الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الاعتكاف
هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ، وَفِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ،
===
(كتاب الاعتكاف)
هو في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه، خيرًا كان أو شرًّا، وفي الشرع: إقامة مخصوصة.
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالي: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} وقوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} والسنة مستفيضة به، وهو من الشرائع القديمة.
(هو مستحبٌّ كلَّ وقت) بالإجماع.
(وفي العشر الأواخر من رمضان أفضلُ) لمحافظته عليه الصلاة والسلام عليه إلى وفاته (1)، ولأنه أفضل أعشاره (لطلب ليلة القدر) فيحييها بالصلاة، والقراءة، وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة، قال الله تعالي:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} أي: خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وفي الصحيح:"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا، وَاحْتِسَابًا .. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(2).
ولو شهد العشاءَ والصبح في جماعة .. فقد أخذ بحظِّه منها؛ كذا نقله في "زوائد الروضة" عن نصه في القديم (3).
وظاهر كلام المصنف: انحصارها في العشر الأخير، وهو المنصوص، وعليه الجمهور، وأنها تلزم ليلة معينة لا تنتقل، وقال المزني إنها منتقلة في ليالي العشر جمعًا بين الأحاديث، قال في "الروضة": وهو قوي، وقال في "شرح المهذب": إنه الظاهر المختار، لكن المذهب الأول (4).
(1) أخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
روضة الطالبين (2/ 390).
(4)
مختصر المزني (ص 60)، روضة الطالبين (2/ 389)، المجموع (6/ 458). =
وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إِلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي أَوِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ
===
(وميلُ الشافعي رحمه الله إلى أنها ليلة الحادي أو الثالث والعشرين) أما الحادي .. فلما في "الصحيحين" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، قال:"اعْتكفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ أَلْتَمِسُ هَذ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتكفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ .. فَلْيَعْتَكِفْ"، فاعتكف الناس، قال:"وَإِنِّي أُرِيْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وَإِنِّي أَسْجُدُ فِي صبِيحَتِهَا فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ"، فأصبحوا من ليلة إحدي وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجدُ، فأبصرتُ الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وأرنبة أنفه فيها الماء والطين (1).
وأما الثالث .. فلما رواه مسلم عن عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي فِي صَبيحَتِهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ"، قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسولَ الله صلي الله عليه وسلم، فانصرف، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه (2).
وما ذكره المصنف هو نصُّ "المختصر"(3)، والذي قاله الأكثرون: أن ميله إلى أنها ليلة الحادي والعشرين لا غير، وقال الشيخ أبو حامد والبَنْدَنيجي: إنه مذهب الشافعي، وللعلماء فيها نحو من عشرين قولًا، ذكرها القاضي عياض (4)، وغيره (5).
= وفي كتاب "فضائل الأوقات"[ص 260 - 262] للبيهقي من حديث محمد بن جُحَادة عن أنس رفعه: "مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ؛ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ .. فَقَدْ أَصَابَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِحَط وَافِرٍ"، قال: وروينا عن عقبة بن أبي الحسناء عن أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الأَخِيرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَان .. فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْر"، وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول:(من شهد العشاء ليلة القدر .. فقد أخذ بحظ منها). اهـ هَامش (أ).
(1)
صحيح البخاري (2018)، صحيح مسلم (1167/ 215).
(2)
صحيح مسلم (1168).
(3)
مختصر المزني (ص 60).
(4)
إكمال المعلم (4/ 148).
(5)
فائدة: ليلة القدر هي التي يفرق فيها كلّ أمر حكيم، وقيل: إنها ليلة نصف شعبان، سميت بذلك؛ لما فيها من الحكم والفصل، وقيل: لعظم قدرها، وعلامتها: لا حارة ولا باردة، وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء ليس فيها كثيرُ شعاع. اهـ هامش (أ).
وَإِنَّمَا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْجَامِعُ أَوْلَى. وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ
===
(وإنما يصح الاعتكاف في المسجد) ولو على سطحه؛ لأنه عليه السلام وأصحابه حتى نساءه لم يعتكفوا إلا فيه؛ ولقوله تعالي: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .
