الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]
رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَم يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ .. فَكُلُّهُ حَيْضٌ، وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ عَبَرَهُ؛ فَإِنْ كَانتْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا .. فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَة، وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ وَلَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ، وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلَ الطُّهْرِ
===
ما يَسعهما، أو يعود قريبًا .. فكالاعتياد.
ولو عبر المصنف بـ (الطهارة) بدلًا عن (الوضوء) .. لكان أحسنَ؛ ليشمل غَسل الفرج عن النجاسة ونحو ذلك.
* * *
(فصل: رأت) المرأة (لسنّ الحيض أقلّه) أي: الحيض (ولم يعبر أكثره .. فكلّه حيض) مطلقًا؛ لاجتماع الشروط، واحتمالُ تغيرِ العادةِ ممكنٌ، ويشترط: ألّا يكون قد بقي عليها بقيةُ طهرٍ.
فلو عبر بقوله: (رأت لزمن إمكانِ الحيض) .. لاستقام.
(والصفرة والكدرة حيض في الأصح) لأنهما أذى، وقد قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} ، والثاني: لا، إلّا في أيام عادتها؛ لقول أمّ عطية:(كنّا لا نعدّ الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا)، رواه أبو داوود، وصححه الحاكم (1).
(فإن عبره) أي: عبر الدمُ أكثرَ الحيض (فإن كانت مبتدأة) وهي التي ابتدأها الدم (مميّزة؛ بأن ترى قويًّا وضعيفًا .. فالضعيف استحاضة، والقويّ حيض إن لم ينقص) القوي (عن أقلّه) أي: الحيض؛ ليمكن جعله حيضًا.
(ولا عبر أكثره) وهو خمسةَ عشرَ يومًا متصلة؛ لأن الحيض لا يزيد على ذلك.
(ولا نَقَص الضعيف) إن استمر (عن أقلّ الطهر) وهو خمسةَ عشرَ يومًا متصلةً
(1) سنن أبي داوود (311)، المستدرك (1/ 174) عن أم عطية رضي الله عنها، وهو عند البخاري برقم (326).
أَوْ مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيِّزَةً؛ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ، أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ حَيْضَهَا: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرَهَا: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. أَوْ مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ .. فَتُرَدُّ إِلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا،
===
ليجعل طهرًا بين الحيضتين، فلو رأتْ يومًا سوادًا ويومًا حمرةً، وهكذا أبدًا .. لم يكن تمييزًا معتبرًا وإن كانت جملةُ الضعيف لم تنقص عن خمسةَ عشرَ؛ لكونها ليستْ متصلةً.
وبما تُعرف القوةُ والضعف؟ فيه وجهان: أحدهما: باللون فقط؛ فالأسود أقوى، ثم الأحمر، ثم الأشقر، ثم الأصفر، ثم الأكدر إذا جعلناهما حيضًا، والأصحّ: بإحدى ثلاثِ خصالٍ، وهي: اللون والثخانة والرائحة الكريهة.
وما له صفتان أقوى مما له صفةٌ واحدةٌ، وما له ثلاث أقوى مما له ثنتان، فإن تعادلا؛ بأن وجد في البعض صفة، وفي البعض الآخر صفة أخرى .. فالحكم للسابق منهما، كذا نقله الرافعي عن المتولّي، ثم قال: وهو موضع تأملٍ، وجزم به في "التحقيق"(1).
(أو مبتدأة لا مميّزة؛ بأن رأته بصفة) واحدة (أو فقدت شرط تمييز) على ما مرّ ( .. فالأظهر: أن حيضها: يوم وليلة) لأن سقوطَ الصلاة عنها في هذا القدر متيقّن، وفيما عداه مشكوكٌ فيه، فلا يترك اليقينُ إلّا بيقين، أو أمارة ظاهرة؛ كالتمييز والعادة.
(وطهرَها: تسعٌ وعشرون) لأنها تتمة الدور، والقول الثاني: أنها تردّ إلى الغالب، وهو ستّ أو سبع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة:"تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ"(2)، وكانت مبتدأة؛ إذ لو كانت معتادة أو مميّزة .. لردّها إلى ذلك.
