المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في بيان أركان الحج والعمرة] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌فصل [في بيان أركان الحج والعمرة]

‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالْحَلْقُ إِذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا،

===

وقوله: (بعد فراغ الحج) كذا قاله الشافعي والأصحاب، والمراد: تأكد الزيارة حينئذ؛ لحديث: "مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْني .. فَقَدْ جَفَانِي"(1)، وإلا .. فزيارة قبره صلى الله عليه وسلم مندوبة مطلقًا بعد الحجّ أو العمرة، أو قبلهما أولًا مع نسك، نبه عليه السبكي.

* * *

(فصل: أركان الحج خمسة: الإحرام) بالإجماع؛ كما نقله ابن الرفعة، لكن ابن يونس في "شرح التنبيه" حكى قولًا بأنه شرط.

(والوقوف، والطواف) بالإجماع أيضًا، (والسعي) لقوله صلى الله عليه وسلم:"اِسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ"، أورده الحاكمُ في "مستدركه"، وابن السكن في "سننه الصحاح المأثورة"(2)، وفي سنده كلام أجاب عنه ابن عبد البرّ وغيره (3)، وقد سعى صلى الله عليه وسلم وقال:"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ"(4).

(والحلق) أو التقصير (إذا جعلناه نسكًا) لما مرّ في الباب، فإن جعلناه استباحة محظور .. فلا شكّ في كونه ليس ركنًا، قال الرافعي: وينبغي: أن يعدّ الترتيبُ الواجب هنا ركنًا؛ كما عَدُّوه في الوضوء والصلاة (5).

= (8052)، و"إتحاف الزائر"(ص 20 - 29)، و"شفاء السقام"(ص 87) وما بعدها، و"وفاء الوفا"(4/ 436 - 440)، و"الجوهر المنظم"(ص 48) وما بعدها.

(1)

أخرجه ابن حبان في "المجروحين"(2/ 414)، وابن عدي في "الكامل"(7/ 14)، وانظر "شفاء السقام"(ص 127 - 130)، و"التلخيص الحبير"(1639 - 1640).

(2)

المستدرك (4/ 70)، وأخرجه الشافعي في "الأم"(3/ 545)، والدارقطني (2/ 255)، والبيهقي (5/ 98)، وأحمد (6/ 421) عن حبيبة بنت أبي تِجْراة رضي الله عنها.

(3)

انظر "التمهيد"(2/ 101 - 103).

(4)

أخرجه مسلم (1297) بنحوه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(5)

الشرح الكبير (3/ 433 - 434).

ص: 696

وَلَا تُجْبَرُ، وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا. ويُؤَدَّى النُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: الإِفْرَادُ؛ بِأَنْ يَحُجَّ، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا. الثَّانِي: الْقِرَانُ؛ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ فَيَحْصُلَانِ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ بِحَجٍّ قَبْلَ الطَوَافِ .. كَانَ قَارِنًا،

===

(ولا تُجبَر) هذه الخمس بدم، بل يتوقف الحجّ عليها؛ لأن الماهية لا تحصل إلا بجميع أركانها.

(وما سوى الوقوف أركانٌ في العمرة أيضًا) لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بها، ولم يَرِد ما يقتضي الاعتداد بدونها، فكانت أركانًا، وفي الحلق ما سبق في الحج.

(ويؤدى النسكان على أوجه) ثلاثة تأتي بالإجماع.

ووجه الحصر: أنه إن قدم الحجّ .. فهو الإفراد، أو العمرة .. فهو التمتع، أو أتى بهما معًا .. فهو القران على تفصيل وشروط لبعضها ستأتي.

(أحدها: الإفراد؛ بأن يحجّ، ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي) بأن يخرج إلى أدنى الحلّ على ما سبق فيه، (ويأتيَ بعملها) قال القاضي الحسين والإمام: ويتصور الإفراد أيضًا: بأن يأتي بالحجّ وحده في سنته، أو يعتمر قبل أشهر الحجّ، ثم يحجّ من الميقات (1)، وحينئذ يصدق الإفراد على ثلاث صور، خلافًا لما يقتضيه كلام المصنف.

