المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌باب زكاة الفطر

‌بابُ زكاة الفِطر

تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الأَظْهَرِ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ. وَيُسَنُّ أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ،

===

(باب زكاة الفِطر)

سُمِّيت بذلك؛ لأن وجوبها بدخول الفطر، ويقال: زكاة الفطرة بكسر الفاء والتاء في آخره؛ لأنها تُخرج عن الفطرة، وهي الخِلْقَة.

(تجب بأول ليلة العيد في الأظهر)(1) لأنها مضافة في الحديث إلى الفطر من رمضان، وهو ما في "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما:(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، على كلّ حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين)(2).

وبأول الليل: خرج وقتُ الصوم، ودخلَ وقتُ الفطر.

والثاني: أنها تجب بطلوع الفجر يوم العيد؛ لأنها قربة متعلقة بالعيد، فلا تتقدم على وقتها؛ كالأضحية؛ كذا علّله الرافعي (3)، واعترضه الإسنوي: بأن وقت العيد من طلوع الشمس لا الفجر (4)، والثالث: أنها تجب بمجموع الوقتين؛ لتعلقها بالفطر والعيد جميعًا.

(فتُخرج) تفريعًا على الأظهر (عمن مات بعد الغروب) ممن يُؤدَّى عنه؛ من زوجة، وقريب، وعبد؛ لوجود السبب في حياته، بشرط: أن يكون فيه عند الغروب حياة مستقرة، (دون من وُلد) وتجدد؛ من زوجة، ورقيق بعد الغروب؛ لعدم إدراكه الموجب، وعلى الثاني: ينعكس الحكم، وعلى الثالث: لا وجوب فيهما.

(ويسن ألا تؤخر عن صلاته) بل يندب تقديمها عليها؛ لحديث ابن عمر: (أن

(1) في (أ): (تجب باول ليلة العيد في الأصح)، وكأنه سبق قلم؛ لما يأتي بعد قليل.

(2)

صحيح البخاري (1503)، صحيح مسلم (984).

(3)

الشرح الكبير (3/ 145).

(4)

المهمات (4/ 6 - 7).

ص: 523

وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ. وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إِلَّا فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ فِي الأَصَحِّ،

===

النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه (1).

قال السبكي: ولو قيل: بوجوب إخراجها قبل الصلاة .. لم يبعد؛ لظاهر الأمر.

(ويحرم تأخيرها عن يومه) بلا عذر؛ لأنه قد ورد: "أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"(2)، فلو أخّر .. عصى، وقضى؛ لخروج الوقت.

(ولا فطرة على كافر) أصلي في نفسه ولا غيره من الكفار إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(3)، والمراد: أنه ليس بمطالب بإخراجها.

وأما العقوبة في الآخرة: فعلى الخلاف في تكليفه بالفروع، كما قاله في "شرح المهذب"(4)، وقال السبكي: يحتمل أن هذا التكليف الخاص لم يشملهم، لقوله في الحديث:"مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

وأما المرتد .. ففي وجوبها عليه وعلى من يَمُونه الأقوال في بقاء مِلكه، قاله في "شرح المهذب"(5).

(إلا في عبده وقريبه المسلم) وكلّ مسلم يلزم الكافر نفقته؛ كمستولدته المسلمة، وزوجته الذمية إذا أسلمت وغربت الشمس وهو متخلف، وأوجبنا نفقة مدة التخلّف؛ كما هو الأصحُّ، ومستولدة والدهِ المسلم، وخادم زوجته (في الأصح) كالنفقة عليهم.

والخلاف مبني على أن من وجبت فطرته على غيره هل وجبت عليه ثمّ تحملها عنه المُخرِج، أو وجبت على المُخرِج ابتداءً؟ وفيه وجهان: أصحهما: أنه بطريق التحمل.

وكان ينبغي أن يقول: (المسلمين) بالتثنية، أو يعطف القريب بـ (أو).

