الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ أَوْ مَرِيضٍ بلَا مُتَعَهِّدٍ أَوْ يَأْنسُ بهِ.
فصلٌ [في صفات الأئمة]
لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ،
===
(شروط الصلاة)، وظاهر الحديث: يقتضي التحريم، وبه صرح ابن المنذر في "الإقناع"(1).
والمعذور بأكل هذه الأشياء للتداوي يعذر في الحضور؛ كما صرح به ابن حبان في "صحيحه"(2).
(وحضورِ قريبٍ مُحتضَرٍ) سواء كان له متعهد أم لا؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما ترك الجمعة، وحضر عند قريبه سعيد بن زيد أحدِ العشرة لمّا أخبر أن الموت قد نزل به (3).
والمعنى فيه: ما في ذهابه إلى الجماعة من شغل القلب السالب للخشوع، وفي معنى القريب: الزوجة والمملوك والصهر والصديق.
(أو مريضٍ بلا مُتعهِّدٍ) ولو أجنبيًّا وخيف هلاكه إن غيب عنه، أو ضرر ظاهر عليه على الأصحِّ " لأن حفظ الآدمي أفضل من حفظ الجماعة.
(أو يَأنَسُ به) هذه العبارة تقتضي: أن الأنس عذر في القريب والأجنبي، والذي في "المحرّر" وغيره: تخصيص ذلك بالقريب ونحوه (4)، فلو قال:(وحضور قريب ونحوه محتضر أو كان يأنس به أو مريض بلا متعهد) .. لا تضح واستقام.
* * *
(فصل: لا يصح اقتداؤه بمن يَعلم بطلان صلاتِه) كمن علم بحدثه أو كفره، لأنه لا صلاة له فكيف يقتدى به؟
(أو يعتقده) أي: بطلان الصلاة من حيث الاجتهاد في غير اختلاف المذاهب في
(1) روضة الطالبين (1/ 297)، الإقناع (ص 46).
(2)
صحيح ابن حبان (2095) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (3990).
(4)
المحرر (ص 52).
كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إِنَاءَيْنِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَاهِرُ .. فالأَصَحُّ: الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إِنَاءُ الإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إِنَاءِ غَيْرِهِ .. اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا، فَلَوِ اشْتبَهَ خَمْسَة فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ، فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ .. فَفِي الأَصَحِّ: يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ إِلَّا إِمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ. وَلَوِ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوِ افْتَصَدَ .. فَالأَصَحُّ: الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ؛ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي
===
الفروع (كمجتهدَيْن اختلفا في القبلة أو إناءين) لأن كلًّا منهما يعتقد بطلان صلاة الآخر.
(فإن تعدد الطاهر) كأن كانت الأواني ثلاثة مثلًا والطاهر منها اثنان، وظن طهارة إنائه، ولم يغلب على ظنه شيء في الآخرين.
( .. فالأصح: الصحة) أي: صحة اقتدائه بالآخر؛ لأن الأصل عدم وصول النجس إلى الإناء (ما لم يتعين إناءُ الإمام للنجاسة) فيصح في مثالنا اقتداءُ الأول بالثاني دون الثالث؛ لتعين النجس فيه، والثاني: أنه ليس له الاقتداء بواحد من صاحبيه؛ لأنه متردد في أن المستعمل للنجاسة هذا أم ذاك.
(فإن ظن طهارة) إنائه و (إناءِ غيرِه .. اقتدى به قطعًا) لانتفاء المحذور، ولو ظن نجاسة إناء غيره .. امتنع اقتداؤه به قطعًا.
(فلو اشتبه خمسةٌ فيها نَجِسٌ على خمسة، فظن كلٌّ طهارةَ إناءٍ فتوضأ به) ولم يظن شيئًا من أحوال الأربعة، (وأمَّ كلٌّ في صلاةٍ) من الخمس بالباقين وبدؤوا بالصبح ( .. ففي) الوجه (الأصح) السابق في المسألة قبلها (يعيدون العشاءَ) لأن بزعمهم تعينت النجاسة في حق إمامها.
(إلّا إمامَها فيعيد المغربَ) لأنه صح له الصبح والظهر والعصر؛ لاقتدائه فيهن خلف من لم تنحصر النجاسة فيه، وهو متطهر بزعمه في العشاء، فتعين عنده النجاسة في حق إمام المغرب.
