الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في شرط الصوم]
شَرْطُ الصَّوْمِ: الإِمْسَاكُ: عَنِ الْجِمَاع، وَالاسْتِقَاءَةِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ .. بَطَلَ. وَلَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ .. فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا لَوِ اقْتَلَعَ نُخَامَةً وَلَفَظَهَا فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنَ الْفَمِ
===
أصل صحيح، والثاني: لا يصح؛ لأنها قد تختلف، فإن لم يتم أكثر الحيض في الليل، ولم تكن لها عادة أصلًا، أو كان لها عادة مختلفة .. لم يصحّ الصوم؛ لأنها لم تجزم بالنية ولا بنتها على أصل.
* * *
(فصل: شرط) صحة (الصوم: الإمساك عن الجماع) بالإجماع، والمراد بالشرط: ما لا بدّ منه، لا الشرط الاصطلاحي؛ كما مرّ في النية.
(والاستقاءة) لحديث: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صائِمٌ .. فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ .. فَلْيَقْضِ" صححه ابن حبان، وغيره (1).
(والصحيح: أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه .. بطل) بناء على أن العلة في البطلان نفسُ الاستقاءة، ووجه مقابله: البناء على أن العلة في البطلان فيه رجوعُ شيء مما خرج وإن قلَّ.
(ولو غلبه القيء .. فلا بأس) للحديث المارّ، (وكذا لو اقتلع نُخامةً) من الباطن (ولفظها في الأصح) لأن الحاجة إليه تتكرر، فرخص فيه، والثاني: يفطر به؛ كالاستقاءة، ورجح في "الروضة"، و"شرح المهذب" القطع بالأول (2).
واحترز بقوله: (ولفظها) عما إذا بقيت في محلّها، فإنه لا يفطر، وعما إذا ابتلعها بعد أن خرجت إلى الظاهر، فإنه يفطر.
(ولو نزلت من دماغه، وحصلت في حدّ الظاهر من الفم) بأن انصبت من الدماغ
(1) صحيح ابن حبان (3518)، وأخرجه الحاكم (1/ 427)، وأبو داوود (2380)، والترمذي (720)، والنسائي في "الكبري"(3117)، وابن ماجه (1676) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
روضة الطالبين (2/ 360)، المجموع (6/ 329).
فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَوَصَلَتِ الْجَوْفَ .. أَفْطَرَ فِي الأَصَحِّ. وَعَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إِلَى مَا يُسَمَّي جَوْفًا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوِ الدَّوَاءَ
===
في الثقبة النافذة من الدماغ إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ( .. فليقطعها من مجراها، وليمُجَّها، فإن تركها مع القدرة فوصلت الجوف .. أفطر في الأصح) لتقصيره، والثاني: لا؛ لأنه لم يفعل شيئًا، وإنما أمسك عن الفعل، قال ابن الصلاح: ولعله أقرب (1).
أما إذا لم تحصل النخامة في حدّ الظاهر .. فلا مبالاة بها، وكذا إذا حصلت فيه ولم يقدر على مَجِّها.
وأشار بقوله: (من مجراها) إلى أنه لو ردّها إلي أقصي الفم، أو ارتدت إليه، ثم ابتلعها .. أنه يفطر لا محالة.
والمراد بالباطن: مخرج (الهاء) و (الهمزة)، وبـ (الظاهر): مخرج (الخاء) المعجمة، وأما مخرج المهملة .. فقال الرافعي تبعًا للغزالي: إنه من الباطن، وقال المصنف: إنه من الظاهر (2).
(وعن وصول العين إلى ما يُسمَّي جوفًا) ولو حبة سمسم؛ لأن الصوم هو الإمساكُ عن كلّ ما يصل إلى الجوف، وفاعل هذا ما أمسك.
واحترز بـ (العين): عن الأثر؛ كالريح بالشم، وحرارة الماء وبرودته، وبـ (الجوف): عما لو داوى جراحة على لحم الساق والفخذ، فوصل الدواء إلى داخل المخ أو اللحم، أو غرز فيه حديدة، فإنه لا يفطر؛ لأنه ليس بجوف.