(1) صحيح البخاري (1509)، صحيح مسلم (986).

(2)

أخرجه الدارقطني (2/ 153)، والبيهقي (4/ 175) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

سبق تخريجه أول الباب.

(4)

المجموع (6/ 87).

(5)

المجموع (6/ 87).

ص: 524

وَلَا رَقِيقٍ -وَفِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ قِسْطُهُ- وَلَا مُعْسِرٍ. فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ .. فَمُعْسِرٌ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ .. لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ،

===

(ولا رقيق) لعدم ملكه، أو ضعفه، (وفي المكاتب وجه) أنها تجب عليه في كسبه عن نفسه، وزوجته، ورقيقه؛ كنفقتهم، وفي وجه: أنها تجب على السيد؛ لأنه مِلكه، والأصح: المنع مطلقًا؛ لضعف ملكه، والخلاف في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة .. فتجب على السيد جزمًا.

(ومن بعضه حرّ .. يلزمه قسطه)(1) أي: يلزمه من الفطرة بقدر ما فيه من الحرية، وباقيها على مالك الباقي؛ لأن الفطرة تتبع النفقة وهي مشتركة.

نعم؛ إن كان بينهما مهايأة .. فتجب على من وقع وقت الوجوب في نوبته في الأصح، وحكم العبد المشترك: حكم المبعض.

(ولا معسرٍ) بالإجماع، ثم حدَّه بقوله:(فمن لم يفضُلْ عن قوته وقوتِ مَنْ في نفقته) من آدمي أو بهيمة (ليلة العيد ويومَه شيءٌ .. فمعسر) لأن القوت لا بدّ منه.

(ويشترط: كونه فاضلًا عن مسكن، وخادم يحتاج إليه) لخدمته (في الأصح) كما في الكفارة بجامع الطهر، ويشترط: كونهما لائقين به، والثاني: لا يشترط كونه فاضلًا عن ذلك؛ لأن الكفارة لها بدل، بخلاف الفطرة، فهي كالدين.

ويشترط أيضًا: كونه فاضلًا عن دَسْت ثوب يليق به، وعن كسوة من تلزمه نفقتهم على الصحيح، وكذا عمَّا عليه من الدين؛ كذا نقل الإمام الاتفاق عليه، وحكاه المصنف في "نكت التنبيه" عن الأصحاب، وجزم به في "الحاوي الصغير"، لكن الأصح في "الشرح الصغير": أنه لا يشترط ذلك، وهو مقتضى كلام "الكبير"، وقال الأَذْرَعي: إنه المذهب المنصوص (2).

(ومن لزمه فطرتُه .. لزمه فطرة من لزمه نفقتُه) بقرابة، أو زوجية، أو ملك إذا

(1) في (د): (ومن بعضه حرّ .. تلزمه بقسطه).

(2)

نهاية المطلب (3/ 400)، الحاوي الصغير (ص 223)، الشرح الكبير (3/ 158).

ص: 525

لكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ، وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا الابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبيهِ، وَفِي الابْنِ وَجْهٌ. وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ كَانَ عَبْدًا .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا، وَكَذَا سَيِّدُ الأَمَةِ

===

كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم؛ لقوله عليه السلام: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ" رواه مسلم (1).

والباقي بالقياس عليه، والجامع: وجوبُ النفقة، والإجماع منعقد على أن الفطرة تجب على الغير بسبب الغير في الجملة.

(لكن لا يلزم المسلمَ فطرةُ العبد والقريب والزوجة الكفار) وإن وجبت نفقتهم؛ لقوله عليه السلام في الحديث المار: "من المسلمين"(2).

(ولا العبدَ فطرةُ زوجته) وإن أوجبنا عليه نفقتها في كسبه ونحوه؛ لأنه ليس أهلًا لزكاة نفسه فكيف يتحمل عن غيره؟ !

واحترز بـ (العبد) عن المبعَّض؛ فإنه يجب عليه المقدار الذي يجب على نفسه.

