المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ١

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌كلمة الشكر

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌تصدره للتدريس

- ‌ذكر بعض المدارس في عصره

- ‌تلامذته

- ‌وصفه وملبسه

- ‌بعض مناقبه

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌رثاؤه

- ‌اسمه ونسبه وشهرته ومذهبه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌طلبه للعلم والرحلة في ذلك

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌ملامح عن منهج الإمام ابن قاضي شهبة في الكتاب

- ‌المكتبة السليمانية، وقصَّة المحقِّق مع الكتاب

- ‌وصف النُّسَخ الخطيَّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌[خُطْبَة الشَّرح]

- ‌[خُطْبَة المَتن]

- ‌كتابُ الطّهارة

- ‌بابُ أسباب الحَدَث

- ‌فَصْلٌ [في آداب الخلاء]

- ‌بابُ الوضوء

- ‌بابُ مسح الخُفِّ

- ‌بابُ الغَسْل

- ‌بابُ النَّجاسة

- ‌بابُ التَّيَمُّم

- ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌فصل [فيما تراه المرأة من الدماء]

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌فصل [فيمن تجب عليه الصلاة]

- ‌فصل [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصل [في بيان القبلة وما يتبعها]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌بابٌ [شروط الصلاة]

- ‌فَصْلٌ [في ذكر بعض مبطلات الصلاة]

- ‌بابٌ [سجودُ السَّهْو]

- ‌بابٌ في سجود التّلاوة والشّكر

- ‌بابٌ [في صلاة النّفل]

- ‌كتاب صلاة الجماعة

- ‌فصلٌ [في صفات الأئمة]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة ومكروهاتها وكثير من آدابها]

- ‌فصلٌ [في بعض شروط القدوة أيضًا]

- ‌فصلٌ [في متابعة الإمام]

- ‌فَصْلٌ [في زوال القدوة وإيجادها]

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصر وتوابعها]

- ‌فَصْلٌ [في الجمع ببن الصلاتين]

- ‌بابٌ صلاة الجمعة

- ‌فَصْلٌ [في الأغسال المستحبة في الجمعة وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في بيان ما يحصل به إدراك الجمعة]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌فصلٌ [فيما يجوز لبسه وما لا يجوز]

- ‌بابُ صلاة العيدين

- ‌فصلٌ [في التكبير المرسل والمقيد]

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌بابٌ [في حكم تارك الصلاة]

- ‌كتاب الجنائِز

- ‌فصل [في تكفين الميت]

- ‌فصلٌ [في الصلاة على الميت]

- ‌فرعٌ [في بيان الأولى بالصلاة]

- ‌فصلٌ [في دفن الميت]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌فصلٌ [في بيان كيفية الإخراج]

- ‌باب زكاة النبات

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرِّكاز والتجارة

- ‌فصْلٌ [في أحكام زكاة التجارة]

- ‌بابُ زكاة الفِطر

- ‌باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

- ‌فَصْلٌ [في أداء الزكاة]

- ‌فصلٌ [في تعجيل الزكاة]

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فَصْلٌ [في أركان الصوم]

- ‌فَصْلٌ [في شرط الصوم]

- ‌فصْلٌ [شرط صحة الصوم من حيث الفاعل والوقت]

- ‌فَصْلٌ [في شروط وجوب صوم رمضان]

- ‌فَصْلٌ [في فدية الصوم الواجب]

- ‌فَصْلٌ [في موجب كفارة الصوم]

- ‌باب صوم التَّطوُّع

- ‌كتابُ الاعتكاف

- ‌فَصْلٌ [في حكم الاعتكاف المنذور]

- ‌(كتاب الحج)

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فَصْلٌ [في ركن الإحرام]

- ‌بابُ دخول مكة

- ‌فصلٌ [فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن]

- ‌فصلٌ [فيما يختم به الطواف]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بالمزدلفة والدفع منها]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [في بيان أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

الفصل: ‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

ثَانٍ وَلَمْ يُحْدِثْ .. لَمْ يُعِدِ الْجُنُبُ غُسْلًا، وَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفَانِ، وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ. قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

‌فصل [في شروط التيمم وكيفيته]

يَتيمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ

===

ثانٍ، ولم يُحدث) ولم يبطل تيممه بشيء من مبطلات التيمم (لم يُعد الجنبُ غُسلًا) لأن التيمم طهارةٌ مستقلةٌ في الجملة، فلا يلزم بارتفاع حكمِها انتقاضُ طهارةٍ أخرى.

وإن كان بعضًا منها في هذه الصورةِ؛ كما لو اغتسل الجنب ثم أحدث .. يلزمه الوضوء ولا ينتقض غُسله وإن كان أعضاءُ الوضوء بعضَ المغسول في الجنابة؛ لأن الوضوءَ عبادةٌ مستقلةٌ في الجملة.