وضابط ذلك: أن كل واحد يعيد ما كان مأمومًا فيه آخرًا، وعلى الوجه الثاني في المسألة قبلها: يعيد كل منهم الأربع التي كان مأمومًا فيها.
(ولو اقتدى شافعيٌّ بحنفيٍّ مَسَّ فرجَه أو افتصد .. فالأصح: الصحةُ في الفصد دون المسِّ؛ اعتبارًا بنية المقتدي) لأنه محدث عنده بالمس دون الفصد، والثاني:
وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ، وَلَا بِمَنْ تلزَمُهُ إِعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ، وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ -وَهُوَ: مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تشدِيدَةٍ مِنَ (الْفَاتِحَةِ)، وَمِنْهُ: أَرَتُّ يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ،
===
العكس؛ اعتبارًا بنية المقتدى به، لأنه يرى أنه متلاعب في الفصد ونحوه، فلا تقع منه نية صحيحة، بخلاف المس، فإنه يرى صحتها وخطؤه غير مقطوع به، ولعل الحق ما ذهب إليه، وفي اقتداء الشافعي بالمخالف له في الفروع وجوه: أصحها: إن لم يعلم أنه ترك واجبًا في اعتقاد المأموم .. صح، وإلا .. فلا.
وقال الأَوْدَني والحَليمي: إن اقتدى بولي الأمر أو نائبه .. صح مع تركه الواجبات عندنا؛ لما في المفارقة من الفتنة، وإلا .. لم يصح، واستحسنه الرافعي (1).
(ولا تصح قدوةٌ بمقتدٍ) في حال قدوته، لأنه تابع لغيره، وهذا إجماع، (ولا بمن تلزمه إعادةٌ، كمقيم تيمم) لأن صلاته غير مجزئة، لوجوب إعادتها، وشمل إطلاقه ما لو اقتدى به مثله، وهو الأصحُّ في "الروضة"(2).
(ولا قارئَ بأمي في الجديد) إذ رتبة الإمام تَحمُّل القراءة، بدليل المسبوق فإذا لم يحسن القراءة .. لم يصلح للتحمل، والقديم: منعه في الجهرية خاصة؛ بناء على أن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم في الجهرية دون السرية، والصحيح: طرد الخلاف مطلقًا، سواء علم بحاله في الابتداء أو جهله.
نعم؛ يستثنى من محل الخلاف: المقصر بترك التعلم؛ فلا تصح القدوة به قطعًا؛ لأنه تلزمه الإعادة.
(وهو) أي: الأمي (مَنْ يُخلُّ بحرفٍ أو تشديدةٍ من الفاتحة) أي: عجزًا، ونبه بذلك على من لا يحسنها بطريق الأولى.
(ومنه) أي: من الأمي (أرتُّ) بـ (التاء) المثناة فوق المشددة (يُدغِم في غير موضعِه) أي: في غير موضع الإدغام.
(1) الشرح الكبير (2/ 155).
(2)
روضة الطالبين (1/ 349).
وَأَلْثَغُ يُبْدِلُ حَرْفًا- وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ. وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَام، وَالْفَأْفَاءِ، وَاللَّاحِنِ، فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنَىً كـ (أَنْعَمْتُ) بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ .. أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلّمُ، فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ، أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إِمْكَانِ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي (الْفَاتِحَةِ) .. فَكَأُمِّيٍّ، وَإِلَّا .. فَتَصِحّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ. وَلَا تَصِحّ قُدْوَةُ رَجُلٍ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى
===
(وأَلثَغ يبدل حرفًا) بحرف؛ كـ (سين) بـ (ثاء)، و (راء) بـ (غين)، كالمثتقيم، وغيغ المغضوب.
(وتصح بمثله) أي: فيصح اقتداء الأمي بأمي مثله، والأرت بأرت مثله، والألثغ بألثغ مثله؛ لاستوائهما في النقصان.
(وتُكره بالتمتام) وهو الذي يكرر (التاء)، (والفأفاء) وهو الذي يكرر (الفاء) لحصول زيادة في الصلاة ليست منها، (واللاحنِ) الذي لا يغير لحنه المعنى؛ كرفع (هاء){لله} .
