الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ أسباب الحَدَث
هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ، إِلَّا الْمَنِيَّ
===
(باب أسباب الحدث)
هو أولى من التعبير بـ (نواقض الوضوء) إذ يقال: انتهى الوضوءُ لا بَطَل؛ كما يقال: انتهى الصوم لا بَطَل، كذا قاله في "الدقائق"(1)، لكنه عبَّر بعد ذلك بـ (النقض)، فقال:(فخرج المعتاد نقض).
(هي أربعة) أما النقض بها. . فللأدلة الآتية، وأما عدمُه بغيرها. . فلأن الأصل أن لا نقض حتى يثبت فيه نصٌّ، ولم يَثْبُت، والقياسُ ممتنعٌ هنا؛ لأن علة النقض غير معقولة.
(أحدها: خروج شيء من قبله أو دبره) عينًا كان أو ريحًا ولو من فرج المرأةِ، أو من ذكرِ الرجلِ.
ولو أدخل في ذكره ميلًا ثم أخرجه. . انتقض، ثبت ذلك في البولِ والغائط والريحِ بالنصوص والإجماع، وفيما عداها بالقياس.
وفي "فتاوى القفال": أنَّ بَلَلَ فرجِ المرأةِ إذا وصل إلى موضعٍ يجب عليها غَسْلُه في الغسل. . أن وضوءَها ينتقض، وإنْ خرج إلى محلٍّ لا يجب عليها غَسلُه في الجنابة والاستنجاء. . فلا؛ لأنه في حكم الباطن.
(إلَّا المنِيَّ) فإنه لا يوجبُ الوضوءَ، لأنه أوجبَ أعظمَ الأمرين -وهو الغسلُ- بخصوصه، فلا يوجب أهونَهُما -وهو الوضوء- بعمومِه؛ كزنا المحصَنِ لَمَّا أوجبَ أعظمَ الحدَّيْن -وهو الرجمُ- بخصوصه -وهو زنا المحصن-. . لم يوجب أهونَهُما -وهو الجلد- بعموم كونِه زنًا، ورجح في "الكفاية" وفاقًا للقاضي أبي الطيب النقضَ به، ونقل عن تصحيح الرافعي له في كتابه "المحمود"، ونقل ابنُ المنذر وابن عطية الإجماعَ عليه (2).
(1) دقائق المنهاج (ص 32).
(2)
كفاية النبيه (1/ 382)، الإجماع (ص 29 - 30).
وَلَوِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ. . نَقَضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الأَظْهَرِ، أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ. . فَلَا فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: زَوَالُ العَقْلِ،
===
قيل: وما ذُكِر من القاعدة لا يَطَّرد؛ فإن الحيضَ يوجب الغسلَ والوضوءَ اتفاقًا؛ كما حكاه الماوردي مع إيجابه أعظمَ الأمرين بخصوصه.
وهو مردودٌ؛ فإنَّ ابنَ الصلاح حكى عن لطيف بن خيران: أن الحيضَ والنفاسَ لا يوجبان الوضوءَ.
(ولو انسد مخرجه، وانفتح) مخرجٌ بدلَه (تحت معدته فخرج المعتاد) خروجُه، وهو البولُ والغائطُ (. . نقض) إذ لا بد للإنسان من مخرجٍ، فأقيم هذا مقامَه.
(وكذا نادر؛ كدود) ودمٍ (في الأظهر) لأنه مخرجٌ تنتقض الطهارةُ بخروج المعتادِ منه، فكذا بخروج النادرِ؛ كالمخرج الأصلي، والثاني: لا ينتقض؛ إذ الضرورةُ في جعله مخرجًا إنّما هو في المعتاد.
(أو فوقها وهو منسدٌّ، أو تحتها وهو منفتحٌ. . فلا في الأظهر) لأنه لم تُحِلْه الطبيعة في الأولى، فأشبه القيءَ، وفي الثانية لا ضرورةَ إلى جعل الحادثِ مخرجًا، فأشبه الجائفةَ، والثاني: ينتقض فيهما؛ كالمخرج المعتاد.
والمعدةُ: هي الموضعُ الذي يستقرُّ فيه الطعامُ، وهو المكانُ المنخسف تحتَ الصدرِ إلى السُّرَّة، كذا ذكره ابنُ الرفعةِ، وهو قولُ أهل اللغةِ والأطباءِ، وفَسَّرها المصنفُ في كتبه بما فيه بحثٌ (1).
(الثاني: زوال العقل) بالإجماع، والمعنى فيه: خروجُ الشيء منه ولا يشعر.
وشرطُ النقض في النومِ والسكرِ: زوالُ الشعور، بخلاف النُّعاس، وأوائلُ النشوة والرؤيا: من علامات النوم، وسماعُ كلام الحاضرين وإن لم يفهمه: من علامات النُّعاس.
وفي حدّ العقل عباراتٌ: أحسنُها: ما ذكره الشيخ أبو إسحاق: أنه صفةٌ يُميِّز بها بين الحسن والقبيح، وعن الشافعي: أنه آلةُ التمييز.