(الثاني: القران؛ بأن يحرم بهما) معًا (من الميقات، ويَعملَ عمل الحجّ) لأن أعماله أكثر (فيحصلان) ويدخل عملُ العمرة في عمل الحجّ، ويكفيه عنهما طوافٌ واحد، وسعي واحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .. أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْي وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" صححه الترمذي (2).

وقوله: (من الميقات): ليس بقيد؛ لأنه لو أحرم بهما من دون الميقات .. كان قرانًا صحيحًا مجزيًا، وعليه دم، وإنما المراد: أن يُحرم بهما معًا فيتحد ميقاتُهما.

(ولو أحرم بعمرة في أشهر الحجّ، ثم بحجّ قبلَ الطواف .. كان قارنًا)

(1) نهاية المطلب (4/ 168 - 169).

(2)

سنن الترمذي (948)، وأخرجه ابن ماجه (2975) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 697

وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ فِي الْجَدِيدِ. الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ؛ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ.

===

بالإجماع؛ كما نقله ابن المنذر (1).

وقضيته: أنه لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحجّ، ثم أدخل عليها الحجّ في أشهره .. أنه لا يصحّ، ولا يكون قارنًا، وهو وجه؛ لأنه يؤدي إلى صحة الإحرام بالحجّ قبل أشهره؛ لأن القارن في حكم الملابس لإحرام واحد، والأصحُّ في "زيادة الروضة"، و"شرح المهذب": أنه يصحّ؛ لأنه إنما يصير محرمًا بالحجّ وقتَ إدخاله، وهو وقت صالح للحجّ (2)، فكان ينبغي تأخير هذا القيد فيقول: ولو أحرم بعمرة ثم بحجّ قبل الطواف في أشهر الحجّ .. كان قارنًا.

واحترز بقوله: (قبل الطواف): عما إذا طاف ثم أحرم بالحجّ فإنه لا يصحّ؛ لأنه أخذ في أسباب التحلل على أصحّ المعاني فيه، وحكم الشروع في الطواف ولو بخطوة .. حكم إكماله.

وكلام المصنف قد يشمل ما لو أفسد العمرةَ، ثم أدخل عليها الحجّ، والأصحُّ: أنه ينعقد إحرامه بالحجّ فاسدًا، وقيل: صحيحًا، ثم يفسد، وعلى الوجهين: يلزمه المضي في النسكين، ويقضيهما، وقيل: ينعقد صحيحًا، ويستمرّ.

(ولا يجوز عكسه) وهو إدخال العمرة على الحجّ (في الجديد) لأنه لا يستفيد به شيئًا آخر، بخلاف إدخال الحجّ عليها؛ فإنه يستفيد به شيئًا آخر؛ كالوقوف، والرمي، والمبيت بمزدلفة ومنى، والقديم: الجواز، وصححه الإمام كعكسه (3)، فيجوز ما لم يشرع في أسباب تحلله.

(الثالث: التمتع؛ بأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويَفرُغ منها، ثم ينشئَ حجًّا من مكة) لما نقله ابن المنذر من إجماع أهل العلم على أن الآفاقي إذا فعل ذلك .. كان متمتعًا (4).

(1) الإجماع (ص 72).

(2)

روضة الطالبين (3/ 45)، المجموع (7/ 145 - 146).

(3)

نهاية المطلب (4/ 181).

(4)

الإجماع (ص 72).

ص: 698

وَأَفْضَلُهَا الإِفْرَادُ، وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْقِرَانُ،

===

وسمّي بذلك لتمتعه بين النسكين بما كان محظورًا عليه، أو لتمتعه بسقوط العود إلى الميقات للحجّ.

وقوله: (من ميقات بلده)، كذا هو في "المحرر"، و"الشرحين"، و"الروضة" هنا (1)، والصواب: حذفه؛ فقد ذكرا بعد ذلك عند الكلام على وجوب دم التمتع ما حاصله: أن الإحرام من الميقات ليس شرطًا في كونه متمتعًا قطعًا، ولا في وجوب الدم عند الأكثرين (2).

وقوله: (من مكة): يتعين حذفه أيضًا؛ لأنه يقتضي: أنه إذا أحرم بالحجّ من الميقات .. لا يكون متمتعًا، وليس كذلك، بل المشهور: أنه متمتع غيرَ أنه لا يلزمه الدم.

