المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌فصل [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ .. اسْتُحِبَّ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ، إِلَّا أَنْ يَتكرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ.

‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أَمَّا الْوَاجبُ .. فَيُشْتَرَطُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ،

===

(ومن قصد مكة لا لنسك .. استُحب أن يُحرم بحجّ) إن كان في أشهره، ويمكنه إدراكه (أو عمرة) قياسًا على التحية، ولا يجب؛ لحديث المواقيت المارّ في بابه:" هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتىَ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ"(1)، فلو وجب بمجرد الدخول .. لما علق على الإرادة.

(وفي قول: يجب) لإطباق الناس عليه، والسنن يندر الاتفاق على العمل بها، وصححه جمع؛ منهم: المصنف في "نكت التنبيه".

(إلا أن يتكرر دخولُه، كحطّاب وصيّاد) ونحوهما؛ كبريدي، وراع، فلا يجب عليهم جزمًا؛ للمشقة، وقيل: على القولين، وقيل: إن قلنا: لا يجب على الحطّاب والصيّاد .. ففي البريدي وجهان.

ويستثنى من الوجوب أيضًا: العبد وإن أذن له سيدُه، والداخل من الحرم، والخائف من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر.

وحكمُ دخول الحرم كحكم دخول مكة.

* * *

(فصل: للطواف بأنواعه) وهي: طواف القدوم، وطواف الركن، وطواف الوداع، والطواف المنذور، والمتطوَّع به (واجباتٌ وسنن؛ أما الواجب (2) .. فيشترط ستر العورة، وطهارة الحدث والنجَس) في الثوب والبدن والمكان؛ لأن

(1) في (ص 631 - 632).

(2)

في (ب) و (د): (أما الواجبات).

ص: 652

فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ .. تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ: يَسْتَأْنِفُ. وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، مُبْتَدِئًا بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ،

===

الطواف بالبيت صلاة؛ كما نطق به الخبر، وفي "الصحيحين":(ولا يطوف بالبيت عُرْيان)(1).

قال في "شرح المهذب": (ومما عمت به البلوى غلبةُ النجاسة في موضع الطواف من الطير وغيره، واختار جماعة من المتأخرين المحققين المطلعين العفوَ عنها، قال: وينبغي أن يقال: يُعفى عمّا يشقّ الاحتراز عنه من ذلك)(2).

(فلو أحدث فيه .. توضأ وبنى، وفي قول: يَستأنف) وجه هذا: القياس على الصلاة، ووجه الأولى: أن الطواف يحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة؛ كالفعل الكثير والكلام.

وكان الأحسن أن يقول: (تطهر) بدل (توضأ)؛ ليشمل الحدثين.

(وأن يجعل البيتَ عن يساره، مبتدئًا بالحجر الأسود مُحاذيًا له في مرورهِ بجميع بدنه) للاتباع؛ كما أخرجه مسلم (3).

قال في "شرح المهذب": وصفة المحاذاة: أن يَمرّ بجميع بدنه على جميع الحجر، وذلك بأن يستقبل البيتَ، ويقف على جانب الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني، بحيث يصير جميعُ الحجر عن يمينه، ويصير منكبه الأيمنُ عند طرف الحجر الأيمن، ثم ينوي الطوافَ، ثم يمشي وهو مستقبل الحجر مارًّا إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر، فإذا جاوزه .. انفتل وجعل يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج، ولو فعل هذا من الأول، وترك استقبال الحجر .. جاز، ولكن فاتته الفضيلة (4).

واعلم: أن المحاذاة الواجبةَ تتعلق بالركن الذي فيه الحجر الأسودُ، لا بالحجر نفسه حتى لو نُحّي الحجر -والعياذ بالله- عن مكانه .. وجبت محاذاةُ الركن؛ كما قاله القاضي أبو الطيب.

(1) صحيح البخاري (369)، صحيح مسلم (1347) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

المجموع (8/ 16).