والمقدار على القولين يكون في كل شهر، ويكون أيضًا من أول الدم الذي تراه.
(أو معتادة) غير مميزة (بأن سبق لها حيضٌ وطهر) وهي تَعلمهما (فترد إليهما قدرًا ووقتًا) كخمسة أيام من أول كل شهرٍ مثلًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في المرأة
(1) الشرح الكبير (1/ 306)، التحقيق (ص 122).
(2)
أخرجه أبو داوود (287)، والترمذي (128).
وَتثبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الأَصَحِّ، وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ بِالتَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الأَصَحِّ
===
التي استفتتْ لها أمُّ سلمة: "لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأيَّام الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ .. فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ"، رواه أبو داوود وغيره بإسناد صحيح (1).
وحكى المرعشي قولًا: أنه لا أثر للعادة، واستُغرب.
واعلم: أن المعتادة إذا جاوز الدمُ عادتَها .. أمسكتْ عمّا تُمسك عنه الحائضُ قطعا؛ لاحتمال انقطاعه على خمسةَ عشرَ، فإن انقطع على خمسةَ عشرَ فأقلَّ .. فالكلُّ حيضٌ، وإن عبرها .. قضت ما وراء قدر عادتها.
وفي الدور الثاني وما بعده إذا عبر أيام عادتها .. اغتسلت، وصامت، وصلّت؛ لظهور الاستحاضة؛ لأنها تثبت بمرّة جزمًا.
(وتثبت) العادة (بمرة في الأصح) لأن الحديث السابق قد دلّ على اعتبار الشهر الذي قبل الاستحاضة، ولأن الظاهرَ: أنها في هذا الشهر كالذي قبله؛ لكونه أقرب إليها، والثاني: لا بدّ من مرّتين؛ لأن العادةَ مشتقّةٌ من العَود.
ومحلّ الخلاف: في عادة الحيض، أما الاستحاضة .. فتثبت بمرّة قطعًا؛ كما مرّ.
وما تقدّم في العادة المتّفقة أو المختلفة المتسقة، أمّا المختلفة غير المتسقة .. فالصحيح الذي قطع به الجمهور: أنها تردّ إلى ما يلي شهر الاستحاضة، وإن كانت مختلفة متسقة ونسيت اتساقها .. فالأصحُّ: أنها تغتسل آخر كلِّ نوبةٍ.
(ويُحكم للمعتادة المميّزة) حيث اختلفت العادة والتمييز؛ كما لو كانت عادتُها خمسةً من أوّل كلِّ شهرٍ، فاستحيضت، فرأت خمستَها حُمرةً، ثم رأت عقبها خمسة سوادًا وباقي الشهر حُمرةً (بالتمييز لا العادةِ في الأصح) لحديث: "دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ
(1) أبو داوود (278)، وأخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 62)، والشافعي في "الأم"(2/ 135)، وأحمد في "المسند"(6/ 320).
أُوْ مُتَحَيِّرَةً؛ بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتا .. فَفِي قَوْلٍ: كَمُبْتَدَأَةٍ، وَالْمَشْهُورُ: وُجُوبُ الاحْتِيَاطِ، فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا، وَكَذَا النَّفْلُ فِي الأَصَحِّ،
===
يعرَفُ" (1) لأن التمييزَ علامةٌ حاضرةٌ، والعادة منقضية، والثاني: يأخذ بالعادة؛ لأنها قد ثبتت واستقرّت، وصفةُ الدّم بصدد البطلان، وذلك عند نقصانه عن أقلّ الحيض، أو مجاوزته أكثرَه.
(أو متحيّرة؛ بأن نسيت عادتَها قدرًا ووقتًا) وابتداءً؛ بأن جنّت ثم أفاقت مستحاضةً، ولا تمييز لها ( .. ففي قولٍ: كمبتدأة) بجامع فقدِ العادةِ والتمييزِ.