(وأفضلها: الإفراد) لأن الذين رووه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر (3)، ومجمع على عدم كراهيته، بخلاف التمتع والقران، ولعدم وجوب الدم فيه، بخلافهما، والجبر دليل النقصان.

نعم؛ شرط تفضيله: أن يعتمر من سنته، فلو أخرها .. فكلٌّ من القران والتمتع أفضلُ منه؛ لأن تأخيرها عن سنة الحجّ مكروه، كذا قالاه في "الشرح"، و"الروضة"(4)، ونسبه في "شرح المهذب" إلى الجمهور (5).

(وبعده التمتع، ثم القران) لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين غير أنه لا يُنشئ لهما ميقاتين، وأما القارن .. فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد.

(1) المحرر (ص 132)، الشرح الكبير (3/ 347)، روضة الطالبين (3/ 46).

(2)

فإنهما حكيا عن النصّ: أن من جاوزه مريدًا للنسك، وأحرم دونه بالعمرة .. أن دم التمتع لا يجب، ولكن يلزمه دم الإساءة، فأخذ بإطلاقه آخذون، وحمله الأكثرون على ما إذا بقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، فإن بقي أكثر .. وجب الدمان جميعًا. انتهى. اهـ هامش (أ)، وانظر "الشرح الكبير"(3/ 353)، و"روضة الطالبين"(3/ 51).

(3)

فإنه ثبت في "صحيح البخاري"(1562، 1564، 1568)، و"صحيح مسلم"(1121/ 181، 1216، 1240) عن عائشة وابن عباس وجابر رضي الله عنهم.

(4)

الشرح الكبير (3/ 344)، روضة الطالبين (3/ 44).

(5)

المجموع (7/ 120).

ص: 699

وَفِي قَوْلٍ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الإِفْرَادِ. وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ بَشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ: مَنْ دُونَ مَرْحَلَتينِ مِنْ مَكَّةَ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: مِنَ الْحَرَمِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

(وفي قول: التمتع أفضل من الإفراد) لأن فيه مبادرةً إلى العمرة، بخلاف الإفراد؛ فإن فيه تأخيرًا لفعلها، فربما مات قبل الفعل، وقد روى الشيخان عن ابن عمر: أنه عليه السلام كان متمتعًا (1)، ورواه أيضًا مسلم عن عائشة (2).

وفي قول ثالث: أن القران أفضلُ من الإفراد، واختاره المزني وابن المنذر وأبو إسحاق (3).

(وعلى المتمتع دم) لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية، التقدير: تمتع بإحلال من العمرة، وهو مجمع عليه، والواجب: شاة تجزئ في الأضحية، ويقوم مقامها سُبْعُ بَدَنة أو سُبْعُ بقرة، (بشرط: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام) لقوله تعالى: {ذَلِكَ} أي: ما ذكر؛ من الهدي والصوم: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، وقوله:{لِمَنْ} : معناه: على من، والمعنى فيه: أن الحاضر بمكة ميقاتُه للحج نفسُ مكة، فلم يربح ميقاتًا، بخلاف غيره.

(وحاضروه: مَنْ دون مرحلتين) لأن من قرُب من شيء كان حاضرَه، قال تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} ، وهي: أيلةُ، وليست في البحر، بل قريبة منه، (من مكة) لأن المسجد الحرامَ المذكور في الآية لم تُرَد حقيقتُه بالاتفاق، بل: الحرمُ عند بعضهم، ومكةُ عند آخرين، فلا بدّ من حمله على المجاز، ومكة أقلّ تجوزًا من حمله على الحرم.

(قلت: الأصح: مِنَ الحرم، والله أعلم) لأن كلّ موضع ذَكَرَ اللهُ فيه المسجدَ .. فالمراد به: الحرم، إلا قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فأريد به: الكعبة؛ كما ذكره الماوردي وغيره (4)، وإنما خالف في ذلك طوافَ الوداع؛ لأنه

(1) صحيح البخاري (1691)، صحيح مسلم (1227).

(2)

صحيح مسلم (1228).

(3)

انظر "المجموع"(7/ 121).

