الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]
يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا -وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ- فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ. فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الأُولَى .. فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَإِلَّا .. فَعَكْسُهُ. وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثةٌ: الْبُدَاءَةُ بِالأُولَى، فَلَوْ صَلَّاهُمَا فَبَانَ فَسَادُهَا .. فَسَدَتِ الثَّانِيَةُ
===
(فصل: يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديمًا وتأخيرًا -والمغربِ والعشاءِ كذلك- في السفر الطويل) المباح؛ للاتباع، أما جمع التأخير: فثابت في الصحيح (1)، وأما جمع التقديم: فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان والبيهقي (2).
والتعبير بالجواز يُؤْذن بأن تركه أفضل وهو كذلك؛ للخروج من خلاف أبي حنيفة، ويستثنى الحاج بعرفة وبمزدلفة؛ فإنه سنة؛ للاتباع (3)، ويستثنى من الجواز: المتحيرة فليس لها أن تجمع تقديمًا، وخرج بما ذكره الصبحُ فلا تُجمَع مع غيرها، وكذ (لا يجمع بين العصر والمغرب وهو إجماع.
(وكذا القصيرُ في قول) كالتنفل على الراحلة، ووجه مقابله: القياس على القصر.
(فإن كان سائرًا وقتَ الأولى .. فتأخيرها أفضلُ، وإلّا .. فعكسه) للاتباع (4)، ولأنه أرفق بالمسافر.
(وشروط التقديم ثلاثة: البُداءةُ بالأولى) لأن الوقت للأولى والثانيةُ تبع لها، والتابع لا يتقدم على متبوعه، (فلو صلاهما فبان فسادها) أي: الأولى ( .. فسدت الثانيةُ) لفوات الشرط.
(1) أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
سنن الترمذي (553)، صحيح ابن حبان (1593)، سنن البيهقي (3/ 163)، وأخرجه أبو داوود (1220) جميعهم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(4)
أما في الظهر والعصر .. فأخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأما في المغرب والعشاء .. فأخرجه أبو داوود (1220)، والترمذي (553) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وَنيَّةُ الْجَمْعِ، وَمَحَلُّهَا: أَوَّلُ الأُولَى، وَتَجُوزُ فِي أَثنائِهَا فِي الأَظْهَرِ. وَالْمُوَالَاةُ؛ بِأَلَّا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْل، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ .. وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إِلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ، وَيُعْرَفُ طُولُهُ بِالْعُرْفِ. وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ. وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنَ الأُولَى .. بَطَلَتَا
===
(ونية الجمع) ليتميز التقديم المشروع عن غيره، (ومحلُّها: أول الأولى) كسائر النيات (وتجوز في أثنائها في الأظهر) أما المنع .. فقياسًا على نية القصر بجامع أنهما رخصتا سفر، وأما الجواز .. فلأن الجمع هو ضم الثانية إلى الأولى، فإذا وجدت في هذه الحالة .. لم يوجد الجمع بدون النية، بخلاف نية القصر؛ فإنها لو تأخرت .. لتأدى بعض الصلاة على التمام، وحينئذ يمتنع القصر.
وقوله: (في أثنائها) قد يوهم: أنه لا يجوز مع التحلل منها، وهو وجه، والمرجح: الجواز.
وقيل: يجوز بعد التحلل من الأولى وقبل الإحرام بالثانية، قال في "شرح المهذب":(وهو قوي)(1).
(والموالاة؛ بألّا يطول بينهما فصلٌ) لأنها تابعة والتابع لا يفصل عن متبوعه، ولأنه المأثور؛ ولهذا تُركت الرواتبُ بينهما.
(فإن طال ولو بعذر) كالجنون والإغماء والسهو ( .. وجب تأخيرُ الثانية إلى وقتها) لزوال موجب التقديم وهو الجمع، (ولا يضر فصل يسير) للأمر بالإقامة بينهما (2).
(ويُعرف طُوله بالعرف) إذ لم يرد فيه ضابط، وقيل: إن اليسير بقدر الإقامة.
