الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ [شروط الصلاة]
شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ. وَالاسْتِقْبَالُ. وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ: مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ،
===
(باب)
هو مُنوّنٌ؛ أي: هذا بابٌ معقودٌ للشروط، والشرط لغة: العلامةُ، ومنه: أشراط الساعة، وشرعًا: ما يَلزم من عدمه العدمُ، ولا يَلزم من وجوده وجود ولا عدمٌ.
(شروط الصلاة: خمسة) زاد في "التحقيق" سادسًا، وهو: معرفة أفعال الصلاة؛ أي: تمييز فرضها من نفلها (1)، فلو اعتقد جميعَ أفعالها سنةً، أو بعضَها فرضًا وبعضها سنةً، ولم يُميِّز .. لم يَصحّ، أو كلَّها فرضًا .. صحتْ في الأصحِّ.
وفي "فتاوى الغزالي": إذا لم يُميِّز العامي فرضًا من سنةٍ .. صحتْ إن لم يقصد التنفلَ بفرض، فإذا غفل عن التفصيل .. فَنِيَّة الجملة كافيةٌ، قال في "زيادة الروضة": وهذا هو الظاهرُ الذي تقتضيه أحوالُ السلف (2)، قال في "التنقيح": وينبغي أن يُعدَّ من الشروط: ترتيبُ الأفعال والموالاةُ بينها، لكن الذي في "الشرح" و"الروضة" أنهما ركنان (3).
(معرفةُ الوقت) ولو ظنًّا (والاستقبالُ) إلّا ما استثني منه على ما مرّ في بابه.
(وسترُ العورة) ولو كان خاليًا في ظلمة عند القدرة؛ لقيام الإجماع على الأمر به في الصلاة؛ لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، قال ابن عباس: المراد به: الثياب في الصلاة، ولقوله عليه السلام:"لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ حَائِضٍ -أي: بالغ- إِلَّا بِخِمَارٍ" حسنه الترمذي وقال الحاكم: إنه على شرط مسلم (4).
(وعورةُ الرجل) ولو عبدًا وصبيًّا (ما بين سرته وركبته) لحديث: "عَوْرَةُ الرَّجُلِ
(1) التحقيق (ص 221).
(2)
فتاوى الغزالي (ص 95)، روضة الطالبين (1/ 271).
(3)
الشرح الكبير (1/ 461)، روضة الطالبين (1/ 223).
(4)
سنن الترمذي (377)، المستدرك (1/ 251) عن عائشة رضي الله عنها.
وَكَذَا الأَمَةُ فِي الأَصَحِّ، وَالْحُرَّةِ: مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَشَرْطُهُ: مَا مَنَعَ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ. وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ. وَيَجِبُ: سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ .. لَمْ يَكْفِ، فَلْيَزُرُّهُ أَوْ يَشُدَّ وَسْطَهُ،
===
ما بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ" رواه الدارقطني والبيهقي عن أبي أيوب مرفوعًا، لكن بإسناد ضعيف (1)، وقيل: الركبةُ من العورة لا السرة، وقيل: عكسُه.
(وكذا الأمة في الأصح) لأن رأسَها ليس بعورة إجماعًا، ومن ليس رأسُه عورةً .. فعورتُه ما بين سرتِه وركبتِه كالرجل، والثاني: أنها كالحرة إلّا في الرأس.
(و) عورة (الحرةِ) في الصلاة (ما سوى الوجهِ والكفين) إذ فُسِّرَ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين، ولأنهما لو كانا عورةً .. لما وجب كشفُهما في الإحرام.
وحكى ابنُ أبي عَصْرون في "الانتصار" وجهًا في جواز ظهور قدمي الحرة في الصلاة، واستُغربَ، وعورتُها في الخلوة وبحضرة مَحارم خارج الصلاة: ما بين السرة والركبة، وصوتُها ليس بعورة على الصحيح، فلا تبَطل الصلاةُ به لو جَهَرَتْ.
(وشرطُه) أي: الساتر (ما منع إدراكَ لون البشرة) لا حجمها، فلا يكفي ثوبٌ رقيقٌ، وزجاجٌ، وماءٌ صافٍ؛ لأن مقصودَ الستر لا يحصل به، وأُورِد عليه الظلمةُ، فإنها مانعةٌ من الإدراك ولا يكفي (ولو طينٌ وماءٌ كَدِرٌ) لمنعهما الإدراكَ، والصافي إذا غلبت فيه الخضرة كالكدر، (والأصح: وجوبُ التطين على فاقد الثوب) ونحوه؛ لقدرته على الستر، وقيل: لا؛ للمشقة والتلويث (2).