(ويُعيد المحدثُ ما بعد عليله) مراعاةً للترتيب، (وقيل: يَستأنفان) أي: الجنب الغُسلَ، والمحدثُ الوضوءَ؛ لأنها طهارةٌ مركبةٌ من أصل وبدلٍ، فإذا بطل البدلُ .. بطل الأصلُ؛ كنزع الخف، (وقيل: المحدث كجنب) فلا يعيد غَسل ما بعد عليلِه؛ لأن طهارةَ العليل باقيةٌ بدليل جواز التنفل، وإنما وجب إعادة تيممه؛ لضعفه عن أداء الفرض.

(قلت: هذا الثالث أصح، والله أعلم) ونقله في "زيادة الروضة" عن المحققين، وفي "شرح المهذب" عن الأكثرين (1).

وخرج بقوله: (ولم يحدث) ما إذا أحدث .. فإنه يعيد جميعَ ما مَرَّ، قال في "شرح المهذب": فلو أجنب صاحبُ الجبيرة .. اغتسل وتيمم، ولا يجب نزعُها، بخلاف الخف (2)، والفرق: أن في إيجاب النزعِ هنا مشقةً.

* * *

(فصل: يتيمم بكلِّ) ما صَدَقَ عليه اسمُ (ترابٍ) لقوله تعالى: {صَعِيدًا} ، قال ابن عباس: هو التراب، (طاهرٍ) فلا يجوز بنجس؛ كالماء؛ لقوله تعالى:{طَيِّبًا}

(1) روضة الطالبين (1/ 107)، المجموع (2/ 315).

(2)

المجموع (2/ 346).

ص: 173

حَتَّى مَا يُدَاوَى بهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ، لَا بِمَعْدِنٍ وَسُحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ - وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ .. جَازَ - وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ: مَا بَقِيَ بِعِضْوِهِ، وَكَذَا مَا تنَاثَرَ فِي الأَصَحِّ

===

قال ابن عمر وابن عباس: هو الطاهر (1)، (حتى ما يُداوَى به) كالأرمني، وكذا ما يؤكل سفهًا، وهو الخراساني، لوقوع اسم التراب عليه، ولا بد أن يكون له غبارٌ يَعْلَقُ بالعضو؛ لقوله تعالى:{مِنْهُ} ، فاقتضى أن يكون المسح ببعضه، (وبرملٍ فيه غبارٌ) منه، حتى لو سُحِق الرمل وتيمم به .. جاز؛ كما قاله المصنف في "فتاويه" لأنه من طبقات الأرض، والتراب جنسٌ له (2).

(لا بمعدنٍ) كنفط (وسُحاقةِ خزفٍ) وهو ما يتخذ من الطين ويشوى؛ كالكِيزَانِ؛ لأنه لا يسمّى ترابًا، (ومختلطٍ بدقيقٍ ونحوِه) كجِصّ، وزَعْفَران؛ لمنعه وصولَ الترابِ للعضو، (وقيل: إن قلَّ الخليطُ .. جاز) كالماء.

وفرق الأول: بأن الماءَ لطيفٌ، فلا يمنعه غيرُه من وصوله إلى البشرة، بخلاف التراب؛ فإنه كثيفٌ يمنعه غيرُه من إيصاله إلى البشرة.

(ولا بمستعملٍ على الصحيح) كالماء، والثاني: يجوز؛ لأنه لا يَرفع الحدث، فلا يتأثر بالاستعمال، بخلاف الماء، كذا علّله الرافعي (3).

وقضيته: إلحاق الماءِ الذي استعمله دائمُ الحدث بالتراب؛ لأن حدثَه لا يرتفع على الصحيح.

(وهو) أي: المستعمل (ما بقي بعضوه) بعد المسح به، (وكذا ما تَناثر) بعدما أصاب العضو (في الأصح) كالمتقاطر من الماء، والثاني: لا؛ لأن الترابَ كثيفٌ إذا علق منه شيء بالمحل .. منع غيرَه أن يلتصق به، وإذا لم يلتصق به .. فلا يؤثر، بخلاف الماء، فإنه رقيقٌ يلاقي المحلّ بجميعه.

وعلم من كلام المصنف: أنه يجوز أن يتيمم الجماعةُ، أو الواحد مرات كثيرةً من

(1) انظر "تفسير ابن كثير"(1/ 504 - 505).

(2)

فتاوى الإمام النووي (ص 30).

(3)

الشرح الكبير (1/ 233).

ص: 174

ويُشْتَرَطُ قَصْدُهُ، فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ وَنَوَى .. لَمْ يُجْزِ، وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ .. جَازَ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ. وَأَرْكَانُهُ: نَقْلُ التُّرَابِ، فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إِلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ .. كَفَى فِي الأَصَحِّ

===

ترابٍ يسيرٍ في خرقة ونحوِها؛ كما يجوز الوضوءُ مراتٍ من إناءٍ واحدٍ.