وجه الدلالة: أن ذكر (المساجد) لا جائزٌ أن يكون لأجل أنها شرطٌ في منع مباشرة المعتكف؛ لأن غير المعتكف ممنوع من المباشرة في المساجد، فلا فائدة لذكر الاعتكاف إلا ليكون المسجدُ شرطًا لصحته، وأيضًا المعتكف ممنوع من المباشرة في المساجد، وحالَ خروجه لقضاء الحاجة ونحوها؛ فتعين أن يكون ذكرها لاشتراط صحة الاعتكاف.
قال الحليمي في "منهاجه": وإنما اختص بالمسجد؛ لأن الإقامة فيه عونٌ على ما يراد من العبادة؛ إذ هو مبني لها (1)، قال صاحب "الخصال": وليس شيء من العبادات يفتقر إلى المسجد إلا الطواف، والاعتكاف.
(والجامع أولى) لكثرة الجماعة، والاستغناءِ به عن الخروج للجمعة، وخروجًا من خلاف من اشترطه، ويتعين الجامع فيما إذا نذر اعتكافَ مدة متتابعة تتخللها جمعة، وهو من أهلها، ولم يشترط الخروج لها؛ لأن الخروج لها يقطع التتابع على الأصح.
ويستثنى من كون الجامع أولى: ما إذا كان قد عيَّن غيرَ الجامع؛ فالمعيَّن أولى إذا لم يحتج إلى الخروج إلى الجمعة.
(والجديد: أنه لا يصحّ اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو المُعتزَل المُهَيَّأ للصلاة) لأنه ليس بمسجد؛ بدليل جواز تغييره، ومكثِ الجنب فيه. والقديم: الصحة؛ لأنه مكانُ صلاتها؛ كما أن المسجد مكانُ صلاة الرجل، لكن الفرق: أن الصلاة لا تختص بموضع، بخلاف الاعتكاف.
(1) المنهاج (2/ 403).
وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الاعْتِكَافَ .. تَعَيَّنَ، وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى فِي الأَظْهَرِ، وَيَقُومُ الْمَسْجدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا وَلَا عَكْسَ، وَيَقُومُ مَسْجدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الأَقْصَى وَلَا عَكْسَ
===
(ولو عيَّن المسجدَ الحرام في نذره الاعتكافَ .. تعين) لتعلق النسك به، وزيادة فضله؛ لتضاعف الصلاة فيه.
وفي المراد بـ (المسجد الحرام) خلاف؛ فقيل: إنه الكعبة والمسجد حولها، وجزم به في (باب استقبال القبلة) من "شرح المهذب"، وقيل: إنه الكعبة، وما في الحجر من البيت، وهو اختيار صاحب "البيان"(1)، وقيل: جميع بقاع الحرم.
(وكذا مسجد المدينة والأقصى في الأظهر) لأنهما مسجدان تُشدُّ إليهما الرحال، فأشبها المسجدَ الحرام، والثاني: لا؛ لأنهما لا يتعلق بهما نسك، بخلافه، فأشبها بقيةَ المساجد، وأفهم أنه لو عيَّن مسجدًا غير الثلاثة .. لم يتعين، وفيه وجه.
نعم؛ المعيَّن أولى، ولو شرع فيه .. لم يجز له الانتقال إلى غيره، ونقل ابن يونس شارح "التعجيز" عن البغوي أنه الحق بمسجد المدينة جميع مساجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأَذْرَعي: ولم أره في كتبه، وما أحقَّ مسجدَ قباء بالإلحاق؛ لما في فضله.
(ويقوم المسجد الحرام مقامهما) لأنه أفضل منهما (ولا عكس) لأنهما دونه في الفضل.
(ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى) لأنه أفضل منه، فإنه صحَّ أن الصلاة فيه بألف صلاة، رواه أحمد، وابن ماجه (2).
والصلاة في الأقصى بخمس مئة؛ كما رواه ابن عبد البر في "تمهيده"، وقال البزار: إسناده حسن (3)، وروي أيضًا: أن الصلاة فيه بألف (4)، (ولا عكس) لما سبق.
(1) المجموع (3/ 190)، البيان (2/ 136).
(2)
المسند (2/ 29)، سنن ابن ماجه (1405)، وأخرجه مسلم (1395) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(3)
التمهيد (6/ 30) ، مسند البزار (4142) عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
(4)
أخرجه ابن ماجه (1407)، وأحمد (6/ 463) عن ميمونة رضي الله عنها.