(ويجب ستر أعلاه وجوانبه، لا أسفلِه) لأنه المقصودُ من الستر، (فلو رئيت عورتُه من جيبه) وهو المنفذ الذي يُدخل فيه الرأسَ (في ركوع أو غيرِه .. لم يكف) لعدم الشرط المذكور (فليَزُرُّه أو يَشُدَّ وسطه) أي: إن لم يجعل عليه رداءً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لسلمة بن الأكوع وقد قال: (إنا نصيد أفنصلي في الثوب الواحد؟
(1) سنن الدارقطني (1/ 231)، سنن البيهقي (2/ 229).
(2)
بلغ مقابلة على أصل مؤلفه، عفا الله عنه. اهـ هامش (أ).
وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ .. تَعَيَّنَ لَهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا .. فَقُبُلَهُ، وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ، فَإِنْ سَبَقَهُ .. بَطَلَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ: يَبْنِي، وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ .. لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا .. بَطَلَتْ
===
"نَعَمْ، وَأزْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ") رواه أبو داوود وصححه ابن خزيمة (1)، (وله ستر بعضها) أي: العورة (بيده في الأصح) لحصول المقصود، والثاني: لا؛ لأن بعضَه لا يجوز كونُه لباسًا له.
واحترز بيده: عما لو وضع غيرُه يدَه عليها .. فإنه يَكفي قطعًا -وإن فعل محرمًا كما قاله في "الكفاية"- لانتفاء علة المنع (2).
(فإن وجد كافيَ سوأتيه) وهما: قبلُه ودبرُه ( .. تَعيّن لهما) لغلظهما وفُحشهما، (أو أحدِهما .. فقبله) أي: تعين قبلُه ذكرًا كان أو أنثى؛ لبروزه إلى القبلة، (وقيل: دبره) لأنه أفحش عند الركوع والسجود، (وقيل: يتخير) لتعارض المعنيين، والخلاف في الوجوب على الصحيح، بل في الشرطية؛ كما قاله في "شرح المهذب"، حتى لو خالف .. لم تصحّ صلاتُه (3).
(وطهارةُ الحدث) الأكبر والأصغرِ عند القدرة بالإجماع، (فإن سبقه) الحدث ( .. بطلت) صلاتُه؛ لبطلان طهارته بالإجماع، (وفي القديم) يتطهر و (يبني) على صلاته؛ لعدم تقصيره، فلو أحدث مختارًا .. بطلت قطعًا، (ويجريان) أي: القولان (في كل مُناقض) أي: مناف للصلاة (عَرَضَ بلا تقصير، وتعذر دفعُه في الحال) كما إذا تنَجَّس ثوبُه أو بدنُه واحتاج إلى غسله، أو طَيَّرت الريحُ ثوبَه إلى مكان بعيدٍ، (فإن أمكن) دفعُه في الحال (بأن كشفتْه ريحٌ فسَتَرَ في الحال .. لم تَبطل) لانتفاء المحذور، (وإن قَصَّر بأنْ فرغتْ مُدَّةُ خُفٍّ فيها .. بَطَلَتْ) قطعًا؛ لأنه يُشبه مَنْ أحدث مختارًا.
(1) سنن أبي داوود (632)، صحيح ابن خزيمة (778)، وأخرجه الحاكم (1/ 250)، والنسائي (2/ 70).
(2)
كفاية النبيه (2/ 460).
(3)
المجموع (3/ 183).
وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَلَوِ أشْتبَهَ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ .. اجْتَهَدَ، وَلَوْ نَجُسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ وَجُهِلَ .. وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ، فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا .. لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصفَ نَجِسٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ .. طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا .. فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ
===
(وطهارةُ النجَس) الذي لا يُعفَى عنه (في الثوب والبدن والمكان) الذي يُصلِّي فيه؛ لثبوت الأمر باجتنابها بالكتاب والسنة (1)، ولا يجب ذلك في غير الصلاة، فتعين أن يكون الأمرُ فيها، والأمرُ بالشيء نهيٌ عن ضده، والنهي في العبادات يَقتضي الفسادَ، فلزم ما ذكره.
