الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر
تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ، وَهُنَّ فِي الْجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: مِنْهَا سَجْدَتَا (الْحَجِّ)،
===
(باب: في سجود التلاوة والشكر)
(تُسنُّ سجداتُ التلاوة) للإجماع على طلبها، والأحاديث شهيرة في ذلك (1)، وإنما لم تجب؛ لتركه عليه الصلاة والسلام السجود في سجدة (والنجم)، متفق عليه (2)، ولقول عمر رضي الله عنه:(من لم يسجد .. فلا إثم عليه، إنّ الله تعالى لم يفرض السجود إلّا أن نشاء) رواه البخاري (3)، ولا يقوم الركوعُ مقام هذه السجدةِ خلافًا للخطابي.
(وهنّ في الجديد أربعَ عشرةَ) سجدة (منها سجدتا الحج) وسجدة في (الأعراف)، وسجدة في (الرعد)، وسجدة في (النحل)، وسجدة في (الإسراء)، وسجدة في (مريم)، وسجدة في (الفرقان)، وسجدة في (النمل)، وسجدة في (ألم تنزيل)، وسجدة في (حم السجدة)، وسجدة في (النجم)، وسجدة في (إذا السماء انشقت)، وسجدة في (اقرأ).
وأسقط في القديم سجداتِ (المفصل)، وهي الثلاثة الأخيرة؛ لحديث فيه ضعيف (4).
ودليل الجديد: ما رواه عمرو بن العاص قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدةً في القرآن، منها: ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان)، رواه أبو داوود والحاكم بإسناد حسن (5).
(1) منها: ما أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
صحيح البخاري (1073)، صحيح مسلم (577) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(3)
صحيح البخاري (1077).
(4)
أخرجه أبو داوود (1403) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
سنن أبي داوود (1401)، المستدرك (1/ 223).
لَا (ص)؛ بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تستَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَتَحْرُمُ فِيهَا فِي الأَصَحِّ. وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ،
===
وعدها في الحديث خمس عشرة؛ لأجل (ص) فإنّ السجود مشروعٌ لها بالشرط الآتي، وإنما لم يَعدّها المصنفُ لأنها سجدةُ شكر، وكلامُه في سجدات التلاوة، ومواضعُ السجدات معروفةٌ، وفي بعضها خلافٌ يُعرف بمراجعة المبسوطات.
(لا) سجدة ("ص"؛ بل هي سجدة شكر) على قبول توبة داوود عليه السلام؛ لحديث: "سَجْدَةُ "ص" سَجَدَهَا دَاوُودُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا"، وهذا وإن كان مرسلًا فهو حجةٌ (1)، لاعتضاده بقول الصحابي، وهو ما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال:("ص" ليست من عزائم السجود، وقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَسجد فيها (2).
(تُستحب في غير الصلاة) لأنه صلى الله عليه وسلم قرأها مرةً على المنبر ونزل، فسجد وسجد الناسُ معه، رواه أبو داوود، وصححه ابن حبان والحاكم (3)، (وتحرم فيها في الأصح) كسائر سجود الشكر، فإن فعل ذلك عامدًا عالمًا بالتحريم .. بَطَلت صلاتُه، أو ناسيًا أو جاهلًا .. فلا، ويسجد للسهو، قاله في "الروضة"(4)، والثاني: لا تحرم؛ لأن سببها التلاوةُ، بخلاف غيرِها من سجود الشكر.
(وتُسن للقارئ والمستمع) بالإجماع، ويستثنى من إطلاقه القارئَ: ما لو قرأ المصلِّي آيةَ سجدةٍ في غير محلّ القراءةِ؛ كالركوع والسجود .. فلا يسجد، فإن سجد .. بَطَلت صلاته، وما لو قرأها في الجنازة .. فإنه لا يسجد فيها، وكذا لا يسجد بعدَ فراغِها على الأصحِّ.
ويستثنى من إطلاقه المستمعَ: مَن استمع حيث لا يندب له؛ كالمنفرد والمأموم،
(1) أخرجه البيهقي (2/ 319) مرسلًا، والنسائي في "الكبرى"(1031) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
صحيح البخاري (1069).
(3)
سنن أبي داوود (1410)، صحيح ابن حبان (2765)، المستدرك (2/ 469) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4)
روضة الطالبين (1/ 319).
وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْتُ: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
والقارئُ غيرُ إمامه .. فإنّه لا يسجد؛ لأن الاستماع لقراءة غيرِ الإمام مكروهٌ، فلو سجد .. بَطَلت صلاتُه؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته.