(وللمتيمم الجمع على الصحيح) كالمتوضئ.
(ولا يضر تخللُ طلبٍ خفيفٍ) لأنه من مصلحة الصلاة، فأشبه الإقامة، والثاني: لا؛ للفصل بالطلب.
(ولو جَمع ثم عَلم تركَ ركنٍ من الأولى .. بطلتا) الأولى؛ لترك بعض أركانها،
(1) المجموع (4/ 314).
(2)
أخرجه البخاري (139)، ومسلم (1280/ 276) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا، أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ .. تَدَارَكَ، وَإِلَّا .. فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمْعَ، وَلَوْ جَهِلَ .. أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيهِمَا. وَإِذَا أَخَّرَ الأُولَى .. لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ وَنيَّةُ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بنِيَّةِ الْجَمْع، وَإِلَّا .. فَيَعْصِي وَتَكُونُ قَضَاءً
===
وتعذر التدارك؛ لطول الفصل، والثانية؛ لفقدان شرط صحتها، وهو: تقديم الأولى، والأولى باطلة، (ويعيدهما جامعًا) إن شاء عند اتساع الوقت؛ لأنه لم يصل.
(أو من الثانية، فإن لم يطل .. تدارك) ومضت الصلاتان على الصحة، (وإلّا .. فباطلة ولا جَمْعَ) لعدم الموالاة؛ لوقوع الفصل الطويل بالصلاة الثانية فيعيدها في وقتها.
(ولو جهل) كون الركن المتروك من أيهما ( .. أعادهما لوقتيْهما) لاحتمال الترك من الأولى، ولا يجوز الجمع؛ لاحتمال تركه من الثانية، وقد فاتت الموالاة.
(وإذا أخر الأولى .. لم يجب الترتيبُ والموالاةُ ونية الجمع) عند الشروع في الصلاة (على الصحيح) أما عدم الترتيب .. فلأن الوقت للثانية، فلا تجعل تابعة، وأما الموالاة .. فلأن الأولى بخروج وقتها الأصلي قد أشبهت الفائتةَ، بدليل عدم الأذان لها وإن لم تكن فائتة، وينبني على عدم وجوب الموالاة عدم وجوب نية الجمع، ووجه مقابل الصحيح: القياس على جمع التقديم، ووقع في "المحرّر" الجزم بوجوب نية الجمع، وتبعه في "الحاوي الصغير"، قال في "الدقائق":(ولم يقل به أحد، بل في المسألة وجهان، الصحيح: أن الثلاث سنة، والثاني: أن كلها واجبة)(1).
(ويجب كون التأخير بنية الجمع، وإلّا .. فيعصي وتكون قضاءً) لأن التأخير لغير الجمع قد يكون معصية، وله مباح، فلا بد من نية مميزة بينهما، ويشترط: أن ينوي وقد بقي من وقت الأولى ما يسعها فأكثر؛ فإن بقي ما لا يسعها
…
عصى، كذا جزم
(1) المحرر (ص 64)، الحاوي الصغير (ص 187)، دقائق المنهاج (ص 46 - 47).
وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا، فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُقِيمًا .. بَطَلَ الْجَمْعُ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا .. لَا يَبْطُلُ فِي الأَصَحِّ، أَوْ تَأْخِيرًا، فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا .. لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَبْلَهُ .. يَجْعَلُ الأُولَى قَضَاءً. وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا،
===
به المصنف في شرحي "المهذب" و"مسلم"(1)، وظاهر ما في "الشرح" و"الروضة": أنه إن نوى وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة .. كفى، أو دونها .. فلا، وصححه ابن الرفعة (2).
(ولو جمع تقديمًا، فصار بين الصلاتين) أو في الأولى (مقيمًا) بنية الإقامة، أو بلوغ السفينة مَقصِده ( .. بطل الجمع) لزوال سببه، فيؤخر الثانية إلى وقتها، ولا تتأثر الأولى بذلك.