(ويُشترط قصدُه) أي: التراب؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} اقصدوا.

(فلو سفته ريح عليه فردده) على العضو (ونوى .. لم يُجز) لأنه لم يقصد الترابَ، وإنما هو أتاه.

(ولو يُمِّم بإذنه .. جاز) كالوضوء، بل يجب عند العذر، ولا بدّ من نية الإذن، فلو يَمَّمه بلا إذن ونوى .. كان كتعرضه للريح، ذكره في "شرح المهذب"(1)، (وقيل: يشترط عذرٌ) لأنه لم يقصد الترابَ، وأجاب الأول: بإقامة فعلِ نائبِه مقامَ فعله.

(وأركانه) خمسةٌ كما في "الكتاب"، وعدها في "أصل الروضة" سبعةً، فزاد الترابَ، وقصدَه، وذكر الرافعي في آخر الكلام على الأركان أن إسقاطَهما أولى؛ لأن الترابَ كالماء في الوضوء، ولم يَعدُّوه ركنًا، وأما القصد .. فلدخوله في النقل؛ فإنه إذا نَقل الترابَ على الوجه المشروطِ وقد نوى .. كان قاصدًا بلا شك (2).

(نفلُ التراب) فلو كان على العضو ترابٌ، فردده عليه من جانبٍ إلى جانب .. لم يكف؛ لأن القصدَ شرط كما مرّ، وإنما يكون قاصدًا إذا نقل الترابَ، قال الرافعي: وغير هذا الاستدلال أوضح منه (3).

(فلو نَقل من وجهٍ إلى يدٍ أو عكس) أي: نقل من يد إلى وجه ( .. كفى في الأصح) لوجود مسمّى النقل، والثاني: لا يكفي؛ لأنه منقولٌ من محلّ الفرض، فأشبه ما لو نقل من أعلى الوجه إلى أسفله، فعلى الأول: لو نقل من إحدى اليدين إلى الأخرى .. ففيه وجهان في "الكفاية": وجه المنع: أن اليدين كعضو واحد (4).

(1) المجموع (2/ 265).

(2)

روضة الطالبين (1/ 108 - 113)، الشرح الكبير (1/ 245).

(3)

الشرح الكبير (1/ 235).

(4)

كفاية النبيه (2/ 26).

ص: 175

وَنيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، لَا رَفع الْحَدَثِ، وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ .. لَمْ يَكْفِ فِي الأَصَحِّ، وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إِلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا .. أُبِيحَا،

===

وصورةُ النقل من الوجه إلى اليدين: أن يَزول الترابُ الذي مسح به وجهَه، ويَحدُث عليه ترابٌ آخر، وإلّا .. كان المنقولُ مستعملًا لا يُجزئ على الصحيح.

(ونيةُ استباحة الصلاة) ونحوها مما يفتقر استباحته إلى طهر؛ كطواف وحمل مصحف؛ لما مرّ في الوضوء، [والكلام في صحة التيمم من حيث الجملة، أما ما يستبيح به .. فسيأتي](1)، (لا رفعِ الحدث) لأنه لو رفعه .. لما بطل بغيره وهو وجود الماء.

(ولو نوى فرض التيمم .. لم يَكف في الأصح) لأنه ليس مقصودًا في نفسه، وإنما يؤتى به للضرورة فلا يصلح مقصدًا، ولهذا لا يستحب تجديدُه، بخلاف الوضوء، والثاني: يكفي؛ كالوضوء.

(ويجب قرنُها) أي: النية (بالنقل) إلى الوجه؛ لأنه أول أركانه، حتى لو أخذ التراب فأحدث .. لا يستعمله، بخلاف الماء؛ إذ لا نقل فيه.

(وكذا استدامتها إلى مسح شيءٍ من الوجه على الصحيح) حتى لو عَزَبت قبل مسح شيء منه .. لم يصح؛ لأنه المقصود، وما قبله - وإن كان ركنًا - فليس مقصودًا في نفسه، والثاني: لا يجب ذلك؛ كما لو قارنت أول غسل الوجه في الوضوء وعَزَبت بعده.

وقضية كلامه: طرد الخلاف في مقارنتها النقل ومسح الوجه مع عزوبها بينهما.

قال الإسنوي: لكن في "شرح المفتاح" لأبي خلف الطبري الاكتفاءُ، وهو المتجه (2).

(فإن نوى) بتيممه (فرضًا ونفلًا .. أُبيحا) عملًا بنيته، وعُلم من تنكيره (الفرضَ) عدمُ اشتراط التعيين، وهو الأصح، فلو أطلق .. صلّى أيَّ فرضٍ شاء،

(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).

(2)

المهمات (2/ 323).

ص: 176

أَوْ فَرْضًا .. فَلَهُ النَّفْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ نَفْلًا أَوِ الصَّلَاةَ .. تنَفَّلَ لَا الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ،

===

وإن عَيَّن واحدةً .. جاز أن يصلي غيرَها.