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا، وَقِيلَ: يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ. يَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ، وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ: أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ - كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ - تبطِلُهُ إِنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا .. فَلَا
===
(والأصح: أنه يشترط في الاعتكاف لُبْث قدرٍ يسمَّى عُكوفًا) لأن مادة لفظة (الاعتكاف) تقتضيه، وقد ذكر الرافعي ضابط ذلك عن الإمام ولم يخالفه، فقال: بأن يزيد على أقلّ ما يكفي في الطمأنينة، ولا يكفي قدرها، ولا يجب السكون، بل يكفي التردد (1).
وقوله: (والأصح) يرجع إلى جملتين: إحداهما: أصل اللبث، والثانية: قدره، ومقابل الأولى: قوله: (وقيل: يكفي المرور بلا لبث)، ومقابل الثانية: قوله: (وقيل: يشترط مكث نحو يوم).
(وقيل: يكفي المرور بلا لُبْث) كالوقوف بعرفة، (وقيل: يشترط مُكث نحوِ يومٍ) لأن ما دون ذلك معتادٌ في الحاجة التي تَعِنُّ في المسجد، فلا يصلح للقُرَب، وليل: لا بدّ من يوم.
(ويبطل بالجماع) إذا كان عامدًا مختارًا، عالمًا بالتحريم؛ لمنافاته، وهذا بالنسبة للمستقبل، أما الماضي .. فكذلك إن كان منذورًا متتابعًا، فيستأنفه، وإن لم يكن متتابعًا .. لم يبطل ما مضى، سواء كان منذورًا أم نفلًا.
(وأظهر الأقوال: أن المباشرة بشهوة - كلمس وقُبلة - تبطله إن أنزل، وإلا .. فلا) لما سبق في (الصوم)، والثاني: يبطل مطلقًا؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُبَشِرُوهُنَّ} ، والثالث: لا مطلقًا؛ كالحج، وعلى كلّ قول هي حرامٌ؛ للآية.
وإيلاج الرجل في قبل خنثى كالمباشرة بشهوة بغير جماع، وكذا إيلاج الخنثى في قبل خنثى أو دبره، أو في امرأة أو رجل؛ كما ذكره في "شرح المهذب" في (باب الأحداث)(2).
(1) الشرح الكبير (3/ 252).
(2)
المجموع (2/ 62).
وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا .. فَكَجِمَاع الصَّائِمِ. وَلَا يَضُرُّ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ
…
لَزِمَهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتكفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتكفًا .. لَزِمَاهُ،
===
قال شيخنا: وهو مستثنى من إطلاقهم بطلان الاعتكاف بالجماع، ورُدَّ: بأن هذا ليس بجماع.
واحترز بـ (المباشرة): عمَّا إذا نظر أو تفكر فأنزل .. فإنه لا يبطل، وبـ (الشهوة): عمَّا إذا قبَّل بقصد الإكرام ونحوه، أو بلا قصد .. فإنه لا يبطل أيضًا.
(ولو جامع ناسيًا .. فكجماع الصائم) وقد مرَّ، ولو جامع جاهلًا بالتحريم .. فكنظيره من الصوم.
(ولا يضرّ التطيّب والتزيّن) بالاغتسال، وقصّ الشارب ونحوه، ولبسِ الثياب الحسنة؛ لأنه لم يُنقل أنه عليه السلام تركه، ولا أمر بتركه، والأصل: بقاؤه على الإباحة.
(والفطرُ، بل يصحّ اعتكافُ الليل وحده) لأن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله؛ إني نذرتُ في الجاهليةِ أن أعتكفَ ليلةً في المسجدِ الحرام، قال:"أَوْفِ بِنَذْرِكَ" متفق عليه (1)، وصحح الحاكم:"لَيْسَ عَلَى الْمُعْتكفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ"، وقال: إنه على شرط مسلم (2)، ولأن الأصل: عدمُ اشتراطه، وفي قول قديم: إن الصوم شرطٌ في صحته، وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء (3).
(ولو نذر اعتكافَ يومٍ هو فيه صائمٌ .. لزمه) اعتكاف اليوم في حال الصوم قطعًا، لأنه به أفضل؛ فإذا التزمه بالنذر .. لزمه؛ كالتتابع، وليس له إفرادُ أحدهما عن الآخر قطعًا، وسواء أكان الصوم عن رمضان أم غيره؛ لأنه لم يلتزم بهذا النذر صومًا، وإنما نذر الاعتكافَ بصفة، وقد وجدت.
