الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً مَفْهُومَةً قَصِيرَةً، وَلَا يَلْتَفْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ. وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا نَحْوَ (سُورَةِ الإِخْلَاصِ)، وَإِذَا فَرَغَ .. شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ، وَبَادَرَ الإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ، وَيَقْرَأُ فِي الأُولَى (الْجُمُعَةَ)، وَفِي الثَّانِيَةِ (الْمُنَافِقِينَ) جَهْرًا.
فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]
يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا،
===
(وأن تكون بليغةً) أي: فصيحة؛ لأن ذلك أوقع في القلوب من الكلام المبتذل؛ وهو ما كثر استعماله وأُلِفَ، (مفهومةً) لأن الغريب الذي لا يفهم لا يؤثر، (قصيرةً) لقوله عليه السلام:"فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ " رواه مسلم (1).
(ولا يَلتفت يمينًا وشمالًا في شيء منها) لأنه بدعة.
(وأن يعتمد على سيف أو عصًا ونحوِه)(2) كالقوس؛ للاتباع (3)، والحكمة فيه: الإشارة إلى أن هذا الدين قد قام بالسلاح، ويَقبض ذلك بيده اليسرى.
(ويكونُ جلوسُه بينهما نحوَ "سورة الإخلاص") استحبابًا، وقيل: إيجابًا.
(وإذا فَرَغَ .. شرع المؤذنُ في الإقامة، وبادر الإمامُ ليبلغ المحرابَ مع فراغه) من الإقامة؛ تحقيقًا للموالاة، وتخفيفًا على الحاضرين.
(ويقرأُ في الأولى "الجمعةَ"، وفي الثانية "المنافقين") للاتباع (4)، (جهرًا) بالإجماع، وهذا من زيادات "الكتاب" بلا تمييز.
* * *
(فصل: يسن الغسل لحاضرها)(5) أي: لمن يحضرها؛ لحديث: "مَنْ أَتَى
(1) صحيح مسلم (869) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
(2)
في (ب) و (د): (أن) الناصبة في قوله: (وأن يعتمد) من الشرح.
(3)
أخرجه ابن خزيمة (1452)، وأبو داوود (1096)، وأحمد (4/ 212) عن الحكم بن حَزْن رضي الله عنه.
(4)
أخرجه مسلم (877) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
فائدة: روى المنذري في جزء جمعه فيما جاء في غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر من حديث أنس=
وَقِيلَ: لِكُلِّ أَحَدٍ، وَوَقْتُهُ: مِنَ الْفَجْرِ، وَتقرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلُ، فَإِنْ عَجَزَ .. تَيَمَّمَ فِي الأَصَحِّ. وَمِنَ الْمَسْنُونِ: غُسْلُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالاسْتِسْقَاءِ، وَلِغَاسِلِ الْمَيِّتِ،
===
الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .. فَلْيَغْتَسِلْ" رواه ابن حبان (1)، وهو أمرُ ندبٍ؛ لحديث: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .. فَبِهَا وَنعْصَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ .. فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ"، حسنه الترمذي، وصححه أبو حاتم الرازي (2).
(وقيل: لكل أحد) وإن لم يحضر؛ كالعيد.
(ووقته من الفجر) الصادق؛ لأن الأخبار علقته باليوم؛ كحديث: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى .. فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً"(3)، (وتقريبه من ذهابه أفضل) لزيادة غرض التنظيف.
(فإن عجز) عن الماء؛ بأن توضأ ثم عدمه، أوكان جريحًا في غير أعضاء الوضوء ( .. تيمم في الأصح) كسائر الأغسال المسنونة، والثاني: لا؛ لأن المقصود منه التنظيف، والتيمم لا يفيده، وهو احتمال للإمام (4).