(وقيل: يشترط مع هذا: أن تكون فيه) أي: في الجوف (قوةٌ تحيل الغذاء أو الدواء) لأن ما لا تحيله لا تغتذي به النفسُ ولا ينتفع به البدن؛ فأشبه الواصلَ إلى غير الجوف، والصحيح: عدم الاشتراط؛ قياسًا على الحلق، فإنه يفطر بالوصول إليه، مع كونه لا يحيل.
(1) الوسيط (2/ 527).
(2)
الشرح الكبير (3/ 202)، الوسيط (2/ 529)، روضة الطالبين (2/ 362).
فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: بَاطِنُ الدِّمَاغٍ وَالْبَطْنِ وَالأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مُفَطِّرٌ بِالاسْتِعَاطِ أَوِ الأَكْلِ أَوِ الْحُقْنَةِ، أَوِ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفةٍ وَمَأْمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الأُذُنِ وَالإِحْلِيلِ مُفَطِّرٌ فِي الأَصَحِّ. وَشَرْطُ الْوَاصِلِ: كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوح، فَلا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ، وَلَا الاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ، وَكَوْنُهُ بِقَصْدٍ، فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ، أَوْ بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، وَغَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ .. لَمْ يُفْطِرْ. وَلَا يُفْطِرُ بِبِلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنِ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ، أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إِلَى فمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ
===
(فعلى الوجهين: باطن الدماغ والبطن والأمعاء) وهي المصارين، (والمثانة) وهي مَجْمَع البولِ (مفطِّرٌ بالاستعاط أو الأكل أو الحُقنة، أو الوصول من جائفةٍ ومأمومةٍ ونحوهما) لأنه جوف محيل، وفي كلامه لفّ ونشر؛ فالاستعاط للدماغ، والأكل للبطن، والحُقنة للأمعاء وللمثانة أيضًا؛ فإن البول يعالج بها؛ كما يعالج بها الغائط، والوصول من الجائفة والمأمومة يعود إلى الجميع.
(والتقطير في باطن الأذن والإحليلِ مفطِّرٌ في الأصح) بناء على الوجه الأول، وهو اعتبار كلّ ما يسمّى جوفًا، والثاني: لا؛ بناء على مقابله؛ لعدم قوة الإحالة.
(وشرط الواصل: كونُهُ من منفذ مفتوح، فلا يضرّ وصول الدهن بتشرب المسامِّ) وهي ثقب البدن، (ولا الاكتحال وإنْ وجدَ طعمَهُ بحلقه) كما لا يضرّ الانغماس بالماء وإن وجد أثره في باطنه، ولا يكره الاكتحال سواء تنخمه أم لا.
والمنفذ بفتح الفاء: كالمدخل والمخرج؛ كذا ضبطه المصنف بخطه (1).
(وكونه بقصد، فلو وصل جوفَه ذباب، أو بعوضة، أو غبار الطريق، وغربلة الدقيق .. لم يفطر) وإن أمكن اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره؛ لما فيه من المشقة الشديدة، بل لو فتح فاه عمدًا حتي وصل الغبار إلي جوفه .. لم يفطر علي الصحيح.
(ولا يُفطر ببلع ريقه من مَعدِنه) بالإجماع، ومعدن الريق: هو الموضع الذي فيه قراره، ومنه ينبع، وهو الحنك الأسفل تحت اللسان.
(فلو خرج عن الفم ثم ردَّه وابتلعه، أو بلَّ خيطًا بريقه، وردّه إلي فمه وعليه رطوبة
(1) المجموع (6/ 361).