(أو فرضًا .. فله النفل على المذهب) لأنه تبعٌ له، ووجه المنع: أنه لم ينوه.

وقيل: له ذلك بعد الفرض لا قبله؛ لأن التابع لا يقدم، وينبغي حمل إطلاقه الفرضَ على فرض العين؛ لئلّا يرد عليه ما لو نوى بتيممه صلاةَ الجنازة؛ فإن الأصحَّ: أنه كالتيمم للنفل.

(أو) نوى (نفلًا) من الصلو ات (أو الصلاةَ) وأطلق ( .. تنفل، لا الفرضَ على المذهب).

أما في الأولى .. فلأن الفرض أصلٌ والنفلَ تابع، فلا يجعل المتبوع تابعًا، وقيل: يستبيح الفرض قياسًا على الوضوء.

وأما في الثانية .. فقياسًا على ما لو تحرم بالصلاة .. فإنّ صلاتَه تنعقد نفلًا، وقيل: يستبيح الفرض أيضًا؛ لأن الصلاة اسمُ جنس يتناول النوعين، فيستبيحهما؛ كما لو نواهما، قال الإسنوي: وهو متجه؛ لأن المفرد الْمُحلَّى بـ (أل) للعموم عند الشافعي.

[ولو نوى بتيممه حملَ المصحف، أو سجود التلاوة أو الشكرِ، أو نوى الجنب ونحوُه الاعتكاف أو قراءة القرآن، أو الحائضُ استباحة الوطء وصححناه .. فهو كنية النفل حتى يستبيح الناوي ما نواه، ولا يصلي به الفريضة، وكذا لا يصلي النافلة على الأصحِّ في "التحقيق" و"شرح المهذب" (1)؛ لأن النافلة آكد](2).

(ومسحُ وجهه، ثم يديه مع مرفقيه) لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ، ولا بدّ فيهما من التعميم، وليتفطن إلى القدر الذي أقبل من أنفه على شفته، فإنه من الوجه، ويُغفَل عنه كثيرًا.

وما ذكره المصنف من الاستيعاب إلى المرفقين هو الجديد؛ لحديث: "التَّيَمُّمُ

(1) التحقيق (ص 96)، المجموع (2/ 255).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ب) و (د).

ص: 177

وَلَا يَجِبُ إِيصَالُهُ مَنْبِتَ الشَّعرِ الْخَفِيفِ. وَلَا تَرْتيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الأَصَحِّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ .. جَازَ. وَتندَبُ التَّسْمِيَةُ، وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ

===

ضرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" رواه الحاكم مرفوعًا من رواية ابن عمر، وأثنى عليه، لكن قال الدارقطني والبيهقي: الصواب: وقفه على ابن عمر (1)، والقديم: يكفي مسحهما إلى الكوعين، ورجحه في "شرح المهذب"، و"التنقيح" لحديث عمّار بن ياسر، وقال في "الكفاية": إنه الذي يتعين ترجيحُه (2).

ونَبَّه المصنفُ بـ (ثم) على اشتراط الترتيب، وهو كذلك قياسًا على الوضوء، لكن روى البخاري وغيره في بعض روايات حديث عمّار:(أنه ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه)، وهو يقتضي عدم الترتيب (3).

(ولا يجب إيصاله) أي: التراب (منبتَ الشعر الخفيف) بخلاف الوضوء؛ لما فيه من العسر.

(ولا ترتيبَ في نقله في الأصح، فلو ضرب بيديه) التراب دفعة واحدةً (ومسح بيمينه وجهَه، وبيساره يمينَه .. جاز) وكذا لو ضرب اليمين قبل اليسار، ثم مسح بيساره وجهَه، وبيمينه يسارَه؛ لأن الغرض الأصليَّ المسحُ، والنقلُ وسيلةٌ إليه، فلا يُشترط في الوسيلة ما يُشترط في المقصد، والثاني: يشترط؛ كالمسح.

(وتُندب التسميةُ) كالوضوء (ومسحُ وجهِه ويديه بضربتين) لورودهما في الأخبار.

(قلت: الأصح المنصوص: وجوب ضربتين وإن أمكن بضربةٍ بخرقةٍ ونحوِها، والله أعلم) لحديث ابن عمر المارِّ، ولأن الاستيعاب غالبًا لا يتأتّى بدونهما، فأشبه

(1) الحاكم (1/ 179)، سنن الدارقطني (1/ 180)، سنن البيهقي (1/ 207).

(2)

سبق تخريجه في (ص 165)، المجموع (2/ 242)، كفاية النبيه (2/ 38 - 39).

(3)

صحيح البخاري (347).