(فإن) لحن لحنًا (غَيَّرَ معنىً؛ كـ"أنعمت" بضمٍّ أو كسرٍ .. أبطل صلاةَ مَنْ أمكنه التعلمُ) لأنه ليس بقرآن.
(فإن عجز لسانُه، أو لم يَمْضِ زمنُ إمكانِ تعلمِه، فإن كان في "الفاتحة" .. فكأميٍّ) وقد مرّ حكمه، ومضي زمن إمكان التعلم مُعتبَر -كما قاله البغوي وغيره- من إسلام الكافر، والمسلم الأصلي يعتبر من التمييز فيما يظهر، قاله الإسنوي (1).
(وإلّا) أي: وإن كان في غير الفاتحة ( .. فتصحّ صلاتُه والقدوةُ به) لأن ترك السورة جائز فلا يمنع الاقتداء.
(ولا تصحّ قدوةُ رجلٍ) ولو صبيًا (ولا خنثى) مشكل (بامرأةٍ) لاحتمال ذكورته، وفي الخبر:"لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ أمْرَأَةً"(2)، (ولا خنثى) أي لا تصح قدوةُ رجل بخنثى؛ لاحتمال أنوثة الخنثى، ولا خنثى بخنثى؛ لاحتمال ذكورة المأموم وأنوثة الإمام.
(1) المهمات (3/ 309).
(2)
أخرجه البخاري (4425) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ، وَلِلْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ. وَالأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ. وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ، وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. وَلَوْ بَانَ إِمَامُهُ أمْرَأَة، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ: أَوْ مُخْفِيًا
===
(وتصح للمتوضئِ بالمتيمم) الذي لا يجب عليه القضاء؛ لأنه قد أتى عن طهارته ببدل (وبماسحِ الخفّ) لأنها مغنية عن القضاء.
(وللقائم بالقاعد) لأنه صلى الله عليه وسلم صلّى قاعدًا، والناس وراءه قيام، قبل موته بيوم (1)، (والمضطجعِ) أي: ويصح أيضًا اقتداء القائم بالمضطجع ولو كان موميًا؛ كما صرح به المتولّي؛ قياسًا على القائم بالقاعد.
(وللكاملِ) وهو البالغ الحرّ (بالصبي) المميز؛ لأن عمرو بن سَلِمة كان يؤم قومه على عهده صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع، رواه البخاري (2)، (والعبدِ) لأن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبدها، رواه البخاري أيضًا (3).
(والأعمى والبصيرُ سواءٌ على النص) لأن الأعمى أخشع، والبصير عن النجاسات أحفظ، وقيل: إن الأعمى أولى؛ مراعاةً للمعنى الأول، وقيل: البصير أولى؛ للمعنى الثاني.
(والأصح: صحةُ قدوةِ السليم بالسلِس، والطاهرِ (4) بالمستحاضة غيرِ المتحيرة) ونحوهما؛ كمن به جرحٌ سائل؛ قياسًا على المستجمر، وعلى من على ثوبه نجاسةٌ معفوّ عنها، والثاني: المنع؛ لحملهما النجاسة، وإنما صححنا صلاتهما للضرورة، ولا ضرورة إلى الاقتداء بهما، أما المتحيرة: فلا يصح الاقتداء بها ولو كان المقتدي بها مثلها على الأصحِّ في "الروضة" في (كتاب الحيض)(5)
(ولو بان إمامه امرأة، أو كافرًا معلنًا) كذمي، (قيل: أو مُخفيًا) كزنديق
(1) أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
صحيح البخاري (4302).
(3)
في الأذان، باب: إمامة العبد والمولى، تعليقًا.
(4)
في (د): (والطاهرة).
(5)
روضة الطالبين (1/ 159 - 160).
وَجَبَتِ الإِعَادَةُ، لَا جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوِ اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا .. لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ فِي الأَظْهَرِ. وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنَ الْفَاسِقِ
===
( .. وجبت الإعادة) لأن على الأنوثة والكافر المعلن أمارةً؛ مِن لبس المرأة وصوتها وصورتها، والكافر يمتاز بالغيار ونحوه، فهو مقصر بترك البحث، بخلاف مخفي الكفر؛ فإنه لا اطلاع عليه، ووجه وجوب الإعادة فيه: عدم أهليته للإمامة.