تَنْفَصِلُ، أَوِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا .. أَفْطَرَ. وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ .. لَمْ يُفْطِرْ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوِ الاسْتِنْشَاقِ إِلَي جَوْفِهِ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ بَالَغَ .. أَفْطَرَ، وإِلَّا .. فَلَا
===
تنفصلُ) وابتلعها، (أو ابتلع ريقه مخلوطًا بغيره) كأن فتل خيطًا مصبوغًا، وتغيَّر به ريقه، (أو متنجسًا) وإن لم يكن مختلطًا بشيء؛ كما إذا دَمِيت لثتُه فبصق حتي صفي ريقه، ثم ابتلعه صافيًا ( .. أفطر) أما في الأولى .. فلأنه خرج عن معدنه وصار كالأعيان الخارجة، وأما في الثانية .. فلأنه لا ضرورة إليه، وقد ابتلعه بعد مفارقة المَعدِن، وأما في الثالثة .. فلأنه أجنبي غير الريق (1).
(ولو جمع رِيقه فابتلعه .. لم يفطر في الأصح) كابتلاعه متفرقًا من مَعْدِنه، والثاني: يفطر؛ لتيسر الاحتراز عنه.
واحترز بقوله: (جمعه): عما لو اجتمع بلا قصد؛ فإنه لا يضرُّ قطعًا.
(ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه) المعروف، أو دماغه ( .. فالمذهب: أنه إن بالغ .. أفطر) لأنه منهي عنه؛ كما مرَّ في الوضوء، (وإلا .. فلا) لوصوله بغير اختياره.
واعلم: أن المسألة علي قولين، وفي محلّهما طرق: أصحها: في "المحرر": أنهما فيما إذا لم يبالغ، فإن بالغ .. أفطر قطعًا، والثانية: فيما إذا بالغ، وإلا .. لم يفطر قطعًا، وصححها: في "الشرحين"(2)، والثالثة: أنهما جاريان في الحالين؛ فلهذا عبر المصنف بـ (المذهب).
هذا كله في المضمضة والاستنشاق المشروعين، فإن سبقه من رابعةٍ .. فالمختار في "الروضة": الجزم بالإفطار للنهي عنها (3).
وغسل الفم من النجاسة؛ كالمضمضة، قال الرافعي: والمبالغة هنا للحاجة ينبغي
(1) في (د): (أجنبي عن الريق).
(2)
المحرر (ص 111)، الشرح الكبير (3/ 200).
(3)
روضة الطالبين (2/ 361).
وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ .. لَمْ يُفْطِرْ إِنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ، وَلَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا .. لَمْ يُفْطِرْ، فَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّي أَكَلَ .. أَفْطَرَ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: لَا يُفْطِرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا .. لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: لَا يُفْطِرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
أن تكون كالمضمضة بلا مبالغة، وجزم به في "الشرح الصغير"، وقال في "شرح المهذب": هو متعين (1).
(ولو بقي طعامٌ بين أسنانه فجرى به ريقه .. لم يفطر إن عَجَز عن تمييزه ومجِّه) لأنه معذور فيه غير مفرط، فإن لم يعجز .. أفطر؛ لتقصيره.
واحترز بقوله: (فجرى): عمَّا إذا ابتلعه قصدًا؛ فإنه يفطر قطعًا.
(ولو أُوجِر مكرهًا .. لم يفطر) لانتفاء الفعل والقصد منه، والإيجار: صب الماء في حلقه، وحكم سائر المفطرات حكم الإيجار.
(فإن أكره حتى أكل) أو شرب ( .. أفطر في الأظهر) لأنه حصل من فعله لدفع الضرر عن نفسه فأفطر به؛ كما لو أكل لدفع الضرر والجوع.
(قلت: الأظهر: لا يفطر، والله أعلم) لأن حكم اختياره ساقط، بخلاف من أكل خوفًا علي نفسه، فأشبه الناسي، بل هو أولى منه؛ لأنه مخاطب بالأكل؛ لدفع ضرر الإكراه عن نفسه، والناسي ليس مخاطبًا بأمرٍ ولا نهي.
(ولو أكل ناسيًا .. لم يفطر) لحديث: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ .. فَلْيُتِمَّ صوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ" متفق عليه (2)، وفي "صحيح ابن حبان" وغيره:"وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ"(3).