(3)

صحيح مسلم (1218/ 150) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

المجموع (8/ 14).

ص: 653

فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ .. لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ .. ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ، أَوْ دَخَلَ مِنْ إِحْدَى فَتْحَتَيِ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنَ الأُخْرَى .. لَمْ تَصِحَّ طَوْفَتُهُ،

===

(فلو بدأ بغير الحجر) كما لو بدأ بالباب مثلًا ( .. لم يُحسب) ما فعله حتى ينتهي إلى الحجر؛ لأن الترتيب قد فات، (فإذا انتهى إليه .. ابتدأ منه) وحسب له الطواف من حينئذ؛ كما لو قدم المتوضئ على غسل الوجه غسل عضو آخر .. فإنه يجعل الوجه ابتداء وضوئه.

(ولو مشى على الشاذَرْوان، أو مسَّ الجدار) أي: جدار البيت (في مُوازاته) أي: في موازاة الشاذَرْوان، (أو دخل من إحدى فتحتي الحِجر، وخرج من الأخرى .. لم تصحّ طَوْفته) لأن الطائف والحالة هذه طائفٌ في البيت لا بالبيت، والله تعالى يقول:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .

واحترز بقيد الموازاة: عما لو مسَّ الجدار الذي في جهة الباب.

واعلم: أن للبيت أربعةَ أركان: اثنان يمانيان، أحدهما فيه الحَجَر بفتح (الحاء).

واثنان شاميان، والحِجر - بكسر (الحاء) - عندهما.

وسبب إخراج الشاذَرْوان والحجر عن بناء البيت: أن قريشًا لما أعادت بناءه .. قصرت بهم النفقة عن ذلك فتركوهما كذلك، لكن صحَّ أن ابن الزبير لمَّا بلغه حديث عائشة في إعادتها على ما كانت عليه:"لَوْلَا قُرْبُ عَهْدِهِمْ بِجَاهِلِيَّةٍ"(1) .. قال: أنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس، فهدمها وبناها على قواعد إبراهيم، وأدخل فيها الحِجر، وجعل لها بابين، ثم هدم الحجاج الشقّ الذي من ناحية الحِجر فقط؛ كما قاله الأزرقي وغيره (2)، وأعاده على ما كان عليه في زمن قريش، والشقّ الآخر بناء ابن الزبير، قيل: إنه يظهر للرائي عند رفع الأستار، وقال بعضهم: فينبغي الصحة في الطواف على الشاذَرْوان، لا كما قال الأصحاب.

(1) أخرجه البخاري (1583)، ومسلم (1333) عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

أخبار مكة (1/ 167).

ص: 654

وَفِي مَسْأَلةِ الْمَسِّ وَجْهٌ. وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا دَاخِلَ الْمَسْجدِ. وَأَمَّا السُّنَنُ: فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا. وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيُقَبِّلَهُ، ويَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ،

===

(وفي مسألة المسِّ وجهٌ) أن طوافه يصحّ؛ لأن معظم بدنه خارجٌ، فيصدق أن يقال: إنه طائف بالبيت، ولأن العبرة بالقدمين لا باليد والرأس، ولهذا نفوا التحريمَ عن الجنب، ووجوب الكفارة على الحالف بفعله.

(وأن يطوف سبعًا داخلَ المسجد) للاتباع (1)، فلا يصحّ حوله بالإجماع؛ كما نقله في "شرح المهذب"(2)، ولو اتسع المسجد .. اتسع المطاف.

(وأما السنن: فأن يطوف ماشيًا) لا محمولًا على آدمي أو بهيمة أو نحوها؛ لمنافاته الخضوعَ، ولأن البهيمة قد تؤذي الناس، وتُلوِّث المسجدَ.

نعم؛ إن كان له عذر؛ من مرضٍ ونحوه .. فلا بأس، وكذلك إذا كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتى.