(ولو نذر أن يعتكف صائمًا، أو يصوم معتكفًا .. لزماه) أي: الاعتكاف
(1) صحيح البخاري (2032)، صحيح مسلم (1656) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2)
المستدرك (1/ 439) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
إكمال المعلم (4/ 150).
وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ جَمْعِهِمَا. وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الاعْتِكَافِ، وَيَنْوِي فِي النَّذْرِ الْفَرْضِيَّةَ، وَإِذَا أَطْلَقَ .. كَفَتْهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لكِنْ لَوْ خَرَجَ وَعَادَ .. احْتَاجَ إِلَى الاسْتِئْنَافِ. وَلَوْ نَوَى مُدَّةً
===
والصوم؛ عملًا بالتزامه، فلا يكفيه أن يعتكف في رمضان ونحوه مما وجب صومُه قبل ذلك أو بعده.
(والأصح: وجوب جمعهما) لما سبق، والثاني: لا؛ لأنهما عبادتان مختلفتان، فأشبه ما إذا نذر أن يصلي صائمًا، أو يعتكف مصليًا .. فإنهما يلزمان، ولا يلزم الجمع، وفرق الأول: بأن الصوم والاعتكافَ متقاربان؛ لأن كلَّ واحد منهما كفّ وإمساكٌ، بخلاف الصلاة؛ فإنها أفعالٌ لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف، والثالث: يجب الجمع في الأولى دون الثانية؛ لأن الاعتكاف لا يصلح وصفًا للصوم، والصومَ يصلح وصفًا للاعتكاف؛ لأنه مستحبٌّ فيه.
(ويشترط نية الاعتكاف) لأنه عبادة، وكان ينبغي أن يقول:(ولا بدّ من النية) كما عبَّرا به في "الشرحين" و"الروضة"(1)؛ فإن النية ركنٌ لا شرط.
(وينوي في النذر الفرضيةَ) ليمتاز عن التطوع، ولو نوى كونه عن نذره .. أجزأه عن ذكر الفرض، قاله في "الذخائر".
(وإذا أطلق) أي: نوى الاعتكافَ، ولم يُعيّن مدة ( .. كفته نيتُه وإن طال مُكثه) لشمول النية المطلقة لذلك، (لكن لو خرج وعاد .. احتاج إلى الاستئناف) أي: استئناف النية في حصول هذه العبادة، سواء أخرج لقضاء الحاجة أم لغيره؛ لأن ما مضى عبادةٌ تامة انتهت بالخروج، وهو يريد اعتكافًا جديدًا، قال في "التتمة": هذا إذا لم يَعْزِم عند الخروج على العود إذا قُضِيتْ حاجتهُ؛ فإن عزم على ذلك .. كانت هذه العزيمةُ قائمةً مقام النية، وصوَّبه في "شرح المهذب"، لكنّ الرافعي استشكله: بأن اقتران النية بأول العبادة شرطٌ، وجرى عليه في "الروضة"(2).
(ولو نوى مدَّة) لاعتكاف تطوع، أو منذور غير متتابع؛ كنذر أيام غير معيَّنة
(1) الشرح الكبير (3/ 257)، روضة الطالبين (2/ 395).
(2)
المجموع (6/ 487)، الشرح الكبير (3/ 258)، روضة الطالبين (2/ 395).
فَخَرَجَ فِيهَا وَعَادَ: فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ .. لَزِمَهُ الاسْتِئْنَافُ، أَوْ لَهَا .. فَلَا، وَقِيلَ: إِنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ .. اسْتَأْنَفَ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَأنِفُ مُطْلَقًا. وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً، فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التّتابُعَ .. لَمْ يَجِبِ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَقِيلَ: إِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ .. وَجَبَ. وَشَرْطُ الْمُعْتكفِ: الإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّقَاءُ عَنِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ
===
(فخرج فيها وعاد؛ فإن خرج لغير قضاء الحاجة .. لزمه الاستئنافُ) لصحة الاعتكاف إن أراده بعد العود؛ لقطعه الأول بالخروج لغير قضاء الحاجة، وأما العود .. فلا يلزمه؛ لأن له قطعَ التطوع متى شاء، ولا قضاء عليه، (أولها .. فلا) لأنه لا بدّ منه؛ فهو كالمستثنى عند النية.
والمراد بـ (الحاجة) هو: البول والغائط.