(ومن المسنون: غسل العيد والكسوف والاستسقاء) لاجتماع الناس لها؛ كالجمعة، (ولغاسل الميت) لما رواه الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا .. فَلْيَغْتَسِلْ"، وصححه ابن حبان، وابن السكن (5)، وقال الماوردي:
= رفعه: "مَنْ قَرَأَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلِ أَنْ يَثْنِي رجْلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَاب، وَقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتينِ سَبْعًا .. غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ بعَدَدِ مَنْ آمَنَ بالله وَرَسُولِهِ".
وروى ابن السني [ص 181 - 182] من حديث عائشة رضي الله عنها رفَعته: "مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صلَاةِ يَوْم الْجُمُعَةِ قُلْ هُوَ الله أَحْدٌ، وَالْمُعَوِّذَتينِ سَبع مَرَّاتٍ .. أَعَاذَهُ الله بهَا مِنَ السُّوءِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى". اهـ هامش (أ).
(1)
صحيح ابن حبان (1226)، وأصل الحديث عند البخاري (877)، ومسلم (844) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
سنن الترمذي (497)، العلل (2/ 540 - 541)، وأخرجه أبو داوود (354)، والنسائي (3/ 94)، وأحمد (5/ 15) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
نهاية المطلب (2/ 529).
(5)
سنن الترمذي (993)، صحيح ابن حبان (1161) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا، وَالْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، وَأَغْسَالُ الْحَجِّ. وَآكَدُهَا: غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْجُمُعَةِ، وَعَكَسَهُ: الْقَدِيمُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الأَكْثَرُونَ، وَأَحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثيرَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
خرج بعض أصحاب الحديث لصحته مئةً وعشرين طريقًا (1).
(والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا) لثبوته في الإغماء (2)، والجنونُ من باب أولى؛ إذ يقال: قلّ من جنّ إلّا وأنزل، وإنما لم يجب وإن كان الجنون مظنة الإنزال؛ كما وجب الوضوء من النوم، لكونه مظنة الحدث .. لأن حدث النائم ليس له أمارة ولا علامة، بخلاف الجنابة، فإن لها أمارةً، وهي وجود المني في الثوب أو البدن، فإذا لم توجد .. لم يجب.
(والكافر إذا أسلم) أي: بعد الإسلام؛ لأمره عليه السلام قيس بن عاصم به، صححه ابن حبان وغيره (3)، وإنما لم يجب؛ لأن خلقًا أسلموا ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم به.
نعم؛ إن عرض له ما يوجب الغسل؛ من جنابة أو حيض .. لزمه الغسل على الأصح ولو اغتسل في الكفر.
(وأغسال الحج) لما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
ونقل عن صاحب "الفروع": أنه ينوي بهذه الأغسال أسبابها إلا الاغتسال من الجنون والإغماء، فإنه ينوي الجنابة، وفيه نظر.
(وآكدها: غسل غاسل الميت) للتردد في وجوبه. (ثم الجمعة، وعكسه القديم، قلت: القديم هنا أظهر، ورجحه الأكثرون، وأحاديثه صحيحة كثيرة، وليس للجديد حديث صحيح، والله أعلم)، قوله:(وليس للجديد حديث صحيح): فيه نظر، لما قدمناه قريبًا.
(1) الحاوي الكبير (1/ 461).
(2)
أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
صحيح ابن حبان (1240)، وأخرجه ابن خزيمة (254)، وأبو داوود (355)، والترمذي (605) عن قيس بن عاصم رضي الله عنه.
وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا مَاشِيًا بسَكِينَةٍ، وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ بِقِرَاءَة أَوْ ذِكْرٍ، وَلَا يَتَخَطَّى، وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَطِيبٌ، وَإِزَالَةُ الظُّفرِ وَالرِّيحِ
===
(والتبكير إليها) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى .. فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً" الحديث متفق عليه (1).
ويستثنى: الإمام؛ فيحضر وقت الصلاة، قاله الماوردي (2).
