المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ المواقيت وَقْتُ - إِحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌ ‌بابُ المواقيت وَقْتُ - إِحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ

‌بابُ المواقيت

وَقْتُ - إِحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ. فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ .. انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ. وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْت لإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ

===

(باب المواقيت)

هي: جمع ميقات، ومعناه لغةً: الحدُّ، والمراد به ههنا: زمان العبادة ومكانُها.

(وقت إحرام الحج: شوال وذو القَعْدة وعشرُ ليال) بالأيام بينها (من ذي الحِجة) كذا فسر به ابن عباس، قولَه تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} كما نقله ابن عطية وغيره (1)، والمراد: وقت الإحرام به؛ لأن فعله لا يحتاج إلى شهر.

(وفي ليلة النحر وجهٌ) لأن الليالي تبع للأيام، ويوم النحر لا يصحّ فيه الإحرام، فكذلك ليلته، وفي قول: إنَّ ذا الحِجَّة كلَّه وقتٌ للإحرام، وهو شاذ.

(فلو أحرم به في غير وقته .. انعقد عمرةً) مجزئة عن عمرة الإسلام (على الصحيح) سواء كان عالمًا أو جاهلًا؛ لأن الإحرام شديد التعلق، فإذا لم يَقبل الوقتُ ما أحرم به .. انصرف إلى ما يقبله، وأيضًا فإنه إذا بطل قصد الحجّ .. بقي مطلق الإحرام، والعمرةُ تنعقد بمجرد الإحرام؛ بدليل الإطلاق، فانصرف إليها، والثاني: لا ينعقد عمرةً، بل يتحلل بعمل عمرة، ولا يكون ذلك مجزئًا عن عمرة الإسلام، كما لو فاته الحجّ؛ لأن كلَّ واحد من الزمانين ليس وقتًا للحج.

ومحل ما ذكره: إذا كان حلالًا؛ فإن أحرم بعمرة ثم بحجّ في غير أشهره .. لم ينعقد إحرامه حجًّا؛ لكونه في غير أشهره، ولا عمرةً؛ لأن العمرة لا تدخل على العمرة، ذكره القاضي أبو الطيب، قال السبكي: وهو ظاهر.

(وجميع السنة وقتٌ لإحرام العمرة) لوروده في الأحاديث الصحيحة في أوقات مختلفة (2).

(1) المحرر الوجيز (1/ 271).

(2)

منها: ما أخرجه البخاري (1778)، ومسلم (1253) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 630

وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ: نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ: كُلُّ الْحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ .. فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ: ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمِنَ ألشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ: الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ: قَرْنٌ، وَمِنَ الْمَشْرِقِ: ذَاتُ عِرْقٍ

===

نعم؛ المحرم بالحج إذا تحلل التحللين، وعكف بمنى للرمي .. فإن عمرته لا تنعقد؛ لاشتغاله بالرمي والمبيت، نصَّ عليه الشافعي (1)، واتفق عليه الأصحاب، ومنه يؤخذ امتناع حجتين في عام واحد، وهو إجماع، كما نقله القاضي أبو الطيب.

ويستحب: الإكثار من الاعتمار لا سيِّما في رمضان، فإن عمرة في رمضان .. تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما صححه الحاكمُ على شرط الشيخين (2).

وحكي عن نجم الدين الطبري قاضي مكة أنه حكى ثلاثة أوجه في الطواف والاعتمار أيُّهما أفضلُ؟ ثالثها: إن استغُرِقَ زمانُ الاعتمار بالطواف .. فالطواف أفضل، وإلا .. فالاعتمار.

(والميقات المكاني للحج) وإن قَرنَ (في حقّ مَنْ بمكة) آفاقيًّا أو غيره (: نفسُ مكة) لحديث ابن عباس الآتي، (وقيل: كلُّ الحرم) لأن مكة وسائرَ الحرم في الحرمة سواء، فلو فارق بنيان مكة، ثم أحرم في الحرم، ولم يرجع إلى مكة إلا بعد الوقوف .. كان مسيئًا على الوجه الأول دون الثاني.

