الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الاستسقاء
هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إِنْ لَمْ يُسْقَوْا. فَإِنْ تأهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا .. اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ
===
(باب صلاة الاستسقاء)
الاستسقاء: طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة، وهو أنواع: أدناها: مجرد الدعاء، وأوسطها: الدعاء خلف الصلاة، وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك، وأفضلها: الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سيأتي.
(هي سنة) للاتباع (1)، غير واجبة؛ لقصة الأعرابي (2)(عند الحاجة) إما لانقطاع المطر، أو لقلته؛ بحيث لا يكون كافيًا، فلو انقطع الماء ولم تمسّ الحاجة إليه .. لم تشرع.
(وتعاد ثانيًا وثالثًا) وأكثر؛ كما في "شرح المهذب" تبعًا للماوردي وغيره (3).
قال أصبغُ: استسقي للنيل بمصر خمسةً وعشرين يومًا متوالية، وحضره ابن القاسم وابن وهب وغيرهما (إن لم يسقوا) لوجود سببه؛ فإن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء.
(فإن تأهبوا للصلاة، فَسُقُوا قبلها .. اجتمعوا للشكر) على تعجيل ما عزموا على سؤاله، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (والدعاء) بطلب الزيادة إن لم يتضرروا بكثرة المطر (ويصلون) صلاة الاستسقاء المعروفة (على الصحيح) شكرًا أيضًا؛ كما يجتمعون للدعاء ونحوه، والثاني: لا يصلون، لأنها لم تفعل إلا عند الحاجة (4)، وصححه ابن الصلاح (5)، وقطع الأكثرون بالأول.
(1) أخرجه البخاري (1012)، ومسلم (894) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(2)
أخرجها البخاري (46)، ومسلم (11) عن طلحة بن عبيد رضي الله عنه.
(3)
المجموع (5/ 82)، الحاوي الكبير (3/ 151).
(4)
فرع: من نذر أن يستسقي، فسقي .. قال الشافعي في "الأم" [2/ 542]: عليه أن يستسقي لنفسه، فإن لم يفعل .. فعليه القضاءُ، وليس عليه الخروج بالناس؛ لأنه لا يملكهم، ويستحب: أن يخرج بمن أطاعه منهم. اهـ هامش (أ).
(5)
الوسيط (2/ 352).
وَيَأْمُرُهُمُ الإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا، وَالتَّوْبَةِ وَالتقرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِوجُوه الْبِرِّ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَيَخْرُجُونَ إِلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّع، وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ،
===
(ويأمرهم الإمام) ندبًا (بصيام ثلاثة أيام أولًا) أي: قبل ميعاد الخروج، ويصوم معهم؛ لأن الصوم مُعِين على رياضة النفس وخشوع القلب، وإذا أمرهم الإمام بذلك .. وجب عليهم الصوم؛ كما قاله المصنف في "فتاويه"؛ امتثالًا لأمره (1)، وحكى ابن التِّلِمْساني خلافًا في أن فرض الكفاية هل يتعين على من يُعيّنه الإمام أم لا؟ وبناء عليه: مطالبته بالكفارة والنذر.
(والتوبة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، والخروج من المظالم) لأن ذلك أرجى للإجابة، وقد يكون منع الغيث بسبب هذه الأمور، والخروج من المظالم من جملة التوبة، ونصّ عليها؛ لعظم شأنها.
(ويخرجون إلى الصحراء) للاتباع (2)، واستثنى صاحب "الخصال" ما إذا كانوا بمكة أو بيت المقدس، قال الأَذْرَعي: وهو صحيح، وعليه عمل السلف والخلف؛ لفضل البقعة وسعتها المفرطة.
(في الرابع صيامًا) لأن الصائم لا تردّ دعوته، كما صححه ابن حبان (3)(في ثياب بذلة وتخشع) تأسيًا به صلى الله عليه وسلم؛ كما صححه الترمذي (4).
ولأنه أليق بحال السائل، ويتنظفون بالسواك، وقطع الروائح الكريهة، ويغتسلون، ولا يتطيبون.
والبذلة بكسر الباء وإسكان الذال المعجمة: ثياب المهنة، والتخشع: التذلل.