(ولا الابنَ فطرةُ زوجة أبيه) وإن وجبت عليه نفقتها؛ لأن فقد النفقة يسلطها على الفسخ، فيحتاج الولد إلى تزويجه، بخلاف الفطرة، (وفي الابن وجه) أنها تجب عليه كنفقتها، والفرق: ما ذكرناه.

ويستثنى أيضًا مسائل؛ منها: عبدُ بيت المال تجب نفقته ولا تجب فطرته على الأصح، ومنها: الموقوف على جهة، أو مُعيَّن على الأصح أيضًا.

(ولو أعسر الزوج، أو كان عبدًا .. فالأظهر: أثه يلزم زوجته الحرةَ فطرتُها) إذا أيسرت بها.

(وكذا سيد الأمة) في الأصح؛ بناء على أن الوجوب يلاقي المؤدّى عنه ابتداءً، ثم يتحملها المؤدِّي، فإذا لاقى الزوجة أولًا ولم يكن الزوج أهلًا للتحمل؛ لإعساره .. استقرَّ الأمر على من وجب عليه أولًا، والثاني: لا يجب عليهما؛ بناءً على أنه يلاقي المُخرِج ابتداءً.

(1) صحيح مسلم (982) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

في (ص 523).

ص: 526

قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لَا تلزَمُ الْحُرَّةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ إِخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: إِذَا عَادَ، وَفِي قَوْل: لَا شَيْءَ. وَالأَصَحُّ: أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ .. يَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ .. قَدَّمَ نَفْسَهُ، ثُمَّ زَوْجَتَه، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، ثُمَّ الأَبَ، ثُمَّ الأُمَّ، ثُمَّ

===

(قلت: الأصح المنصوص: لا تلزم الحرة، والله أعلم) لكمال تسليمها، بخلاف الأمة، فإنها وإن سلمت إليه .. فهي في قبضة السيد، ألا ترى أنَّ له استخدامها والمسافرةَ بها، وحينئذ فلا تكون الفطرة متحولة عنه، وإنما الزوج كالضامن لها، فماذا لم يقدر على الأداء .. بقي الوجوب على السيد كما كان.

(ولو انقطع خبرُ العبد .. فالمذهب: وجوب إخراج فطرته في الحال) أي: في يوم العيد أو ليلته؛ لأن الأصل بقاء حياته، (وقيل: إذا عاد) كزكاة المال الغائب، وفرق الأول: بأن التأخير إنما جوز هناك للنماء، وهو غير معتبر في زكاة الفطر، (وفي قول: لا شيء) بالكلية؛ لأن الأصل براءة الذمة.

ومحل الخلاف: ما إذا لم تنته الغيبة إلى مدة يجوز للحاكم أن يحكم فيها بموته وأنَّ مثله يورث؛ فإن انتهى إلى ذلك .. فلا خلاف في عدم الوجوب، قاله الرافعي في (الفرائض)(1).

ولو لم ينقطع خبر العبد؛ فإن كان في طاعة سيده .. وجبت فطرته، وإن كان آبقًا .. فكالمغصوب والضال، والمذهب: الوجوب.

(والأصح: أن من أيسر ببعض صاع .. يلزمه) اعتبارًا بالميسور، والثاني: لا؛ كبعض الرقبة في الكفارة، وفرق الأول: بأن الكفارة لها بدل، بخلاف الفطرة.

(وأنه لو وَجد بعض الصيعان .. قدَّم نفسه) لحديث: "أبْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ"(2)، (ثم زوجتَه) إن فضل عن نفسه صاع آخر؛ لأن نفقتها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان .. فهي آكد، (ثم ولدَه الصغير) لأنه أعجز ممن بعده، ونفقته ثابتة بالنصّ والإجماع، (ثم الأبَ) لشرفه، (ثم الأمَّ) لقوة حرمتها بالولادة، (ثم)

(1) الشرح الكبير (6/ 525).