(ولو اشتبه طاهرٌ ونَجِس .. اجتهد) لما مرّ في الأواني، (ولو نَجُس بعض ثوب أو) بعض (بدن، وجُهِل .. وجب غسل كله) لأن الأصل بقاءُ النجاسة ما بقي منه جزءٌ بغير غسل، (فلو ظَنّ طرفًا) أي: من موضعين متميزين، أو من مواضعَ متميزةٍ؛ كأحد طرفي الثوب، وأحد الكُمَّين واليدين والأصابع، فاجتهد وظنّ طرفًا ( .. لم يكف غَسلُه على الصحيح) لعدم جواز الاجتهاد؛ لأن الثوب والبدن واحدٌ، والاجتهاد إنما يكون في شيئين.
(ولو غسل نصف نَجِس ثم باقيه .. فالأصح: أنه إن غسل مع باقيه مجاوره) من النصف المغسول أولًا ( .. طهر كلُّه، وإلّا) أي: وإن لم يغسل معه مُجاوِرَه ( .. فغير الْمُنْتَصَفِ) أي: فيطهر غير المنتصف وهو الطرفان فقط، ويبقى المنتصف نجسًا فيغسله وحده؛ لأنه رَطبٌ ملاقٍ لنجس.
والثاني: لا يطهر مطلقًا حتى يغسل الكلَّ دفعةً واحدةً؛ لأنه إذا تنَجَّس المجاورُ .. لزم تنَجُّس ما يجاور المجاورَ، وهَلُمَّ جَرًّا
…
إلى آخره، وهو مبني على أن الثوبَ الرطبَ إذا وقعت عليه نجاسةٌ .. تنجس كلُّه؛ كما هو وجهٌ في "التتمة"، وصحح في "شرح المهذب": أنه إن كان ذلك في جَفْنَةٍ؛ بأن وُضِعَ نصفُه ثم صُبَّ عليه ماءٌ يَغْمُره .. فلا يطهر؛ لملاقاة الماء جزءًا مما لم يغسله، وذلك الجزءُ نَجِسٌ وَرَدَ على
(1) أما الكتاب .. فقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} ، وأما السنة .. فما أخرجه البخاري (306)، ومسلم (333)، والترمذي (346)، وابن ماجه (746).
وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجسٍ إِنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الأَصَحِّ، فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ .. صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلَا يَضُرُّ نَجِسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ .. فَمَعْذُورٌ،
===
ماء قليلٍ فنَجَّسه، وإذا نَجِسَ الماءُ .. نَجِسَ الثوب، وإن غسل نصفه في غير جَفْنَةٍ بل بصَبِّ الماء عليه .. طَهُرَ (1)، و (المنتصف) بفتح (الصاد).
(ولا تصح صلاةُ مُلاقٍ بعضُ لباسِه نجاسةً) في شيء من صلاته؛ لما مرّ، وبدنُه أولى بذلك (وإن لم يتحرك بحركته) كإلقاء طرف عمامته على نَجِس؛ لنسبته إليه.
(ولا قابضٍ طرف شيء على نَجِسٍ إن تحرك) الطرف الموضوع على النجس بحركته بارتفاعه وانخفاضه؛ لحمله ما هو مُتصلٌ بنجس، (وكذا إن لم يتحرك في الأصح) كما مرّ في طرف العمامة، والثاني: تصح؛ لأن الطرف الملاقي للنجاسة ليس محمولًا له، وإنما أبطلنا في العمامة لكونها من ثيابه، قال في "الشرح الصغير": وهذا أوجه الوجهين، واختاره الأذرعي، لكن في "الكبير": إن كلام الأكثرين يدل على أن الأول أرجحُ (2)، والشد في يده ونحوها كالقبض.
(فلو جعله) أي: جعل طرفَ ما طرفُه الآخرُ نجسٌ أو على نجس (تحت رِجله .. صَحَّت مطلقًا) سواء تحرك بحركته أم لا؛ لأنه ليس لابسًا ولا حاملًا للنجاسة، ولا ما هو متصلٌ بها، فأشبه ما إذا صلّى على بساط طرفُه نجس، أو مفروش على نجاسة، (ولا يَضُرُّ نَجِسٌ يحاذي صدره) أو شيئًا من بدنه (في الركوع والسجودِ على الصحيح) إذ لا حمل ولا ملاقاة، والثاني: يضر؛ لأنه منسوبٌ إليه؛ لكونه موضعَ صلاته، فتعتبر طهارتُه كالذي يلاقيه، أما إذا لاقاه النجس .. فتبطل جزمًا.
