الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الغَسْل
مُوجِبُهُ: مَوْتٌ، وَحَيْضٌ، وَنِفَاسٌ، وَكَذَا وِلَادَةٌ بِلَا بَلَلٍ فِي الأَصَحِّ، وَجَنَابَةٌ بِدُخُولِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا فَرْجًا،
===
(باب الغسل)
هو بفتح الغين، ويجوز ضمُّها.
(موجبه: موت) لما سيأتي في بابه.
وأورد على طرده الشهيد والكافر؛ فإنه لا يجب غسلُهما، وعلى عكسه السقطُ إذا بلغ أربعةَ أشهرٍ، ولم تَظهر فيه أمارةُ الحياةِ. . فإنّه يجب غسلُه على المذهب.
وأجيب: بأنه ذكر ذلك كلَّه في (الجنائز)(1)، وفيه نظر على أنه لم يَذكر غسلَ السقط.
وقد استشكل الرافعي عَدَّ الموت من الموجبات، فقال: إن أريد الغسل ولو مع الخلوّ عن النية. . فينبغي أن تعدّ منه نجاسة جميع البدن أو بعضه واشتبه بالباقي ولم يعدوه، وإن أريد الغسل الذي تجب فيه النية؛ فإن كان المرادُ: نية من غسل بدنه. . خرج الميت، أو مطلقًا. . فالأصحّ: أن نية الغاسل لا تجب (2).
وأجاب بعضهم: بالتزام الشق الأول، ولا يلزم عَدُّ نجاسةِ جميعِ البدنِ من ذلك؛ لأن الكلامَ في الغسل عن الأحداث.
وأجاب السبكي: بالتزام الشق الأول، ومنع عدّ تنجيس البدن من الموجبات؛ إذ الواجب إزالةُ النجس، لا الغسل عينًا، حتى لو فُرض كَشْط جلده. . حصل المقصود.
(وحيضٌ، ونفاسٌ) بالإجماع (وكذا ولادةٌ بلا بللٍ في الأصح) لأن الولدَ مني منعقدٌ، والثاني: لا؛ لأنه لا يُسمَّى منيًّا.
(وجنابةٌ) بالإجماع (بدخول حشفة أو قدرِها) من مقطوعها (فرجًا) لحديث:
(1) منهاج الطالبين (ص 154).
(2)
الشرح الكبير (1/ 177 - 178).
وَبِخُرُوجِ مَنِيٍّ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ، وَيُعْرَفُ بِتَدَفُّقِهِ، أَوْ لَذَّةٍ بِخُرُوجِهِ، أَوْ رِيحِ عَجِينٍ رَطْبًا وَبَيَاضِ بَيْضٍ جَافًّا، فَإِنْ فُقِدَتِ الصِّفَاتُ. . فَلَا غُسْلَ. وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ. وَيَحْرُمُ بِهَا مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ،
===
"إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ. . فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" صححه ابن حبان (1)، فلو غَيَّبَ بعضَ الحشفةِ. . لم يجب على الأصح؛ لأن التحاذيَ لا يحصل به.
(وبخروج مني) بالإجماع.
والمراد بخروجه في حق الرجلِ: بروزه عن الحشفة إلى الظاهر، وفي حق الثيب: وصولُه إلى ما يجب غَسله في الاستنجاء؛ كما جزم به في "التحقيق"(2).
ولو قال: (مني نفسِه). . لكان أولى؛ ليخرج ما لو استدخل منيَّ غيرِه في ذكره، أو استدخلتْ منيَّ غيرِها وخرج؛ فإنه لا يجب الغُسلُ، ومع هذا يرد عليه ما لو استدخل منيَّ نفسِه ثم خرج.
(من طريقه المعتاد) بالإجماع (وغيره) كما لو انكسر الصُّلبُ، فخرج منه المني مستحكمًا، وقيل: الخارج من غير المعتادِ له حكمُ المنفتحِ في باب الأحداثِ، فيعود فيه التفصيلُ والخلافُ، والصلبُ هنا كالمعدة هناك.
(ويُعرَف بتدفقه) وهو خروجُه بدفعاتٍ، قال تعالى:{مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} ، (أو لذةٍ بخروجه) مع فتور الذكرِ وانكسار الشهوةِ عقبه، (أو ريحِ عَجينٍ) أو طلع (رطبًا، وبياضِ بيضٍ جافًّا) أيُّ صفةٍ من الثلاث وُجدت. . كفت؛ لأن كلَّ واحدٍ منها من خواص المني، لا يشاركه فيه غيرُه.
(فإن فُقدتِ الصفاتُ. . فلا غُسلَ) لأنه ليس بمني.
(والمرأة كرجل) فيما مَرَّ؛ من حصول الجنابةِ بالطريقين المارين، وما يُعرَف به المنيُّ من الخواص الثلاثِ؛ لعموم الأدلةِ، وأنكر ابنُ الصلاح التدفق في مَنيِّها.
(ويَحرم بها) أي: بالجنابة (ما حرم بالحدث) الأصغر؛ لأنها أغلظُ منه،
(1) صحيح ابن حبان (1183) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
التحقيق (ص 89).
وَالْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ لَا عُبُورُهُ، وَالْقُرْآنُ، وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ. وَأَقَلُّهُ: نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ، أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إِلَيْهِ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ، مَقْرُونَةٌ بِأَوَّلِ فَرْضٍ، وَتَعْمِيمُ شَعرِهِ وَبَشَرِهِ،
===
(والمكث بالمسجد (1)، لا عبوره) لقوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} ، وخرج بـ (المسجد): المدارسُ، والرُّبطُ، ومصلّى العيدِ ونحوه.
(والقرآن) باللفظ، وبالإشارة من الأخرس، لا بالقلب؛ تعظيمًا له، ويستثنى فاقدُ الطهورين، فإنه يَقرأ الفاتحةَ في صلاتِه عند المصنف (2)، (وتحل أذكاره) أي: أذكار القرآن؛ كتسميةٍ وتحميدٍ واسترجاعٍ إذا كان ذلك (لا بقصد قرآن) لعدم الإخلال والحالةُ هذه بالتعظيم.
وإن قصده وحده، أو معه الذكرَ .. حرم، وإن أطلق .. فلا، ومواعظُه وأخبارُه وأحكامُه كأذكاره.
(وأقله) أي: الغسل (نيةُ رفعِ جنابةٍ) إن كان جنبًا، فأما الحائض: فتنوي رفعَ حدثِ الحيض، كذا في "الروضة" و"أصلها"(3).
ومقتضاه: أنه لا يصح أحدُهما بنية الآخر، وهو كذلك في الأصحِّ إن تعمد، فإن غلط .. صح جزمًا؛ كما ذكره في "شرح المهذب" في آخر (باب نية الوضوء)(4).
(أو استباحةِ مفتقرٍ إليه) أي: الغسل؛ كالصلاة ونحوِها؛ لما سبق في الوضوء.
(أو أداءِ فرضِ الغُسلِ) أو فرض الغسل، أو الغسل المفروض، وكذا أداء الغسل بحذف (الفرض) كما ذكره في "الحاوي الصغير"(5).
(مقرونةً بأول فرضٍ) لما مر في الوضوء، وأولُ الفرض هنا: أولُ مغسولٍ، سواء كان من أعلى البدنِ أم أسفلِه؛ لأنه لا ترتيب في الغسل.
(وتعميمُ شعرِه وبشرِه) لأن الحدث عَمَّ جميعَ البدنِ، فيجب تعميمُه بالغَسل،
(1) في (ب) و (د): (والمكث في المسجد).
(2)
انظر "المجموع"(2/ 185).
(3)
الشرح الكبير (1/ 188)، روضة الطالبين (1/ 87).
(4)
المجموع (1/ 398).
(5)
الحاوي الصغير (ص 132).
وَلَا تَجِبُ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ. وَأَكْمَلُهُ: إِزَالَةُ الْقَذَرِ، ثُمَّ الْوُضُوءُ - وَفِي قَوْلٍ: يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ - ثُمَّ تَعَهُّدُ مَعَاطِفِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ وَيُخَلِّلُهُ، ثُمَّ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، وَيَدْلُكُ، وَيُثَلِّثُ، وَتُتْبِعُ لِحَيْضٍ أَثَرَهُ مِسْكًا،
===
- والمراد بالبشرة: ما يشمل الأظفارَ - بخلاف نقض الوضوء، ويستثنى من الشعر: ما ينبت في العين، فلا يجب غَسله.
(ولا تجب مضمضة واستنشاق) كما في غسل الميت والوضوء.
(وأكملُه: إزالةُ القَذَرِ) الظاهر؛ كالمني (ثم الوضوءُ) للتأسي (1)، (وفي قول: يؤخر غَسل قدميه) لفعله له صلى الله عليه وسلم؛ كما رواه البخاري عن ميمونة (2)، ولا خلاف في أن كلًّا منهما سنة، وإنما الخلاف في الأفضل (3).
(ثم تعهد معاطفه) كالعُكنة والإبْط؛ لأنه أقرب إلى الثقة بوصول الماء.
(ثم يفيض) الماء (على رأسه ويخلله) قبل الإفاضة، فيخلل أصول شعره بأصابعه، وهي مبلولةٌ؛ اتباعا (4).
(ثم) على (شِقِّه الأيمنِ، ثم الأيسرِ) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحب التيمن في طهوره (5)، ولم يذكروا كيفية التيامن، قال الإسنوي: ويتجه أن يأتي فيه ما ستعرفه في غَسل الميت انتهى، وفيه نظر.
(ويَدْلُك) ما وصلت إليه يدُه من بدنه؛ للخروج من خلاف من أوجبه.
(ويثلث) غسل رأسه وبدنه؛ أما الرأس .. فبالنصّ، وأما البدن .. فقياسًا عليه وعلى الوضوء.
(وتُتْبِع) المرأة (لحيضٍ أثرَه مِسكًا) بأن تَجعله على قطنةٍ، وتُدخلَها في فرجها؛
(1) أخرجه البخاري (272)، ومسلم (316) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
صحيح البخاري (274)، وهو عند مسلم برقم (317).