ص: 178

ويُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ، وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ، وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ؛ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ .. بَطَلَ

===

الأحجارَ الثلاثَ في الاستنجاء، لكن حديث عمّار يدل على الاكتفاء بضربةٍ واحدةٍ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال له:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا"، ثم ضرب بيديه ضربةً واحدةً (1).

(ويُقدم يمينَه وأعلى وجهِه) على أسفله؛ لما مرّ في الوضوء، (ويُخفِّف الغبارَ) بنفخه، ونفضِ اليد إذا كان كثيرًا بحيث لا يبقى إلا قدرُ الحاجة؛ للاتباع (2).

أما مسح التراب من أعضاء التيمم .. فالأحب كما قاله في "الأم": ألّا يفعله حتى يفرغ من الصلاة (3).

(وموالاةُ التيممِ كالوضوء) فيأتي القولان، وإذا اعتبرنا هناك الجفافَ .. اعتبر هنا أيضًا بتقدير التراب ماء، (قلت: وكذا الغسل) أي: موالاته كالوضوء؛ لأن كلًّا منها طهارةٌ عن حدث.

(ويندب تفريق أصابعه أوّلَّا) أي: أول الضرب في الضربتين جميعا؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار، فيكون تعميمُ الوجه بضربةٍ واحدة أسهلَ وأمكنَ.

(ويجب نزع خاتَمه في الثانية، والله أعلم) ليبلغ التراب محلّه، بخلاف الوضوء؛ لأن التراب كثيفٌ، لا يسري إلى ما تحت الخاتم، بخلاف الماء، ولا يجب في الأولى، بل يستحب؛ ليكون مسحُ جميع الوجهِ باليد اتباعًا للسنة.

(ومَن تَيمّم لفقد ماءً فوجده؛ إن لم يكن في صلاة .. بطل) تَيمُّمه وإن ضاق الوقت عن الوضوء بالإجماع؛ كما قاله ابن المنذر (4).

ووجود ثمن الماءِ عند إمكان شرائه كوجود الماء، وتوهُّمُ الماء كوجوده، حتى لو

(1) سبق تخريجه في (ص 165).

(2)

أخرجه البخاري (347) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما.

(3)

الأم (8/ 332).

(4)

الإجماع (ص 36).

ص: 179

إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ، أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بهِ .. بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَسْقَطَهَا .. فَلَا، وَقِيلَ: يَبْطُلُ النَّفْلُ. وَالأَصَحُّ: أَنًّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ،

===

طلع ركبٌ، أو أطبق غيمٌ بقربه أو تخيّل السراب ماءً .. بطل تَيمُّمُه.

ومِن التوهم -كما نقله الرافعي في (كفارة الظهار) عن بعضهم وأقره-: أن يسمع شخصًا يقول: (عندي ماء أودعني إياه فلانٌ)، بخلاف ما لو قال:(أودعني فلان ماء)(1)، وذكر الرافعي هنا: أنه لو سمع من يقول: (أودعني فلان ماء)، وهو حين يسمع يَعرف غيبةَ المودع .. أن ذلك مانع اقترن بوجوده (2).

وقضيته: البطلان إن لم يعرف غيبته، وهو يُخالف ما ذكره في (الظهار).

واحترز بقوله: (لفقد ماء) عمّا إذا تيمّم لمرض ونحوِه .. فإنّه إنما بطل تيَمُّمُه بالقدرة على استعماله، ولا أثر لوجوده.

(إن لم يقترن بمانع؛ كعطش) وسبع؛ لأن وجودَه - والحالة هذه - كالعدم.

(أو في صلاةٍ لا تسقط به) أي: لا يسقط قضاؤها بالتيمم؛ بأن تيمّم في مكان يغلب فيه وجودُ الماء ( .. بطلت على المشهور) إذ لا فائدةَ في الاشتغال بها؛ لأنه لا بدّ من إعادتها، والثاني: لا تبطل؛ محافظة على حرمتها، ويعيدها، وهو وجه لا قول، فكان ينبغي أن يقول: على الصحيح.

(وإن أسقطها .. فلا) تبطل؛ لتلبسه بالمقصود؛ كوجود الْمُكفِّر الرقبةَ بعد شروعه في الصوم.

ويستثنى من إطلاقه: ما لو يُمِّمَ الميتُ لفقد الماء، وصلّي عليه، ثم وجد الماء في أثنائها، أو بعدها .. فإنه يجب غَسله والصلاة عليه؛ كما ذكره البغوي في "فتاويه"، ثم قال: ويحتمل ألّا يجب.

(وقيل: يَبطُل النفلُ) الذي يسقط بالتيمم؛ لقصور حرمته عن حرمة الفرض؛ إذ الفرض يلزم بالشروع، بخلاف النفل، والأصح: المنع كالفرض.

(والأصح: أن قطعَها) أي: الفريضة التي تسقط بالتيمم (ليتوضأ أفضلُ) من

(1) الشرح الكبير (9/ 308).