(ويخرجون الصبيان والشيوخ) والعجائز؛ لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة
(1) فتاوى الإمام النووي (ص 62 - 63).
(2)
أخرجه البخاري (1012)، ومسلم (894) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(3)
صحيح ابن حبان (3428) وأخرجه ابن خزيمة (1901)، والترمذي (3598)، وابن ماجه (1752) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
سنن الترمذي (558)، وأخرجه أبو داوود (1165)، والنسائي (3/ 156)، وابن ماجه (1266) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَكَذَا الْبَهَائِمُ فِي الأَصَحِّ، وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذمَّةِ الْحُضُورَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا. وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ، لكِنْ قِيلَ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)، وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الأَصَحِّ. وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ، لكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى بَدَل التكبِيرِ،
===
(وكذا البهائم في الأصح) ندبًا؛ لأن الجدب قد أصابها، والثاني: يكره؛ لأن فيه إتعابها، واشتغال الناس بها وبأصواتها، والثالث: لا يستحب ولا يكره؛ لأنه لم ينقل.
(ولا يمنع أهل الذمة الحضور) لأنهم يسترزقون، وفضل الله تعالى واسع يَعُمّ البَرّ والفاجر، والمسلم والكافر.
(ولا يختلطون بنا) في مصلانا؛ لأنهم أعداء الله تعالى، وقد يحلّ بهم غضب وعذاب بسبب كفرهم الذي يتقربون به في اعتقادهم، وقد قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .
(وهي: ركعتان كالعيد) في التكبيرات وغيرها مما مرّ؛ للاتباع (1)(لكن قيل: يقرأ في الثانية "إنا أرسلنا نوحًا") عوضًا عن (اقتربت)؛ لاشتمالها على الاستغفار ونزول المطر اللائقين بالحال، وذلك قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
…
} الآية، وفي الأولى (ق)، والأصحُّ: أنه يقرأ في الأولى: (ق)، وفي الثانية:(اقتربت) بكمالهما جهرًا؛ كما في العيد.
(ولا يختص بوقت العيد في الأصح) بل يجوز فعلها متى شاء ولو في وقت الكراهة على الأصح؛ لأنها ذات سبب فدارت مع السبب كصلاة الكسوف، والثاني: يختص؛ لأنه عليه السلام كان يصلي الكسوف ركعتين؛ كما يصلي في العيد، وإنما يصلي في العيد في وقت خاص.
(ويخطب كالعيد) في الأركان والشرائط؛ للاتباع (2)(لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير) فيقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، في الأولى: تسعًا، وفي الثانية: سبعًا؛ لأنه تعالى وعدنا بإرسال المطر عنده، وقيل: يكبر كالعيد.
(1) أخرجه أبو داوود (1165)، والترمذي (558)، والنسائي (3/ 156 - 157)، وابن ماجه (1266) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه أبو داوود (1173)، وأخرجه الحاكم (1/ 328) عن عائشة رضي الله عنها.
وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى: (اللَّهُمَّ؛ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، مَرِيعًا غَدَقًا، مُجَلِّلًا سَحًّا، طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ، اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ؛ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا). وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ،
===
(ويدعو في الخطبة الأولى: اللهم؛ اسقنا غيثًا) أي: مطرًا (مغيثًا) أي: منقذًا من الشدة (هنيئًا) أي: لا ضرر فيه (مريئًا) أي: محمود العاقبة (مريعًا) أي: يأتي بالرَّيْع، وهو الزيادة والنماء، مأخوذ من المَراعة وهو الخِصْب (غدقًا) أي: كثير الماء والخير (مجللًا) أي: ساترًا للأفق (سحًّا) أي: شديدًا واقعًا على الأرض (طبقًا) أي: يُطبق البلاد فيصير كالطبق لها (دائمًا) أي: إلى انقضاء الحاجة؛ فإن دوامه عذاب.
(اللهم؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين) أي: من الآيسين، (اللهم؛ إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا) هذا الدعاء رواه الشافعي في "المختصر" عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قاله، وزاد بعد قوله:(من القانطين): (اللهم؛ إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء (1) والجَهْد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم، أَنبت لنا الزرع، وأَدِرَّ لنا الضَّرْع، واسقنا من بركات السماء، وأَنبت لنا من بركات الأرض، اللهم، ارفع عنا الجَهْد والجوع والعُرْي، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرُك، اللهم، إنا نستغفرك
…
) الآية (2).
(ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية) وهو نحو ثلثها؛ كما قاله في
(1) اللأواء -بالمد والهمز-: شدة المجاعة. اهـ هامش (أ).
(2)
مختصر المزني (ص 34)، قال الحافظ ابن حجر في "التخليص الحبير" (3/ 1135 - 1139): (هذا الحديث ذكره الشافعي في "الأم"[2/ 548] تعليقًا، فقال: روي عن سالم عن أبيه، فذكره
…
ولم نقف له على إسناد، ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بل رواه في "المعرفة" [5/ 177 - 178] من طريق الشافعي قال: ويروى عن سالم به، ثم قال: وقد روينا بعض هذه الألفاظ، وبعض معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر، وفي حديث عبد الله بن جَرَاد، وفي حديث كعب بن مرة، وفي حديث غيرهم)، ثم ذكر الحافظ رحمه الله تعالى هذه الأحاديث مع رواتها.
وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ، وَيُنَكِّسُهُ -عَلَى الْجَدِيدِ- فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ،
===
"الدقائق"(1)، وكلامه قد يوهم بقاء الاستقبال إلى فراغ الخطبة، والمجزوم به في "الشرح" و"الروضة": أنه إذا فرغ من الدعاء الآتي ذكرُه .. استقبل الناس وأتى بباقي الخطبة، وقال:(أستغفر الله لي ولكم)(2).
(ويبالغ في الدعاء سرًّا وجهرًا) لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وإذا أسرّ .. دعا الناس، وإذا جهر .. أمنوا، ويرفعون أيديهم في الدعاء جاعلين ظهور أكفهم إلى السماء، ثبت ذلك في "صحيح مسلم"(3)، وهكذا السنة لكل من دعا لرفع بلاء: أن يجعل ظهر كفه إلى السماء، وإذا سأل شيئًا .. عكس ذلك.
(ويحول رداءه عند استقباله، فيجعل يمينه يساره وعكسه) للاتباع؛ كما رواه أبو داوود (4)، والمعنى في ذلك: التفاؤل بتحويل الحال من الغلاء إلى الرخاء، قال العجلي: ويكره تركه.
(وينكسه -على الجديد- فيجعل أعلاه أسفله وعكسه) لأنه عليه السلام استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه .. قلبها، صححه ابن حبان والحاكم (5)، وجه الدلالة: أنه همّ به فمنعه مانع من فعله، والقديم: لا يستحب؛ لأنه لم يفعله.
ومحل الخلاف: في الرداء المربع، أما المدور .. فلا يستحب التنكيس، بل يقتصر على التحويل قطعا، ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على
(1) دقائق المنهاج (ص 48).
(2)
الشرح الكبير (2/ 389 - 390)، روضة الطالبين (2/ 94).
(3)
صحيح مسلم (896) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
سنن أبي داوود (1163)، عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه.
(5)
صحيح ابن حبان (2867)، المستدرك (1/ 327)، وأخرجه ابن خزيمة (1415)، وأبو داوود (1164)، والنسائي (1/ 157) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
ويحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: وَيترَكُ مُحَوَّلًا حَتى يُنْزَعَ الثِّيَابُ، وَلَوْ تَرَكَ الإِمَامُ الاسْتِسْقَاءَ .. فَعَلَهُ النَّاسُ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ .. جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ، وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتهِ لِيُصِيبَهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ،
===
عاتقه الأيسر، والطرف الأسفل الذي على شقه الأيسرِ على عاتقه الأيمن .. فقد حصل التحويل والتنكيس جميعًا.
(ويحول الناس مثله) للاتباع؛ كما رواه الإمام أحمد (1).
ولو قال: (ويفعل الناس)، بدل (يحول) كـ "المحرر" .. لكان أعم؛ لشموله التنكيس (2).
(قلت: ويترك محوّلًا حتى ينزع الثياب) لأنه لم ينقل أنه عليه السلام غير رداءه بعد ذلك (3).
(ولو ترك الإمام الاستسقاء .. فعله الناس) كسائر السنن، ولأنهم محتاجون كما يحتاج الإمام، بل أشد (4).