(3)
قال في "شرح المهذب"[2/ 211]: قال أصحابنا: سواء قدم الوضوء كله أو بعضه، أو أخره، أو فعله في أثناء الغسل، فهو محصل سنة الغسل، ولكن الأفضل: تقديمه. اهـ هامش (أ).
(4)
أخرجه البخاري (248)، ومسلم (316) عن عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268) عن عائشة رضي الله عنها.
وَإِلَّا .. فَنَحْوَهُ. وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. وُيسَنُّ أَلَّا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُا، وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ، وَلَا حَدَّ لَهُ. وَمَنْ بِهِ نَجَسٌ .. يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَلَا تَكْفِي لَهُمَا
===
للأمر به في الصحيح (1).
(وإلَّا .. فنحوَه) من طيبٍ يقوم مقامَه في تطييب المحلّ، وإزالةِ الريح الكريهة، فإن لم تجد طيبًا .. فالطين، فإن لم تجد .. كفى الماء (2).
وتستثنى المحدة، فإنها إنما تطيب المحلّ بقليل من قُسْط أو أظفار؛ كما ذكراه في (العِدَد)، وتلتحق بها المحرمة، قال الأَذرَعي: وهي أولى بالمنع؛ لقصر زمن الإحرام غالبًا.
(ولا يسن تجديده) أي: الغُسل، وكذا التيمم؛ لأنه لم ينقل (بخلاف الوضوء) فإنه يسن؛ لحديث:"مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ .. كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ"(3).
ومحل استحباب التجديد: إذا صلّى بالوضوء الأول صلاة ما على الأصحِّ في (باب النذر) من "زوائد الروضة"(4).
(ويُسنَّ ألَّا يَنقص ماءُ الوضوءِ عن مدٍّ، والغسلِ عن صاعٍ) للاتباع؛ كما أخرجه مسلم (5).
قال الشيخ عز الدين: هذا من حجمُ بدنِه كحجم بدنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلَّا .. اعتبر بالنسبة إلى جسدِه الكريم زيادةً ونقصًا.
(ولا حد له) أي: لماء الوضوءِ والغسلِ، حتى لو نقص عما مرّ وأسبغ .. كفى بالإجماع، كما نقله ابن جرير، والمصنفُ في "شرح مسلم"(6).
(ومَنْ به) أي: ببدنه شيءٌ (نَجَسٌ .. يغسله ثم يغتسل، ولا تكفي لهما
(1) أخرجه البخاري (314)، ومسلم (332) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
متى تستعمل المسك؟ فيه وجهان في "الحاوي"؛ إن قلنا: شرع لتطيب المحل .. استعملته بعد كمال الغسل، وإن قلنا: لسرعة الحمل .. استعملته قبل الغسل. اهـ هامش (أ).
(3)
أخرجه أبو داوود (62)، والترمذي (59)، وابن ماجه (512) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
روضة الطالبين (3/ 302).
(5)
صحيح مسلم (326) عن سفينة رضي الله عنه.
(6)
شرح صحيح مسلم (4/ 6).
غَسْلَةٌ، وكَذَا فِي الْوُضُوءِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: تَكْفِي، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنِ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ .. حَصَلَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا .. حَصَلَ فَقَطْ. قُلْتُ: وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ .. كَفَى الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
غسلة) واحدة (وكذا في الوضوء) لأنهما واجبان مختلفا الجنس، فلم يتداخلا، وهذا ما جزم به في "شرح مسلم"(1).
واقتضى سياقه: أنه قول الأصحاب مطلقًا، وصححه السبكي والأَذرَعي وغيرهما؛ لأن ما استعمل في النجاسة لا يرفع الحدثَ، وهذا قد استعمل في إزالتها.
(قلت: الأصح: تَكفي، والله أعلم) لأن واجبهما غَسل العضوِ، وقد وجد، وهذا ما صححه في جميع كتبه، خلا "شرح مسلم"(2).
(ومن اغتسل لجنابةٍ وجُمُعة .. حصلا) كما لو نوى الفرضَ وتحيةَ المسجد، (أو لأحدهما .. حصل فقط) عملًا بما نواه، وهذا ما صححه في سائر كتبه، ونقله عن الأكثرين (3)، لكن صحح الرافعي في "الشرحين" حصول غُسل الجمعةِ بنية غُسل الجنابة؛ لأن مقصودَ غُسلِ الجمعة التنظيفُ، وقد حصل (4).
(قلت: ولو أحدث ثم أجنب، أو عكسُه) أي: أجنب ثم أحدث) .. كفى الغُسل على المذهب، والله أعلم) لأنهما طهارتان، فتداخلتا؛ كغُسل الجنابة والحيض، وقيل: لا يكفي، بل لا بدّ من الوضوء أيضًا؛ لاختلاف موجبهما.
* * *
(1) شرح صحيح مسلم (3/ 228 - 229).
(2)
انظر "المجموع"(2/ 212)، و"روضة الطالبين"(1/ 88).
(3)
انظر "المجموع"(4/ 454)، و"روضة الطالبين"(1/ 49)، و"التحقيق"(ص 93).
(4)
الشرح الكبير (1/ 102).