(4)

الحاوي الكبير (2/ 88).

ص: 700

وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ. وَأَلَّا يَعُودَ لإِحْرَامِ الْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ. وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ: إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ،

===

للبيت، فناسب اعتبار مكة، وهنا الآية ناصّة على المسجد الحرام كما سلف، فكان الابتداء منه.

(وأن تقع عمرتُه في أشهر الحجّ) لأن العرب كانوا لا يزاحمون الحجّ في وقت إمكانه بالعمرة، ويرون ذلك من أفجر الفجور، فشرع التمتع رخصةً؛ لأن الغريب قد يقدم قبل عرفة بأيام، ويشقّ عليه استدامة الإحرام لو أحرم من الميقات، ولا سبيل إلى مجاورته بغير إحرام، فجوز له أن يعتمر ويتحلل مع الدم.

فلو أحرم بها، وفرغ منها قبل أشهره .. لم يلزمه دم؛ لانتفاء ما ذكرناه من المزاحمة وإن كان متمتعًا على المشهور؛ كما قاله الرافعي في آخر الشروط (1)، وكذا لو أحرم بها قبل أشهره، وأتى بجميع أعمالها في أشهره على الأظهر؛ لأن العمرة لم تقع في أشهر الحجّ، وإنما وقع بعضُها؛ إذ النية من جملتها.

(من سنته) أي: من سنة الحجّ، فلو اعتمر، ثم حجّ في القابلة .. فلا دم عليه، سواء أقام بمكة إلى أن يحجّ أم رجع وعاد؛ لعدم المزاحمة.

(وألا يعود لإحرام الحجّ إلى الميقات) الذي أحرم منه بالعمرة، بل أحرم به من مكة واستمر، فإن عاد إليه وأحرم منه بالحجّ .. لم يلزمه الدم؛ لأن المقتضي لإيجاب الدم -وهو ربح الميقات- قد زال بعوده إليه، وكذا لو عاد إلى مسافة مثله وأحرم منه؛ لأن المقصود قطع تلك المسافة محرمًا، فلو عاد إلى ميقات أقرب منه؛ بأن كان ميقاتُ عمرته الجُحْفةَ فعاد إلى ذات عِرْق مثلًا .. فكالعود إلى ميقات عمرته في الأصحِّ؛ لأنه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

واعلم: أن هذه الشروطَ المذكورةَ معتبرةٌ لوجوب الدم، وهل تعتبر في تسميته تمتعًا؟ وجهان: أحدهما: نعم، فلو فات شرط .. كان مفردًا، وأشهرهما: لا تعتبر، ولهذا قال الأصحاب: يصحّ التمتع والقران من المكي خلافًا لأبي حنيفة.

(ووقت وجوب الدم: إحرامُه بالحجّ) لأنه حينئذ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحجّ.

(1) الشرح الكبير (3/ 354).

ص: 701

وَالأَفْضَلُ: ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضعِهِ .. صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثةً فِي الْحَجِّ تسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ،

===

وقد يفهم: أنه لا يجوز تقديمُه عليه، وليس كذلك، بل الأصحُّ: جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة، وقيل: يجوز إذا أحرم بها.

(والأفضل: ذبحه يومَ النحر) خروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة؛ فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره.

(فإن عجز عنه في موضعه .. صام عشرة أيام؛ ثلاثةً في الحجّ) لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} أي: الهدي .. {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} أي: بعد الإحرام بالحجّ، فلا يجوز تقديمُها على الإحرام، بخلاف الدم؛ لأن الصومَ عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمُها على وقتها؛ كالصلاة، والدمَ عبادة مالية، فأشبه الزكاة.

ووقع في "شرح مسلم" للمصنف: أن الأفضل: ألا يصوم حتى يحرم بالحج (1)، وهو غريب مخالف لما ذكره في باقي كتبه.

ولا بدّ من تقييد كلامه: بأن يكون ذلك قبل يوم النحر، فلو أخر التحلل عن أيام التشريق ثم صامها .. أثم وصارت قضاءً على الصحيح وإن صدق أنها في الحجّ؛ لندوره، فلا يراد بقوله تعالى:{فِي الْحَجِّ} .