(وأما غيره .. فميقات المتوجه من المدينة: ذو الحُليفة، ومن الشام ومصر والمغرب: الجُحْفة، ومن تِهامة اليمن: يلملم، ومن نجد اليمن ونجد الحجاز: قَرْن، ومن المشرق: ذات عِرْق) لما في "الصحيحين" عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشام الجُحْفة، ولأهل نجد قَرْن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، وقال: "هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتىَ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ .. فَمِنْ حَيْثُ

(1) الأم (3/ 334).

(2)

المستدرك (1/ 484) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 631

وَالأَفْضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ، وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إِلَى مِيقَاتٍ: فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا

===

أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ" (1).

وروى النسائي أنه عليه السلام وقَّت لأهل الشام ومصر الجُحْفَة، ولأهل العراق ذات عِرْق، وصححه ابن السكن (2).

وأما المغرب .. ففي رواية مرسلة أخرجها الشافعي، وقد وصلها مرة في حديث آخر، لكن مع الشك في رفعه (3).

واختلفوا في أن ذات عِرْق ميقاتٌ بالنصّ، أو باجتهاد عمر رضي الله عنه، ونقلا في "الشرح"، و"الروضة" عن ميل الأكثرين أنه بالنصّ، وقال في "شرح المهذب": إنه الصحيح عند جمهور الأصحاب، لكن في "شرح المسند" للرافعي: أن مذهب الشافعي: أنه باجتهاد عمر رضي الله عنه، وقال المصنف في "شرح مسلم": إنه الصحيح، وهو ما نصّ عليه في "الأم"(4).

ويستثنى من إطلاق المصنف: الأجير، فإن عليه أن يُحرم من ميقات الميت، أو المستأجر الذي يحجّ عنه، وإن مرّ بغير ذلك الميقات .. أحرم من موضع بإزائه إذا كان أبعد من ذلك الميقات من مكة، حكاه في "الكفاية" عن الفوراني، وأقره، وفي "التهذيب"، و"البسيط"، و"الذخائر" نحوُه (5).

(والأفضل: أن يحرم من أول الميقات) ليقطع الباقي محرمًا (ويجوز من آخره) لصدق الاسم عليه، واستثنى السبكي من ذلك: ذا الحليفة، وقال: ينبغي أن يكون الإحرام فيها من عند المسجد الذي أحرم من عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا.

(ومن سلك طريقًا) في البرّ أو البحر (لا ينتهي إلى ميقات؛ فإن حاذى ميقاتًا ..

(1) صحيح البخاري (1524)، صحيح مسلم (1181).

(2)

سنن النسائي (5/ 124) عن عائشة رضى الله عنها.

(3)

الأم (3/ 341 - 342).

(4)

الشرح الكبير (3/ 333)، روضة الطالبين (3/ 39)، المجموع (7/ 172)، شرح مسند الشافعي (2/ 253)، شرح صحيح مسلم (8/ 81).

(5)

كفاية النبيه (7/ 124)، التهذيب (3/ 249).

ص: 632

أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ، أَوْ مِيقَاتينِ .. فالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ .. أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ .. فَمِيقَاتهُ مَسْكَنُهُ. وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا، ثُمَّ أَرَادَهُ .. فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ،

===

أحرم من مُحاذاته) اتباعًا لعمر رضي الله عنه، فإنه وقَّت ذات عِرْق لأهل الكوفة والبصرة؛ اعتبارًا بقَرْن؛ لأنه يحاذيهما، كما رواه البخاري (1)، ولم يخالفه أحد.

فإن اشتبه عليه موضع المحاذاة .. اجتهد.

(أو ميقاتين .. فالأصح: أنه يُحرم من محاذاة أبعدِهما) عن مكة، وهو الأقرب إليه، وليس له الانتظار إلى الوصول إلى محاذاة الأقرب؛ كما ليس للآتي من المدينة أن يجاوز ذا الحليفة ليحرم من الجُحْفة، والثاني: أنه يتخير؛ إن شاء أحرم من الموضع المحاذي لأبعدهما، وإن شاء لأقربهما؛ لأنه لم يمرّ على ميقات منصوص عليه فتركه، وقد أحرم محاذيًا لميقات.

(وإن لم يحاذ .. أحرم على مرحلتين من مكة) لأنه لا شيء من المواقيت أقلُّ مسافة من هذا القدر، قاله الإمام تخريجًا لا نقلًا (2).

والمراد بعدم المحاذاة: في علمه لا في نفس الأمر؛ لأن المواقيت تعمّ جهات مكة، فلا بدّ أن يحاذي أحدها.