فإن طاف راكبًا بلا عذر .. جاز بلا كراهة؛ كما في "الشرح"، و"الروضة" عن الأصحاب، لكن في "الكفاية" عن الماوردي وغيره: الجزمُ بالكراهة، ونقله الرافعي في "شرح مسند الشافعي" عن نص "الأم"، وقال في "المهمات" إنه المعروف لأئمة المذهب، منهم: المصنف في "شرح المهذب"، وإن ما نقله الرافعي عن الأصحاب مردود (3)، وقال الأَذْرَعي: إن المذهب: الكراهة بلا شك.

(ويستلمَ الحجر) أي: يلمسه بيده (أول طوافه ويُقبِّله) للاتباع، متفق عليه (4)، ولا يستحب ذلك للنساء إلا عند خلو المطاف، (ويضعَ جبهته عليه) للاتباع؛ كما رواه البيهقي (5).

(1) أخرجه مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

المجموع (8/ 43).

(3)

الشرح الكبير (3/ 398)، روضة الطالبين (3/ 84)، كفاية النبيه (7/ 383)، شرح مسند الشافعي (2/ 335)، المهمات (4/ 327).

(4)

صحيح البخاري (1611)، صحيح مسلم (1267) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(5)

سنن البيهقي (5/ 75)، وأخرجه الحاكم (1/ 455) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 655

فَإِنْ عَجَزَ .. اسْتَلَمَ، فَإِنْ عَجَزَ .. أَشَارَ بِيَدِهِ،

===

وهذا الحكم إنما هو للركن حتى لو نُحّي الحجر -والعياذ بالله- استلم الركن الذي كان فيه، وقبله، وسجد عليه، حكاه في "شرح المهذب" عن الدارمي، وأقره (1).

وقضية كلام المصنف: اقتصار فعل ذلك على الحجر دون الركن الذي فيه، وهو ظاهر كلام الجمهور؛ كما قاله في "شرح المهذب"(2)، وقال القاضي أبو الطيب: يستلم، ويقبل الركن الذي فيه الحجر أيضًا.

(فإن عَجَز) عن التقبيل؛ لمنع الزحمة منه ( .. استلم) الحجر بيده أو بعصًا، ثم قبل ما استلم به؛ لما روى مسلم عن نافع قال:(رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم يقبل يده، ويقول: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)(3)، وتقبيل ما استلم به صرَّح به ابن الصلاح في "مناسكه"، والمصنف في "شرح المهذب"، وهو ظاهر نصّ "الأم"(4).

وقضيته: استحباب ذلك، وإن آذى غيره بالزحام، وقد أطلق الأصحاب أنه لا يأتي به حينئذ، لكن قال الشافعي في "الأم": أحب الاستلام ما لم يؤذ غيره بالزحام إلا في ابتداء الطواف فأستحب له الاستلام وإن كان بالزحام، أو في آخر الطواف، ذكره في "شرح المهذب"(5).

(فإن عَجَز) عن الاستلام ( .. أشار بيده) لما رواه البخاري عن ابن عباس، قال:(طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلّما أتى الركن .. أشار إليه بشيء عنده، وكبر)(6).

ولا يشير إلى القبلة بالفم؛ لأنه لم يُنقَل، وعنه احترز بقوله:(بيده) لكنه يوهم أنه لا يشير بما في يده، مع أنه يشير به؛ كما صرح به في "شرح المهذب"، ثم نبه

(1) المجموع (8/ 40).

(2)

المجموع (8/ 38).

(3)

صحيح مسلم (1268).

(4)

المجموع (8/ 36)، الأم (3/ 434).

(5)

الأم (3/ 433)، المجموع (8/ 42).

(6)

صحيح البخاري (1613).

ص: 656

وَيُرَاعِي ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا. وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلَهُ، وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ:(بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ؛ إِيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم)،

===

على أنه يقبل ما أشار به (1).

(ويراعي ذلك في كلّ طَوْفة) لحديث ابن عباس المذكور (2).