(ولو خطب قبل الصلاة .. جاز) لما في "سنن أبي داوود": (أنه عليه السلام خطب ثم صلّى)(5)، والأفضل: أن يخطب بعد الصلاة؛ لأنه الأكثر من فعله عليه السلام.
(ويسن أن يبرز) أي: يظهر (لأول مطر السنة، ويكشف غير عورته؛ ليصيبه) للاتباع، كما رواه مسلم (6).
(وأن يغتسل أو يتوضأ في السيل) لأنه روي: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سال الوادي .. قال: "اخْرُجُوا بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ الله طَهُورًا، فَنَتَطَهَّرَ مِنْهُ وَنَحْمَدَ الله عَلَيْهِ"(7).
(1) مسند أحمد (4/ 41) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(2)
المحرر (ص 80).
(3)
أي: بعد التحويل، وفي غير (أ):(قبل ذلك).
(4)
قال الغزي في "شرحه" بعد قول المصنف: فعله الناس؛ أي: فرادى؛ لأن اجتماعهم وخروجهم إلى الصحراء من وظيفة الإمام. انتهى، ولم أجد له سلفًا في هذا التقييد. اهـ هامش (أ).
(5)
سنن أبي داوود (1173) عن عائشة رضي الله عنها.
(6)
صحيح مسلم (898) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(7)
أخرجه الشافعي في "الأم"(2/ 553)، والبيهقي (3/ 359) مرسلًا.
وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ، وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ:(اللَّهُمَّ؛ صَيِّبًا نَافِعًا)، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ:(مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ)، وَيُكْرَهُ:(مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا)، وَسَبُّ الرِّيحِ،
===
(ويسبح عند الرعد والبرق) أما الرعد .. فصح في "الموطأ": أن عبد الله بن الزبير كان إذا سمع الرعد .. ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته (1)، وأما التسبيح عند البرق .. فلم يذكروا له مستندًا.
(ولا يتبع بصره البرق) لأن الشافعي روى عن عروة بن الزبير النهي عنه (2).
(ويقول عند المطر: اللهم؛ صيبًا نافعًا) للاتباع، كما رواه البخاري (3).
والصيب بتشديد الياء: هو المطر؛ كما في "البخاري" عن ابن عباس (4).
(ويدعو بما شاء) لأن الدعاء مستجاب عند نزول الغيث؛ كما رواه البيهقي (5).
(وبعده: مطرنا بفضل الله ورحمته، ويكره: مطرنا بنوء كذا) لما في "الصحيحين": حكاية عن الله تعالى: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله تعالى ورحمته .. فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا .. فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب)(6).
ومحل الكراهة: إذا اعتقد أن النوء وقت يوقع الله فيه المطر من غير أثر وإنما الفعل لله تعالى؛ فإن اعتقد أن النوء هو الفاعل حقيقة، وليس لله فيه صنع .. فهو كافر، وعليه يحمل الحديث.
(وسب الريح) للنهي عنه، صححه ابن حبان (7).
(1) موطأ مالك (2/ 992).
(2)
الأم (2/ 557).
(3)
صحيح البخاري (1032) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب: ما يقال إذا أمطرت.
(5)
سنن البيهقي (3/ 360) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
(6)
صحيح البخاري (846)، صحيح مسلم (71) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
(7)
صحيح ابن حبان (5732)، وأخرجه الحاكم (4/ 285)، وأبو داوود (5097)، وابن ماجه (3727) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ .. فَالسُّنَّةُ: أَنْ يَسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى رَفْعَهُ: (اللَّهُمَّ؛ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا)، وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
(ولو تضرروا بكثرة المطر .. فالسنة: أن يسألوا الله تعالى رفعه) فيقولوا: (اللهم؛ حوالينا ولا علينا) للاتباع متفق عليه (1)(ولا يصلّى لذلك، والله أعلم) لأنه لم يؤثر غير الدعاء (2).
* * *
(1) صحيح البخاري (933)، صحيح مسلم (897) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
فرع: لو نذر صلاة الاستسقاء لأهل ناحية بُلُوا بالجدب، والناذرُ من أهل الخصب، فهل يلزمه الوفاء بالنذر؟ فيه تردد في كلام الأئمة، نقله ابن الملقن [1/ 408] عن حكاية العجلي. اهـ هامش (أ).