وسمّيت هذه متحيّرةً؛ لتحيّرها في نفسها، وتسمّى أيضا مُحيِّرةً بكسر الياء؛ لأنها حَيَّرت الفقيهَ.
(والمشهورُ: وجوب الاحتياط) بما يجيء؛ إذ كلّ زمن يَحتمل الحيضَ والطهرَ والانقطاعَ، ولا يمكن جعلُها حائضا دائمًا؛ لقيام الإجماع على بطلانه، ولا طاهرًا دائمًا؛ لقيام الدم، ولا التبعيض؛ لأنه تَحكّم، فاحتاطت للضرورة.
لكن الأصحّ فيما لو طَلَقت ولم تعرف قدر دورها: أنها تعتدّ بثلاثة أشهر اعتبارًا بالغالب، ودفعا للضرر، وقيل: إنّها تحتاط في العدّة أيضًا؛ بأن تَقعُد إلى سنّ اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر؛ لاحتمال تباعد الحيض.
(فيحرم الوطء) والاستمتاع بما بين السرّة والركبة على الزوج والسيد؛ لاحتمال الحيض، (ومس المصحف، والقراءةُ في غير الصلاة) لاحتماله أيضًا، أما في الصلاة: فجائزة مطلقًا، وقيل: تحرم الزيادةُ على الفاتحة.
(وتصلي الفرائض) خارج المسجد (أبدًا) لاحتمال الطهر (وكذا النفل في الأصح) لأنه من مهمات الدين، فلا وجه لحرمانها ذلك، والثاني: لا؛ إذ لا ضرورة؛ كمسّ المصحف، والقراءة في غير الصلاة.
وقضيةُ سكوتِ المصنفِ عن قضاء الصلاة بعد فعلها في الوقت، وتصريحه بوجوب
(1) أخرجه الحاكم (1/ 174)، وأبو داوود (304)، والنسائي (1/ 185) عن فاطمة بنت أبي حُبَيْش رضي الله عنها.
وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْرًا كَامِلَيْنِ، فَيَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثَلَاثة أَوَّلَهَا، وَثَلَاثة آخِرَهَا، فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْبَاقِيَانِ،
===
قضاء الصوم: أنه لا يجب قضاؤها، وهو ما في "البحر" عن النصّ، ونقله الماوردي، والدارمي، وابن الصبّاغ، ونصر المقدسي عن الجمهور، وقال في "المهمات": إنه المفتى به، لكن الذي رجّحه الشيخان وجوبُ القضاء (1).
(وتَغتسل لكل فرض) لاحتمال الانقطاع، نعم؛ إن ذكرت وقت الانقطاع؛ كأن قالتْ: كان الدم ينقطع مع الغروب مثلًا .. لزمها الغُسلُ لكلّ يوم عقبَ الغروب فقط، قاله في "التحقيق"(2).
ويستثنى: ذات التقطع، فإنه لا يلزمها الغُسلُ زمنَ النقاء؛ إذ الغسل سببه الانقطاع، والدم منقطع.
(وتصوم رمضان) لاحتمال الطهر في جميعه، (ثم شهرًا كامليْن، فيحصل من كلٍّ أربعة عشر) يومًا؛ لاحتمال أن يكون حيضُها أكثرَ الحيض، وأن يطرأ في أثناء يومٍ، وينقطع في أثناء السادس عشر من ذلك اليوم، ووجود الحيض في بعض اليوم مبطل له، فلزم ما ذكرناه.
وقوله: (كاملين) حال من (رمضان) و (شهرٍ) وإن كان (شهر) نكرة.
فلو كان رمضانُ ناقصًا .. حصل لها منه ثلاثةَ عشرَ يومًا، والمقضي منه بكل حال ستةَ عشرَ، فإذا صامت شهرًا كاملًا بعد ذلك .. بقي عليها يومان، فلو قال: وتصوم رمضان، ثم شهرًا كاملًا، وبقي يومان .. لأغنى عن (كاملين) وما بعده.