(ولا يُقبِّل الركنين الشاميين، ولا يستلمُهما) لما في "الصحيحين" عن ابن عمر: (أنه عليه السلام كان لا يستلم إلا الحجر، والركن اليماني)(3).

(ويستلمَ اليماني) للحديث المذكور، وإذا لم يمكنه استلامُه .. فقال ابن أبي الصيف اليمني: لا يشير إليه، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: يشير إليه، قال المحب الطبري: وهو أوجه؛ لأنها بدل عنه؛ لترتبها عليه عند العجز في الحجر الأسود، فكذا هنا، (ولا يُقبلَه) لأنه لم ينقل.

نعم؛ يندب إذا استلم أن يقبل يده.

والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن الركن الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه على قواعد إبراهيم، ولليماني فضيلة واحدة، وهو كونه على قواعد إبراهيم، وأما الشاميان .. فليس لهما شيء من الفضيلتين.

والمراد بعدم تقبيل الأركان الثلاثة: إنما هو نفي كونه سنة؛ فإن قبلهن أو قبل غيرهن من البيت .. لم يكن مكروهًا، ولا خلاف الأولى، بل يكون حسنًا؛ كذا نقله في "الاستقصاء" عن نصِّ الشافعي، فقال: وأي البيت قبَّل .. فحسن، غير أنا نأمر بالاتباع.

(وأن يقول أول طوافه: "باسم الله والله أكبر، اللهم؛ إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم") قال الرافعي: روي ذلك عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه

(1) المجموع (8/ 36).

(2)

سبق تخريجه في (ص 656).

(3)

صحيح البخاري (1609)، صحيح مسلم (1267).

ص: 657

وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ: (اللَّهُمَّ؛ الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالْحَرَمُ حَرَمُكَ، وَالأَمْنُ أَمْنُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ)، وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ:(اللَّهُمَّ؛ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ

===

وسلم، قال في "شرح المهذب": ويستحب هذا الدعاء في كلّ طوفة، لكنه في الأولى آكد (1).

وقوله: (اللهم؛ إيمانًا بك

) إلى آخره؛ معناه: أفعله للإيمان، فهو مفعول له، والمراد بالعهد هنا: الميثاق الذي أخذه علينا؛ بامتثال أمره واجتناب نهيه.

(وليقل قُبالة الباب) أي: جهته ("اللهم؛ البيتُ بيتك، والحرمُ حرمك، والأمنُ أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار") هذا الدعاء ذكره الجويني، وقال: يشير بلفظه (هذا) إلى مقام إبراهيم، وقال غيره: يشير إلى نفسه؛ أي: هذا مقام الملتجئ المستعيذ بك من النار، قال الأَذْرَعي: وهذا أحسن.

(وبين اليمانيين: "اللهم؛ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخره حسنة، وقنا عذاب النار") رواه أبو داوود، والنسائي، وابن حبان عن عبد الله بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بلفظ:(ربنا) بدلًا عن (اللهم)(2)، وبه عبر الرافعي في كتبه (3)، فأبدله المصنف في "الروضة" و"المنهاج" بلفظ:(اللهم)(4)، وهو غريب.

(وليدع بما شاء) قياسًا على الصلاة، ومحله: حيث لا إثم، (ومأثورُ الدعاء أفضلُ من القراءة) للتأسي، والمأثور: هو المنقول (وهي أفضل من غير مأثوره) لأن الموضع موضعُ ذكر، والقرآن أفضلُ الذكر؛ كما نقله الشيخ أبو حامد عن النصِّ.

(1) المجموع (8/ 39)، الشرح الكبير (3/ 400).

(2)

صحيح ابن حبان (3826)، سنن أبي داوود (1892)، سنن النسائي الكبرى (3920)، وأخرجه الحاكم (1/ 455).

(3)

الشرح الكبير (3/ 400).

(4)

روضة الطالبين (3/ 85).