(2)

الشرح الكبير (1/ 247).

ص: 180

وَأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ، إِلَّا مَنْ نَوَى عَدَدًا فَيُتِمُّهُ. وَلَا يُصَلِّي بِتيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ، وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ،

===

إتمامها بالتيمم؛ خروجًا من خلاف مَن أوجب القطعَ، ولأنه انتقالٌ إلى الأفضل، والثاني: أن الإتمام أفضلُ؛ لأن الخروج فيه إبطالٌ للعمل، وقيل: إن ضاق الوقتُ .. حرم قطعُها، وإلّا .. فلا، كذا حكياه في "الروضة"، و"أصلها" عن الإمام (1).

وقضية كلامهما: أنه وجهٌ ضعيفٌ، لكن قال في "شرح المهذب": وهذا متعيّن، لا أعلم أحدًا يُخالفه، وفي "التحقيق": إن ضاق وقتُها .. حرم قطعُها اتفاقًا (2).

(وأن المتنفل لا يجاوز ركعتين) لأنه الأحب المعهود في النوافل (إلّا من نوى عددًا فيُتمُّه) لأن إحرامَه قد انعقد كذلك، فأشبه المكتوبةَ المقدرةَ.

وكان الأحسن أن يقول؛ (إلّا من نوى شيئًا) ليشمل ما لو أحرم بركعة؛ فإنه لا يزيد عليها.

(ولا يصلّي بتيمم غيرَ فرض) لأن الوضوءَ كان يجب لكلّ فرض، والتيممَ بدلٌ عنه، ثم إنّ إيجاب ذلك نسخَ بالنسبة إلى الوضوء، فبقي التيمم على الأصل، ولا يصح قياسُه عليه؛ لأنه طهارةُ ضرورةٍ، وعدل عن تعبير الرافعي في "الشرح":(ولا يؤدي) إلى قوله: (ولا يصلي) لئلا يرد تمكين المرأةِ الزوجَ، فإنه فرضٌ، ومع ذلك يجمع بين وَطَآت، وبين ذلك وفرض آخر؛ كما صححه في (الحيض) من "شرح المهذب"(3)، لكن في عبارة المصنف قصورٌ، فإنه يمتنع الجمع أيضًا بين طوافين مفروضين، وبين فرض طواف وفرض صلاة، وبين صلاة الجمعة وخطبتها، وعبارة "الشرح" شاملةٌ لذلك (4).

(ويتنفل ما شاء) لأن النوافل لا تنضبط، فيؤدي إيجابُ التيمم لكل صلاةٍ منها إلى

(1) روضة الطالبين (1/ 115)، الشرح الكبير (1/ 249).

(2)

المجموع (2/ 334)، التحقيق (ص 111).

(3)

المجموع (2/ 368).

(4)

الشرح الكبير (1/ 251 - 252).

ص: 181

وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الأَظْهَرِ. وَالأَصَحُّ: صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إِحْدَى ألْخَمْسِ .. كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ. وَإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ .. صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ شَاءَ .. تَيَمَّمَ مَرَّتينِ وَصَلَّى بِالأَوَّلِ أَرْبَعًا وِلَاءً، وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا، ......

===

الترك، أو إلى حرج عظيمٍ.

ويؤخذ من ذلك: أن من صلّى فرضًا بالتيمم .. له إعادتُه به، لأن الفرض الأولى كما سيأتي في موضعه، وبه صرح الْخَفَّاف في "الخصال"، وفرضه في المتيمم المسافر.

(والنذرُ كفرضٍ في الأظهر) للزومه، والثاني: لا، لأنه واجبٌ بعارض، فلا يلحق بالفرض الأصلي.

(والأصح: صحةُ جنائزَ مع فرضٍ) بتيمم؛ لأنها ليست من جنسِ فرائضِ الأعيان، والثاني: لا؛ كما لا يصليها قاعدًا مع القدرة، ولا على الراحلة.

وفرق الأول: بأن ركنَها الأعظمَ القيامُ، فتجويزُها قاعدًا وراكبًا يمحو صورتَها.

(وأن من نَسي إحدى الخمس) ولم يعلم عينَها .. وجب عليه أن يصليَ الخمسَ؛ لتبرأ ذمتُه بيقينٍ، وإذا أراد صلاتهن بالتيمم ( .. كفاه تيممٌ لهن) لأن الفرض واحدٌ، وما عداه وسيلةٌ، وقيل: لكل واحدةٍ تيممٌ؛ لأن الجميعَ واجبٌ.

(وإن نسي مختلفتين) كظهر وعصر ( .. صلّى كلَّ صلاةٍ) من الخمس (بتيمم) فيصلي الخمسَ بخمس تيمّمات، وهذه طريقة ابن القاص.

(وإن شاء .. تيمم مرتين، وصلّى بالأول أربعًا وِلاءً) كالصبح، والظهر، والعصر، والمغرب.