(لا جنبًا، وذا نجاسةٍ خفيةٍ) إذ لا أمارة عليهما فلا تقصير من المقتدي بهما، وهذا في غير الجمعة، أما فيها: فسيأتي الكلام فيها في بابهما.
وقضية كلامه: وجوب الإعادة في الظاهرة قال الإسنوي: لكن الصحيح المشهور -كما اقتضاه كلام "الروضة" و"شرح المهذب"-: هو القطع بعدم الوجوب، وقد صرح به في "التحقيق"(1).
(قلت: الأصح المنصوص وقول الجمهور: أن مُخْفِيَ الكفر هنا كمعلنه، والله أعلم) بناء على أن العلة الصحيحة عدم أهليته للإمامة، بخلاف المؤمن المحدث؛ فإنه من أهلها في الجملة، قال في "الروضة": ومع ذلك فالأقوى دليلًا: أن القضاء لا يجب (2).
(والأمي كالمرأة في الأصح) فيعيد إذا بان أميًا، والجامع: النقص، والثاني: أنه كالجنب، وفرق الأول؛ بأن فقدان القراءة نقص، بخلاف الجنابة.
(ولو اقتدى بخنثى) في ظنه (فبان رجلًا .. لم يَسقط القضاءُ في الأظهر) لتردد المأموم في صحة صلاته فلا تكون النيةُ جازمةً، والثاني: يسقط اعتبارًا بما في نفس الأمر.
(والعدل أولى) بالإمامة (من الفاسق) وإن اختص الفاسق بزيادة فقهٍ وسائر الصفات؛ لأنه لا يوثق به في محافظة الشروط.
(1) المهمات (3/ 314).
(2)
روضة الطالبين (1/ 352).
وَالأَصَحُّ: أَنَّ الأَفْقَهَ أَوْلَى مِنَ الأَقْرَأ وَالأَوْرَعِ
===
(والأصح: أن الأفقه) وإن لم يحفظ قرآنًا غيرَ الفاتحة (أولى من الأقرأ) وإن حفظ جميع القرآن وهو قليلُ الفقه؛ لأن حاجة الصلاة إلى الفقه أهمُّ؛ لكون الواجب من القرآن محصورًا، والحوادثُ في الصلاة لا تنحصر، والثاني: أنهما سواء؛ لتقابل الفضيلتين، والثالث: أن الأقرأ أولى؛ لحديث: "إِذَا كَانُوا ثَلَاثةً .. فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ" رواه مسلم (1).
وأجاب عنه الشافعي: بأن الصدر الأول كانوا يتفهمون معنى الآية، ويتفقهون فيها قبل حفظها (2)، فلا يوجد منهم قارئ إلا وهو فقيهٌ، وحينئذٍ فالحديث يدلّ على تقديم قارئ فقيهٍ على فقيه ليس بقارئ، ولا نزاع في ذلك.
ويستثنى: ما إذا اجتمع عبد فقيه وحرٌّ غير فقيه، فإن الأصحَّ في "شرح المهذب": أنهما سواء (3)، لكن صحح فيه وفي "الروضة" في (صلاة الجنازة) تقديم الحرّ (4)، ولا يظهر فرق بين البابين، ويستثثى أيضًا الصبي، فإن البالغ أولى منه وإن كان الصبي أفقهَ.
(والأورع) أي: والأصحُّ: أن الأفقه أولى من الأورع؛ لأن حاجة الصلاة إلى الفقه أهمّ كما مرّ، والثاني: عكسه، إذ مقصود الصلاة هو الخشوع، والخضوع، والتدبر، ورجاء إجابة الدعاء، والأورع أقرب إلى ذلك، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وكذا يقدم الأقرأ على الأورع؛ كما في "الروضة" عن الجمهور (5).
والورع: هو مجتنب الشهوات المشتهر بالعبادة، كما قاله في "التحقيق" و"شرح المهذب"(6).
(1) صحيح مسلم (672) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
الأم (2/ 300).
(3)
المجموع (4/ 248).
(4)
المجموع (5/ 174)، روضة الطالبين (2/ 122).
(5)
روضة الطالبين (1/ 355).
(6)
التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 244).