ص: 658

وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الأُولَى؛ بِأنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ، وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي، وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ، وَفِي قَوْلٍ: بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَلْيَقُلْ فِيهِ: (اللَّهُمَّ؛ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا

===

(وأن يَرمُل في الأشواط الثلاثة الأولى)(1) مستوعبًا لها (بأن يُسرع مشيَه مقاربًا خطاه، ويمشيَ في الباقي) على هينته؛ للاتباع؛ كما رواه مسلم (2)، ويكره تركه؛ كما نقله صاحب "التقريب" عن النصّ، ولو كان محمولًا أو راكبًا .. رَمَل به الحامل، وحرك هو الدابة على الأصحِّ.

ولو قال: (في الطوفات) بدل (الأشواط) .. لكان أحسن؛ لأن الشافعي والأصحابَ كرهوا تسميته شوطًا؛ لأن الشوط هو الهلاك وإن كان المصنف اختار في "شرح المهذب" عدمَ الكراهة (3)، لتعبير ابن عباس به في الصحيح (4).

(ويختص الرَّمَل بطواف يَعقُبه سعي، وفي قول: بطواف القدوم) أصل الخلاف: أن الطواف الذي رَمَلَ فيه - النبي صلى الله عليه وسلم وجد فيه المعنيان: السعي بعده، وكونه للقدوم، فالقول الأول: ينظر إلى السعي، والثاني: ينظر إلى القدوم؛ لأنه أول العهد بالبيت، فيليق به النشاط والاهتزاز، وعلى القولين: لا يَرمُل في طواف الوداع؛ لانتفاء المعنيين، ويَرمُل من قدم مكة معتمرًا؛ لوجود المعنيين، وأما الحاج: فإن كان مكيًّا .. فيَرمُل على الأول دون الثاني، وإن كان آفاقيًّا .. فيَرمُل إن دخل مكة بعد الوقوف، وإن دخل قبله .. نظر؛ إن أراد السعي بعده .. رَمَل قطعًا، وإن أراد تأخيره .. رَمَل على الثاني دون الأول، بل يؤخره إلى طواف الإفاضة، وإذا طاف للقدوم وسعى بعده، ولم يَرمُل .. لم يقض الرَّمَل في طواف الإفاضة على الأصح.

(وليقل فيه) أي: في رَمَله ("اللهم؛ اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا

(1) في (ب) و (د): (الثلاثة الأُوَلِ).

(2)

صحيح مسلم (1262) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(3)

المجموع (8/ 61).

(4)

أخرجه مسلم (1266).

ص: 659

مَشْكُورًا). وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ -وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تحْتَ مَنْكِبِهِ الأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى الأَيْسَرِ-

===

مشكورًا") للاتباع؛ كما ذكره الرافعي (1)، ولم يذكره البيهقي مع كثرة اطلاعه إلا من كلام الشافعي (2).

قال الإسنوي: وهذا إذا كان حاجًّا؛ أما المعتمر .. فالمناسب: أن يقول: (اللهم؛ اجعلها عمرةً مبرورة، أو نسكًا) ونحوه (3).

والمبرور: هو الذي لا تخالطه معصية، مأخوذ من البرّ، وهو الطاعة، وقيل: هو المتقبل.

وقوله: (وذنبًا مغفورًا) أي: اجعل ذنبي ذنبًا مغفورًا.

والسعي هو: العمل. والمشكور: المتقبل. وقيل: الذي يشكر عليه.

وسكت المصنف والرافعي عما يقول في الأربعة الأخيرة، ونصَّ الشافعي والأصحاب على أنه يستحب: أن يقول فيها: (رب؛ اغفر وارحم، وتجاوز عمّا تعلم؛ إنك أنت الأعزّ الأكرم، اللهم ربنا؛ آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار).

(وأن يضطبع في جميع كلّ طوافٍ يَرمُل فيه) للاتباع؛ كما رواه أبو داوود (4).