(ثم تصوم من ثمانية عشر) يومًا ستةَ أيام (ثلاثةً أولّها، وثلاثةً آخرَها، فيحصل اليومان الباقيان) لأن الحيض إن طرأ في أثناء اليوم الأول من صومها .. انقطع في أثناء السادس عشر، فيحصل اليومان بعده.
أو في اليوم الثاني .. انقطع في السابع عشر، فيحصل الأول والأخير.
(1) بحر المذهب (1/ 393)، الحاوي الكبير (1/ 505 - 507)، المهمات (2/ 392)، الشرح الكبير (1/ 328)، روضة الطالبين (1/ 154).
(2)
التحقيق (ص 129).
وَيُمْكِنُ قَضاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ ثُمَّ الثَّالِثِ وَالسَّابِعَ عَشَرَ. وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا .. فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الْمُحْتَمِلِ كحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ، وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَةِ،
===
أو في اليوم الثالث، فيحصل اليومان الأولان (1).
أو طرأ في أثناء السادس عشر، فينقطع في أثناء الأول، فيحصل الثاني والثالث.
أو في السابع عشر، فينقطع في الثاني، فيحصل السادس عشر والثالث.
أو في الثامن عشر، فينقطع في الثالث، فيحصل السادس عشر والسابع عشر، فتخرج بذلك عن العهدة بيقين، ولا تتعين هذه الكيفية، بل لو صامت أربعةً من هذه الستة في أول الثمانيةَ عشرَ واثنين في آخرها أو بالعكس، أو اثنين في أولها، واثنين في آخرها واثنين في الوسط كيف شاءت .. حصل اليومان الباقيان.
والضابط في قضاء اليومين وغيرهما: أن نضعّف ما عليها، ونزيد عليه يومين، فتصوم ما عليها وِلاءً متى شاءت، ثم تأتي بذلك مرّةً أخرى من أول السابعَ عشرَ من صومها، ثم تأتي باليومين بينهما، سواءٌ كانا متصلين باليومين الأوّلين أو بالأخيرين، أو منفردين عنهما متفرقين أو مجتمعين، وكلّما زاد الواجب يومًا .. زاد الصوم يومين: يومًا في أول المدّة ويومًا في آخرها على ما سبق.
قال الدارمي: ويمكن قضاءُ يومين فصاعدًا إلى آخر السابع بزيادة يوم واحد على الضعف، فلقضاء يومين تصوم يوما وثالثَه وسابعَ عشرِه وتاسعَ عشرِه، وتفطر رابعَه وسادسَ عشرِه ويبقى بينهما أحدَ عشرَ يومًا، تصوم منها يومًا أَيَّ يوم شاءت، فيحصل لها يومان بخمسة من تسعةَ عشرَ.
(ويمكن قضاءُ يومٍ بصوم يومٍ، ثم الثالثِ) من الأول (والسابعَ عشرَ) منه؛ لوقوع يوم من الأيام الثلاثة في الطهر بكل تقدير؛ لما مرّ في اليومين.
(وإن حفِظت شيئًا) من عادتها، ونسيت شيئًا؛ كالوقت دون القدر أو عكسه) .. فلليقين حكمُه) من حيض أو طهر.
(وهي في المحتمِل كحائض في الوطء، وطاهرٍ في العبادة) لما سبق من وجوب الاحتياط، والمراد بـ (المحتمل): هو محتمِل الحيض والطهر.
(1) في (ب): (أو في اليوم الثالث .. انقطع في الثامن عشر وحصل
…
).
وَإِنِ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا .. وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ وَالنَّقَاءَ بَيْنَ الدَّمِ .. حَيْضٌ
===
(وإن احتمل انقطاعًا .. وجب الغُسلُ لكلّ فرضٍ) احتياطًا، وإن لم يحتمله .. وجب الوضوء فقط.