(وفي الثاثية وبعدها .. لا يبطل في الأصح) اكتفاء باقتران العذر بأولها إذا أقام في أثنائها؛ صيانةً لها عن البطلان بعد الانعقاد، والثاني: تبطل؛ كما يمتنع القصر بالإقامة في أثنائها.
وفرق الأول؛ بأن القصر ينافي الإقامة، بخلاف الجمع، وأما إذا أقام بعدها .. فالخلاف مرتب، وأولى بالصحة؛ لتمام رخصة الجمع؛ كالإقامة بعد القصر.
(أو تأخيرًا، فأقام بعدَ فراغهما .. لم يؤثر) بالاتفاق (وقبله) أي: قبل فراغهما ( .. يَجعل الأولى قضاءً) لأن الأولى تبع للثانية عند التأخير، فاعتبر وجود سبب الجمع في جميعها، وهذا إذا كانت الإقامة في أثناء الأولى، فإن كانت في أثناء الثانية .. ففي "شرح المهذب": ينبغي أن تكون الأولى أداء قطعًا (3).
(ويجوز الجمع بالمطر) في الحضر (تقديمًا) لما في "الصحيحين" عن ابن عباس: (أنه صلى الله عليه وسلم صلّى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهرَ والعصر والمغربَ والعشاء)(4)، وفي رواية لهما:(سبعًا جميعًا وثمانيًا جميعًا)(5)، وفي رواية لمسلم
(1) المجموع (4/ 315)، شرح مسلم (5/ 213).
(2)
الشرح الكبير (2/ 243)، روضة الطالبين (1/ 398)، كفاية النبيه (4/ 186).
(3)
المجموع (4/ 316).
(4)
صحيح البخاري (543)، صحيح مسلم (705).
(5)
صحيح البخاري (562)، صحيح مسلم (705/ 55) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَالْجَدِيدُ: مَنْعُهُ تَأْخِيرًا. وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ: وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الأُولَى. وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إِنْ ذَابَا. وَالأَظْهَرُ: تَخْصيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ.
===
أيضًا: (من غير خوف ولا سفر)(1).
قال مالك: أُرَاهُ بالمطر، لكن في رواية لمسلم أيضًا:(من غير خوف ولا مطر)(2).
قال البيهقي: والأولى رواية الجمهور (3)، فإن صحت .. فالمراد: لا مطرٍ كثيرٍ أو مستدامٍ، ولا فرق بين كثير المطر وقليله إذا بلّ الثوب.
(والجديد: منعُه تأخيرًا) لأن المطر قد ينقطع، فيؤدي إلى الجمع من غير وجود عذر، والقديم: الجواز، كالسفر.
(وشرط التقديم: وجوده) أي: المطر (أولَهما) أي: أول الصلاتين، لتحقق الجمع مع العذر.
(والأصح: اشتراطُه عند سلام الأولى) لتحقق اتصال آخرِ الأولى بأول الثانية في حال العذر، والثاني: لا يشترط؛ كما في الركوع والسجود.
(والثلج والبَرَدُ كمطر إن ذابا) وبلّا الثوب؛ لتضمنهما القدر المبيح من المطر.
(والأظهر: تَخصيص الرخصة بالمصلي جماعةً بمسجدٍ بعيدٍ يتأذى بالمطر في طريقه) لأن الجمع جُوِّز للمشقة وتحصيل الجماعة، وهذا المعنى مفقود في ضد هؤلاء، والثاني: يجوز مطلقًا، لأنه عليه السلام كان يجمع في المسجد وبيوت أزواجه بقربه.
وأجاب الأول: بأن بيوت أزواجه مختلفة، منها: ما هو بجنب المسجد، ومنها: ما هو بخلافه، فلعله حين جمع لم يكن بالبيت الملاصق.
* * *
(1) صحيح مسلم (705/ 50) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
الموطأ (1/ 144)، صحيح مسلم (705/ 54) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
انظر "سنن البيهقي"(3/ 167).