(وبالثاني أربعًا ليس منها التي بدأ بها) كالظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فيخرج عمّا عليه بيقين؛ لأنه صلّى الثلاثةَ المتوسطةَ، وهي الظهر والعصر والمغرب مرّتين بتيمّمين.

فإن كانت الفائتتان في هذه الثلاث .. فقد تأدت كلّ واحدة بتيمّم.

وإن كانت الفائتتان الصبحَ والعشاءَ .. فقد تأدّت الصبحُ بالتيمّم الأول، والعشاءُ بالثاني، وكذا لو كانت إحدى الفائتتين إحدى الثلاث، والأخرى الصبحَ أو العشاءَ،

ص: 182

أَوْ مُتَّفِقَتَيْنِ .. صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ، وَكَذَا النَّفْلُ الْمُؤَقَّتُ فِي الأَصَحِّ

===

وهذه طريقة ابن الحداد.

وقول المصنف: (ولاء) ليس بشرط، بل لو أتى بها متفرقةً .. صح؛ كما يقتضيه كلامُ "الشرح" وغيره، وقال الإسنوي: لا وجه لاشتراط الولاءِ (1)، وفي وجه ضعيفٍ: أنه يلزمه في صورة الكتاب أن يتيمّم مرّتين، ويصلّي بكلّ واحد منهما الصلواتِ الخمسَ.

(أو متفقتين) ولا يعرف عينهما، ولا يكون ذلك إلّا من يومين ( .. صلّى الخمس مرّتين) فيصلّي صبحين، وظهرين، وعصرين، ومغربين، وعشاءين؛ ليخرج عن العهدة بيقين (بتيممين) هذا هو الأصحُّ، وقيل: لابدّ من عشر تيمّماتٍ.

(ولا يتيمّم لفرضٍ قبل وقتِ فعله) لأنه طهرُ ضرورة ولا ضرورةَ قبل الوقت.

وشمل إطلاقُه الفرضَ المنذورةَ المتعلقةَ بوقتٍ معيّنٍ، وبه صرّح المتولّي، قال في "الكفاية": ويظهر تخريجُه على القاعدة المعروفة، وهي: أنه يسلك بالنذر مسلكَ واجبِ الشرع أو جائزِه (2).

وشمل أيضًا صلاةَ الجنازة، ويدخل وقتُها بالغسل، وقيل: بالموت، ووقع في "الشرح الكبير" هنا شيءٌ عجيبٌ، فإنه قسم النافلةَ إلى مؤقتةٍ وغيرِها، ثم جعل من المؤقتة صلاةَ الجنازة، وقضيته: أنها نافلة، ولا قائل به (3).

(وكذا النفل المؤقّت في الأصح) كالفرض، والثاني: يجوز قبل وقته؛ لأن أمره أوسعُ، ولهذا جاز الجمع بين نوافلَ بتيمّمٍ.

واحترز بالمؤقّت: عن النوافل المطلقةِ؛ فإنه يتيمم لها متى شاء، إلّا في أوقات الكراهة في الأصح.

(1) الشرح الكبير (1/ 255)، المهمات (2/ 333).

(2)

كفاية النبيه (2/ 49).

(3)

الشرح الكبير (1/ 260).

ص: 183

وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا .. لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصلِّيَ الْفَرْضَ وَيُعِيدَ. وَيَقْضي الْمُقِيمُ المُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، لَا الْمُسَافِرُ،

===

(ومن لم يجد ماءً ولا ترابًا .. لزمه في الجديد أن يصليَ الفرضَ) لحرمة الوقت؛ كالعاجز عن السترة، وإزالة النجاسة.

(ويعيدَ) إذا قدر على ما يُسقط الفرضَ؛ من ماء أو تراب؛ لأنه عذرٌ نادرٌ لا يدوم، ولا عبرة بوجود التراب بموضعٍ لا يَسقط القضاءُ به، ومقابل الجديد أقوالٌ: أحدها: تجب الصلاة بلا إعادة، والثاني: لا يجب فعلها في الوقت، وإنما يستحب، وتجب الإعادةُ، والثالث: يستحب الفعل بلا إعادة.

واحترز بـ (الفرض): عن النفل، فلا يجوز له التنفل بحالٍ، وكذا مَسُّ المصحف وحملُه، ولا أن يجلسَ في المسجد إن كان حدثُه أكبرَ، ولا يقرأ من عليه حدثٌ أكبرُ غيرَ الفاتحة جزمًا، ولا الفاتحةَ على الأصح عند الرافعي، لكن صحّح المصنف وجوبَ قراءتِها (1).