(ماشيًا بسكينة) إن لم يضق الوقت؛ لحديث: "إِذَا أَتيتُمُ الصَّلَاةَ .. فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تسعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ" رواه مسلم (3).
(وأن يشتغل في طريقه وحضوره) الجامع (بقراءة أو ذكر) لحديث: "وَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبسُهُ" متفق عليه (4)، وروى مسلم:"فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ"(5)، وفي التنزيل:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} .
(ولا يتخطى) للنهي عنه (6)، نعم؛ للإمام التخطي في مضيه إلى المنبر والمحراب إذا لم يجد طريقًا سواه، وكذا لغير الإمام إذا وجد بين يديه فرجةً لا يصل إليها إلا بالتخطي، كذا أطلقاه (7)، وهو مُقيَّد بما إذا كان التخطي بصفّ أو صفين، فإن زاد .. فالكراهة باقية، قاله الشيخ أبو حامد وغيره، ونص عليه في "الأم"(8).
(وأن يتزين بأحسن ثيابه، وطيب، وإزالة الظفر) الطويل؛ لورود الحث على ذلك (9)، (والريح) الكريهة؛ لئلا يؤذي الناس.
(1) سبق تخريجه في (ص 388).
(2)
الحاوي الكبير (3/ 52).
(3)
صحيح مسلم (602)، وهو عند البخاري أيضًا برقم (908) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
صحيح البخاري (477)، صحيح مسلم (649/ 273) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
صحيح مسلم (602/ 152) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
أخرجه ابن حبان (2790)، والحاكم (1/ 288)، وأبو داوود (1118) عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه.
(7)
الشرح الكبير (2/ 316)، روضة الطالبين (2/ 49).
(8)
الأم (2/ 402).
(9)
أما التزين بأحسن الثياب والتطيب .. فقد أخرجه الحاكم (1/ 283)، وابن حبان (2778)، وابن =
قُلْتُ: وَأَنْ يَقْرَأَ (الْكَهْفَ) يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، وَيُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ التَّشَاغُلُ بِالْبَيع وَغَيْرِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ،
===
(قلت: وأن يقرأ الكهف يومها وليلتها) لحديث: "مَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .. أَضَاءَ لَهُ مِنَ النورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ" صححه الحاكم (1)، وروى الدارمي:"مَنْ قَرَأَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ .. أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَهَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ"(2).
(ويكثر من الدعاء) رجاءَ أن يصادف ساعة الإجابة، قال في "الروضة": والصواب في ساعة الإجابة: ما ثبت في "صحيح مسلم": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإمَامُ إِلَى أَنْ تقضَى الصَّلَاةُ"(3).
(والصلاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث: "أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً .. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا" رواه البيهقي بإسناد جيد (4).
(ويحرم على ذي الجمعة) أي: من تلزمه (التشاغل بالبيع وغيره بعد الشروع في الأذان بين يدي الخطيب) لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ، وقيس على البيع غيره.
وقد يفهم: أنه لو كان أحدُ المتبايعين لا تلزمه .. لا يحرم عليه، وليس كذلك؛
= خزيمة (1762)، وأبو داوود (343)، وأحمد (3/ 81) عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، والتطيب عند البخاري برقم (880)، ومسلم برقم (846) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأما إزالة الظفر .. فأخرجه البزار (8291)، والطبراني في "الأوسط"(846)، والبيهقي في "الشعب"(2508) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعقد ابن أبي شيبة في "مصنفه" بابًا في تنقية الأظفار وغيرها يوم الجمعة، ثم أورد فيه آثارًا (5615 - 5619)، وانظر أحاديث الباب عند أبي الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه"(ص 278 - 279).
(1)
المستدرك (2/ 368) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
سنن الدارمي (3450)، وأخرجه البيهقي (3/ 249) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
روضة الطالبين (2/ 46)، صحيح مسلم (853) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(4)
سنن البيهقي (3/ 249) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي (ب) و (ج):(صلّى الله عليه بها عشرًا).