وقوله: (في جميع) أي: لا يختص بالثلاثة الأشواط الأُوَل؛ كالرمل، بل يسن في جميع السبعة.

(وكذا في السعي على الصحيح) لأنه قطع مسافة مأمور بتكررها سبعًا، فاستحب فيه الاضطباع؛ قياسًا على الطواف، والثاني: لا؛ لعدم وروده، ولا يندب الاضطباع في ركعتي الطواف على الأصحِّ؛ لأنه مكروه في الصلاة.

(وهو) أي: الاضطباع (جعلُ وَسَط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على الأيسر) ويدع منكبه الأيمن مكشوفًا؛ كدأب أهل الشطارة.

(1) أخرجه أحمد (1/ 427)، الشرح الكبير (3/ 404).

(2)

السنن الكبرى (5/ 85).

(3)

المهمات (4/ 333).

(4)

سنن أبي داوود (1884) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 660

وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ. وَأَنْ يَقْرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ .. فالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى، إِلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ .. فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَل أوْلَى. وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ، وَيُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ،

===

والاضطباع: افتعال؛ مشتق من الضَّبْع -بإسكان الباء- وهو العضد.

و(وَسَط) هنا مفتوح (السين) على الأفصح.

(ولا تَرمُل المرأة ولا تضطبع) لأن بالرَّمَل تتبين أعضاؤها، وبالاضطباع ينكشف ما هو عورة منها، وليست من أهل الجلد، والخنثى فيه كالأنثى.

(وأن يقرب من البيت) قال أبو الحسن الزَّعْفَراني: والأفضل: أن يجعل بينه وبين البيت ثلاثَ خُطُوات؛ ليأمن الطواف على الشاذَرْوان، وقال المحب الطبري: كان الشاذَرْوان مُسطّحًا فاجتهدتُ في تسنيمه وفي تتميمه ذراعًا، فالأولى للطائف: الاحتياط، والإبعاد من البيت بقدر ذلك، وهذا كلّه خاصّ بالرجال، أما المرأة والخنثى .. فيكونان في حاشية المطاف، فإن طافا خاليين .. فكالرجل في استحباب القرب.

(فلو فات الرَّمَل بالقرب لزحمة .. فالرَّمَل مع بُعدٍ أولى) لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة، والرملَ فضيلة تتعلق بنفس العبادة، والفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى بالمحافظة، ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد بها في المسجد.

ومحل ما ذكره: إذا كان لا يرجو فرجة، فإن رجاها .. وقف ليَرمُل فيها؛ كما قيداه في "الروضة" و"أصلها"(1).

(إلا أن يخاف صَدْم النساء) بأن كُنَّ في حاشية المطاف ( .. فالقرب بلا رَمَل أولى) محافظةً على الطهارة.

(وأن يوالي طوافه) خروجًا من الخلاف في وجوبه، (ويصليَ بعده ركعتين خلف المقام) للاتباع، متفق عليه (2).

(1) الشرح الكبير (3/ 403)، روضة الطالبين (3/ 86).

(2)

صحيح البخاري (1623)، صحيح مسلم (1261/ 231) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 661

يَقْرَأُ فِي الأُولَى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَفِي الثَّانِيَةِ:(الإِخْلَاصَ)، وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَالصَّلَاةُ

===

قالا: فإن لم يصلّهما خلفه .. ففي الحجر، وإلا .. ففي المسجد، وإلا .. ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره، ولو صلّى فريضة .. أجزأت عنهما؛ كتحية المسجد (1).

وكلام المصنف يشعر بأن فعلهما خلف المقام أفضلُ من فعلهما في الكعبة، قال الإسنوي: وفيه نظر يحتاج إلى نقل، وقد جزم المصنف وغيره في (أبواب الصلاة): بأن فعل النافلة في الكعبة أولى من فعلها في المسجد الحرام، وقال الشيخ عز الدين في "القواعد": بأن الصلاة عند البيت إلى وجهه أفضلُ من سائر الجهات. انتهى (2).