(1) كفاية النبيه (1/ 384 - 385).
إِلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ. الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتيَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، إِلَّا مَحْرَمًا فِي الأَظْهَرِ. وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الأَظْهَرِ
===
(إلَّا نومَ ممكِّنٍ مقعدَه) للأمْنِ من خروجِ شيءٍ في هذه الحالةِ، وخروجُ الريح من القبل نادرٌ، فلم يرتفع به أصلُ الطهارة، وسواءٌ كان مستنِدًا إلى شيءٍ لو أزيل. . لَسَقط، أو لا على الصحيح.
نعم؛ لو نام على قَفاه مُلصقًا مقعدتَه الأرضَ. . انتقض.
ويُستثنى من الانتقاض بالنوم مضطجعًا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وقضية كلام المصنفِ: أن النوم يُزيل العقلَ وهو ما ذكره بعضهم، وقال الغزالي: الجنون يُزيله، والإغماء يَغمره، والنوم يَستره.
(الثالث: التقاءُ بشرتيِ الرجل والمرأة) ولو بلا شهوةٍ ونسيانٍ؛ لقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وقرئ: (أو لمستم).
واللمسُ: هو الحسُّ باليد، كذا فَسَّره ابنُ عمر رضي الله عنهما، والمعنى فيه: أنه مظنة ثورانِ الشهوةِ.
واحترز بـ (الرجل) و (المرأة): عن الخنثيين، أو الخنثى مع رجل أو امرأة؛ فإنه لا نقض؛ لاحتمال التوافق.
(إلا محرمًا في الأظهر) ولو بشهوة؛ لأنها ليستْ في مظنتها بالنسبة إليه؛ كالرجل، والثاني: ينقض؛ لعموم الآية، والقولان مَبنِيَّان على أنه: هل يجوز أن يُسْتنبط من النص معنًى يُخصِّصه أم لا؟
والْمَحرَم: مَنْ حَرُم نكاحُها على التأبيد بسبب مباحٍ؛ لِحُرمتها، قاله في "الدقائق"، وفيه بحثٌ (1).
(والملموسُ) وهو من لم يوجد منه فعلُ اللمس (كلامسٍ) في نقض الوضوءِ (في الأظهر) لاستوائِهما في اللذةِ الحاصلةِ من اللَّمْس، فاستويا في حكمِه؛ كالفاعل والمفعول في الجماع، والثاني: لا؛ كما في مَسِّ ذكرِ الغيرِ.
(1) دقائق المنهاج (ص 32).
وَلَا تنقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعرٌ وَسِنٌّ وَظُفرٌ فِي الأَصَحِّ. الرَّابعُ: مَسُّ قُبُلِ الآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَكَذَا -فِي الْجَدِيدِ- حَلْقَةُ دُبُرِهِ، لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ. وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ،
===
(ولا تَنقُض صغيرةٌ) لا تُشتهى عرفًا، وكذا صغيرٌ؛ لانتفاء الشهوةِ، (وشعرٌ، وسنٌّ، وظفرٌ في الأصح) لأن معظمَ الالتذاذ فيها إنما هو بالنظر دونَ اللَّمْس، والثاني: يَنقُض؛ لعموم الآية في الصغيرة، وللقياس في البواقي على سائرِ أجزاءِ البدنِ، ولهذا يُسوَّى بين الكل في الحلِّ والحرمةِ.
(الرابع: مسّ قبل الآدميِّ ببَطن الكفِّ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ، وَلَا حِجَابٌ. . فَلْيَتَوَضَّأْ" رواه الشافعي، وابن حبان، وصححه الحاكمُ وابنُ عبدِ البرِّ وغيرُهما (1).
والإفضاء لغةً: هو المسُّ ببطن الكفِّ، فثبت النقضُ في فرج نفسِه بالنصِّ، وأُلحِق به فرجُ غيره من باب أولى؛ لأنه أفحشُ.
والمراد بالمس: مسُّ جزءٍ من الفرجِ بجزءٍ من بطنِ الكفِّ، والمراد ببطن الكف: الراحة مع بطونِ الأصابعِ، وضابطُه: ما يُستَر عند وضعِ إحدى اليدين على الأخرى بتحاملٍ يسيرٍ (2)، والمراد بقُبُلِ المرأة كما قاله الإمام: ملتقى الشفرين على المنفذ (3).
(وكذا في الجديد حَلْقةُ دبرِه) كالقُبُل؛ لأنه أحد السبيلين، والقديم: لا يَنقُض؛ لأنه لا يُلتذُّ به.
(لا فرجُ بهيمةٍ) لأن لَمْسَها ليس بحدثٍ، فكذا لمسُ فرجِها، وقياسًا على عدمِ وجوبِ سترِه، وعدمِ تحريمِ النظرِ إليه.
(ويَنقُض فرجُ الميتِ والصغيرِ) لشمول الاسمِ، (ومحلُّ الجَبِّ) لأنه أصلُ الذكر.