وَيُقَدَّمُ الأَفْقَهُ وَالأَقْرَأُ عَلَى الأَسَنِّ النَّسِيبِ، وَالْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ الأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ. فَإِنِ اسْتَوَيَا .. فَنَظَافَةُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَحُسْنُ الصَّوْتِ، وَطِيبُ الصَّنْعَةِ وَنَحْوُهَا
===
(ويُقدَّم الأفقهُ والأقرأ على الأسن النسيبِ)(1) لأن الفقه والقراءة مختصان بالصلاة؛ لأن القراءة من شروطها، والفقهَ لمعرفة أحكامها، وباقي الصفات لا تختص بالصلاة، والعبرة بسنّ مضى في الإسلام، فيقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم اليوم أو أمس.
(والجديد: تقديم الأسن على النسيب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ .. فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" متفق عليه (2)، والقديم: عكسه؛ للحديث المرسل: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا"(3).
وقيس على قريش: كل نسب فيه شرف، وكل ما يعتبر في كفاءة النكاح يعتبر ههنا، وأهمل الهجرة تبعًا لطائفة، لانقطاعها اليوم، وهي معتبرة، ويقدم بها على السن والنسب على الأصحِّ في "التحقيق"، والمختار في "شرح المهذب"(4).
(فإن استويا) في الصفات المعتبرة في التقديم (. .فنظافة الثوب والبدن) عن الأوساخ.
(وحُسْنُ الصوت، وطيبُ الصَّنعةِ ونحوُها) من الفضائل؛ لأنها تفضي إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع، فيقدم بالنظافة، ثم بحسن الصوت، ثم بحسن الصورة؛ كما حكاه الرافعي عن "التتمة" وأقره (5)، وجزم به، في "الشرح الصغير"، واختار في "شرح المهذب" تقديم أحسنهم ذكرًا، ثم صوتًا، ثم هيئة (6)، فإذا استويا في جميع الصفات المعتبرة .. أقرع، والمراد بطيب الصنعة: الكسب الفاضل.
(1) في (ب) و (د): (على الأسن والنسيب).
(2)
صحيح البخاري (6008)، صحيح مسلم (674) عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الشافعي في "مسنده"(1016) عن ابن شهاب أنه بلغه، وأخرج نحوه البيهقي (3/ 121) عن الزهري عن ابن أبي حثمة.
(4)
التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 245).
(5)
الشرح الكبير (2/ 170).
(6)
المجموع (4/ 245).
وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ وَنَحْوِهِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا .. فَلَهُ التقدِيمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ، لَا مُكَاتبَهِ فِي مِلْكِهِ. وَالأَصَحُّ: تقدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي، وَالْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنَ الأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ.
===
(ومستحق المنفعة بملك) للعين (ونحوِه) كإجارة ووقف ووصية (أولى) إذا كان أهلًا للإمامة وإن كان غيرهُ أكملَ منه؛ لحديث: "وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِى سُلْطَانِهِ" رواه مسلم (1).
(فإن لم يكن أهلًا) لإمامة الحاضرين؛ كامرأة أو خنثى، أو للصلاة مطلقًا؛ كالكافر ( .. فله التقديم) استحبابًا؛ كما نقله في "شرح مسلم"؛ لأنه تصرف في ملكه (2).
(ويُقدَّم على عبده الساكنِ) لأن العبد والدار له (لا مكاتبِه في ملكه) أي: ملك المكاتب؛ لأنه مالك ساكن في ملكه.
(والأصح: تقديم المكتري على المكري) لأنه المستحق للمنفعة، والثاني: يقدم المكري؛ لأنه المالك للرقبة، وملك الرقبة أقوى من ملك المنفعة.
(والمعيرِ على المستعير) لملكه الرقبة واستحقاقه الرجوع في المنفعة، والثاني: المستعير؛ لأن السكن له في الحال.
(والوالي في محل ولايته أولى من الأفقه والمالك) لحديث: "وَلَا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ".
ويراعى في الولاة تفاوت الدرجة، فالإمام الأعظم أولى، ثم الأعلى فالأعلى، وباني المسجد ليس أحقَّ بالإمامة والتأذين فيه، بل هو وغيره سواء، خلافًا لأبي حنيفة.
* * *
(1) صحيح مسلم (673) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
(2)
شرح صحيح مسلم (5/ 173).