ويمكن أن يقال: البابُ بابُ اتباع، وقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم صلاهما خلفه، وقال:"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ"(3).

(يقرأ في الأولى: " {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} "، وفي الثانية: "الإخلاص") للاتباع، كما رواه مسلم (4).

(ويجهرُ ليلًا) دون النهار؛ كالكسوف وغيره؛ كذا قاسه في "شرح المهذب"(5) تبعًا لغيره، وفيه نظر؛ لأن الجهر في الكسوف ونحوه؛ لتأكد الجماعة فيه؛ لمشابهته الفرض، بخلاف مسألتنا، وقد صحح المصنف في "الروضة" وغيرها: أن الأفضل في النوافل المفعولة ليلًا: التوسط بين الجهر والإسرار (6)، وقد تقدم أن وقت الصبح وقت جهر، وإن كان من النهار .. فينبغي استثناؤه، وقال المحب الطبري: محل الجهر ليلًا: إذا خلا بنفسه، وإلا .. فالإسرار أولى؛ لئلا يشوش على غيره.

(وفي قول: تجب الموالاة والصلاة) لأنه عليه السلام أتى بهما، وقال: "خُذُوا

(1) الشرح الكبير (3/ 396 - 397)، روضة الطالبين (3/ 82).

(2)

المهمات (4/ 322).

(3)

أخرجه مسلم (1297) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

صحيح مسلم (1218) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(5)

المجموع (8/ 58).

(6)

روضة الطالبين (1/ 248).

ص: 662

وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ .. حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ،

===

عنِّي مَنَاسِكَكُمْ" (1)، والأصحُّ: استحبابهما.

أما الموالاة .. فقياسًا على الوضوء، والخلاف هنا هو الخلاف المذكور هناك؛ لأن كلّ واحد منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها، بخلاف الصلاة.

ومحل الخلاف: في التفريق الكثير بلا عذر، فإن فرَّق يسيرًا أو كثيرًا بعذر .. لم يضرّ؛ كالوضوء، قال الإمام: والكثير: هو ما يغلب على الظنّ بتركه ترك الطواف إما بالإضراب عنه، أو يظنّ أنه أتمه (2).

وأما الصلاة .. فللحديث المشهور: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"(3)، والقولان في وجوب ركعتي الطواف إذا كان الطواف فرضًا، فإن كان سنة .. فسنة قطعًا، وقيل: على القولين، وإذا قلنا بوجوبها .. فليست بركن، ولا شرط للطواف، فيصح بدونها.

وكلام المصنف قد يقتضي أن نيةَ الطواف لا تشترط، وهو الأصحُّ.

نعم؛ يشترط عدم الصارف إلى قصد آخر؛ كطلب غريم على الأصحِّ.

(ولو حمل الحلالُ مُحرمًا، وطاف به .. حُسب للمحمول) حيث يحسب له لو طاف بنفسه؛ كما لو طاف على بهيمة.

وإنما قيدت كلامه بقولي: (حيث يحسب له) ليتناول دخول وقته، واجتماع شرائطه.

قال ابن الرفعة: وهذا إذا لم ينو الحامل شيئًا، أو نواه للمحمول، أما لو نواه لنفسه .. فإما أن يقال: إنه يقع له فقط أو لهما، على الخلاف الآتي فيما إذا قصده المحرم لنفسه أو لهما (4).

قال السبكي: ومحله أيضًا: إذا لم يصرفه المحمول عن نفسه، أما لو صرفه أو لم ينوه، واشترطنا النيةَ .. وقع للحامل إذا نواه، ولو كان الحامل محدثًا .. فكالبهيمة.

(1) سبق تخريجه في (ص 662).

(2)

نهاية المطلب (4/ 285).

(3)

أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11) عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

(4)

كفاية النبيه (7/ 386).

ص: 663