(إلا أن يُكثر في الأصح) لأن النسيان مع الكثرة نادر، ولهذا تبطل الصلاة بالكلام الكثير ناسيًا، قال في "الأنوار": والكثير كثلاث لقم (4)، (قلت: الأصح: لا يفطر، والله أعلم) لعموم الحديث المارّ.
(1) الشرح الكبير (3/ 200)، المجموع (6/ 337).
(2)
صحيح البخاري (1933)، صحيح مسلم (1155) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
صحيح ابن حبان (3521)، وأخرجه الحاكم (1/ 430) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
الأنوار (1/ 238).
وَالْجِمَاعُ كَالأَكْلِ عَلَي الْمَذْهَبِ. وَعَنِ الاسْتِمْنَاءِ، فَيُفْطِرُ بِهِ، وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ، لَا الْفِكْرِ والنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ. وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ، وَالأَوْلَى لِغَيْرِهِ تَرْكُهَا. قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
والفرق بينه وبين الصلاة: أن المصلي مُشتغل بأفعال وأقوال تُذكِّره أنه في الصلاة، فيندر وقوع ذلك منه، بخلاف الصائم.
(والجماع كالأكل علي المذهب) في أنه لا يفطر بالنسيان؛ كغيره من المفطرات، والطريق الثاني: أنه على القولين في جماع المحرم ناسيًا.
وفرق الأول: بأن المحرم له هيئةٌ يتذكر بها الإحرام، فإذا نسي .. كان مُقصِّرًا، بخلاف الصائم.
(وعن الاستمناء) أي: شرط الصوم: الإمساك عن الجماع وعن الاستمناء، وهو: استخراج المني بغير الجماع (فيفطر به) لأن الإيلاج من غير إنزال مبطلٌ، فالإنزال بنوع شهوة أولى.
ولو حكَّ ذكره لعارض فأنزل .. فالأصحُّ في "شرح المهذب": أنه لا يفطر (1)؛ لأنه متولد من سبب مباح، قال الأَذْرَعي: فلو علم من نفسه أنه إذا حكَّه أنزل .. فالقياس: الفطر، وأما إذا احتلم .. فإنه لا يفطر إجماعًا؛ لأنه مغلوب.
(وكذا خروج المنيِّ بلمس وقُبلة ومضاجعة) لأنه إنزال بمباشرة.
نعم؛ الخنثى لا يفطر بإنزاله من إحدى فرجيه؛ لاحتمال الزيادة، فإن أنزل من فرجيه .. أفطر.
(لا الفكر والنظرِ بشهوة) لأنه إنزال بغير مباشرة؛ فأشبه الاحتلام.
(وتكره القُبلة لمن حرَّكت شهوتَه) بحيث يخاف الإنزال؛ خوفًا منه، فإنه يفطر، (والأولى لغيره: تركُها) حسمًا للباب؛ إذ قد يظنها غيرَ محركة وهي محركة، لكن لا تكره؛ لضعف احتمال أدائها إلى الإنزال.
(قلت: هي كراهة تحريم في الأصح، والله أعلم) لأن فيه تعريضًا لإفساد
(1) المجموع (6/ 354).
وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ. وَالاحْتِيَاطُ أَلَّا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَيَحِلُّ بِالاجْتِهَادِ فِي الأَصَحِّ، وَيَجُوزُ إِذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ. قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَبَانَ الْغَلَطُ .. بَطَلَ صوْمُهُ، أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنِ.
===
العبادة، وهذا ما نصَّ عليه في "الأم"(1)، والثاني: أنها تنزيه؛ لأن الأصل: عدم الإنزال.
والمباشرةُ باليد والمعانقة لهما حكمُ القبلة.
(ولا يُفطر بالفصد والحجامة) لأنه عليه السلام احتجم وهو صائم مُحرِم، رواه البخاري (2)، وأما حديث:"أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"(3) .. فمنسوخ؛ كما قاله الشافعي في "الأم"(4).