(2)

أخرجه مسلم (997) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحوه.

ص: 527

الْكَبِيرَ. وَهِيَ: صَاعٌ، وَهُوَ: سِتُّ مِئَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثةٌ وَتِسْمعُونَ وَثُلُثٌ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: سِتُّ مِئَةٍ وَخَمْسَة وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ؛ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَجِنْسُهُ: الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ،

===

الولد (الكبيرَ) حيث تجب نفقته يقدم في الفطرة على الرقيق؛ لأن علاقته لازمة بخلاف الملك.

وهذا الترتيب ذكراه أيضًا هكذا في "الشرح" و"الروضة"(1)، لكن صححا في (النفقات): تقديمَ الأم في النفقة على الأب (2)، وفرَّق في "شرح المهذب": بأن النفقة لسدِّ الخَلَّة والأم أحوج، والفطرةَ لتطهير المُخرَج عنه وتشريفه، والأب أحقّ به؛ فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه. انتهى (3).

ونُقِض الفرقُ بتقديم الولد الصغير على الأبوين، وهما أشرف منه؛ فدلّ على اعتبارهم الحاجة في البابين، ومقابل الأصح في كلام المصنف: تسعة أوجه، تُعرف بمراجعة المبسوطات.

(وهي: صاع) لحديث ابن عمر المارّ في أول الباب (4)؛ فهو خمسة أرطال وثلث تقريبًا؛ كما نقله في "الروضة"، و"شرح المهذب" عن الدارمي، وخالف في "رؤوس المسائل"، فقال: إنه تحديد (5).

(وهو ست مئة درهم وثلاثة وتسعون وثلث، قلت: الأصح: ست مئة وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم؛ لما سبق في زكاة النبات) من كون الرطل مئة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم (والله أعلم) وقد سبق في (زكاة النبات) إيضاحه.

(وجنسه: القوت المعشَّر) أي: الذي يجب فيه العشر أو نصفه على ما سبق في

(1) الشرح الكبير (3/ 160)، روضة الطالبين (2/ 301).

(2)

الشرح الكبير (10/ 83)، روضة الطالبين (9/ 95).

(3)

المجموع (6/ 99).

(4)

في (ص 523).

(5)

روضة الطالبين (2/ 302)، المجموع (6/ 107)، رؤوس المسائل (ص 118).

ص: 528

وَكَذَا الأَقِطُ فِي الأَظْهَرِ. وَتَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، وَقِيلَ: قُوتهِ،

===

موضعه؛ لأن النصَّ قد ورد في بعض المعشرات؛ كالبرّ والشعير والتمر والزبيب، وقيس الباقي عليه بجامع الاقتيات.

(وكذا الأقِطُ في الأظهر) لثبوته في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري (1)، ولهذا قطع بعضهم به، والثاني: أنه لا يجزئ؛ لأنه لا عشر فيه، فأشبه التين ونحوه، وقيل: يجزئ أهل البادية دون الحاضرة، حكاه في "شرح المهذب"(2)، وإذا جوزناه .. فلا يجزئ المملّح الذي أفسد كثرة الملح جوهره؛ لأنه معيب، وإذا كان الملح ظاهرًا فيه ولم يفسده .. اشترط أن يخرج منه قدرًا يكون محض الأَقِط منه صاعًا.

وقد يفهم اقتصاره على (الأقط) أنه لا يجزئ الجبن الذي لم ينزع زبده، واللبن، والمذهب: إجزاؤهما، بخلاف المنزوع زبده.