(ولو وصل عظمَه) عند احتياجه إليه لكسر ونحوه (بنجِس) كعظم كلبٍ ونحوِه (لفقد الطاهر) أو عدم نفعه ( .. فمعذور) للضرورة، فلو قال أهل الخبرة: إن لحم الآدمي لا يَنجبر سريعًا إلّا بعظم الكلب .. فيتجه أنه عذرٌ، وهو قياس ما ذكروه في
(1) المجموع (2/ 547).
(2)
الشرح الكبير (2/ 9).
وَإِلَّا .. وَجَبَ نَزْعُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا -قِيلَ: وَإِنْ خَافَ- فَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ، وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا .. بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ. وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى مِنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَمَوْضعِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ
===
التيمم في بطء البرء، قاله الإسنوي.
(وإلّا) أي: وإن وصله به مع وجود الطاهر النافع ( .. وجب نزعُه) للضرورة (إن لم يَخَفْ ضررًا ظاهرًا) وهو ما يُبيح التيمم، ولا يمنع تألمه به، (قيل: وإن خاف) ذلك فإنه ينزع أيضًا لتعديه، ولئلا يؤدي إلى أنه يصلي عمرَه كلَّه بنجاسة فَرَّطَ بحملها، ونحن نقتله بترك صلاة واحدة.
(فإن مات) مَنْ وجب عليه النزع ( .. لم يُنزع على الصحيح) لأن فيه مُثْلَةً وهَتْكًا لحرمة الميت، والثاني: ينزع؛ لئلا يَلقى الله تعالى حاملًا نَجَسًا، والخلافُ في الوجوب؛ كما صرح به في "المحرّر"؛ فإنه قال:(فمان مات .. فالأصح: أنه لا يجب النزعُ)(1).
(ويُعفى عن محلّ استجماره) لما مرّ من جواز الاستنجاء بالحجر، (ولو حمل) مصلٍّ (مستجمرًا .. بطلت) الصلاة (في الأصح) لأن العفوَ عن أثر النَّجْوِ للحاجة (2)، ولا حاجة به إلى حمل الغير، والثاني: لا؛ كما في حق المحمول.
(وطينُ الشارع الْمُتيقَّنُ نجاستُه يعفى منه عمّا يتعذر الاحترازُ منه غالبًا) لأنه لا بدّ للناس من الانتشار في حوائجهم، وكثيرٌ منهم لا يَملك إلا ثوبًا واحدًا، فلو أُمِرُوا بالغسل كلّما أصابهم شيءٌ .. عظمت المشقةُ.
(ويختلف بالوقت وموضعِه من الثوب والبدنِ) فقد يتعذر الاحترازُ في الشتاء عن مقدار ما لا يتعذر الاحترازُ عنه في الصيف، ويعفى في الرِّجل وذيل القميص عما لا يُعفى عنه في اليد والكمّ، وضابطُ القدر المعفو عنه هو: الذي لا يُنسب صاحبُه إلى سقطة، أو قلةِ تَحفّظ، فإن نُسب إلى ذلك .. فلا يُعفى.
(1) المحرر (ص 40، 41).
(2)
النَّجْوُ: ما يخرج من بطن الإنسان.
وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالأَصَحُّ: لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا قَلِيلٍ انْتَشَرَ بعَرَقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
واحترز بـ (المتيقن نجاسته): عن غير المتيقن نجاسته.
ثم تارة يغلب ظنّ نجاسته، ففيه قولان: أصحهما: الطهارة؛ تغليبًا للأصل على الظاهر، وتارةً لا يغلب ظنّ نجاسته، فهو طاهرٌ قطعًا.
(وعن قليلِ دمِ البراغيثِ) والقمل، (ووَنِيمِ الذُّباب) أي: ذرقه وغيرِ ذلك مما لا نفس له سائلةٌ؛ كما قاله في "شرح المهذب" لأنه مما تَعُمُّ به البَلوى، ويَشُقُّ الاحتراز عنه (1).
