادْ
وَفِيهِ الصَّلاةُ وَفِيهِ الزَّكَاةُ
…
وَفِيهِ الْوَصَايَا وَفِيهِ الْجِهَادْ
فلما أدرك سلفنا الصالح ما لعلم الفقه من هذا الفضل والشرف .. أفنوا أعمارهم في الاشتغال به تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا.
(ج)
وكان من هؤلاء الأعلام: الإمام العلامة بدر الدين ابن قاضي شُهْبة الأسدي، الذي صار بأخرة فقيه الشام بلا مدافع، وعليه مدار الفتوى، فأراد أن يكون له نصيب في خدمة الفقه الإسلامي، فشرح متنًا من متون الفقه الشافعي وهو "المنهاج" شرحين عظيمين: أحدهما: "إرشاد المحتاج إلى توجيه المنهاج" وهو أكبرهما حجمًا، والثاني:"بداية المحتاج في شرح المنهاج" وهو كتابنا هذا.
فـ "بداية المحتاج" شرح متميز من بين شروح "المنهاج"، أجاد فيه مؤلفه وأفاد، وحقق مسائله ودقق، مع حسن السبك، وجودة الإفصاح، ووضوح العبارة.
(1) صيد الخاطر (ص 157).
وهو كتاب يضم بين دفتيه ثروة فقهية غزيرة، وكنزًا علميًّا دقيقًا، وهو حلية الفقهاء المحققين، خال عن الحشو والتطويل، مبين للأقوال التي عليها المعول من كلام المتأخرين والأصحاب، حاو للدليل والتعليل، فبذلك غدا مرجعًا وعمدة لمن جاء بعده من المفتين وغيرهم ممن يتحرى الصواب.
وإن متن "المنهاج" لفريد عصره ووحيد دهره العلامة شيخ الإسلام النووي من أحسن المتون وأدقها، وهو العمدة في الفتوى، عكف عليه العلماء الأعلام تدريسًا وشرحًا.
وهو كتاب جليل القدر عظيم الفائدة، صغير الحجم كبير الفحوى، لم يؤلف مثله في المذهب.
ولله در القائل: [من الكامل]
الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ هُوْ الْقُطْبُ الَّذِي
…
بَزَغَتْ شُمُوسُ الْعِلْمِ مِنْ أَبْرَاجِهِ
لا يَرْتَقِي رُتَبَ الْمَعَالِي وَالتُّقَى
…
إِلَّا فَتى يَمْشِي عَلَى "مِنْهَاجِهِ"
وقال آخر: [من الكامل]
قَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَصَرُوا فَلَمْ
…
يَأْتُوا بِمَا اخْتَصَرُوهُ كـ "الْمِنْهَاج"
جَمَعَ الصَّحِيحَ مَعَ الْفَصِيحِ وَفَاقَ بِالتَّـ .... ـرجِيحِ عِنْدَ تَلاطُمِ الأَمْوَاجِ
وقال العلامة شمس الدين الرملي رحمه الله تعالى: (ولم تزل الأئمة الأعلام قديمًا وحديثًا كلٌّ منهم مذعن لفضله، ومشتغل بإقرائه وشرحه، وعاد على كلٍّ منهم بركة علامة نوى)(1).
وقال الفقيه السيد أحمد مَيْقَري شُمَيْلة الأهدل رحمه الله تعالى: (ولم يزل كلٌّ من العلماء والأئمة الأعلام قديمًا وحديثًا مذعنًا لفضل "المنهاج" المذكور، ومشتغلًا بإقرائه، فالإقراء فيه مقدم على غيره عند كثير من أولي الفضل، وقد كثر الاعتناء به؛ لموقع العناية فيه، وصوب صوابه آثارُ نهج مقتفيه)(2).
(1) نهاية المحتاج (1/ 11).
(2)
سلم المتعلم المحتاج إلى معرفة رموز المنهاج (ص 620)، وهي مطبوعة مع "المنهاج" عن دار المنهاج بجدة.
قال الشاعر: [من الوافر]
حَوَى فِي الشَّرْحِ "مِنْهَاجُ النَّوَاوِي"
…
بِتَصْحِيحِ الشَّرِيعَةِ وَالْفَتَاوِي
كِتَابٌ لا يُعَادِلُهُ كِتَابٌ
…
يَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ كُلِّ رَاوِي
رَوَى سَبْعِينَ أَلْفًا بِاخْتِصارٍ
…
وَكَمْ مِنْ كَامِنَاتٍ فِي الْفَحَاوِي
فَحَسْبُكَ دَرْسُهُ فِي كُلِّ حِينٍ
…
فَهْوَ يَكْفِيكَ عَنْ "بَحْرٍ" وَ"حَاوِي"
ولذلك كثرت الأعمال حول هذا المتن المبارك المفيد؛ من شرح وتحشية ونظم واختصار، وشرحِ بعضه، وكتابةِ النكت عليه، وهناك علماء رحمهم الله تعالى بدؤوا بشرحه ولكن وافتهم المنية قبل استكماله، فبلغت هذه الأعمال ما يقرب من مئتين وخمسين عملًا مما عُلم إلى الآن.
إن دلّ هذا على شيء .. فإنما يدل على جلالة قدر مؤلِّفه، وعناية الله سبحانه وتعالى به وبمصنفاته.
قال العلامة تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى: (لا يخفى على ذي بصيرة أن لله تعالى عناية بالنووي وبمصنفاته)(1).
(د)
ولقد نالت دار المنهاج سعادة غامرة عندما قام الأخ الأستاذ محمد أنور بن أبي بكر الشيخي الداغستاني بتقديم "بداية المحتاج" لها؛ لتكون واسطة خير لإخراجه إلى عالم النور وحيز الطبع، وقد اعتنى به على نسخة خطية فريدة عليها خط المؤلف الإمام ابن قاضي شهبة رحمه الله تعالى.
فزادت إلى عنايته عناية، واستقدمت ست نسخ خطية أخرى، ودفعت به إلى لجنتها العلمية بمزيد الاهتمام والعناية، حيث أعادت اللجنة مقابلته ودراسته، وتممت تخريج أحاديثه، وردت نقولاته إلى مظانها؛ مما توافر لها في مركزها العلمي.
فكان للدار مشاركة طيبة تضاف لما قام به الأستاذ محمد أنور.
وجزى الله خيرًا وبرًّا كل من شارك وساهم في إخراج هذا العمل المبرور
(1) طبقات الشافعية الكبرى (8/ 398).
(هـ)
وفي الختام:
فإن دار المنهاج وقد أخرجت من إصداراتها شروحًا لـ "المنهاج" عديدة؛ لأن مقاصد الشراح مختلفة، ومراميهم متنوعة، وقد قال الأوائل (ما أغنى كتاب عن كتاب).
فمنها المبسوط، والمتوسط، والمختصر، ولكل ميزاته وخصائصه، فلا تكرار، بل إفادات وشروح تنشرح بها الصدور، ويتصيد منها طلبة العلم المسائل النفيسة، والصور المهمة، والأمثلة العديدة؛ مما تعطي دربة فقهية للناظر فيها، وتتسع مداركه، ويتنفس فقهًا وفهمًا وعلمًا.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا الشرح كما نفع بأصله إنه سميع مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم
النَّاشر