نعم؛ الأولى: تركهما؛ لأنهما يضعفانه.
(والاحتياط: ألَّا يأكل آخرَ النهار إلا بيقين) لقوله عليه السلام: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ"(5).
(ويحل بالاجتهاد) بوِرْدٍ ونحوه (في الأصح) كوقت الصلاة، والثاني: لا؛ لإمكان الصبر إلى اليقين.
ويجب إمساك جزء من الليل؛ ليتحقق غروب الشمس.
(ويجوز إذا ظن بقاءَ الليل) بالاجتهاد؛ لأن الأصل بقاؤه، (قلت: وكذا لو شك، والله أعلم) لأن الأصل: بقاء الليل.
(ولو أكل باجتهاد أولًا أو آخرًا، وبان الغلط .. بطل صومه) لتحققه خلافَ ما في ظنّه، ولا عبرة بالظن البيِّن خطؤه.
(أو بلا ظنّ) بأن هجم، وهو جائز في آخر الليل، حرامٌ في آخر النهار (ولم يَبِنِ
(1) الأم (3/ 246).
(2)
صحيح البخاري (1938) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه أبو داوود (2367)، وابن ماجه (1679) عن ثوبان رضي الله عنه، والترمذي (774) عن رافع بن خديج رضي الله عنه.
(4)
الأم (10/ 192).
(5)
أخرجه الترمذي (2518)، والنسائي (8/ 327) عن الحسن بن علي رضي الله عنهما.
الْحَالُ .. صَحَّ إِنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ، وَبَطَلَ فِي آخِرِهِ. وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ .. صَحَّ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ مَكَثَ .. بَطَلَ.
===
الحالُ .. صحَّ إن وقع في أوله، وبطل في آخره) عملًا بالأصل فيهما؛ إذ الأصل بقاءُ الليل في الأولى، وبقاءُ النهار في الثانية.
(ولو طلع الفجر) الصادق (وفي فمه طعامٌ فلفظه .. صحّ صومه) لأنه لو وضعه في فيه نهارًا، ولم يَصل إلى حلقه .. لا يفطر، فأولى إذا كان الوضعُ ليلًا.
واحترز بقوله: (لفظه): عمَّا إذا ابتلع منه شيئًا باختياره؛ فإنه يفطر.
ولو سبقه إلى جوفه .. فالأصحُّ من "زوائد الروضة": عدم فطره (1).
(وكذ لو كان مُجامعًا، فنزع في الحال) لأن النزع ترك؛ كما لو حلف لا يلبس ثوبًا وهو لابسه، فنزعه، وسواء أنزل حالة النزع أم لا؛ لتولده من مباح.
وإتيان المصنف بـ (فاء) التعقيب بعد طلوع الفجر يعرفك أن صورة المسألة: أن يعلم بالفجر أول طلوعه، فينزع علي الفور، وخرج بذلك: ما لو مضي زمنٌ بعد الطلوع، ثم علم به؛ فإنه يبطل صومه في هذه الصورة علي المذهب.
فلو مكث في هذه الصورة .. لم تجب عليه الكفارة؛ لأن مكثه مسبوق ببطلان صومه، بخلاف ما إذا طلع الفجر، وعلم به بمجرد الطلوع، ومكث .. فإنه تلزمه الكفارة علي المذهب.
(فإن مكث .. بطل) لوجود المنافي، وظاهر عبارة "الكتاب"، و"الروضة" و"أصليهما": أن الصوم انعقد ثم بطل (2)، واختاره السبكي.
لكن الأصحّ في "شرح المهذب": أنه لم ينعقد أصلًا، ونقله الإمام عن معظم الأئمة (3).
* * *
(1) روضة الطالبين (2/ 364).
(2)
روضة الطالبين (2/ 365)، الشرح الكبير (3/ 206)، المحرر (ص 112).
(3)
المجموع (6/ 351)، نهاية المطلب (4/ 24).