(والأصح: لا يعفى عن كثيره) لندرته، وسهولة الاحتراز عنه، (ولا) عن (قليلٍ انتشر بعرق) لمجاوزته محلَّه، ولأن البلوى به لا تَعُمُّ، والثاني: يعفى عنهما؛ لأن الغالب في هذا الجنس عُسْرُ الاحتراز، فيُلحَق غيرُ الغالب منه بالغالب.
(وتُعرف الكثرة بالعادة) فما يقع التلطخ به غالبًا ويعسر الاحتراز عنه .. قليلٌ، وإن زاد .. فكثير، ويختلف الحالُ بين الأماكن والأوقات، ويُرجَع في هذا كلِّه إلى رأي المصلي، وقيل: إن الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان نظر، والقليلَ دونه.
قال الإمام: والذي أقطعُ به: أنه لا بدّ أيضًا من اعتبار عادة الناس في غَسل الثياب، فإنّ من لا يَغسل ثوبَه الذي يصلِّي فيه عمّا يُصيبه من لَطْخٍ سنةً مثلًا .. يتفاحش مواقعُ النجاسة من هذه الجهات (2)، قال الأَذْرَعي: وهو حق، ويجب الجزم به وإن عفونا عن الكثير في العادة؛ لأن الكثير هنا قد تَفاحش. انتهى. ولو كانت النجاسة متفرقةً ولو جُمعتْ لبلغت قدرًا لا يُعفى عنه .. ففيه احتمالان للإمام، وميله إلى العفو (3)، وكلام "التتمة" يقتضي الجزمَ بخلافه.
(قلت: الأصح عند المحققين: العفو مطلقًا، والله أعلم) أي: قلّ أم كثر،
(1) المجموع (3/ 140).
(2)
نهاية المطلب (2/ 293).
(3)
نهاية المطلب (2/ 293).
وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إِنْ عَصَرَهُ .. فَلَا. وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ وَمَوْضِعُ الْفَصدِ وَالْحِجَامَةِ، قِيلَ: كَالْبَثَرَاتِ، وَالأَصَحُّ: إِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا .. فَكَالاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا .. فَكَدَمِ الأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، وَالأَظْهَرُ: الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ الأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
انتشر بعرق أم لا؛ لأنه مما يَشُقُّ الاحترازُ منه غالبًا، فأُلْحِقَ نادرُه بغالبه.
(ودم البثرات كالبراغيث) لأن الإنسان لا يَخلو منها غالبًا، فلو وجب الغسلُ لكلّ مرة .. لشق، (وقيل: إن عَصَره .. فلا) يعفى عنه؛ للاستغناء عنه، [والأصحُّ فيما إذا كان قليلًا: العفو عنه] (1)، (والدماميلُ، والقروح، وموضعُ الفصد والحجامةِ، قيل: كالبثرات) لعسر الاحتراز عن لَطْخِها، (والأصح: إن كان مثلُه يدوم غالبًا .. فكالاستحاضة) فيجب الاحتياط له بقدر الإمكان، ويعفى عما يتعذر أو يشق كما مرّ في موضعه.
(وإلّا .. فكدم الأجنبي) يصيبه (فلا يعفى) عنه، (وقيل: يعفى عن قليله) والحاصل: جعل ما لا يدوم غالبًا كدم الأجنبي، فلا يُعفى عن كثيره، وفي قليله الخلافُ، وقد جعل الأَذْرَعي وغيرُه قوله:(فلا يعفى) راجعًا إلى ما لا يدوم غالبًا، وجعله الإسنوي وغيرُه راجعًا إلى دم الأجنبي.
(قلت: الأصح: أنها كالبثرات) لما مرّ، ونقله في "الشرحين" عن قضية كلام الأكثرين (2)، (والأظهر: العفو عن قليل) دم (الأجنبي، والله أعلم) وهو ما عدَّه الناسُ عفوًا؛ لأن جنس الدم يتطرق إليه العفوُ، فيقع القليل منه في محل المسامحة، وقيل: القليلُ ما دون الكفِّ، والثاني: لا يعفى عنه مطلقًا؛ لسهولة الاحتراز عنه.
وأطلق الخلاف، وقيده العمراني بغير دم الكلب والخنزير، وفرعِ أحدهما، وأشار إلى أنه لا يُعفى عن شيء من ذلك قطعًا؛ لغلظ حكمه، قال في "التحقيق": ولم أجد تصريحًا بموافقته، ولا مخالفته، ونقل في "المهمات" عن "المقصود"
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).
(2)
الشرح الكبير (2/ 28).