(ومن مسكنه بين مكة والميقات .. فميقاته مَسكنُه) قريةً كانت أو حِلَّةً أو منزلًا منفردًا؛ لقوله عليه السلام في الحديث المار بعد ذكر المواقيت: "فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ .. فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ"(3).

(ومن بلغ ميقاتًا غيرَ مريد نُسُكًا، ثم أراده .. فميقاته موضعُه (ولا يُكلَّف العودَ؛ للحديث المار: "هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ" (4)، فدلّ على أن وجوب الإحرام من تلك المواقيت خاصّ بمن أراد

(1) صحيح البخاري (1531) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

نهاية المطلب (4/ 213).

(3)

في (ص 631 - 632).

(4)

في (ص 631 - 632).

ص: 633

وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا .. لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ .. لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ

===

النسك، وإذا لم يجب عليه الإحرام منها .. وجب من موضعه؛ لأنه الآن دون الميقات، فدخل في عموم قوله:"فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ .. فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ"(1).

وفُهِمَ من قوله: (فميقاته موضعه) أنه لو جاوز موضعه غير محرم .. يلزمه دم، وهو كذلك.

(وإن بلغه مريدًا .. لم تجز مجاوزتُه بغير إحرام) للحديث السابق، والمراد: مجاوزته إلى جهة الحرم، أما إذا جاوزه يمينًا أو شمالًا، وأحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد .. جاز، قاله الماوردي، ومثَّله بالعراقي ينزل ذات عِرْف، ويعرج إلى ذي الحليفة، ولو عكس المدني .. لم يجز، وعليه دم؛ كذا نقله في "المهمات" معترضًا به على إطلاقهم (2).

قال في "التوسط": إذا أخذ عن يمين الميقات أو يساره .. لم يُقَل: جاوزه، وعبارة الماوردي: يعرج (3)؛ فانتقاد مثل هذا غفلة.

(فإن فعل .. لزمه العود ليُحرم منه) لأن الإحرام منه كان واجبًا عليه فتركه، وقد أمكنه تداركُه، فيأتي به، وإذا عاد .. فلا دم عليه.

وكلامه يوهم تعين العود إليه، وليس كذلك، بل لو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر .. جاز، قاله ابن المَرْزُبان والماوردي والإمام وغيرهم، قال الإسنوي:(ويؤيده أن المفسد لمَّا أوجبوا عليه القضاءَ من الميقات الذي أحرم منه في الأداء .. قالوا: إنه يجوز له تركه، والإحرام من مثل مسافته من موضع آخر، حتى ادعى في "زيادة الروضة" عدمَ الخلاف)(4).

ويوهم أيضًا: وجوب تأخير الإحرام إليه، قال الإسنوي: وليس كذلك، بل إذا قلنا: بأن العود بعد الإحرام مُسقط للدم، وهو الصحيح - كما سيأتي - .. فله أن

(1) سبق تخريجه في (ص 632).

(2)

الحاوي الكبير (5/ 91)، المهمات (4/ 255).

(3)

الحاوي الكبير (5/ 91).

(4)

الحاوي الكبير (5/ 91)، نهاية المطلب (4/ 212)، المهمات (4/ 256).

ص: 634

إِلَّا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ .. لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ .. سَقَطَ الدَّمُ، وَإِلَّا .. فَلَا

===

يحرم، ثم يعود إلى الميقات محرمًا؛ لأن المقصود قطعُ المسافة محرمًا (1).

(إلا إذا ضاق الوقت، أو كان الطريق مَخُوفًا) فلا يلزمه العود، لخوف الضرر، ويريق دمًا، وكذلك الحكم لو خاف الانقطاع عن الرُّفقة، أو على ماله لو تركوه، أو كان به مرض شاقّ؛ لما ذكرناه.

(فإن لم يَعُد .. لزمه دم) لقول ابن عباس: (من نسي من نسكه شيئًا أو تركه .. فليهرق دمًا) رواه مالك في "الموطأ"(2).

وشرط وجوب الدم: أن يحرم إما بالعمرة مطلقًا، وإما بالحج في تلك السنة؛ فإن لم يحرم أصلًا .. لم يلزمه شيء؛ لأن الدم إنما يجب لنقصان النسك، ولا يجب بدلًا عن النسك، حكاه في "المهمات" عن الماوردي وغيره (3).