(وتجب من قوت بلده) كالكفارة، قال في "البسيط" و"الوسيط": والمعتبر: غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة، وقال في "الوجيز": غالب قوت يوم الفطر، قال الرافعي: وهذا التقييد لم أظفر به في كلام غيره، قال في "شرح المهذب": وهو غريب كما قال، والصواب: أن المراد: قوت السنة، كما سنوضحه، ثم بسط ذلك، قال في "المهمات": وحاصله -يعني: ما في "شرح المهذب"-: تصحيح اعتبار الغلبة في وقت من أوقات السنة، قال: وتقييد "الوسيط" ذكره أيضًا في "الذخائر"، وهو القياس. انتهى (3)

(وقيل: قوتِه) لأنها تابعة للمؤنة وواجبة في الفاضل عنها، فكانت منها، وكما تعتبر في الزكاة ماشيته، والمراد بـ (قوته) هو: اللائق به، لا ما يأكله بخلًا أو تنعمًا على الأصح.

(1) صحيح البخاري (1506)، صحيح مسلم (985).

(2)

المجموع (6/ 159).

(3)

الوسيط (2/ 509)، الوجيز (ص 122)، الشرح الكبير (3/ 169)، المجموع (6/ 113)، المهمات (3/ 39).

ص: 529

وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الأَقْوَاتِ، وَيُجْزِئُ الأَعْلَى عَنِ الأَدْنَى، وَلَا عَكْسَ، وَالاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ، وَبِزِيَادَةِ الاقْتِيَاتِ فِي الأَصَحِّ، فَالْبُرُّ خَيْر مِنَ التَّمْرِ وَالأَرُزِّ، وَالأَصحُّ: أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرِ، وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْر مِنَ الزَّبِيبِ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتٍ، وَعَنْ قَرِيبهِ أَعْلَى مِنْهُ. وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ. وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَات لَا غَالِبَ فِيهَا .. تَخَيَّرَ، وَالأَفضَلُ أَشْرَفُهَا

===

(وقيل: يتخير بين الأقوات) لظاهر حديث أبي سعيد الخدري: (صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير)(1)، وأجاب الأول: بأن (أو) فيه للتنويع.

(ويجزئ الأعلى عن الأدنى) لأنه زاد خيرًا، (ولا عكس) لما فيه من الإضرار بالمستحقين.

(والاعتبار) في الأعلى والأدنى (بالقيمة في وجه) رفقًا بالمساكين (وبزيادة الاقتيات في الأصح) لأنه المقصود، ثم فرع عليه فقال:

(فالبر خير من التمر والأرُزِّ) لأنه أقوت منهما، (والأصح: أن الشعير خير من التمر) لأنه أبلغ في الاقتيات، (وأن التمر خير من الزبيب) لما ذكرناه، والثاني: أن التمر خير من الشعير، وأن الزبيب خير من التمر؛ نظرًا إلى القيمة، وأخذ من كلامه: أن الشعير خير من الزبيب من باب أولى.

(وله أن يخرج عن نفسه من قوت، وعن قريبه أعلى منه) لأنه زاد خيرًا.

(ولا يبعّض الصاع) المخرج عن الشخص الواحد؛ بأن يخرج بعضه من الغالب وبعضه من الأعلى؛ كما لا يجوز في كفارة واحدة أن يطعم خمسة ويكسو خمسة.

(ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها .. تخير) إذ ليس تعيين البعض بأولى من تعيين الآخر.

(والأفضل: أشرفها) لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ولو كانوا في بلد لا قوت لهم فيها .. أخرجوا من قوت أقرب البلاد إليهم؛ فإن استوى بلدان .. تخيروا الأفضل الأعلى.

(1) سبق تخريجه في (ص 529).

ص: 530

وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ .. فَالأَصَحّ: أَنَّ الاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ. قُلْتُ: الْوَاجِبُ الْحَبّ السَّلِيمُ، فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ .. جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ،

===

(ولو كان عبده ببلد آخر .. فالأصح: أن الاعتبار بقوت بلد العبد) بناء على أنها وجبت على العبد ثم تحملها السيد، والشيء لا يتحمل إلا كما وجب، والثاني: الاعتبار ببلد السيد؛ بناء على أنها وجبت عليه ابتداء.