(وقيل: إن طالت مدةُ خروجه .. استأنف) لتعذر البناء، وإن قصرت .. فلا؛ لإمكان البناء، (وقيل: لا يستأنف مطلقًا) لأن النية شملت جميعَ المدة بالتعيين.
(ولو نذر مدةً متتابعه، فخرج لعذر لا يقطع التتابعَ) كالأكل، وقضاءِ الحاجة، والخروجِ ناسيًا، ونحو ذلك ( .. لم يجب استئنافُ النية) عند العود؛ لشمولها جميعَ المُدَّة، وتجب المبادرة إلى العود عند زوال العذر، فلو أخَّر عالمًا ذاكرًا مختارًا .. انقطع التتابعُ، وتعذَّر البناء.
(وقيل: إن خرج لغير الحاجة، وغُسل الجنابة .. وجب) استئناف النية؛ لخروجه عن العبادة بما عرض من الأعذار مما عنه بدّ، بخلاف الخروج للحاجة ونحوها مما لا بدَّ منه.
واحترز بقوله: (لا يقطع التتابع): عمَّا يقطعه؛ فمانه يجب استئنافُ النية قطعًا.
(وشرط المعتكف: الإسلام) لأن النية لا بدّ منها، ونية الكافر لا تصحّ، (والعقلُ) فلا يصحّ من مجنون، ومُبَرْسَم؛ لأنه ليس من أهل العبادة؛ كالصوم، وكذا لا يصحّ من سكران، ومغمى عليه ونحوهما؛ إذ لا نية لهم.
(والنَّقاءُ عن الحيض) والنفاس (والجنابةِ) لأن المكث في المسجد في هذه الحالة حرامٌ، ولا يجوز للعبد أن يعتكف بغير إذن سيده، ولا المرأة بغير إذن زوجها.
وَلَوِ ارْتَدَّ الْمُعْتكفُ أَوْ سَكِرَ .. بَطَلَ، وَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنِ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ. وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ .. لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إِنْ لَمْ يَخْرُجْ ويُحْسَبُ زَمَنُ الإِغْمَاءِ مِنَ الاعْتِكَافِ دُونَ الْجُنُونِ، أَوْ الْحَيْضُ .. وَجَبَ الْخُرُوجُ،
===
(ولو ارتدّ المعتكف أو سَكِر .. بَطَل) الاعتكاف في زمن الردة والسكر؛ لعدم أهليتهما والحالةُ هذه، (والمذهب: بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابعِ) حتى يحتاج إلى استئنافه؛ لأن ذلك أشدّ وأقبح من الخروج من المسجد، وقيل: لا يبطل في المسألتين حتى يبنيان، وقيل: يبني المرتد؛ لأنه لا يمنع من المسجد، ولهذا يجوز استتابته فيه، ولا يبني السكران؛ لأنه يمنع منه؛ للآية، وهذا هو المنصوص فيهما، وقيل: يبني السكران دون المرتد؛ لأن السُّكر كالنوم، والردة تنافي العبادة. والمراد بـ (البطلان): عدم البناء عليه لا حبُوطُه بالكلية.
(ولو طرأ جنون أو إغماءٌ .. لم يبطل ما مضى إن لم يخرج) لأنه معذور بما عرض، كذا علله الرافعي (1).
وقضيته: أنه لو طرأ ذلك بسبب لا يعذر فيه .. انقطع، وبه صرَّح في "الكفاية" نقلًا عن البَنْدَنيجي، وقال: إنه يكون كالسكران (2).
وكان ينبغي ترك التقييد بعدم الخروج؛ لاستواء حكمهما، فإنه إذا خرج - إن لم يمكن حفظه في المسجد - .. لم يبطل أيضًا؛ كما لو حُمل العاقلُ مكرهًا، وإن أمكن بمشقة .. فكالمريض إذا خرج، والصحيح فيه أيضًا: أنه لا ينقطع تتابعه.
(ويُحسب زمنُ الإغماء من الاعتكاف) كما في الصائم إذا أغمي عليه النهار، (دون الجنون) لأن العبادةَ البدنيةَ لا تصحّ منه.
(أو الحيض) أي: ولو كان الطارئ هو الحيضَ، أو النفاس ( .. وجب الخروج) لتحريم المكث عليهما، وفي حكمهما: كلّ ما لا يمكن معه المكثُ في المسجد؛ من النجاسات وغيرها.
(1) الشرح الكبير (3/ 261).
(2)
كفاية النبيه (6/ 473).