وشمل إطلاقه المستمعَ لقراءة محدث وصبي وكافر، وهو الأصحُّ في "الشرح الصغير" و"شرح المهذب" و"التحقيق" و"أصل الروضة"، لكن في "فتاوى القاضي الحسين": أن قراءة الجنب والسكران لا تقتضي سجودَ التلاوة، خلافًا لأبي حنيفة (1).
وذكر المصنف في "التبيان" أنه لا يسجد لقراءة السكران (2).
وإذا سجد المستمع مع القارئ .. فلا يرتبط به، ولا ينوي الاقتداء به، وله الرفعُ من السجود قبله، قاله في "الروضة"، وفي "الكفاية" عن القاضي: أنه لا يجب، لكن يجوز، وهو لا ينافي كلام "الروضة"(3).
(وتتأكدُ له) أي: للمستمع (بسجود القارئ) للاتفاق على استحبابه في هذه الحالةِ للمستمع، بخلاف ما إذا لم يسجد .. فإنه لا يُستحب له على وجه.
(قلت: وتسن للسامع، والله أعلم) وهو الذي لم يقصد السماعَ، بل سمع من غير قصد؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} ، دخل فيه السامع والمستمع، ومن لم يَسمع بالكلية وإن تناوله الإطلاق أيضًا .. فهو خارج بالاتفاق وإن علم ذلك برؤية الساجدين، ولا يتأكد في حقّ السامع تأَكُّده في حقّ المستمع؛ لقول ابن عباس:(السجدة لمن استمع) رواه البيهقي، وعلقه البخاري بصيغة الجزم عن عثمان، وعمران بن الحصين رضي الله عنهما (4).
(1) المجموع (4/ 65)، التحقيق (ص 233)، الشرح الكبير (2/ 105)، روضة الطالبين (1/ 319)، فتاوى القاضي حسين (ص 105).
(2)
التبيان (ص 162).
(3)
روضة الطالبين (1/ 323)، كفاية النبيه (3/ 367).
(4)
سنن البيهقي (2/ 324)، صحيح البخاري، سجود القرآن، باب: من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود.
وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ .. سَجَدَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ، وَالْمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ إِمَامُهُ فَتَخَلَّفَ، أَوِ انْعَكَسَ .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلَاةِ .. نَوَي وَكَبَّرَ لِلإِحْرَامِ رَافِعًا يَدَيهِ، ثُمَّ لِلْهُوِيِّ بِلَا رَفْعٍ، وَسَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَرَفَعَ مُكَبِّرًا وَسَلَّمَ. وَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ شَرْط عَلَى الصَّحِيحِ،
===
(وإن قرأ في الصلاة) في محلّ القراءة ولو قبل الفاتحة ( .. سجد الإمام والمنفردُ لقراءته فقط) أي: سجد كلٌّ منهما لقراءة نفسه؛ لما سبق، (والمأمومُ لسجدة إمامه) فقط، فلو سجد لقراءة نفسه أو غيرِه .. بَطَلت صلاتُه؛ للمخالفة، ولهذا يُكره قراءة السجدة للمأموم، ولا يكره للإمام كما ستعرفه.
(فإن سجد إمامُه فتخلّف، أو انعكس) بأن سجد دون إمامه ( .. بطلت صلاته) للمخالفة، وقيل: لا تبطل في الصورة الثانية، حكاه مُجلِّي.
ولا يُكره للإمام قراءةُ آية سجدة في جهرية، ولا سرية عندنا، إلّا أنه إذا قرأها في السرية .. استحب له تأخيرُ السجود إلى فراغه من الصلاة كما نقله في "الروضة" عن "البحر" وأقره (1).
(ومن سجد خارج الصلاة .. نوى) للحديث المشهور (2)، (وكبَّر للإحرام) للاتباع، كما أخرجه أبو داوود بإسناد ضعيف (3)، وقياسًا على الصلاة، (رافعًا يديه) كما في تكبيرة الإحرام، ولا يُستحب أن يقوم ثم يكبر على الأصوب في "الروضة"(4)، (ثم) كبر (للهُوي بلا رفع) ليديْه (وسجد) سجدةً (كسجدة الصلاة) في صفاتِها المارةِ، (ورفع مكبرًا وسلم) بعد القعود؛ كالصلاة.
(وتكبيرةُ الإحرام شرطٌ على الصحيح) لما سبق، والمراد بالشرط: ما لا بدّ منه؛ إذ النية والسلامُ من الأركان، والثاني: أنها سنةٌ؛ لأن سجودَ التلاوة ليس صلاةً بانفراده حتى يكون له تحرم.
(1) روضة الطالبين (1/ 324).