(قلت: الواجب: الحبّ) فلا تجزئ القيمة قطعًا، ولا الدقيق والسويق والخبز؛ لأن الحبّ يصلح لما لا تصلح هذه الثلاثة، (السليم) فلا يجزئ المعيب بسُوس ونحوه؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} واستثنى القاضي: ما إذا لم يكن له سواه وهو يقتاته، حكاه عنه في "الكفاية" وأقره، ثم قال: وعلى هذا: ينبغي أن يخرج من المُسوِّس قدرًا يتحقق أن حبه يملأ الصاع؛ كما سبق نقله في الأَقِط (1).

(فلو أخرج من ماله فطرةَ ولده الصغير الغني .. جاز) لأنه مستقلّ بتمليكه، فكأنه مَلّكه ذلك ثم أخرجه عنه، والجد كالأب، والمجنون كالصغير، أما الوصي والقيّم .. فلا يجوز لهما ذلك إلا بإذن القاضي؛ كما جزم به في "شرح المهذب"(2)؛ لأن اتحاد المُوجِب والقابل يختص بالأب والجد.

وقضية إطلاق المصنف: أنه لا فرق في الأب بين أن يلي المال أم لا، وقضية التعليل: أنه مختص بمن يلي المال؛ فإن لم يكن لعدم الأهلية .. فيكون كالأجنبي.

(كأجنبي أَذن) كما لو قال لغيره: (اقض ديني) فإن لم يأذن له .. لم يجزه قطعًا؛ لأنها عبادةٌ مفتقرة إلى النية.

(بخلاف الكبير) فإنه لا بد من إذنه؛ لعدم استقلاله بتمليكه، وقيده في "شرح المهذب" بالرشيد (3)؛ فأفهم أن السفيه كالصغير، وفيه نظر؛ لأنه من أهل قبول الهبات بغير إذن الولي على الصحيح.

(1) كفاية النبيه (6/ 52).

(2)

المجموع (6/ 115).

(3)

المجموع (6/ 115).

ص: 531

وَلَوِ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ .. لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَوْ أَيْسَرَا وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا .. أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

(ولو اشترك موسر ومعسر في عبد) والمعسر محتاج إلى خدمته بحيث لا يُكلَّف بيعَه؛ كما سبق ( .. لزم الموسر نصف صاع) إذا كانت حصته منه النصف؛ لأنه الواجب عليه.

(ولو أيسرا) أي: السيدان (واختلف واجبهما) لاختلاف قوت بلدهما؛ بأن كان السيدان في بلدين مختلفي القوت ( .. أخرج كلُّ واحد نصفَ صاع من واجبه في الأصح، والله أعلم) لأنهما إذا أخرجا هكذا .. أخرج كلُّ واحد منهما جميعَ واجبه من جنس واحد، والثاني: لا يجزئ التبعيض؛ لأن المخرج عنه واحد، بل يخرجان من أدنى القوتين؛ لما في تكليف أعلاهما من الحرج على الشريك، والثالث: من أعلاهما؛ نظرًا للفقراء، والرابع: من قوت بلد العبد؛ لأنه طُهْر له.

واعلم: أن الأوجه الثلاثة الأُوَلَ مفرعة على أن الفطرة تجب ابتداء على المُخرِج؛ فإن قلنا: بالتحمل، وهو الأصحُّ .. تعين الرابع، كذا صرح به الرافعي بعد أن صحح كما صحح المصنف، لكنه في "الروضة" أهمل هذا التفريع نسيانًا، وجعلها مسألة مستقلة، فحصل ما حصل، ثم أخذ من "الروضة" إلى زيادة "المنهاج" وإلى "التصحيح"، وقد ذكره في "شرح المهذب" على الصواب، وكيف يستقيم ما في "الكتاب" مع قوله أولًا:(فالأصح: أن الاعتبار بقوت بلد العبد)، نبه عليه الإسنوي (1).

* * *

(1) المهمات (4/ 38).

ص: 532