(1) مسند الشافعي (23)، صحيح ابن حبان (1118)، المستدرك (1/ 136) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (ب): (إحدى الراحتين على الأخرى).
(3)
نهاية المطلب (1/ 128).
وَالذَّكَرُ الأَشَلُّ، وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الأَصَحِّ، وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا. وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ: الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الأَصَحِّ. وَالأَصَحُّ: حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ، وَتَفْسِيرٍ، وَدَنَانِيرَ،
===
(والذكرُ الأشلُّ، وباليد الشَّلَّاءِ في الأصح) لشمول الاسمِ أيضًا، والثاني: لا؛ لخروج ذلك عن مظنة الشهوةِ.
(ولا يَنقُض رأسُ الأصابعِ) وحرفُها (وما بينها) لخروجِها عن سمت الكفِّ.
(ويحرم بالحدث الصلاة) بالإجماع، وفي معناها: سجدةُ التلاوة والشكرِ، وخطبةُ الجمعة (والطواف) لأنه صلاةٌ.
(وحملُ المصحف، ومسُّ ورقِه) أما المسُّ: فلقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، وأما الحملُ: فلأنه مسٌّ وزيادة، (وكذا جلدُه على الصحيح) لأنه كالجزءِ منه، بدليلِ دخوله في بيعِه، والثاني: لا يحرم؛ إلحاقًا بكيسه.
(وخريطة وصندوق فيهما مصحفٌ) إلحاقًا بجلده، والثاني: لا؛ لانفصالهما، (وما كُتِبَ لدرسِ قرآنٍ كلوحٍ في الأصح) لأنه قصد للدراسة فأشبه المصحفَ، والثاني: لا؛ إذ لا يُراد للدوامَ بخلاف المصحفِ.
(والأصح: حِلُّ حملِه في أمتعةٍ) إذ المقصودُ حملُ غيرِه فلم يُخِل بتعظيمه، ومن هنا يؤخذ الجوازُ فيما إذا حمل مَنْ حمل مصحفًا، والثاني: المنع؛ تغليبًا لحرمته، وفي "شرح المهذب" عن الماوردي: أن ذلك فيما إذا كان المتاعُ مقصودًا بالحمل، وإلَّا. . لم يجز؛ يعني: جزمًا، وأقره (1)
وجزم الرافعي بالتحريم حيثُ كان المصحفُ هو المقصود بالحمل، فليقيد إطلاقه هنا (2).
(وتفسيرٍ، ودنانيرَ) كُتِب عليها قرآنٌ، وما في معناهما من كتب الفقهِ، والثوب المطرز؛ لأنه ليس بمصحفٍ، والثاني: يحرم؛ تعظيمًا للقرآن.
(1) المجموع (2/ 85).
(2)
الشرح الكبير (1/ 175).
لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: حِلُّ قَلْبهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ. . عَمِلَ بِيَقِينِهِ،
===
وقضيةُ كلامه: الحِلُّ وإن كان القرآنُ أكثرَ من التفسير، وهو ما اقتضاه كلامُ الرافعي (1).
وقال في "الروضة": إنه منكرٌ، والصواب: القطعُ بالتحريم؛ لأنه وإن لم يُسمَّ مصحفًا ففي معناه، وبهذا صَرَّح الماورديُّ وآخرون، ونقله صاحبُ "البحر" عن الأصحاب، وقال في "شرح المهذب": إنه لا خلافَ فيه (2).
(لا قلبِ ورقِه بعودٍ) لأنه نقلٌ للورقةِ، فهو كحملها، والثاني: لا يحرم؛ لما سيأتي.
واحترز بـ (عودٍ): عمَّا لو لَفَّ كُمَّه على يده وقَلَب الأوراقَ. . فإنه يحرم قطعًا، قال في "شرح المهذب": وشذ الدارمي فحكى فيه وجهين (3).
(وأن الصبيَّ المحدثَ لا يُمْنعُ) من حمل المصحفِ ونحوِه؛ لأنه يَحتاج إلى الدراسةِ، وتكليفُه استصحابَ الطهارةِ مما تَعظُم فيه المشقةُ، والثاني: يجب على الولي والمعلمِ منعُه منه؛ قياسًا على الصلاةِ مع الحدث.
(قلتُ: الأصح: حِلُّ قلبِه بعودٍ (4)، وبه قَطع العراقيون، والله أعلم) لأنه ليس بحامل، ولا ماسٍّ، كذا عَلَّله في "الروضة"، وفيه نظر (5).
(ومن تَيقَّن طهرًا أو حدثًا، وشكَّ في ضِدِّه. . عَمِل بيقينه) لأن اليقين لا يزول بالشكِّ.
والمراد بالشك هنا، وفي معظم أبواب الفقه: مطلقُ التردُّدِ، سواءٌ أكان على
(1) الشرح الكبير (1/ 176).
(2)
روضة الطالبين (1/ 80)، المجموع (2/ 87).
(3)
المجموع (2/ 85).
(4)
في (ب) و (د): (قلب ورقه بعود).
(5)
روضة الطالبين (1/ 80).