وإن أحرم بالحج بعد انقضاء تلك السنة .. لم يلزمه شيء أيضًا؛ كما حكاه في "شرح المهذب" عن الدارمي، وفي "الكفاية" عن القاضي الحسين والبغوي (4).

والفرق بين الحج والعمرة: أن إحرام هذه السنة لا يصلح لحجّ سنة قابلة، بخلاف العمرة، فإنه لا يتأقت وقت إحرامها.

وقد يستثنى من إطلاقه: ما لو مرّ العبد بالميقات غيرَ محرم مريدًا للنسك، ثم عَتَقَ قبل الوقوف .. فإنه لا دم عليه على الصحيح.

(وإن أحرم ثُمَّ عاد .. فالأصح: أثه إن عاد قبل تلبسه بنُسُك .. سقط الدم) لقطعه المسافةَ من الميقات محرمًا، وأداء المناسك بعده.

(وإلا .. فلا) أي: وإن لم يعد إلا بعد تلبسه بنسك .. لم يسقط، سواء كان ذلك النسك ركنًا؛ كالوقوف، أو سنةً؛ كطواف القدوم؛ لتأدية ذلك النسك بإحرام ناقص.

(1) المهمات (4/ 256).

(2)

الموطأ (1/ 397).

(3)

المهمات (4/ 257).

(4)

المجموع (7/ 39)، كفاية النبيه (7/ 134).

ص: 635

وَالأَفْضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنَ الْمِيقَاتِ. قُلْتُ: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

===

وكان ينبغي التعبير بالمذهب؛ فإن الخلاف طريقان، الذي قطع به الجمهور: التفصيل المذكور.

وقيل: قولان، وقيل: وجهان، وجه عدم السقوط تأكدُ الإساءة؛ لإنشاء الإحرام من غير موضعه، وحيث سقط الدم بالعود لا تكون المجاوزة حرامًا على الأصحِّ في "البيان"، وحكاه عنه في "شرح المهذب"، وأقره (1)، وبه جزم الروياني.

وقال المَحاملي في "التجريد": شرطُ انتفاء التحريم: أن تكون المجاوزة بنية العود، قال في "المهمات": ولا بدّ منه.

وظاهر كلام المصنف يقتضي: أن الدم وجب، ثم سقط بالعود، وهو وجهٌ في "الحاوي"، وصحح - أعني: الماوردي - أنه لا يجب إلا بفوات العود (2).

(والأفضل: أن يُحرم من دُوَيْرةِ أهله) لأنه أكثر عملًا، ولأن عمر وعليًّا رضي الله عنهما فسرا إتمام الحج والعمرة في الآية الكريمة بأن يحرم بهما من دُوَيْرة أهله (3).

(وفي قول: من الميقات) تأسيًا به صلى الله عليه وسلم، فإنه أحرم في حجة الوداع منه بالإجماع، وكذا في عمرة الحديبية؛ كما رواه البخاري في (كتاب المغازي)(4)، ولأنه أقلّ تغريرًا بالعبادة؛ لما في المحافظة على واجبات الإحرام من المشقة.

(قلت: الميقات أظهر، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة، والله أعلم) ونقله في "شرح المهذب" عن تصحيح الأكثرين والمحققين (5)، بل أطلق جماعة: الكراهة على تقديم الإحرام على الميقات.

(1) البيان (4/ 114)، المجموع (7/ 182).

(2)

المهمات (4/ 255)، الحاوي الكبير (5/ 93).

(3)

أخرجه الحاكم (2/ 276)، والبيهقي (5/ 30)، والشافعي في "الأم"(8/ 481)، عن علي رضي الله عنه.

(4)

صحيح البخاري (4148) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(5)

المجموع (7/ 176).

ص: 636

وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ: مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ: يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخَطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتىَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ .. أَجْزَأَتْهُ فِي الأَظْهَرِ وَعَلَيْهِ دَمٌ، فَلَوْ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ بَعْدَ إِحْرَامِهِ .. سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ

===

(وميقات العمرة لمن هو خارجَ الحرم: ميقاتُ الحج) لقوله عليه السلام في الحديث المار: "مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ"(1).