قال الأصحاب: والحافظةُ للقدر إنما تخرج عن التحيّر المطلق بحفظ قدر الدورِ وابتدائه، وقدرِ الحيض؛ كقولها:(كان حيضي ستة أيام من العشر الأول من كل شهر)، فالخامسُ والسادس حيضٌ بيقين، وما بعده إلى آخر العاشر طهرٌ مشكوك فيه؛ لأنه يحتمل الانقطاعَ، فتؤمر فيه بالاغتسال، وما قبلهما إلى الأول يحتمل الطروء فقط، فهو حيض مشكوكٌ فيه، فتتوضأ لكلّ صلاة، ولا تغتسل، ومن الحادي عشر إلى آخر الشهر طهرٌ بيقين.
ومن أمثلة حفظ الوقت فقط: ما لو قالت: (أعلم أن حيضي في الشهر مرةً، وأكون في سادسه حائضًا) .. فالسادس حيضٌ بيقين، والعشر الأخير طهرٌ بيقين، ومن السابع إلى آخر العشرين طهر مشكوكٌ فيه؛ لاحتمال الانقطاع دون الطروء، ومن الأول إلى الخامس والسادس حيضٌ مشكوكٌ فيه؛ لاحتمال الطروء دون الانقطاع.
(والأظهر: أن دم الحامل والنقاء بين الدم .. حيضٌ) أما في الأولى .. فلحديث: "دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ"(1)، ولأنه دمٌ لا يمنعه الرَّضاع، بل إذا وجد معه .. حُكِم بكونه حيضًا وإن ندر، فكذا لا يمنعه الحملُ.
ووجه مقابله: أن الحمل يسدّ مخرج الحيض، وقد جعل دليلًا على براءة الرحم، فدلّ على أنّ الحامل لا تحيض، ويستثنى الدم الخارج عند الطلق أو مع خروج الولد؛ فإنه ليس بحيض ولا نفاس على الأصحِّ.
ويستثنى من إجراء أحكام الحيض عليه: تحريمُ الطلاق؛ فإنه لا يحرم فيه، ولا تنقضي به عدةُ صاحب الحمل، وتنقضي به عدّةُ غيره في الأصحِّ؛ بأن وُطئت بشبهة زمنَ الحمل، وكذا لو كان الحملُ من زنًا.
وأمّا في الثانية .. فلو قلنا بأنه طهر .. لانقضت العدة بثلاثة منه، ولا قائلَ به.
(1) سبق تخريجه في (ص 195).
وَأَقَلُّ النِّفَاسِ: لَحْظَةٌ، وَأَكْثَرُهُ: سِتُّونَ، وَغَالِبُهُ: أَرْبَعُونَ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالْحَيْضِ، وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِهِ أَكْثَرَهُ.
===
ووجه مقابله: أنه لما دلّ الدم على الحيض .. وجب أن يدلّ النَّقاءُ على الطهر، ويسمّى الأول: قول السحب، والثاني: قول اللقط وقول التلفيق.
وقوله: (بين الدم) قال الشيخ بهاء الدين الفزاري: (كذا هو في عدّة نسخ، وقيل: إنه كان هكذا في نسخة المصنف، ثم أصلحه بعضهم بقوله: "بين أقل الحيض" لأن الراجح: أنه إنما ينسحب إذا بلغ مجموع الدماء أقلّ الحيض) انتهى.
قال المنكّت: (وقد رأيت نسخةَ المصنف التي بخطه، وقد أُصلحت كما قال بغير خطه)(1).
(وأقلُّ النفاس: لحظةٌ، وأكثرُه: ستون، وغالبُه: أربعون) اعتبارًا بالوجود، فلو ولدت ولم تر دمًا أصلًا حتى مضى خمسة عشر فصاعدًا .. فلا نفاس لها على الأصحِّ في "شرح المهذب"(2).
(ويحرم به ما حرم بالحيض) بالإجماع (وعُبورُه ستين كعبوره أكثرَه) أي: الحيض، فينظر أمبتدأة هي أم معتادة مُميِّزة، أم غير مُميِّزة؟ ويقاس على ما مرّ في الحيض؛ لأن النفاس كالحيض في غالب أحكامه، فكذلك الردّ إليه عند الإشكال.
* * *
(1) السراج على نكت المنهاج (1/ 232).
(2)
المجموع (2/ 487).