وسواء عند عجزه في موضعه قَدَرَ عليه ببلده أو غيرِه أم لا، بخلاف كفارة اليمين؛ لأن الهدي يختص ذبحُه بالحرم والكفارةَ لا تختص، ووجودُه بأكثر من ثمن مثله كعدمه، وكذا لو احتاج إليه أو إلى ثمنه.

(تستحب قبل يوم عرفة) لأن الأفضل للحاجّ: فطر يوم عرفة، فيندب لمن يصوم: أن يحرم بالحجّ قبل السادس، ولا يجوز صومها في يوم النحر، وكذا في أيام التشريق في الجديد؛ كما ذكره المصنف في بابه (2).

ولا يجب عليه تقديم الإحرام بزمن يمكنه صومُ الثلاثة فيه قبلَ يوم العيد على الأصحِّ، وإذا فات صوم الثلاثة في الحجّ .. لزمه قضاؤها ولا دم عليه، قال الإمام:

(1) شرح صحيح مسلم (8/ 210).

(2)

منهاج الطالبين (ص 182).

ص: 702

وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فِي الأَظْهَرِ. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ. وَلَوْ فَاتَهُ الثَّلَاثةُ فِي الْحَجِّ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ. وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ

===

وإنما يلزمه صومُ الثلاثة في الحجّ إذا لم يكن مسافرًا، فإن كان .. فلا؛ كصوم رمضان، قال الرافعي: وهذا غير متضح؛ لأن النصّ دالّ على الوجوب عليه، وقال في "شرح المهذب": إنه ضعيف (1).

(وسبعةً إذا رجع) لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} ، (إلى أهله في الأظهر) لقوله صلى الله عليه وسلم:"فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا .. فَلْيَصُمْ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ" متفق عليه (2)، فلو أراد الإقامةَ بمكة .. صامها بها، قاله في "البحر"(3).

والثاني: أن المراد بالرجوع: الفراغُ من الحجّ؛ لأنه بالفراغ منه رجع عما كان مقبلًا عليه، وهو قول الأئمة الثلاثة.

(ويندب تتابع الثلاثة) إن اتسع الوقت، فإن ضاق؛ فمن أحرم اليوم السادسَ من ذي الحجة .. لزمه صوم الثلاثة متتابعًا، (وكذا السبعةُ) مبادرةً إلى أداء الواجب.

(ولو فاته الثلاثة في الحجّ .. فالأظهر (4): أنه يلزمه أن يُفرّق في قضائها بينها وبين السبعة) كما في الأداء، والثاني: لا يلزمه؛ قياسًا على التفريق في قضاء الصلوات.

وفرق الأول: بأن تفريق الصلاة يتعلق بالوقت، وهذا بالفعل، وهو الحجّ والرجوع.

وكلامه يقتضي: الاكتفاءَ بمطلق التفريق ولو بيوم واحد، وهو قول نصّ عليه في "الإملاء"، لكن الأظهر: أنه يجب أن يفرق بقدر ما كان يفرق به في الأداء، وذلك أربعة أيام ومدة سيره إلى بلده.

(وعلى القارن دم) لأنه واجب على المتمتع بنصّ القرآن، وفعل المتمتع أكثرُ من

(1) نهاية المطلب (4/ 203)، الشرح الكبير (3/ 363)، المجموع (7/ 166).

(2)

صحيح البخاري (1691)، صحيح مسلم (1227) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

بحر المذهب (5/ 71).

(4)

في (ب) و (د): (ولو فاتته الثلاثة

).

ص: 703

كَدَمِ التَّمَتُّع. قُلْتُ: بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

===

فعل القارن، فإذا لزمه الدم .. فالقارن أولى (كدم التمتع) في أحكامه السابقة جنسًا، وسنًّا، وبدلًا عند العجز.

(قلت: بشرط: ألا يكون من حاضري المسجدِ الحرام، والله أعلم) قياسًا على المتمتع.

وكان ينبغي أن يقول: (وألا يعود إلى الميقات قبل الوقوف)، فإن الراجح: أن الغريب لو عاد إلى الميقات قبل الوقوف .. لا دم عليه، وقد نصّ عليه في "الإملاء".

* * *

ص: 704