(ومن بالحرم) مكيًّا وغيره (: يلزمه الخروج إلى أدنى الحِلِّ ولو بخُطوة) من أيِّ جهةٍ شاء من جهات الحرم؛ لأنه عليه السلام أرسل عائشة بعد قضاء الحج إلى التنعيم فاعتمرت (2)، فلو لم يكن الخروج واجبًا .. لاعتمرت مكانها؛ لضيق الوقت.

وقوله: (ولو بخطوة) قد يوهم أن الخُطوة أقلُّ ما يكفي، وليس كذلك، فلو قال:(ولو بقليل)، أو اكتفى بقوله:(إلى أدنى الحلّ) .. لكان أولى.

(فإن لم يخرج، وأتى بأفعال العمرة .. أجزأته في الأظهر) لانعقاد إحرامه، وإتيانه بعده بالواجبات (وعليه دم) لتركه الإحرام من الميقات، والثاني: لا يجزئه؛ لأن العمرة أحدُ النسكين، فيشترط فيه الجمع بين الحلّ والحرم؛ كما في الحاج؛ فإنه لا بدّ له من عرفة، وهي من الحلّ.

وقال في "الأم" بعد ذكره القولين: إن هذا أشبههما (3)، وعلى القولين: فإحرامه منعقد، ونقل الإمام الاتفاق عليه (4)؛ وحينئذ فيبقى على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ، ثم يطوف ويسعى ويحلق، وقيل: القولان في انعقاده، وهو مؤولٌ.

(فلو خرج إلى الحِلِّ بعد إحرامه) وقبل الطواف والسعي ( .. سقط الدم على المذهب) ولا يتخرج على الخلاف المارّ في عود مَنْ جاوز الميقات إليه محرمًا؛ لأن المسيء من انتهى إلى ميقات مريدًا للنسك، ثم جاوزه، ولم يوجد هنا، بل هو شبيه بمن أحرم قبل الميقات، وهذا ما أورده الجمهور.

(1) في (ص 631 - 632).

(2)

أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1211) عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

الأم (3/ 357).

(4)

نهاية المطلب (4/ 186).

ص: 637

وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ، ثُمَّ التَّنْعِيمُ، ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ.

===

والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف المذكور؛ فعلى المذهب: الواجب خروجُه إلى الحدّ قبل الأعمال إما في ابتداء الإحرام وإما بعده، بل نصَّ المحاملي في "المجموع"، والجرجاني في "التحرير" على أنه يستحب فعلُه قبل الخروج، واستُغرب.

وعلى القول بعدم سقوطِ الدم فالواجبُ: الخروج في ابتداء الإحرام.

وقضية إطلاقه: أنه لا فرق بين خروجه إلى الحلّ للنسك، أو لشغل، وبه قال القفال والبغوي.

وتعبيره بالسقوط: أرأد به عدمَ الوجوب، وعبارة "المحرر":(لم يلزمه دم)، وعبارة "البيان":(لا شيء عليه)(1).

(وأفضل بقاع الحِلِّ الجِعْرانة) لمن أراد الاعتمار؛ لإحرامه عليه السلام منها، متفق عليه (2)، (ثم التنعيم) لأنه عليه السلام أمر عائشة بالاعتمار منه؛ كما مر (3)، (ثم الحُدَيبية) لأنه عليه السلام صلَّى بها، وأراد المدخل لعمرته منها بعد أن أحرم بها من ذي الحليفة فصُدَّ؛ كما رواه البخاري في غزوة الحديبية (4).

وليس التفضيل المذكور لبعد المسافة، وإنما قدَّم الأصحابُ ما فعله، ثم ما أمر به، ثم ما همَّ به؛ أي: من سلوك تلك الطريق لا همّه بالإحرام؛ لما مرّ من أنه أحرم بذي الحليفة (5).

ويستحب لمن أحرم من بلده، أو من مكة: أن يَخرج عقب إحرامه، ولا يمكث بعده؛ كما نقله الشيخ أبو حامد عن النصِّ.

* * *

(1) المحرر (ص 123)، البيان (4/ 118)، وعبارة "المحرر" المطبوع مثل عبارة "المنهاج".

(2)

صحيح البخاري (1780)، صحيح مسلم (1253) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

في (ص 637).

(4)

سبق تخريجه في (ص 636).

(5)

في (ص 636).

ص: 638