ولا يلزم الفاقدَ المذكورَ أن يقضيَ في تلك الحالةِ صلاةً تركها بلا عذر، وهل يجوز له ذلك، ثم يقضي إذا قدر على الطهور؛ فيه وجهان حكاهما في "شرح المهذب"، وقال: إن الصوابَ منهما: أنه لا يجوز؛ لعدم الفائدة (2)، والمراد بالإعادة: القضاءُ؛ كما عبّر به في "المحرّر"(3)، لا الاصطلاح الأصولي (4).

(ويَقضي المقيم المتيمم لفقد الماء) لندور الفقد، وعدم دوامه، (لا المسافرُ) وإن قصر سفرُه؛ لعموم الفقد فيه، وإطلاقه المقيمَ والمسافرَ جرى فيه على الغالب في وِجدان الماء في الإقامة، وفقده في السفر، فلو انعكس الحالُ .. انعكس الحكم.

فإذا أقام في مفازة، أو موضع يعدم فيه الماء غالبًا .. لم يعد، ولو دخل المسافرُ في طريقه بلدةً أو قرية، وعدم الماء .. أعاد في الأصحِّ وإن كان حكمُ السفر باقيًا، قال

(1) الشرح الكبير (1/ 263)، المجموع (2/ 185).

(2)

المجموع (2/ 304).

(3)

المحرر (ص 21).

(4)

وهو أن الإعادة حقيقةً: ما وقع في الوقت، والقضاء: ما وقع خارجه. اهـ هامش (أ).

ص: 184

إِلَّا الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ، أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عِضْوٍ وَلَا سَاتِرَ .. فَلَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثيرٌ، وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ .. لَمْ يَقْضِ فِي الأَظْهَرِ إِنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ،

===

الأصحاب: وضابط الإعادة لفقد الماء: إن كان بموضع يندر فيه العدمُ .. أعاد، وإلّا .. فلا، والجمعة لم تدخل في كلام المصنف؛ إذ لا تُقضى، قال الإسنوي:(والمتجه: فعلُها، وقضاءُ الظهر).

(إلّا العاصيَ بسفره) فإنه يقضي (في الأصح) لأن سقوط الفرض به رخصةٌ، فلا تناط بسفر المعصية، والثاني: لا يقضي؛ لأن التيمّم إذا وجب عليه .. صار عزيمةً.

(ومن تيمّم لبرد) وصلّى ( .. قضى في الأظهر) لأن البرد - وإن لم يكن نادرًا، لكن العجز عمّا يُسخن به الماء، وعن ثيابٍ يتدفأ بها .. نادرٌ - لا يدوم إذا وقع، والثاني: لا يقضي؛ إذ لم يأمر عليه الصلاة والسلام عمرًا بالإعادة (1).

ومحل القولين: في السفر، فإن كان حاضرًا .. فالمشهور: القطع بالوجوب.

(أو لمرض يمنع الماء مطلقًا، أو) يمنعه (في عضوٍ ولا ساتر) على ذلك العضو ( .. فلا) قضاء عليه؛ لأنه عذر عامّ، وسواء فيه المقيم والمسافر، والمراد بالمرض هنا: أعمّ من الجرح وغيره.

(إلّا أن يكون بجرحه دمٌ كثيرٌ) بحيث لا يعفى عنه، ويخاف من غسله محذورًا مما مرّ، فيصلي معه ويقضي؛ لأن العجز عن إزالته بماء مسخن ونحوه نادرٌ لا يدوم، والتقييد بالكثير زاده على "المحرّر"، ونبه عليه في "الدقائق"(2).

وما جزم به هنا من القضاء رجح خلافَه في (شروط الصلاة)، فصحح من "زوائده": أن موضع الفصد والحجامة كالبثرات (3)، ومقتضاه: العفو عن الكثير.

(وإن كان ساترٌ) كجبيرة على غير أعضاء التيمّم ( .. لم يقض في الأظهر إن وُضع على طهر) لأنه أولى من مسح الخف؛ للضرورة هنا، والثاني: يقضي؛ لأنه عذرٌ

(1) أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت تعليقًا، وابن حبان (1315)، والحاكم (1/ 177)، وأبو داود (334، 335) موصولًا.

(2)

المحرر (ص 21)، دقائق المنهاج (ص 39).

(3)

روضة الطالبين (1/ 281).

ص: 185

فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ .. وَجَبَ نَزْعُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ .. قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ.

===

نادرٌ غيرُ دائم، فإن كان على محلّ التيمّم .. وجب القضاءُ قطعًا؛ لنقصان البدل والمبدل جميعًا.

(فإن وُضع على حدث .. وجب نزعُه) إن أمكن بلا ضرر؛ لأنه مسح على ساتر، فاشترط فيه الوضع على طهر؛ كالخف، (فإن تعذّر) نزعُهُ ومسح وصلّى ( .. قضى على المشهور) لفوات شرطِ الوضع، والثاني: لا؛ لمكان العذر (1)، بخلاف الخفّ.

* * *

(1) في (ب) و (ج): (لا؛ لإمكان العذر).

ص: 186