(2)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
كذا قال الإسنوي، وقال في "العجالة" [1/ 268]: بإسناد حسن. اهـ هامش (أ)، سنن أبي داوود (1413) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
روضة الطالبين (1/ 322).
وَكَذَا السَّلَامُ فِي الأَظْهَرِ. وَتشتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ، وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا .. كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ وَلِلرَّفْعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ
===
(وكذا السلامُ في الأظهر) قياسًا على التحرم، والثاني: لا يشترط كما لا يشترط ذلك إذا سجد في الصلاة.
وعلى الأول: لا يشترط التشهد في الأصحِّ، بل الأصحُّ في "زيادة الروضة": أنه لا يستحب (1).
وسكت المصنفُ عن النية، والمعروف: وجوبُها، ونقل الرافعي عن "الوسيط" أنها لا تجب، ثم قال:(وهو متأيد بقول الشافعي: وأقلّه: سجدةٌ بلا شروع ولا سلام)(2)، وحكاه في "النهاية" وجهًا، وقال: كان شيخي لا يذكر غيرَه، ونَصُّ الشافعي يوافقه (3).
(وتشترط شروطُ الصلاة) كالطهارة وغيرِها؟ لأنها صلاةٌ في الحقيقة، كذا علّله صاحبا "المهذب" و"البحر"(4)، ويشترط أيضًا: دخولُ وقت السجود، قال في "شرح المهذب":(بأن يكون قد قرأ الآيةَ أو سمعها)، وفي "الشرحين" و"الروضة" نحوُه (5).
وقضية ذلك: أن سماع الآية بكمالها شرطٌ كالقراءة، حتى لا تكفي كلمةُ السجدة ونحوُها، وحينئذ لو سجد قبل الانتهاء إلى آخر آية السجدة ولو بحرفٍ واحدٍ .. لم يجز، ويشترط أيضًا: الكفُّ عن المفسدات؛ كالكلام والأكلِ والفعلِ؛ فإنّ المصنف لم يَعُدَّها هناك من الشروط.
(ومن سجد فيها) أي: في الصلاة ( .. كبر للهُوي وللرفع) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كلّ خفض ورفع في الصلاة (6)، (ولا يرفع يديه)
(1) روضة الطالبين (1/ 322).
(2)
الشرح الكبير (2/ 110 - 111).
(3)
نهاية المطلب (2/ 231).
(4)
المهذب (1/ 122)، بحر المذهب (2/ 273).
(5)
المجموع (4/ 72)، الشرح الكبير (2/ 112)، روضة الطالبين (1/ 323).
(6)
أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قُلْتُ: وَلَا يَجْلِسُ لِلاسْتِرَاحَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقُولُ:(سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلهِ وَقُوَّتهِ). وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ .. سَجَدَ لِكُلٍّ،
===
فيهما معًا؛ كما في صلب الصلاة.
وقوله: (وللرفع) من زوائده على "المحرّر"(1).
(قلت: ولا يجلس للاستراحة، والله أعلم) لعدم وروده.
(ويقول: سجد وجهيَ للذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعَه وبصره بحوله وقوته) رواه أبو داوود وغيرُه من حديث عائشة، وصححه الترمذي (2).
نعم؛ لم يرد فيه (وصوره)، ولم يذكرها المصنفُ في "التحقيق"، ولكن ثبتت في "مسلم" في سجود الصلاة (3).
ويستحب أيضًا: أن يقول: (اللهم؛ اكتب لي بها عندك أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وضع عني بها وِزْرًا، واقبلها (4) مني كما قبلتها من عبدك داوود) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم (5).
وفي "الإحياء" يدعو في سجوده بما يليق بالآية المتلوّة، ففي (ألم تنزيل) يقول:(اللهم؛ اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وعلى أوليائك)، ويقول في (الإسراء):(اللهم؛ اجعلني من الباكين إليك، والخاشعين لك)، ونحا نحوه صاحب "البحر"(6).
(ولو كرر آيةً في مجلسين .. سجد لكل) لتجدد السبب بعد توفية الأول
(1) المحرر (ص 47).
(2)
سنن أبي داوود (1414)، سنن الترمذي (580)، وأخرجه النسائي (2/ 222).
(3)
هي مذكورة في المطبوع من "التحقيق"(ص 234) فلعله من اختلاف النسخ، صحيح مسلم (771) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4)
في (ب): (وتقبلها).
(5)
سنن الترمذي (3424)، المستدرك (1/ 219 - 220) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
إحياء علوم الدين (1/ 277)، بحر المذهب (2/ 276).
وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الأَصَحِّ، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَصْلُ .. لَمْ يَسْجُدْ. وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ. وَتسُنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ، أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلَىً أَوْ عَاصٍ
===
ما يقتضيه، (وكذا المجلس في الأصح) لما ذكرناه، والثاني: يكفيه الأولى؛ كما لو كرّرها قبل أن يَسجد للأولى، والثالث: إن طال الفصل .. سجد لكل مرّة، وإلّا .. فلا.
(وركعةٌ كمجلس) وإن طالت (وركعتان كمجلسين) وإن قصرتا؛ نظرًا إلى الاسم، (فإن لم يسجد وطال الفصل .. لم يسجد) لأنه من توابع القراءة، ولا قضاء على الأصحِّ؛ لأنه ذو سبب عارضٍ فلم يقض؛ كالخسوف (1) والاستسقاء، وسواء كان التأخيرُ لعذر أم غيرِه كما اقتضاه إطلاقُ المصنف وغيره.
(وسجدة الشكر لا تَدخل الصلاةَ) لأن سببها ليس له تعلقٌ بالصلاة، بخلاف سجدة التلاوة، فإن فَعلها فيها .. بَطَلت صلاتُه كما نقله في "زيادة الروضة" عن الأصحاب (2).
(وتُسن لِهُجوم نعمةٍ) كحدوث ولد، ومال، وجاه، ونصر على الأعداء، وقدوم غائب، وشفاء مريض، (أو اندفاع نقمةٍ) كنجاة مما ظنّ وقوعه فيه؛ كالهدم والغرق ونحوهما، وكذا حدوثُ المطر عند القحط، وزواله عند خوف التأذي به؛ لثبوت الأحاديث في ذلك.
واحترز بهجوم النعمة: عن استمرارها؛ كالعافية والإسلام، فإنه لا يستحب لها؛ لأنه يؤدي إلى استغراق العمر.
(أو رؤيهِ مبتلىً) في بدنه أو غيره شكرًا لله تعالى على سلامته، (أو عاصٍ) لأن مصيبة الدين أشدّ من مصيبة الدنيا، وقيد في "الكفاية" العاصي بكونه يتظاهر بمعصيته، ونقله عن الأصحاب، وفي معنى الفاسق: الكافر، وبه صرح في "البحر"(3).
(1) في (ب): (كالكسوف).
(2)
روضة الطالبين (1/ 325).
(3)
كفاية النبيه (3/ 378)، بحر المذهب (2/ 306).
وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي لَا لِلْمُبْتَلَى. وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. وَالأَصَحُّ: جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ .. جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا.
===
(ويُظهرها للعاصي) تعييرًا له لَعلَّه يتوب.
نعم؛ إن خاف فتنةً أو ضررًا .. أخفاها، قاله في "شرح المهذب"(1).
(لا للمبتلَى) لئلا ينكسر قلبُه، وذكر ابن يونس في "شرح التعجيز" أنه يُظهرها للمبتلى إذا كان غيرَ معذور؛ كالمقطوع في السرقة، وفيه نظرٌ؛ لأن المقطوع إن تاب .. فالسجود على البلية خاصة، فلا يظهر، وإن لم يتب .. سجد، وأظهر، ولكنّ السجود إنما هو للمعصية لا للبلية، فإذًا لا تحقيق فيما قاله. انتهى، قاله الإسنوي (2)، وما قاله ابن يونس ذكره القاضي والفوراني (3).
(وهي) أي: سجدة الشكر (كسجدة التلاوة) المفعولة خارجَ الصلاة في كيفيتها وشرائطها كما قاله في "المحرّر" لما مرّ في تلك (4).
(والأصح: جوازهما) أي: سجدةِ التلاوة خارجَ الصلاة، وسجدةِ الشكر (على الراحلة للمسافر) بالإيماء، بخلاف الجنازة على الراجح وإن كان في إقامة كل عليهما إبطال ركنه الأعظم، وهو تمكينُ الجبهة من موضع السجود، والقيام في الجنازة؛ لأن الجنازة تندر فلا يشق النزول لها، ولأن حرمةَ الميت تقتضي النزولَ.
واحترزت بقولي: (بالإيماء) عما لو كان في مرقد، وأتم السجود .. فإنه يجوز قطعًا، والماشي يسجد على الأرض على الصحيح؛ كسجود الصلاة.
(فإن سجد لتلاوة صلاةٍ .. جاز عليها قطعًا) بالإيماء تبعًا للنافلة كسجود السهو، وهذا التفصيل لا يأتي في سجدة الشكر؛ لأنها لا تفعل في الصلاة.
* * *
(1) المجموع (4/ 77).
(2)
المهمات (3/ 251).
(3)
التعليقة (2/ 910 - 911).
(4)
المحرر (ص 47).